خاص العهد
العلاقات الاقتصادية بين دمشق وبيروت.. عابرة للقمم
فاطمة سلامة
"لامس الوضع الاقتصادي في لبنان حد الانهيار". مقولة لطالما سمعناها في تحليلات الخبراء الاقتصاديين المبنية على أرقام ووقائع. ولطالما شاهدنا ما يُشير اليها في يومياتنا. يكفي أن ننظر في الأحوال المعيشية التي "تُزنّر" حياة المواطنين بالصعوبات، وتضعف قدراتهم الشرائية يوماً بعد يوم، حتى نكون على يقين بأنّ الاقتصاد على المحك، والنمو في الدرك الأسفل. هذا الواقع "المقيت" ليس بعيداً عن أصحاب القرار. بالعكس، هؤلاء "أخبر" الناس به، وإن لم يتذوقوا مرارته التي تبقى حكراً على المواطنين. هذا الواقع يُحاول أصحاب القرار التملص منه أحياناً، وإن بدا جلياً في زلات لسانهم أو في حديث الصالونات. بالنسبة إليهم، لا طائل من إشاعة أجواء الخوف طالما وقعت المصيبة، وبات الاقتصاد في أسوأ أيامه.
بموازاة ذلك، يسعى رئيس الجمهورية ميشال عون سعيه لانتشال الاقتصاد مما هو فيه. طبعاً إنقاذ الاقتصاد لا يتم في ليلة وضحاها، فهناك إرث ثقيل تحمله الدولة، وهو حصيلة سنوات عجاف أوجدها نهج الحكومات المتعاقبة من عام 1990 إلى اليوم. وفي هذا الإطار تبرز استضافة لبنان للقمة العربية الاقتصادية في 19 و20 كانون الثاني/يناير المقبل. تلك القمة التي يُعوّل عليها لجذب الاستثمارات الى الداخل اللبناني واستعادة ثقة الضيوف العرب، يؤخذ عليها استبعادها للحضور السوري، والذي استغربه ورفضه رئيس مجلس النواب نبيه بري قائلاً "أعجب كيف أنهم لا يدعون سوريا، علماً أنّ لبنان وسوريا تربطهما علاقات كاملة!". وهو موقف تلقفته العديد من الجهات بالإشارة الى سلبية استبعاد سوريا، الدولة التي تربطها علاقات جغرافية وتجارية واسعة مع لبنان، الجار الشقيق لها، ما يطرح التساؤلات عن أسباب استبعادها رغم ما تشكّله من أهمية للاقتصاد اللبناني. فماذا يعني استبعاد سوريا من دائرة المدعوين؟.
السفير علي: لا تعليق
السفير السوري علي عبدالكريم علي يرفض في حديث لـ"موقع العهد الإخباري" التعليق على مسألة تغييب سوريا. بالنسبة اليه، فإنّ دمشق لا تسأل نفسها عن هذا الأمر، بل تترك للآخرين واجب التحدث عن ذلك. فسوريا مشغولة وسعيدة بالانتصارات التي تحققها بالشراكة مع كل الذين ساندوها ووقفوا معها لحصد النصر.
خوري: العلاقة الاقتصادية مع سوريا لا تتأثر بأي قمة
بدوره، ينفي وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال رائد خوري في حديث لموقع "العهد" أن يكون لتغييب سوريا عن القمة أية مفاعيل اقتصادية. التبادل التجاري قائم بين البلدين، ولا يُعرقله أي شيء. برأيه، فإنّ الموضوع لا يتخطى حدود السياسة، فهذه القمة مهمة من الناحية السياسية، ولها رمزية خاصة أكثر من كونها محطة للبحث في المشاريع. يُعبّر خوري عن وجهة نظره كوزير للاقتصاد، فيشير الى أنّ مصلحتنا مع سوريا، فهي دولة قريبة ومجاورة للبنان، وهناك مصالح اقتصادية مشتركة تدفعني الى التواصل باستمرار مع السلطة السورية لتفعيل هذا الاقتصاد أكثر فأكثر. إلا أنّ خوري يبرّر استبعاد سوريا ـ في حال جرى تأكيده ـ بأنّه وكما بات معروفاً فإنّ هناك عداوة بين سوريا من جهة ودول الخليج من جهة ثانية، وبالتالي يُحاول لبنان قدر الامكان تأمين جو هادئ للقمة، فمصالحنا مع سوريا تماماً كما مصالحنا مع دول الخليج التي تشكل شرياناً اقتصادياً واستثمارياً، وبالتالي لا نستطيع الخروج عن عباءة الاجماع العربي. وهنا يُكرّر خوري ما قاله سابقاً لناحية أنّ القمة الاقتصادية ذات مفاعيل سياسية، وهي لن تؤثر مطلقاً على استقلالية اقتصادنا، وحقنا المشروع باستمرار التعاون الفعال والدائم مع سوريا، وإذا لم توجه الدعوة للجار السوري، فهذا لن يقدم ولن يؤخّر على الأرض ولا يعني إقفال هذه العلاقة، أو الحد من التواصل اليومي. وهنا تلفت مصادر رئيس الجمهورية للعهد الى أنّ القرار بتوجيه دعوة أو استبعاد سوريا لم يحسم نهائياً بعد.
بو مصلح: سوريا تُشكّل غنى حقيقياً للبنان
ينطلق الخبير الاقتصادي غالب بو مصلح لدى سؤاله عن مفاعيل استبعاد سوريا عن القمة بالإشارة الى أنّ سوريا تُشكّل غنى حقيقياً للبنان، فهي الشريك الأول على الصعيد الاقتصادي شئنا أم أبينا، وهي الدولة الأولى التي تُصدّر وتستورد من لبنان، وبالتالي تدر أموالاً على الأسواق اللبنانية، والعكس صحيح، ما يعني أنّ حضورها في هكذا قمم مهم، لكن من وجهة نظره لن يؤخّر في المعادلة الاقتصادية التي تسير قدماً بين لبنان وسوريا، ولن يعرقل مسار التعاون الاقتصادي القائم بين البلدين. برأيه، فإنّ العلاقات السورية ـ اللبنانية الاقتصادية أعمق من أن تحدها أي توترات سياسية وخلافات بين السياسيين على الصعيد العربي العالمي. يوضح بو مصلح أنّ التبادل التجاري الرسمي يشكّل جزءاً بسيطاً من التبادل التجاري غير الرسمي ضمن سياسة الحدود المفتوحة، والتي لا يستطيع أن يقفلها أحد، وضمن سياسة العلاقات الشعبية المتشابكة الى أقصى الحدود.
يُشدد بو مصلح على أنه سواء حضرت سوريا أم لم تحضر فإنها موجودة بالضرورة، فبالإضافة الى العلاقة مع لبنان، هناك علاقات قوية جداً بين دمشق من جهة والقاهرة والجزائر وتونس من جهة أخرى. وبموازاة هذه العلاقات الجيدة، هناك مشكلة جوهرية في العلاقة بين سوريا ودول الخليج التي "لا تُغنّي من رأسها" ـ حسب تعبير المتحدّث ـ فهناك ضغوطات سياسية أميركية تدفعها الى بث الأجواء التحريضية والتوترات باتجاه سوريا. وهنا يُشير الخبير الاقتصادي الى أنّ المشهد العام يتغيّر، فأميركا على أبواب الانسحاب من سوريا. بوادر الانفتاح العربي مع سوريا بدأت تظهر، وباكورتها كانت في زيارة الرئيس السوداني عمر البشير الى دمشق، والتي لم تكن بقرار سوداني فقط بل عربي ودولي، ما يعني حكماً أن المواقف من سوريا على الصعيدين الاقليمي والدولي بدأت تتغيّر تبعاً لتوقيت التطورات الميدانية، ما يعني أن جميع القوى التي كانت تتحدّث عن قطيعة نهائية مع سوريا بدأت تتراجع. يرسم بو مصلح هذا المشهد ليقول أنه من الآن وحتى موعد انعقاد القمة، هناك فترة شهر تقريباً، وبالتالي لا نستطيع تحديد ما سيحدث، ورغم ذلك يكرّر ما قاله سابقاً لناحية أنّ استبعاد سوريا عن القمة سيستثمره البعض سياسياً فقط لكنه لن يؤثر حكماً على الأرض.