خاص العهد
تطبيعُ آل خليفة يترسّخ أكثر.. "الوفاق" لـ"العهد": الخيانة مستمرّة
لطيفة الحسيني
قد يكون من المُبالغة توقّع إلغاء السلطات الحاكمة في البحرين لاتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني. قد يكون من السذاجة أيضًا تصديق كلّ المواقف الرسمية التي خرجت في الإعلام التي تُردّد لازمة الشعب الفلسطيني الشقيق والثبات على دعم قضيّته. قد يكون من الغباء كذلك القول إن الملك حمد بن عيسى آل خليفة يُراجع حساباته الوطنية على ضوء تداعيات عملية "طوفان الأقصى".
صورةٌ قاتمة تُصرّ السلطة في المنامة على رسمها للواقع في المملكة. بقدر ما هو تعويل، بقدر ما هو تمنٍّ يُلازم أهل البلد لحصول مُتغيّرات إقليمية قد تدفع المشهد في البحرين الى الانفراج، غير أن الأداء الحاكم يستمرّ في المراوحة منذ 12 سنة بلا توقّف. عمّق خيار التطبيع الذي ركنت إليه الحكومة الأزمة أكثر مع الشعب. أحداثُ اليوم تشي بأن أجندة إصلاح قرار الارتماء في الحضن الصهيوني غائبة تمامًا. الملك لم يتّخذ ما يدلّ على ذلك ولم يقترب منه حتى، بل أمعَن في الاصطفاف الى جانب عدوّ الأمة، أدان المقاومة الفلسطينية، أبقى سفارة الاحتلال ولم يُهاجم نهج التدمير والإجرام والعدوان والإبادة والتطهير العرقي الذي يتعرّض له أهل غزة وأطفالها.
بحسب نائب الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامي الشيخ حسين الديهي، ليس واردًا على الإطلاق لدى السلطة إلغاء التطبيع مع العدو، فهو بالنسبة لها خيار استيراتيجي يضمن لها الحفاظ على أمنها واستبدادها.
على الرغم من هذه العقيدة الراسخة لدى حكّام البحرين، يرى الديهي أنه "كان مُتاحًا لها في الحدّ الأدنى الذهاب نحو إجراءات دبلوماسية لحفظ ماء الوجه"، غير أنها "تريد أن تستفيد من مسار التطبيع لتعطيل فرص الحلّ السياسي داخل المملكة".
يجزم الديهي بأن "هناك تعاونًا أمنيًا كبيرًا وتبادلًا للمعلومات الحسّاسة بين "تل أبيب" والمنامة"، لذلك لا يستبعد أن "يقدّم نظام البحرين ومن خلال تمركز الأسطول الأمريكي الخامس في المملكة المساعدة المطلوبة منه للمشاركة في الدعم الأمني والعسكري للكيان المحتلّ في استهداف بعض مواقع القوى الداعمة لفلسطين".
موقع "العهد" الإخباري أجرى مقابلة مع نائب الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامي الشيخ حسين الديهي، وفيما يلي نصّها:
1- بعد معركة طوفان الأقصى، سارعت السلطة في البحرين إلى إدانة عملية المقاومة، ثمّ بعد أيام قليلة أطلقت موقفًا مُتناقضًا عبر الوقوف الى جانب القضية الفلسطينية، وبعدها أطلقت حملة لإغاثة أهل غزة، ورأينا لاحقًا الملك يدعو لأطفال غزة، هذا الأداء المُتناقض على ماذا يدلّ؟
حكومة البحرين لم تتّخذ موقفًا مُشرّفًا ممّا يجري في غزة اليوم من إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، بل عبّرت من خلال أكثر من موقف على انحيازها لكيان الاحتلال الإسرائيلي وتجريمها للنضال الفلسطيني المشروع، ومُطالبتها لـ"حماس" كما هو حال بيانها الصادر في 9 تشرين الأول/أكتوبر بإيقاف ما سمّته التصعيد الخطير الذي يُهدّد حياة المدنيين في الكيان المحتل. حكومة البحرين لم تخجل ولم تستحِ من إبداء تعاطفها مع الكيان الصهيوني فذهبت للبعيد في تصريح وزير خارجيتها مؤخّرًا حول مطالبته بأن تكون لـ"إسرائيل" دولة آمنة وللفلسطينيين دولة قابلة للحياة، ممّا يعكس منهجية التفكير عند النظام البحريني المُرتمي في أحضان الكيان والمنفصل عن إرادة الشعب الذي لا يرى في الكيان سوى وجود مؤقت ولقيط يجب أن يُزال. أمّا بالنسبة لمشاهد حملة الإغاثة وغيرها من المشاهد الفلوكلورية التي عرضت على وسائل الإعلام ما هي إلّا ضمن حملة النفاق التي اعتاد على مُمارستها النظام لذرّ الرماد في العيون، ولا يعلم أساسًا أين تذهب هذه الأموال التي تُجمع من جيوب الناس والتجّار والمؤسّسات وليس الدولة التي لا تتبرّع من جيبها الخاص، ولا أستبعد ألّا تصل تلك الأموال للضحايا في غزة.
2- الدولة لم تُعلن طرد سفير الاحتلال في المنامة على الرغم من كلّ المُطالبات الشعبية، بل سَحَب الكيان الصهيوني بنفسه سفيره، لماذا لم تذهب الدولة الى هذا الخيار أيْ طرد السفير أو تجميد اتفاقية التطبيع كما فعلت السعودية في محادثاتها مع "اسرائيل"؟
البحرين ومن خلال تطبيعها مع الكيان الصهيوني تسعى لخلق توازن يُخفّف من مخاوفها من بعض جيرانها الداعمين للقضية الفلسطينية كالجمهورية الإسلامية في إيران، فتظنّ مُخطئة في حساباتها أنَّ تطبيعها مع الكيان الصهيوني يخلق هذا التوازن الرادع لإيران، أمّا الجديد في الموقف فهو مُساندتها لموقف كيان الاحتلال في حربه بغزة، ولذلك لم تتخذ أيّ موقف جادّ على الصعيد الرسمي من شأنه أن يُعبّر عن دعم الفلسطينيين، على الرغم من أنَّه كان مُتاحًا لها في الحدّ الأدنى الذهاب بإجراءات دبلوماسية لحفظ ماء الوجه، مع تأكيدنا أن موقفنا وموقف الشعب البحريني هو طرد سفير كيان الاحتلال وإنهاء التطبيع.
3- هل السلطة تُريد برأيكم التراجع عن خيار التطبيع أمْ هي متمسّكة به؟ وهل ستُراجع حساباتها بعد كلّ الأحداث الجارية في فلسطين والإقليم؟
إطلاقًا ليس واردًا لدى السلطة في البحرين التراجع عن خيانة التطبيع، فهي تعتبر أنه خيار استيراتيحي للحفاظ على أمنها وسلطتها واستبدادها، لكنه رهانٌ فاشل وتعويلٌ على كيان زائل وسيزول معه كل رعاته والمدافعون عنه.
4- هل ترون أن مشروع التطبيع يُجمّد كلّ الحلول السياسية الداخلية في البحرين؟
كانت السلطة تريد أن تستفيد من مسار التطبيع لتعطيل فرص الحلّ السياسي، لكن ما حدث بعد "طوفان الأقصى" أسقط الكثير من الحسابات، وأعتقد بأنَّ مستقبل التغيير السياسي الذي يرتضيه الشعب في البحرين هو أمرٌ محتوم، على الرغم من سعي النظام للاستفادة من علاقته مع الكيان للاستقواء على الشعب على الصُعد المُختلفة، سواء الخبرات الأمنية أو الدعم السياسي، إلّا أن كل ذلك مآله الفشل. نحن هنا نتحدث عن تعاون أمني كبير وتبادل للمعلومات الحسّاسة بين الكيان والبحرين فيما يتعلق بالواقع البحريني.
5- كيف تُقيّمون المواقف التي شهدها مجلس النواب من رئيسه الى أعضائه إزاء العدوان على غزة؟
ما زلنا نعتبر أنَّ وجود هذا البرلمان بصورته الحالية في ظلّ غياب ممثّلي الشعب الحقيقيين هو مجرّد عمل مُمسرح وهزليّ، كما لا يمكن توقّع الكثير من هذا البرلمان الذي لا يملك صلاحيات غير بعض الصُراخ والضوضاء المحكوم، فهو لا يملك السلطة لإيقاف النظام عن تطبيعه، كما أنَّ النظام أراد أن يستفيد من الصيغة الحالية للواقع البرلماني في تعزيز التطبيع.
6- رأينا فزعةً شعبية واسعة للتضامن مع الشعب الفلسطيني ومن كلّ الأطياف والتيّارات، لماذا لم نرَ تضييقًا على هذه الفعاليات والتحرّكات مع العلم أننا رأينا تقييدًا للمظاهرات في الجامعات واستدعاءات على خلفية المُشاركة في بعض المسيرات؟
النظام البحريني مضطرّ في بعض الأوقات أن يغضّ الطرف عن مسيرة هنا أو اعتصام هناك في بعض المناطق خشية المواجهة وسقوط الضحايا التي لا يرغب فيها في الوقت الحالي لحسابات سياسية خاصّة. الحقيقة أنَّه غير مُتاح للبحرينيين التعبير كما يريدون من دون قيود. مع العلم أن كثيرًا من التظاهرات غير مرخّصة، كما أنَّ محاولة البحرينيين للتظاهر قرب السفارة الأمريكية تتسبّب بتعرضهم للقمع، بالإضافة إلى استدعاء الكثيرين من المُشاركين في التظاهرات للتحقيق وتعريضهم للمُضايقات الأمنية.
وأُشير هنا إلى أنَّنا لا نستبعد أن يقدّم نظام البحرين ومن خلال تمركز الأسطول الأمريكي الخامس في المملكة المساعدة المطلوبة منه للمشاركة في الدعم الأمني والعسكري للكيان المحتل في استهداف بعض مواقع القوى الداعمة لفلسطين.