خاص العهد
المدارس الرسمية.. لا عام دراسي جديد بلا إنصاف الأساتذة
فاطمة سلامة
يقول أحد الأساتذة لزميله: راتبي هذا الشهر بلغ 65 دولارًا، بينما فاتورة اشتراك المولّد عن شهر آب/ أغسطس سجّلت 78 دولارًا..من أين سأومّن الفارق؟. يردّ الزميل بالقول: "فلتعش على الشمعة". يبادر الأستاذ "المديون" بالسؤال: "ماذا عن إيجار المنزل؟" فيردّ عليه: "فلتسكُن في خيمة". هذا الحوار يرويه رئيس رابطة التعليم الأساسي حسين جواد الذي يتحدّث عن واقع مأساوي يعيشه أساتذة التعليم الرسمي في لبنان.
الإجابة على أسئلة الأستاذ الزميل لم تأت في سياق التهكُم بل في سياق توصيف الحال المزرية التي وصل اليها أساتذة التعليم الرسمي في لبنان. يشعر هؤلاء بـ"الغبن" الكبير جراء التعاطي اللا مسؤول معهم. تريد السلطة السياسية للأستاذ أن يذهب الى مدرسته، ويدفع فواتير الكهرباء والمياه، إيجار المنزل، المواد الغذائية، وما الى هنالك براتب زهيد يصل حد المئة دولار في أحسن الحالات.
المبلغ المذكور لا يُساوي "تعب القلب" الحاصل عن تحضير الدروس وتصحيح المسابقات في المنزل، على حد تعبير إحدى المعلمات التي تصف مهنة التعليم بـ"أصعب المهن". يريدون منّا أن نعمل ليلًا نهارًا على حساب صحتنا وعائلاتنا، ويستكثرون علينا حقنا، بئسًا لهذه الطبقة السياسية، تقول المعلمة بحرقة. ولعلّ أكثر ما يحُز في قلبها هو امتناعها عن الالتحاق بالتعليم العام الدراسي المقبل اذا لم تُعط حقوقها. وفق قناعاتها، هو خيار مرّ وقاسٍ ستدفعهم اليه السلطة السياسية بعدما جُرّدوا من حقوقهم وباتوا عاجزين عن التضحية لأنهم لم يعد يملكون شيئًا.
إسماعيل: التعليم الرسمي خط أحمر
حال المعلمة المذكورة ينطبق على حال مختلف أساتذة التعليم الرسمي. جلهم يلجأ الى "الدين" لتيسير أموره. وعليه، يرى أكثر من أستاذ أننا سكتنا عن حقوقنا في الأعوام الماضية، ولكن على أبواب العام الدراسي المقبل لن نسكت، لا لأننا "هواة" إضراب بل لأننا لا نملك شيئًا لنضحّي به، استنفذنا كل طاقتنا وسُلبت حقوقنا. وعليه، يؤكّد نائب رئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي حيدر إسماعيل في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ الروابط الثلاثة في التعليم الرسمي قرّرت تأجيل التسجيل الذي كان مقررًا في 14 الشهر الحالي، وتأجيل الأعمال التحضيرية المقرّرة من 18 الى 25 أيلول/ سبتمبر، ريثما تصبح الأمور جليّة من وزارتي التربية والمالية. وهو الأمر الذي أعلن عنه وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي ــ في وقت لاحق ــ حيث أجّل بدء الأعمال التحضيرية للعام الدراسي 2023/2024 الى موعد آخر.
تأجيل الأعمال التحضيرية خطوة أولى تسبق مسألة انطلاق العام الدراسي. وفي هذا السياق، يلفت إسماعيل الى أنّ الروابط ستترقّب في القادم من الأيام أي إعلان يخص انطلاق العام الدراسي لنبني على الشيء مقتضاه، وأي إعلان عن انطلاقة بلا تنفيذ المطالب سيكون لكل حادث حديث، مع الإشارة الى أن القرار يُتخذ في حينه بعد مفاوضات مع وزارتي التربية والمالية، مع التشديد على ضرورة تصحيح الرواتب بما يتناسب مع الوضع المعيشي.
يشدّد إسماعيل على أننا مع استمرارية التعليم الرسمي الذي نعتبره خطًا أحمر، لكن الإهمال والاستخفاف بحقوق المعلمين والتأخير في صرف التعويضات المؤقتة للأساتذة ــ بحجة أن الجداول وصلت في 31 آب/ أغسطس ــ لم يعد مقبولًا. تمامًا كما لم يعد مقبولًا عدم مساوة الأساتذة بموظفي القطاع العام الذين تقاضوا 7 رواتب، فيما لا يزال لنا 8 معاشات لم نتقاضاها، وهذا الأمر من مسؤولية وزارة المالية، يقول المتحدّث.
من وجهة نظر إسماعيل، فإنّ هذا الاستخفاف يقضي على التعليم الرسمي، مع العلم أننا كروابط نسعى سعينا للحفاظ عليه، ولكننا اليوم غير قادرين على التضحية بشيء لا نملكه فماذا نفعل؟!. وفق اسماعيل، اذا كان الوزراء عاجزين عن حل أزمة قطاع التعليم الذي يتدمّر فليقدموا استقالتهم.
جواد: الحد الأدنى الأدنى يتمثل بـ 600 دولار
رئيس رابطة التعليم الأساسي حسين جواد يذهب بعيدًا في التلويح. يشدّد في حديث لـ"العهد" على أنّ الروابط الثلاثة حسمت أمرها بعدم إطلاق العام الدراسي وستدعو الأساتذة لعدم الالتحاق بالمدارس الى حين دفع كل المستحقات للأساتذة ورفع الرواتب حتى 600 دولار لكل أستاذ. يتحدّث جواد بأسىً وأسف عن الوضع الذي وصل اليه الأستاذ الرسمي الذي يُطلب منه تدبير حياته بـ7 رواتب لا تصل في أحسن الحالات الى الـ180 دولارًا، ولا يُعطى سوى ثلاثة رواتب.
يشدّد جواد على أنّ المبلغ غير كاف بالتأكيد لتأمين الحد الأدنى من المعيشة. لذلك، تبين لدينا وبعد دراسة أنّ الحد الأدنى الأدنى يتمثل بـ 600 دولار. هذا المبلغ يكفي الأستاذ لكي يعيش "مستورًا" كما يُقال. هل باستطاعة الدولة أن تؤمّن هذا المبلغ؟ يُجيب جواد على هذا السؤال بالقول: " الرواتب 200 دولار، وزارة التربية يجب أن تؤمن 300 دولار، وبدل انتقال بحدود الـ60 دولارًا ما يعني أنّ المبلغ الممكن تأمينه 560 دولارًا، أي ما يقرب عن الـ 600 دولار".
أما اليوم فنحن نتقاضى ثلاثة رواتب لا سبعة، وكلنا يعلم أنّ أيلول/ سبتمبر هو شهر الدفع والمدارس والصرف على العائلات، فكيف سنتمكّن من تأمين متطلبات هذا الشهر بنحو 65 دولارًا وفي أحسن الحالات مئة دولار؟". أبهذا المبلغ سنُكمل حياتنا؟!. يسأل جواد الذي يلفت الى أنّ الأستاذ اليوم يعيش في ظروف مُذلة، حيث لا أحد يحترم أحدًا، وحُجب عنّا 4 رواتب رغم صدور مرسوم بهم بحجة أنّ إصدار المرسوم تأخر حتى 31 آب.
يوضح جواد أن وزارة التربية تقول أنّ الحكومة وافقت على مبلغ 5000 مليار ليرة، فليُدبّروا إذن أمر الأستاذ الذي لا ذنب له. وفق حساباته، فإنّ "جمهورية طويلة عريضة ومجلس الوزراء يصرف يمنة ويسرة يقطع يده عن حقوق الأستاذ". وردًا على سؤال حول ضياع مستقبل التلميذ في حال لم ينطلق العام الدراسي يقول جواد: "ذنب الطلاب أنهم يعيشون في هذا البلد، تمامًا كذنبنا نحن".
مخطّط للقضاء على التعليم الرسمي
ولا يُخفي جواد أنّ ما يحصل في هذا البلد مع الأساتذة هدفه في الدرجة الأولى القضاء على التعليم الرسمي لمصلحة التعليم الخاص وخصخصة المدراس الرسمية لتمرير ما يريدون في المناهج التربوية. "هذا المخطّط وقفنا في وجهه، فعندما ضحّينا كان همنا بقاء المدرسة الرسمية، لكن اليوم لم يعد لدينا ما نضحّي به"، يختم جواد.