معركة أولي البأس

خاص العهد

قممٌ ولا قِيَم
11/11/2023

قممٌ ولا قِيَم

فاطمة سلامة

ما هي فلسفة انعقاد القمم العربية؟ قد تبدو الإجابة عن السؤال بديهية. لكنّ تلك الفلسفة لم تجد طريقها الى الوجود منذ بدأت مؤتمرات القمم العربية في آذار 1945 حتى تاريخنا. في الظاهر، تُعقد القمم على نيّة مصالح الشعوب العربية للتغلب على أزماتها. يتداعى المشاركون كل من دولته في رحلة أشبه بالترفيهية، يجتمعون، يتبادلون أطراف الحديث، يلتقطون الصور التذكارية. تُعقد القمّة، فتُصاغ البيانات، وهنا بيت القصيد. عبارات شجب، استنكار، إدانة، ومواقف ممنوعة من الصرف، لا تقدّم ولا تؤخّر. ينتهي البيان، فيغادر المشاركون مقرّ القمة وكأنّ شيئًا لم يكن، إلا ما ندر.  

وعلى مدى نحو 70 عامًا، عُقدت 62 قمة عربية منها 14 وُصفت بـ"الطارئة"، تُضاف اليها قمّة جديدة تُعقد اليوم السبت على نيّة غزّة. للوهلة الأولى، عندما تتسلّل الى السمع كلمة "طارئة" يخال المرء أنها تُعقد فور حدوث الأمر الطارئ، المنطق يفترض ذلك، وفي اللغة العربية كلمة "طارئ" تعني الحادث فجأة. لكن على الطريقة العربية المتخاذلة، فإنّ "الطارئ" أتى بعد استشهاد أكثر من 11 ألف فلسطيني، جُلهم من الأطفال والنساء. "الطارئ" أتى بعد ارتكاب العدو لأكثر من ألف مجزرة، أتى بعد 36 يومًا. أيام كان يتفرّج فيها الرؤساء والملوك العرب على مشاهد قتل الأطفال وقهرهم وترويعهم دون أن يرُق لهم قلب. ورُبما لولا العيب والحياء لانتظروا القمة العربية العادية الثالثة والثلاثين العام المقبل، في مشهد تخاذل يُعيدنا بالذاكرة سنوات الى الوراء يوم اجتمع العرب على ذبح الشعب السوري. 

والمفارقة الغريبة العجيبة، أنّ بعض الإعلام يُصوّر أصل انعقاد القمة بالإنجاز. جولة سريعة على بعض الصحف الخليجية تبيّن كيف يُمجّد الإعلام التابع والمطبّع هذه القمّة. على سبيل المثال إحدى الصحف عنونت: "القمة العربية الإسلامية الطارئة.. جهود إماراتية لا تتوقف لدعم غزة". صحيفة أخرى كتبت: " القمم العربية.. تاريخ من التعاون المشترك للدفاع عن القضايا والحقوق العربية"... وما الى هنالك من عناوين لا تمت للواقع بصلة.  

اليوم استفاق العرب! 

الوزير السابق عدنان منصور الذي خبِر العقلية العربية في التعاطي مع القمم بعد مشاركته في أكثر من قمة عربية حين كان وزيرًا للخارجية اللبنانية، يتحدّث لـ"العهد" عن التخاذل العربي الفاضح في القضية الفلسطينية. يأسف منصور كيف أنّ العرب استفاقوا اليوم لعقد قمة طارئة بعد 36 يومًا من العدوان على غزة رغم أننا أمام إبادة جماعية وتطهير عرقي لقطاع بأكمله. نحن اليوم أمام جريمة العصر. وفق منصور، المجازر التي ترتكبها "إسرائيل" فاقت كل معقول ضاربة عرض الحائط بالأعراف والقوانين الدولية وحقوق الإنسان. لغاية تاريخ الأمس، يقول منصور، ارتقى 11 ألفًا و78 شهيدًا، منهم 4506 أطفال أي 40 بالمئة، 3021 شهيدة امرأة أي 27 بالمئة، ما يعني أنّ 67  بالمئة من الشهداء هم أطفال ونساء، فضلًا عن استشهاد 198 من الكادرات الصحية، وإصابة 27 ألفًا منهم المشوّه ما يعني وجود آلاف الشهداء الأحياء. كما ارتكب العدو لغاية الأمس 1130 مجزرة. 

المفروض أن تتوالى القمم منذ اليوم الثالث 

يستغرب منصور انعقاد قمة عربية إسلامية في السعودية بعد كل هذه الفترة من المجازر، بينما المفروض أن تتوالى القمم، وتُعقد منذ اليوم الثالث ونكون اليوم أمام مؤتمر قمة عاشر. وفق منصور، استفحل العدو في جرائمه لأنه رأى أن لا أحد يردعه. ثمّة غطاء عربي للمجازر. عندما نرى أن دولًا أوروبية تغض النظر عما يرتكبه العدو من مجازر، وعندما نرى أنّ الولايات المتحدة الأميركية لغاية اليوم لا تطلب وقف إطلاق نار دائمًا، ما الذي ننتظره لنتحرّك كعرب؟. يسأل منصور الذي يقول: "علينا أن ندافع عن أنفسنا كأمة عربية وإسلامية". 

يُرجع منصور التأخر في عقد القمة الى خنوع الموقف العربي، وفشله وهزالته. ثمّة دول عربية اعترفت سابقًا بـ"إسرائيل"، ولا تزال مستمرة بهذا الاعتراف وبهذه العلاقات الدبلوماسية رغم كل ما رأيناه من وحشية. ملك المغرب هو رئيس لجنة القدس ويرى كل هذه المجازر لكنّه لا يتحرّك. العرب لا يزالون يستقبلون الصهاينة حتى تاريخه. أين العربي ليقف بجانب العربي؟ لا كما حصل في الحرب السورية حين اجتمع العرب كلهم بجانب العناصر المسلحة لتدمير سوريا وإسقاط النظام. تلك المجموعات التي تشدّقت بالمبادئ الإسلامية ولا نسمع لها اليوم حسيسًا. 

لا يفلّ الحديد إلّا الحديد

يشدّد منصور على ضرورة أن تخرج القمم العربية عن نسختها السابقة. وفق قناعاته، إذا كانت المقررات غدًا على نسق البيانات السابقة من إدانة واستنكار وما شابه فلن تقدّم أو تؤخّر. "لا يفلّ الحديد إلّا الحديد"، يقول منصور الذي يُشير بالأرقام الى أنّ منظمّة "التعاون الإسلامي" تضم 57 دولة منها 22 دولة عربية. مساحة هذه الدول الجغرافية 33 مليون كم مربع أي ربع مساحة الكرة الأرضية اليابسة، بالإضافة الى ما يمتلكونه من غاز ونفط ومواد يورانيوم وكل المقومات والأسلحة والجيوش. برأيه، هذا العالم العربي والإسلامي بإمكانه اتخاذ القرارت الحاسمة والشجاعة لإلزام دول الغرب و"إسرائيل". 

هذا ما يمكن للعرب أن يفعلوه 

ما نوع القرارات الحاسمة؟ يجيب منصور عن هذا السؤال بالتشديد على ضرورة قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول المطبّعة و"إسرائيل". يجب وقف أي تعاون تجاري أو اقتصادي مع هذا الكيان المحتل. أكثر من ذلك، لا بد من اتخاذ قرارات بحق الشركات الدولية التي تتعامل مع "إسرائيل" ومقاطعتها، وهي إجراءات موجعة لكيان العدو ومن يدعمه. وفق منصور، العالم العربي قادر على تغيير المعادلة لصالح فلسطين، يجب العمل بكل ما أوتينا من قوّة، حتى لو اضطررنا الى وقف النفط عن الدول الداعمة للكيان، يجب أن لا نتأخر. لا يجوز ترك غزة تُذبح أمام العالم كله. سكوت العرب جعل الصهاينة يذهبون بعيدًا في التمادي والجنون، وفي هذا الإطار يصب كلام من يسمى وزير التراث الاسرائيلي عميحاي الياهو الذي طالب بإلقاء قنبلة ذرية على غزة فوق كل الإجرام الذي ارتكبته "إسرائيل". برأي منصور، تجرّؤ هذا الوزير الصهيوني أتى من هزالة الرد العربي، الشعب يذبح ويدمّر ونحن نتفرج، ولولا هذا السكوت لما كانت "إسرائيل" تتمادى الى هذا الحد. لكن للأسف، يقف العربي مع الأجنبي ضد أخيه العربي. وعليه، نحن أمام تحد كبير ولا بد لـ"إسرائيل" أن تنهزم، وإلا فالدومينو سينهار على الجميع في المنطقة. لا بد من مواجهة صارمة حازمة، لا بد من وقف إطلاق النار، فك الحصار عن غزة، توقُّف "العربدة" "الاسرائيلية"، وقف الاعتداءات والاغتيالات. 

وفي الختام، يشدّد منصور على ضرورة أن يخرج القرار الحازم من القمة العربية - الإسلامية، فعلى كل دولة أن تتخذ قرارات حاسمة، نحن نترقب ما اذا كان مؤتمر القمة سيكرّر نفسه كباقي القمم، أم لا. وضع العالم العربي والإسلامي على المحك، ثمّة مليار و600 مليون مسلم إما أن يكونوا عددًا هزيلًا، وإما أن يُثبتوا للعالم أن هذه الأمة لها قضية مركزية هي فلسطين. هذه القضية تتعرّض لخطر الإطاحة بها، وعندما نبقى متفرجين فنحن لا نستحق الحياة ولا نستحق أن نرفع شعارات أو مبادئ.
 

الجرائم

إقرأ المزيد في: خاص العهد