معركة أولي البأس

خاص العهد

المقاطعة سلاح
25/10/2023

المقاطعة سلاح

لطيفة الحسيني


تختلف سُبل المواجهة مع الكيان الصهيوني. التأييد الشعبي الجارف لحركات مقاومة الاحتلال بعيدًا عن تخاذل الأنظمة العربية بدأ يأخذ أشكالًا جديدةً من شأنها أن تؤازر النضال العسكري بما يُهشّم الصورة التي عمل عليها الاسرائيليون لسنواتٍ وعقود.

رفضًا لآلة القتل المستمرة في قطاع غزة، نشطت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي تحثّ كلّ من يُناصر المقاومة في فلسطين ولبنان الى مقاطعة الشركات التجارية التي تدعم الاحتلال.

سلاح الشعوب

الاستهلاك والتحكّم به ميدانٌ حاضرٌ في المعركة مع المحتلّ والعدو. الخيار ركنت إليه شعوب سابقة وانتزعت حقوقًا وآلمت دولًا. في الثلاثينيات أطلق الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي حملةً لمقاطعة البضائع والمؤسسات البريطانية في سياق مقاومته لاحتلال المملكة المتحدة الهند. وفي الستينيات، ظهرت حركة مقاطعة واسعة في العالم للبضائع القادمة من جنوب أفريقيا احتجاجًا على سياسة الفصل العنصري، ظلّت مستمرة حتى أوائل التسعينيات. في الستينيات أيضًا، قاطع السكان من ذوي البشرة السمراء في مدينة "مونتغمري" في ولاية ألباما الأميركية شركة النقل المحلية استجابةً لدعوة المناضل الأمريكي مارتن لوثر كينغ، واحتجاجًا على سياسة التمييز العنصري بين السود والبيض داخل الحافلات. كذلك شهدت فرنسا عام 2001 احتجاجًا فاعلًا حين قاطع عدد من المُستهلكين مُنتجات شركة "دانون" بدعوة من شبكة "فولتير"، رفضًا لخطط تسريح للعمال أعلنتها الشركة.

تأثيرٌ فعّال لـBDS

اليوم، تبرز حركة مقاطعة "اسرائيل" المعروفة بـBDS في عددٍ كبيرٍ من دول العالم. القائمون عليها يستهدفون بالدرجة الأولى تطوير حملات فعّالة ضدّ الشركات التي تُشارك في اضطهاد الاحتلال للفلسطينيين، بعد تبيان الصورة الحقيقية لجرائم الإبادة المتواصلة في فلسطين.

بحسب الحركة، تساعد الشركات العالمية وتُساند "تل أبيب" في انتهاكاتها لحقوق الفرد الفلسطيني، من خلال التعاقد مع جيش وحكومة الاحتلال والعمل في المُستعمرات الإسرائيلية.

وقد أدّت حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات إلى إقدام شركات كبرى مثل "فيوليا" (Veolia) و"أورانج" (Orange) وسي آر إتش (CRH) على إنهاء تورّطها في المشاريع الإسرائيلية كليًا، كما أدت إلى سحب مجموعة واسعة من المُستثمرين لاستثماراتهم من الشركات الإسرائيلية، وكذلك من الشركات العالمية المُتواطئة.

الضرر يلحق باقتصاد العدو

تقول الأمم المتحدة في تقرير لها إن حركة مقاطعة "إسرائيل" BDS شكّلت عاملًا رئيسيًا في انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 46% سنة 2014 مقارنة بسنة 2013، فيما أرجع البنك الدولي جزئيًا انخفاض الواردات الفلسطينية من الشركات الإسرائيلية بنسبة 24% إلى حملات المقاطعة.

تقارير صادرة عن الحكومة الصهيونية ومؤسسة "راند" الأمريكية توقّعت أن تكلّف حركة المقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي مليارات الدولارات خلال الأعوام القادمة، ولا سيّما أنه سبق عام 2016 أن انسحبت شركات أوروبية كبرى كـ "فيوليا" و"أورانج" و"سي آر اتش" ( CRH) من السوق الإسرائيلي بعد حملات قويّة ضدّها لتورّطها في انتهاكات العدو. وحينها باعت "فيوليا" استثماراتها الإسرائيلية وأنهت دورها في مشاريع البنية التحتية في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية بعد ضغط ناشطي حملات المقاطعة حول العالم على المجالس المحلية لإلغاء عقودها مع الشركة، والتي فاقت قيمتها 20 مليار دولار. كما أدّى أكثر من عقدٍ من الضغط على  شركة HP بقيادة مجموعات التضامن والكنائس والنقابات والبلديات التقدمية حول العالم، الى إنهاء شركة "هيوليت باكارد إنتربرايز" (HPE) عقدها الذي يوفّر خوادم لحوسبة قاعدة بيانات السكان الإسرائيلية. من ناحيته، أنهى نادي "أوكلاند روتس" الرياضي تعاقده مع شركة "بوما" الألمانية، راعية اتحاد كرة القدم الإسرائيلي، ليكون "أوكلاند روتس" أول نادٍ رياضيّ في الولايات المتحدة يستجيب لنداء أكثر من 200 نادٍ فلسطيني طالبت بمقاطعة شركة "بوما" حتى تُنهي تواطؤها مع جرائم العدو.

 

المقاطعة سلاح


القاعدة الاستهلاكية هاجس الشركات

اليوم تعود المقاطعة الى الواجهة بعد الكوارث الإنسانية التي سبّبها جيش العدو بحقّ آلاف الفلسطينيين، خاصة أن الصورة التي يحرص الاحتلال على تقديمها للغرب ضُربت في الحرب التي يشنّها على الغزيّين ومشهد التضامن مع الفلسطينيين الى اتساع. ما هي الطريقة الفعّالة للمقاطعة التي توجع الصهاينة وشركاتهم؟ وما هي أهمية الضغوطات الشعبية في هذه المعركة؟

عضو حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان الدكتور عبد الملك سكرية يشدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أن "المقاطعة سلاحٌ فعّال بيد الشعوب اذا استخدمته بطريقة جيّدة"، ويقول إن "رأس المال جبان والشركات تهتمّ بالربح والمال وليس بالسياسة، هذه الشركات عندما تشعر بأنها خسرت سوقًا عربية من 400 مليون مُستهلك من أجل 7 ملايين مُستهلك في الكيان الصهيوني، فستضطرّ الى إعادة حساباتها مع العدو لتحافظ على السوق العربي الذي يدرّ عليها أرباحًا بالأضعاف".

ويوضح سكرية أن "المقاطعة في الأسواق العربية ما تزال قوية وتُضاهي في بعض الأحيان الأسواق الأوروبية والغربية"، غير أنه يرى أن "ما يحصل من مجازر بشعة بحقّ الفلسطينيين أمام رأى العالم يُشكّل دافعًا لتفعيل نشاطات حركات المقاطعة في العالم لتُنشر هذه الثقافة على نحو واسع".

أشكال دعم العدو اقتصاديًا

ويُبيّن سكرية لـ"العهد" نوعيْن من الدعم الاقتصادي للعدو:
 
- شركات عالمية تُموّل بشكل مباشر وتضخّ أموالًا لبناء مصانع داخل الكيان الصهيوني وتوظّف عمّالًا اسرائيلية وتُشجّع على الاستثمار في الأراضي المحتلة بما يُفيد اقتصاد العدو وإنعاشه

- شركات لا يجمعها تعاونٌ مع العدو لكنّها تقدّم تبرّعات مالية وعينية مباشرة كما فعلت شركتا "ماكدونالد" "ووالت ديزني"


برأي سكرية، كلّ من يساعد العدو على الصمود والازدهار تجب مقاطعته ومن يستخفّ بهذا الفعل وتأثيره بحاجة الى مزيد من التوعية لأهمية ودور هذا السلاح وما يستطيع تحقيقه على غرار ما حصل مع بعض الشعوب التي لجأت الى هذا الخيار، وانسحاب شركات عالمية من الكيان الصهيوني أوضح مثال على نتائج الضغط المتواصل لمقاطعته.

ويتابع سكرية "اذا توقّف كلّ فرد فينا عن شراء منتجات الشركات التي تدعم الاحتلال فهذا العمل الشعبي سيتوسّع ليؤثّر على اقتصاد العدو. التوعية اليوم ضرورة مُلحّة لتنبيه الناس الى أهمية سلاح المقاطعة وتبنّي هذا الخيار، ولا سيّما أن من ليس له دور في المقاومة العسكرية، يستطيع أن يُشارك من موقعه في هذه المواجهة المفتوحة مع العدو من خلال سلاح المال والإعراض عن شراء بعض المنتجات، وهذا لا يُضّر من يقوم بذلك ولا ينعكس عليه سلبًا حتى أنه لا يُكبّده أيّة أثمان".

الفروع التجارية في الكيان دعمٌ أيضًا

ويشرح سكرية أن "فتح فروع لعلامات تجارية داخل الكيان الصهيوني يُعدّ دعمًا للاحتلال نظرًا لحجم الاستثمار في الكيان الصهيوني، إذ إن فتح فروع هناك يمثّل ترويجًا لفكرة أن الكيان مكان مستقرّ وآمن ومشجّع على الاستثمار، وهذا ما يتطلّب ضغطًا لإجبار الشركات الكبرى على الانسحاب والتراجع"، وهنا يوضح الالتباس الحاصل مع سلسلة مقاهي "ستاربكس" الأمريكية، فـ"الأخيرة صحيح أنها أغلقت 6 فروع لها داخل الكيان الصهيوني، إلّا أن المشكلة تكمن في أن مالكها هوارد شولتز هو من يتبرّع شخصيًا لـ"اسرائيل" وما يُقدّمه من مبالغ لا يُمكن فصلها عن أرباح مقاهيه وهذا يعني شيئًا واحدًا أنه يدعم وليس العكس".

سكرية يخلص الى أن "العدوان الصهيوني على قطاع غزة يفرض المُقاطعة مجددًا"، ويُشير الى أن "الاستجابة في أكثر من دولة دليلٌ على وعي الناس لحجم القضية ومظلومية الشعب الفلسطيني، وهذا ما يشكّل هاجسًا حقيقيًا للعدو، أي أن تُهشّم صورته ويُعزل عن العالم".

عبد الملك سكرية

إقرأ المزيد في: خاص العهد