معركة أولي البأس

خاص العهد

عمليات "يا لثارات الحسين (ع)": الدم يحطم قلاع العدو وينتصر
20/09/2023

عمليات "يا لثارات الحسين (ع)": الدم يحطم قلاع العدو وينتصر

يوسف الشيخ

نصرة لسيد الشهداء (ع) وضمن البرنامج العام الذي وضعته المقاومة الإسلامية بعد عام وثلاثة أشهر من الإندحار الكبير للعدو عن الجنوب والبقاع الغربي نفذت المقاومة 4 عمليات نوعية كبيرة خلال أسبوع هادفة وفي وقت واحد إلى تحقيق عدة عناصر مهمة في الحرب المستعرة بينها وبين العدو تراوحت بين أهداف استراتيجية وتعبوية ونفسية.

فبعدما اندحر العدو في حزيران عام 1985 كانت الأولوية المركزية في عقل جنرالاته هي إعادة ترميم الردع واستعادة المبادأة المفقودة، وذلك بعد إعداد طواقم صهيونية متخصصة دراسة شاملة للأداء العام منذ حزيران من العام 1982. كما أجرى جيش العدو عملية فحص دقيقة للتجارب والدروس المستفادة لما اعتبره فشلًا كبيرًا استلزم إعادة تموضع شاملة والتقوقع في شريط حدودي لا يتعدى عمقه الـ 10 كيلومترات مع الاحتفاظ بنتؤ كبير داخل المنطقة المحررة أو لسان طويل يمتد على طول القسم الأوسط من سلسلة الجبال الغربية اللبنانية الممتدة من التخوم الشمالية لشبعا ومارون الراس إلى حدود جزين بعرض يمتد من تلال أبو راشد والجبور والسريرة إلى حدود أطراف جبل صافي والرفيع والرادار وصولًا إلى جزين.

كان الهدف من هذا الوجود والانتشار دفاعيًا محضًا، يحقق مبدأ عقيدة القتال الصهيونية وما يسمى بالعلم العسكري "القتال من جبهة داخلية" لتطبيق عملية التقرب غير المباشر وقتال الخصم في قلب جغرافيته العسكرية.

ومن ضمن 65 موقعًا عسكريًا حصينًا (وصلت إلى 103 مواقع عام 2000) أعاد جيش العدو وفقًا للدراسات صياغة استراتيجيته العسكرية المحدثة هادفًا إلى تحقيق الأمور التالية:

1- محاولة تحقيق وتوسيع فترات قطع الاشتباك مع الخصم والتحكم بإعادة فتح الاشتباك وتحقيق التماس وفق متطلبات الخطط التشغيلية لكل بقعة من البقع العسكرية الستة التي نصبها العدو بعد انسحابه عام 1985.

2- الاستفادة من الانتشار الجديد لمشاغلة المقاومة عبر المناورة بالنار واستنزاف جهدها في تأمين الميدان بعيدًا عن التركيز الكامل على الشريط الحدودي المحتل.

3- الاستفادة من بيئة عملياتية ممتازة تحرم المقاومة التي تمارس حرب العصابات من ميزة مهمة كانت تتمتع بها قبل انسحاب 1985 وهي وجودها في الحواضن المدنية التي كانت تغذيها بالدعم المادي واللوجستي والبشري، وجرها إلى الفلوات والتضاريس الصعبة قليلة السكان التي تحرم عنصر حرب العصابات من ميزات تمنحه أرجحية الحسم السريع وتلجئه إلى حرب ممتدة زمنيًا تستنزف موارده المالية والبشرية.

4- التكيف مع طبيعة الجغرافيا العسكرية الجديدة التي تريح من استثمار موارد كبيرة في محاور الإنتشار الجديدة كما تسمح بمضايقة المقاومة والتأثير على حركتها ومناورتها.

5- الاستفادة من التلال والقمم العالية في الاقليم والبقاع الغربي لتحقيق إشراف كامل على الميدان واستخدام هذه الميزة في مجال الإنذار المبكر وعناصر استطلاعية أخرى (متابعة الموقف المعلوماتي والعسكري في الوقت الحقيقي - مراقبة الميدان – هداية وتصحيح المدفعية – تأمين الدوريات في على الحافة الامامية أو في العمق).

6- إعادة بناء وتنظيم وتأهيل جيش العملاء وتسليمه مهامًا كانت مقتصرة على العسكريين الصهاينة.

7- تقاسم مناطق العمل مع جيش العملاء "المجدد" والدفع أكثر بالعملاء لمشاركة جيش العدو في مواقعه خارج المناطق المأهولة.

8- رفع وتيرة ومستوى تجنيد العملاء الأمنيين خارج المناطق المحتلة وحصر إدارة التجنيد بجهاز الأ 504 التابع لهيئة الاستخبارات العسكرية.

9- بناء بنك أهداف في جغرافية المقاومة للاستفادة منه كليًا أو جزئيًا في المس بجسم المقاومة.

10- السعي لجعل أعمال المقاومة مكلفة من خلال المس بالبيئة المدنية الحاضنة عند كل استهداف تقوم به المقاومة للجسم العسكري والأمني للعدو وعملائه.

في شهري حزيران وتموز من العام 1986 تم تكليف كل من يوسي بيليد بقيادة المنطقة الشمالية وشريكه في معهد تدريب القوات البرية دايفيد آغمون بقيادة الادارة المدنية في الشريط المحتل فصار جيش لحد تابع لقيادته مباشرة.

عمليات "يا لثارات الحسين (ع)": الدم يحطم قلاع العدو وينتصر

وبالتزامن كان تكليف يوسي بيليد وتعيين شاؤول موفاز قائدًا لوحدة المظليين وتكليف مائير داغان بقيادة "فرقة عصبة النار" دليلًا على أن وزير الحرب اسحاق رابين ورئيس أركانه دان شمرون يتجهون لخيار الإغارات الكبيرة والتقرب الهجومي في لبنان كوسيلة للدفاع عن وجودهم الجديد بعد انسحابهم الكبير عام 1985. وذلك لأسباب أهمها حملة المقاومة الشديدة على جيش العملاء الذي كان رئيسه الجديد أنطوان لحد قد بدأ خطة تقضي بتجنيد مسلمين في جيشه المتعاون مع العدو الذي أعيد تسميته بجيش لبنان الجنوبي. وذلك خلافاً للمرحلة بين 1978 و 1984 والتي اقتصر فيها التجنيد على المسيحيين فقط.

* بعد عرض التوبة المقاومة تستخدم الغلظة الشديدة مع العملاء

كانت خطة المقاومة منذ الانسحاب الصهيوني الأول من صيدا في شباط عام 1985 هي استنقاذ كل اللبنانيين من الوقوع بأفخاخ العمالة. وتعاملت مع معظمهم بعد الانسحاب من صور في آذار 1985 ومن البقاع الغربي في أيار حزيران من العام نفسه كما تعاملت معهم بعد الانسحاب الصهيوني الأخير في أيار عام 2000.

إلا أنها ومنذ الأسبوع الأول بعد الانسحاب عام 1985 وجهت المقاومة نداءات للعملاء تدعوهم فيها للإستسلام وطرحت شعار "التوبة أو الإعدام" منذرة بتنفيذ تهديدها بعد شهر حزيران 1985 واستعملت طوال عامين الغلظة الشديدة مع العملاء. نفذت المقاومة وعيدها وخلال سنتين من الموعد المضروب (حزيران 1985) بلغت خسارة جيش لحد حسب اعترافه شخصيًا أواخر العام 1987: 138 قتيلاً و365 جريحًا و89 أسيرًا من معظم الطوائف اللبنانية. وكانت حصيلة العام 1986 هي الأكبر في الإستهداف البشري للعملاء حيث بلغت 45 قتيلًا و160 جريحًا وثلاثة أسرى فقط. سياسة المقاومة هذه فرضت على العميل لحد الإقرار في أيار العام 1987 أن "تفكيك جيش لبنان الجنوبي يبقى احتمالًا قائمًا".

أما كيف نفذت المقاومة تهديدها؟ فبكل ما استطاعت العمل به بدءًا من العمل السري داخل الشريط وتصفية عملاء كبار وصولًا إلى الإجهاز على قلاع وثكنات وآليات العدو التي كانت تحتوي على مجموعات مشتركة صهيونية لحدية أو صهيونية خالصة أو لحدية خالصة. وفي هذا المجال ينبغي الاستشهاد بالرد الذي أجاب به وزير الحرب آنذاك الجنرال احتياط اسحق رابين على استجواب شفوي له (حول جيش لحد) في الكنيست الإسرائيلي عام 1985، أوضح رابين أن الحكومة الإسرائيلية هي بين العوامل المساعدة لجيش لبنان الجنوبي، وأن الجنود الإسرائيليين معتادون على ركوب مركبات جيش لبنان الجنوبي.

* خطة المقاومة بعد الانسحاب الأول (1985)

ضمن البرنامج العام للمقاومة تقدمت نتيجة الانسحاب الصهيوني عام 1985 أولوية نزع الغطاء عن جيش العدو، أي تفكيك جيش العملاء وشبكاتهم لتتوازى مع أولوية استمرار ملاحقة فلول العدو الصهيوني حتى التحرير وطرده من لبنان.

فطرح مشروع تنفيذ عمل كبير ومزلزل يطال أكثر حصون العدو وعملائه مناعة في اقليم التفاح والبقاع الغربي ومنطقة الأوسط وطرح أيضًا إشراك أكبر عدد ممكن ومسموح به من شباب المقاومة لتأمين الظروف لعمليات عسكرية سريعة وساحقة كما تم التأكيد على الاحتفاظ بالمواقع المحررة لأطول فترة ممكنة وطرحت فكرة تصوير العملية وبثها للجمهور لتعطي أثرها النفسي والمعنوي إيجابًا لبيئة المقاومة وسلبًا للعملاء وللعدو.

استمهل القادة الميدانيون وعلى رأسهم الشهداء القادة سمير مطوط (الحاج جواد) رضا حريري وأحمد علي شعيب، القيادة لتحديد الأهداف الأكثر ملاءمة لاستهدافها في منطقة مسؤوليتهم، فيما تكفل قائد المقاومة الاسلامية آنذاك سماحة السيد الشهيد عباس الموسوي (رض) التواصل مع القيادة في البقاع الغربي لتحديد الهدف الذي كان سماحته يعرفه وجدانيًا لثقته ومعرفته برجاله في البقاع الغربي. وهذا ما تأكد له بعد أيام. فحمد الله على أن ظنه لم يخب وأن الجذبة الروحية التي تجمع المقاومين على جغرافية عمل المقاومة الاسلامية الواسعة سببها التطابق في السنخية بين أبنائها ومنشأها التراب الذي عشقوه وصرفوا الليالي في الدعاء والتهجد لتختلط دماؤهم بهذا التراب.

بعد أيام قدم القادة لائحة بأربعة مواقع (صهيونية – لحدية) هي الأفضل ملائمة والأكثر ترشيحًا للهدف المطلوب وهي:

1- الحقبان (75% صهيوني + 25% لحدي)
2- سجد (مشترك 50% لكلا الطرفين)
3- بئر كلاب (صهيوني)
4- تومات نيحا (لحدي 90% + 10% صهيوني)

وتقرر البدء بموقع الحقبان ثم تومات نيحا ثم مهاجمة سجد وبئر كلاب في نفس الوقت على أن تفصل بين العملية والثانية 48 ساعة على أقل تقدير وأن ينفذ مشروع العمليات كله خلال أسبوع.

اقترح ثلاث مواعيد للتنفيذ:

- الأول بين 17 رمضان و23 رمضان أي بين ذكرى موقعة بدر وذكرى ليلة القدر الكبرى.
- الثاني بين 10 ذو الحجة أي عيد الأضحى وبين 18 ذو الحجة ذكرى يوم الغدير الأغر.
- الثالث بين 7 محرم و 14 محرم والذي يصادف ذكرى دفن الإمام زين العابدين ( ع) للإمام الحسين (ع).

حظي الموعد الثالث بموافقة الجميع ووسط بكائهم اعتمد للمشروع اسم عمليات "يا لثارات الحسين (ع)".

* التجهيز لعمليات "يا لثارات الحسين(ع)"

في هذه العمليات بالذات يعتبر التجهيز والإعداد والتخطيط المرحلة التأسيسية الناجحة للعمليات الأربعة مجتمعة، فهي تتطلب نشاطًا لمجموعة من الإختصاصات وتأسيس وتشغيل غرف عمليات وانتخاب الأفراد المشاركين وإعدادهم وتأهيلهم في مناورات تدريبية فضلًا عن مواكبة التطورات السياسية والإعداد لخطة الحرب النفسية، وكل هذه الحركة تتطلب السرية والكتمان والتأمين.

1- تم رفع جهوزية اختصاصيي الرصد والاستطلاع إلى مستوى متقدم وتوسيع مناطق مسؤولية هذين الاختصاصين الحساسين بهدف الإحاطة الكاملة والتأمين الكامل لانطلاقة المجاهدين.

2- تم رفع جهوزية اختصاصي المدفعية والصواريخ.
 
3- تم رفع جهوزية الدفاع الجوي المتواضع آنذاك.

4- تم تنشيط القسم المعني بتشغيل المجندين والنفوذيين في الداخل المحتل.

5- تم رفع جهوزية الاقسام الأمنية الوقائية بهدف مكافحة أي عمل أمني مضاد أو اختراق وخلال التحضير للعملية تم الايقاع بعدة شبكات في المناطق المحررة.

6- تم انتخاب ثلاث معسكرات تدريب للتأهيل وإجراء المناورات الخاصة بكل عملية على حدة.
 
7- اعتمد قرار مؤقت بإشراك المدربين في العمليات الأربعة كقادة فصائل وسرايا كل حسب اختصاصه.

8- تم تنظيم كل الدعم اللوجستي والتسليحي للعملية.

9- تم تفعيل ثلاث غرف عمليات باسم "يا لثارات الحسين (ع)" واعتمدت إحداهم كغرفة عمليات مركزية لكل المشروع.

10- تم اعتماد 250 مجاهدًا من مختلف الإختصاصات لتنفيذ العمليات الأربعة وكان ذلك التطبيق الأول لأسلوب "الطفرة البشرية" في تجنيد هذا العدد من المقاومين.
 
11- تم تجهيز القسم المكلف بالإعلام بما يلزمه من تجهيزات وتقرر تصوير عملية سجد بالكامل لأثر ذلك التصوير المعنوي والنفسي على جمهور المقاومة والعملاء.

عمليات "يا لثارات الحسين (ع)": الدم يحطم قلاع العدو وينتصر

وللتنويه فقد كان العاملين في هذا المجال عام 1986 أفرادًا لم يتعدوا أصابع اليد الواحدة (فلم يكن قسم الاعلام الحربي قد أطلق بعد إلا أنه تطور بين عامي 1986 و1994 كثيرًا في الأفراد والخبرة والتجربة وكانت أولى تجاربه العلنية بعدما أصبح قسمًا هي تصوير عملية اقتحام موقع الدبشة عام 1994).
 
منتصف شهر آب 1986 وعلى هامش التجديد لليونيفيل بدأت مواقع ذات جنسيات مختلفة وعلى رأسها المواقع الفرنسية التضييق على الجنوبيين وعلى حركة المقاومة تقرر تقديم عملية موقع الحقبان خوفًا من وقوع أحداث تؤثر على العملية وصعد معظم الأفراد المشاركين في العملية إلى مقرات للمقاومة في محيط الموقع ليمكثوا فيها عدة أيام خاصة الملتحقين من البقاع وبيروت وصيدا وصور فكانت مناسبة رائعة للمقاومين بإقامة العزاء الحسيني في المقرات التي انتشروا فيها ومناسبة للعبادة والخلوص لله سبحانه وتعالى نتيجة لإعادة جدولة العمليات الأربعة أصبح ترتيب على الشكل التالي:
 
- عملية الحقبان الخميس في 7 محرم 1407 هجري (11 أيلول 1986).
- عملية تومات نيحا ليلة عاشوراء 9/10 محرم 1407 هجري (13/14 أيلول 1986).
- عملية سجد بئر كلاب 14 محرم 1407 هجري (18 أيلول 1986).

العملية الأولى: تحرير موقع الحقبان والسيطرة عليه لمدة 3 ساعات ونصف وإبادة حاميته

عند الساعة الثالثة والنصف من فجر يوم الخميس 11 أيلول 1986 الموافق للسابع من محرم 1407 هجرية وبنداء "يا أبا عبد الله (ع)" نفذت مجموعات من المقاومة الاسلامية بقيادة الشهيد القائد رضا حريري هجومًا على الموقع المحصن لقوات الإحتلال وعملائه في تلة الحقبان، من جميع الجهات، بعد أن أحكمت الطوق حوله.

وقد عمد المجاهدون إلى تفكيك الألغام المزروعة حول الموقع في نقطتين، من أجل الوصول إليه، سيما وأن تحصيناته على جانب عال من المتانة والدقة نظرًا للموقع الاستراتيجي للحصن الذي يسيطر بالنيران على بلدتي ياطر وكفرا ويطال بلدات أخرى.

وبعد أن اجتاز مجاهدو المقاومة الإسلامية الموانع الطبيعية وغير الطبيعية حول الموقع تقدموا نحوه رغم غزارة الرد من الدشم المحصنة فيه والمجهزة بأسلحة رشاشة ثقيلة من نوع براوننغ 12.7 ملم وماغ من عيار 7.62 ملم، فتعامل المجاهدون معها بالأسلحة المناسبة وقد خاض المجاهدون معركة ضارية مع حامية الموقع، تمكنوا بعدها من تدمير الدشم الأربعة المحيطة به، وقتلوا جميع من كان فيها.

وبعد أن سقطت الدشم الحامية للموقع، اقتحم مجاهدو المقاومة الإسلامية ساحة الموقع التي تبلغ مساحتها حوالي الدونم ونصف الدونم، وتشتمل على دشم إضافية من الباطون المسلح ومرابض للمدفعية والرشاشات الثقيلة وغرفتين لنوم الحرس ومخزن كبير للذخيرة إضافة إلى دبابتين وملالة مجنزرة من نوع M113.
ثم أخذ المجاهدون يمشطون الموقع، فتمكنوا من قتل جميع عناصره الذين فاق عددهم العشرين.

وبعدما سيطروا على الموقع سيطرة تامة عمد المقاومون الإسلاميون إلى تفكيك الرشاشات الثقيلة وتفجير الدشم داخل الموقع ثم فجروا الدبابتين، ومن بين الغنائم التي استولى عليها مجاهدو المقاومة الإسلامية رشاشات من عيار 12.7 ملم و 7.62 ملم ومدافع هاون من عيار، 60 ملم و82 ملم، وعدد كبير من أجهزة الاتصال اللاسلكي الفردية والمركزية، فضلاً عن كمية كبيرة من الذخائر.

وقد مكث المجاهدون في الموقع حوالي الثلاث ساعات ونصف الساعة، وغادروه بعدما أحرقوه ونسفوا جميع منشآته ودشمه. وقد رفع المجاهدون فوق الموقع راية كتب عليها "يا لثارات الحسين (ع)" وأخذوا يطلقون النداءات الحسينية ونداءات التكبير فتفاعل معهم أهل القرى المحيطة ككفرا وياطر وحاريص وصديقين بالتكبير منذ الساعة السادسة والنصف صباحًا حتى خروج المجموعات المهاجمة عند الساعة السابعة والنصف صباحًا.

وكان سبب غنم المجاهدين للملالة المجنزرة وعدم تفجيرها هو إخلاء جثامين ثلاثة شهداء سقطوا في العملية وهم قائد العملية الشهيد رضا حريري والشهيدين حسين قاروط ومصطفى عبد الكريم.

ولدى ترك الأخوة الموقع عمد عناصر مركز الطوارئ الدولية اليونيفيل الذي يبعد عن الموقع 500 متر إلى قطع الطريق بالعوائق الحديدية أمام الملالة التي كانت تنقل الشهداء واتخذوا اجراءات الاستنفار ضد المقاومين الذين بادروا إلى تطويق الحاجز وأنذروا عناصره، ثم تقدم أحد أفراد المجموعات المهاجمة وأزال العوائق الموضوعة وتابع المقاومون.
وحوالي الساعة السابعة والنصف صباحًا ولدى ترك المجاهدين منطقة العملية بدأت المنطقة تتعرض لقصف عنيف بالمدفعية الثقيلة مركزًا على كفرا وياطر وصديقين ومحيطها لمدة ساعة. وبعد القصف، حلقت حوالي التاسعة صباحًا، طوافات قتالية من نوع كوبرا فوق الموقع ومشطت محيطه بالرشاشات الثقيلة.

وقد نقل الشهداء إلى مستشفى جبل عامل في صور، وفي تمام الساعة العاشرة صباحًا نقل جثمان الشهيد الحاج رضا حريري في موكب حاشد إلى بلدته دير قانون النهر.
وعندما وصل موكب التشييع إلى مشارف البلدة حمل النعش عل الأكف في مسيرة حاشدة اخترقت الشارع الرئيسي للبلدة، تتقدمها الملالة المغنومة التي اعتلى ظهرها المجاهدون والأهالي مرددين شعارات إسلامية وصرخات التكبير.

وبعد الظهر، تم تشييع الشهيد قاروط والشهيد عبد الكريم من مسجد الرسول الأعظم (ص) إلى روضة الشهيدين وسط حشود غفيرة حيت المقاومة وانجازها الأخير وجرى دفنهما في الروضة مع الشهداء الذين سبقوهم على درب الامام الحسين (ع)، ولم يكن ممكنًا نقل الشهيدين إلى بلدتيهما. إذ أن ميس الجبل بلدة الشهيد قاروط، كانت ما تزال تحت الاحتلال، فيما كانت كفرا بلدة الشهيد عبد الكريم تقع بالقرب من الموقع المباد وتعتبر الطريق إليها غير مأمونة.

عملية تومات نيحا: مسح الموقع من الوجود صبيحة عاشوراء

فجر نهار عاشوراء الموافق ليوم الأحد ١٤- أيلول - ١٩٨٦، هاجمت مجموعات الشهيدين القائدين رضا الشاعر ونصار نصار وشهداء سحمر من مجاهدي المقاومة الاسلامية وبنداء "يا أبا عبد الله (ع)" موقع تومات نيحا الاستراتيجي وتمكنت من احتلاله في زمن قياسي 15 دقيقة بعد قتل جميع عناصره. وقد حاولت قوة من جيش العملاء مساندة عناصر الموقع فوقعت في كمين نصبته لها مجموعات الاسناد في المقاومة الاسلامية فقتل وجرح جميع أفراد القوة وتم تدمير آلية.

ولحظة احتلال الموقع نصب المجاهدون عليه رايتين كتب عليهما: "لا إله الا الته محمد رسول الله وخيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود" وأخذوا يرددون الشعارات الحسينية فيما كان معظم أهالي القرى المحيطة في البقاع الغربي كمشغرة وسحمر وعين التينة ولبايا وميدون يكبرون تحية للمجاهدين ونصرة للمقاومة.

وقد غنم المجاهدون جميع أجهزة وتجهيزات الموقع وتتضمن مدفع هاون من عيار 82 ملم ورشاشات ثقيلة من نوع 12.7 ملم ومتوسطة من نوع ماغ 7.62 ملم وقواذف بي 7 وعددًا من البنادق الآلية وذخائر من جميع الأعيرة فضلًا عن عدد كبير من أجهزة الاتصال اللاسلكي وجهاز راكال مركزي صنعة صهيونية.

وبعدما سيطر المجاهدون على الموقع لأكثر من 50 دقيقة عادوا إلى المناطق المحررة حيث كانت تنتظرهم مسيرة حسينية حاشدة في بلدة مشغرة حيث انضموا إليها وسط صرخات التكبير والبكاء واللطم على الامام الحسين (ع) وأصحابه وأهل بيته، وقد جرح في العملية قائد المجموعة المهاجمة جروحًا طفيفة في القدم.

مميزات الموقع

يقع الموقع على جبل نيحا ويبلغ إرتفاعه حوالي 1500 متر في تلة تقع غربي مشغرة وعين التينة اللتان يبعد عنهما بين 3 و5 كيلومترًا شديد الانحدار من الشرق والجنوب والغرب ولا يمكن الوصول إليه إلا من الشمال بصعوبة بالغة.

يشرف هذا الموقع على معظم البقاع الغربي تقريبًا، فهو يكشف جب جنين والقرعون وسحمر ولبايا ويحمر وميدون وقليا ويتحكم بالطريق التي تربط مشغرة بعين التينة.
ومن جهة ثانية فإن الموقع يشرف على جزين كفر فالوس وصولًا إلى مرجعيون وقلعة الشقيف ومن الناحية العسكرية فهو آخر موقع متقدم يشرف على البقاع الغربي يؤمن تلال كفرحونة والسريرة والأحمدية ومواقعها التي تبدو واضحة من هذا الموقع.

لحد يتفقد موقع تومات نيحا وإرباك في صفوف الصهاينة وعملائهم بعد العملية

تفقد العميل انطوان لحد قائد الميليشيات العميلة موقع ميليشياته في تومات نيحا والذي اقتحمه مجاهدو المقاومة الإسلامية صباحًاً وقتلوا 15 عنصرًا من عناصره وغنموا جميع أسلحته وذخائره، وقد عقد ضباط من القيادة الاسرائيلية برئاسة بيليد وآغمون وآخرين من الميليشيات اجتماعًا في ثكنة مرجعيون بحثوا خلاله في ضرورة تأمين عناصر لموقع تومات نيحا وسبل مواجهة العمليات النوعية التي نفذها مجاهدو المقاومة الإسلامية هذا الأسبوع والتي أحدثت بلبلة في صفوف الميليشيات. وقد ذكرت معلومات من الشريط المحتل أن قيادة ميليشيا العميل لحد تلقت مؤخرًا ٧٠ طلب تسريح من هذه الميليشيات وأن القيادة رفضت الطلبات وهددت أصحابها بإنزال أقصى العقوبات بهم اذا أصروا عليها.

عمليتا سجد وبئر كلاب: المقاومة الإسلامية هي الرد

عند الساعة الخامسة والنصف من فجر يوم الخميس 18 أيلول 1986 الموافق لـ 14 محرم 1407 هجري و بنداء "يا أبا عبد الله (ع)"، وصرخات "الله أكبر" و"سلم تسلم"
بدأ رجال المقاومة الاسلامية هجومهم ضد موقع تلة سجد، مستخدمين أسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية والقنابل اليدوية، وبعد معركة استمرت ربع ساعة اقتحم المجاهدون الموقع وسيطروا عليه تمامًا وقتلوا جميع عناصره وعددهم 15 وأحرقوا دبابة ورموها من أعلى الجبل إلى الوادي باتجاه عرمتى كما دمروا ملالة واستولوا على جميع عتاد الموقع من رشاشات ثقيلة ومتوسطة ومدلفع من أعيرة و60 و82 و120 ملم ومنظارين ليليين حديثين فضلًا عن عدد كبير من أجهزة الاتصال وكمية كبيرة من الذخائر. وقد أصيب بنتيجة الجهوم خمسة مجاهدين بجروح طفيفة معظمها رضوض أثناء تسلقهم المانع المذكور.

يذكر أن موقع النبي سجد يقع على تلة مرتفعة تحيط بها الأحراج وتشرف على اقليم التفاح ومنطقة النبطية والموقع محصن بالسواتر الترابية والأسلاك الشائكة والألغام ودشم الباطون المسلح وتنتشر على أرضه غرف ودهاليز على مداخلها أكياس وبراميل مملوءة بالرمل.

وقد اقتحم مجاهدو المقاومة الإسلامية وفي نفس الوقت وبنداء "يا ابا عبد الله"، موقع بئر كلاب الذي يشرف على منطقة البقاع الغربي وبلدة اللويزة والقريب من موقع النبي سجد وبعد معركة استمرت ثلاثة أرباع الساعة اقتحموه وقتلوا عناصره العشرين ودمروا آليتين على أرضه تدميرًا كاملًا واستولوا على كل أسلحة والذخائر الموجودة فيه، واستشهد في هذا الهجوم أربعة مقاومين اسلاميين هم الشهيد فؤاد عبدالله والشهيد محمد حمود والشهيد ابراهيم الحاج والشهيد محمد نجم.

وبعد حوالي الساعة من السيطرة على الموقعين ظهرت في سماء المنطقة مروحيات اسرائيلية مقاتلة من نوع كوبرا، ولدى محاولتها قصف المجاهدين تصدت لها المضادات الأرضية للمقاومة الإسلامية مما دفعها إلى القاء حمولتها بشكل عشوائي بين الأحراج وعلى التلال البعيدة وفي نفس الوقت دفع العدو بتعزيزات مؤللة في محاولة لاسترجاع الموقعين تركزت على محورين.

تحركت دورية مؤللة من الريحان - سجد باتجاه موقع النبي سجد ولكن المقاومين الاسلاميين كمنوا لها في مكان متقدم على طريق الموقع بالقذائف الصاروخية وبرشقات من اسلحتهم الرشاشة والتحموا معها في معركة ضارية تمكنوا خلالها من القضاء عليها بشكل تام.

وتحركت قوات اسناد للعدو من جزين إلى مليخ باتجاه موقع بئر كلاب ولكنها وقعت أيضًا في كمين متقدم لمجاهدي المقاومة الإسلامية الذين تمكنوا من ابادتها والقضاء على جميع عناصرها.

واستطاع المجاهدون المكوث في الموقعين أكثر من خمس ساعات أفشلوا خلالها كل محاولات العدو اليائسة للتقدم نحوها واسترجاعهما.
ويذكر أنه أثناء اقتحام المقاومين الإسلاميين للموقعين وارتفاع صيحاتهم بصرخات الله أكبر بدأ أهالي القرى المجاورة بالتهليل والتكبير والدعاء للمجاهدين بالنصر وقد تجلت أرقى صور الدعم من خلال الامداد بالطعام وإستقبال الأهالي للمقاومين لدى عودتهم بالدعاء لهم وبالتوفيق واحتضانهم وتقبيلهم والتبرك منهم.

وقد ظهر الارباك الصهيوني واضحًا أمام هول العملية من خلال لجوء العدو الى القصف العشوائي الكثيف الذي بدأ حوالي السادسة صباحًا واستمر بشكل عنيف حتى ساعات المساء الأولى من مرابض مدفعيته المتمركزة في عمق الشريط المحتل وجزين وتلال الطهرة والسويداء وعلي الطاهر واستهدف القصف قرى جرجوع وعربصاليم وجباع وعيي بوسوار وعين قانا وحومين الفوقا وصربا والطرقات المؤدية اليهم والاحراج والتلال المحيطة بهم كما طاول كفر رمان والنبطية وحبوش. وأدى انفجار مئات القذائف إلى اشتعال حرائق في الاحراج وتضرر عدد كبير من المنازل.
وردت مرابض مدفعية المقاومة الإسلامية على القصف العشوائي هذا بقصف مركز وعنيف ضد تجمعات الاحتلال وميليشياته في جزين ومرجعيون.

سجل المجد:
قدمت المقاومة الاسلامية 7 شهداء في العمليات النوعية الأربعة، ناسفة ومخربة كل مخططات العدو بعد تكليف قيادة جديدة للاحتلال في الجنوب والبقاع الغربي وهذا الرقم يؤكد المصداقية والجهوزية الدائمة لصنع الانجازات المؤقتة وبعيدة المدى حتى دحر الاحتلال:
 
أولاً - شهداء عملية الحقبان:
1- الشهيد القائد رضا حريري
2- الشهيد الشيخ مصطفى عبد الكريم
3- الشهيد حسين قاروط

ثانياً - شهداء عملية بئر كلاب:
1- الشهيد فؤاد عبد الله
2- الشهيد عباس حمود
3- الشهيد ابراهيم الحاج
4- الشهيد محمد نجم

ختاماً - قوافل الشهداء تصنع النصر

لم تترك وقائع العمليات الثلاث مجالا للشك بانها أضخم تهديد في تاريخ المقاومة ضد العدو.
فقد شاركت في العمليات الأربعة أعداد كثيفة من المجاهدين بلغت 250 مجاهدًا جلهم شاركوا في عمليتي سجد وبئر كلاب، واستعملت فيها أسلحة ثقيلة نقلت إلى قلب أرض المعركة.

كما نفذ المقاومون عمليتهم بكثير من الدقة والتصميم، مما أبرز النوعية المتميزة للمقاوم الإسلامي الذي يلعب إخلاصه لله دورًا في تطوير قدرته الجهادية. والأهم من ذلك كله أن هذا الهجوم ليس طفرة وأن العمل الجهادي ليس اجراءً موسميًا. فهذه العمليات الثلاث الظفرة تشابهت بشكل كبير بالدقة والحزم وحققت الانتصارين على العدو الانتصار المادي وهو اقتحام قلاع العدو العالية والحصينة والانتصار الذاتي للشهداء الستة الذين ارتقوا إلى العلى في أقدس الأوقات وهي عاشوراء والمحرم.

وقد فاقت العملية الثالثة والرابعة العمليتين الأولين لجهة الهدف والحجم، كان الهدف مهاجمة موقعين استراتيجيين في آن واحد، إذ هما يتحكما بقرى اقليم التفاح والنبطية وقرى البقاع الغربي ونجح مجاهدو المقاومة الإسلامية في التنفيذ.

وكذلك تحولت العملية بعد تطهير الموقعين الى معركة حقيقية ومفتوحة بين قوات الاحتلال والمجاهدين الاسلاميين، فقد سجل اشتراك أسلحة الطيران والمدفعية المعادية، وتحولت المنطقة الى جبهة حرب.

ولو أن في أيدي مجاهدي المقاومة الإسلامية الأسلحة الكافية نوعًا وكمًا ومستوى، وسهلت لهم عملية الامداد والتنقل وتم تأمين المؤازرة الكافية لهم لاستطاعوا البقاء في الموقعين بشكل دائم.

ويمكن ربط هذا الثبات في المواقف والجرأة على تنفيذ الأعمال بمبدأين أساسيان هما:

أولاً: في عقيدة المقاومة التي ترتكز على النصر المسدد من الله تعتبر أن واجب المقاومين الشرعي هو استمرار في مقاتلة "اسرائيل" حتى زوالها من الوجود، وتصعيد الصراع ضدها وعملائها حتى القضاء عليهم.

ثانيًا: إن التجربة أثبتت أن السبيل الوحيد للتحرير، هو العمل الجهادي الجاد، لا استجداء الدعم السياسي أو التمسك بالقرارات الدولية. ففي عقيدة مجاهدي المقاومة الاسلامية القتالية أن التحرير الحقيقي لا يكون بأداة مستعارة، وإنما بقوافل الشهداء التي تصنع النصر. "وما النصر إلا من عند الله".

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل