خاص العهد
توحّد رؤى المعارضة في الخارج للتغيير يُرعب النظام السعودي
سناء إبراهيم
للمرّة الثانية، منذ تأسيس الدولة الثالثة لآل سعود، تبدو أطياف معارضة النظام السعودي موحدة الأفكار والأداء من أجل تبني رؤى واضحة لبناء الدولة. المعارضة لم تَعُد منفردة كما كانت حتى وقت قريب، فتشكّلَ جسمٌ موحد في الغاية وبدأ يبحث السبل والوسائل لتحقيق الأهداف، والحد من جموح السلطة القائمة على رأي الحاكم وتهميش الشعب ونهب ثرواته ومقدراته وتوزيعها في ما يحقق طموحات العائلة الحاكمة.
معظم أطياف المعارضة السعودية على مستوى العالم شاركت في المؤتمر الثاني للمعارضة، الذي عقد في العاصمة البريطانية لندن، بتنظيم من مؤسسة "ديوان لندن"، تحت شعار "التحديات والأولويات"، والتأم شمل المعارضة من التيارات المختلفة، حيث بحث المشاركون التحديات التي تواجه المعارضة، والأولويات التي ينبغي لهم الاتفاق عليها في مواجهة القمع والتهديدات الداخلية التي تتعرض لها بلادهم.
الأمين العام لـ"حركة كرامة المعارضة في السعودية " الدكتور معن الجربا، الذي شارك في المؤتمر إلى جانب 33 شخصية أخرى، وفي مداخلة مع موقع "العهد الإخباري"، يثمّن الجهود التي بذلت من أجل انعقاد المؤتمر، ويبين أن "مؤتمر المهجر الأول والثاني كان نتاج التفاعل الفكري بين جميع أطياف المعارضة مما هيأ ظروفاً مناسبة لنجاحهما".
التئام شمل المعارضة ونجاحها بتنظيم مؤتمر يجمع معظم أطيافها له انعكاسات على الداخل والخارج كما يؤكد الجربا، ويشدد على أن "نجاح المعارضة في السعودية بتنظيم صفوفها وتوحيد جهودها سوف يكون له الأثر الكبير في قلق النظام السعودي من جهة، واحترام النظام الدولي للمعارضة في السعودية من جهة أخرى"، متابعاً "أن ذلك سوف يجعل شعب الجزيرة العربية يثق أكثر بالمعارضة ويلتحق بها".
يذكّر الجربا بأن "حركة كرامة" كانت قد طرحت منذ أكثر من عام تقريبا مشروعاً لتوحيد قوى المعارضة في ما يعرف "بالجبهة الموحدة لقوى المعارضة في السعودية"، وقد أرسلنا مبادرتنا هذه لجميع المعارضات السعودية في الخارج والداخل تقريباً، وكانت هناك جهود تبذل في نفس الاتجاه لدى المعارضة السعودية الموجودة في لندن وأوروبا، معتبراً أنه "من توفيق الله سبحانه وتعالى أن جميع الجهود والأفكار اتحدت بهذا الاتجاه".
وعلى حجم أهمية المؤتمر، يوضح د. الجربا أن "المعارضة السعودية بدأت منذ قيام النظام السعودي في ما يعرف بالدولة السعودية الثالثة، حيث قامت القبائل بمقاومة مسلحة عنيفة ضد النظام السعودي بعد أن اكتشفت قبائل الجزيرة العربية أن عبد العزيز آل سعود كان يتعامل مع الإنجليز ضد الأمة العربية والإسلامية"، مشيراً إلى أن تلك "الثورة المسلحة كادت أن تنجح وتقضي على النظام السعودي لولا تدخل بريطانيا بقواتها المسلحة ومالها وأعوانها للقضاء على ثورة القبائل العربية في ما عرف بثورة "من أطاع الله". وبعد إخماد الثورة تم القضاء على زعماء القبائل الأشداء ونفيهم وتشريدهم، وإخضاع من بقي منهم بدعم بريطاني كامل". ويتابع راوياً مسير انطلاق المعارضة، حيث "بدأت تأخذ الشكل الفردي وبعض المحاولات الانقلابية العسكرية، ولكن وبسبب وجود الحماية للنظام من دولة عظمى بحجم بريطانيا لم تنجح كل هذه المحاولات، ثم انتفضت المعارضة في السعودية بعد عام 1990 بسبب دخول القوات والقواعد الأمريكية إلى جزيرة العرب وبلاد الحرمين الشريفين، ولكنها أيضا أخذت الطابع الفردي والمشتت بسبب قلة الخبرة وقلة الدعم وعدم وجود قوى عظمى أو دولة إقليمية كبرى تدعم المعارضة وتساعدها على تنظيم نفسها وتوحيد جهودها، بينما النظام السعودي يتمتع بحماية أميركا وحلف الناتو والدول الغربية".
شعب الجزيرة العربية مهيأ للمعارضة
الأمين العام لـ"حركة كرامة المعارضة في السعودية"، يرى أنه "بعد مرور عقود من عودة المعارضة للواجهة منذ عام 1990 اكتسبت المعارضة خبرة جيدة"، ويعتبر "أن شعب الجزيرة العربية أصبح أكثر نضجاً بسبب انفتاحه على العالم من خلال التعليم في الجامعات الغربية ووسائل التواصل الاجتماعي والتواصل مع العالم من خلال القنوات الفضائية وغيرها من العوامل التي جعلت شعب الجزيرة العربية مهيأ للمعارضة".
بدوره، الناشط السياسي المعارض للنظام السعودي أمين النمر وفي دردشة مع موقع "العهد الإخباري" على هامش المؤتمر، يشدد على أن أهمية المؤتمر تنبع من "اجتماع أطياف متنوعة من مجتمع الجزيرة العربية بتوجهات سياسية مختلفة ومن مناطق مختلفة ومعتقدات مختلفة، ولكن الجميع يحمل هماً واحداً، أن تكون هناك مؤسسات مجتمع مدني وحرية تعبير"، مؤكداً أن "النظام السعودي يخشى هذا التجمع لأنه نظام قائم على الفرقة بين مكونات المجتمع ـ الإسلامي والليبرالي والسني والشيعي ـ ويحاول تطبيق سياسة فرق تسد، وإن اجتماع هذه الفئات ووعيها بأن هناك هماً مشتركاً وأن وحدتهم قوة، فهذه خطوة ترعب النظام".
النمر يعتبر أن مؤتمر المعارضة يحمل رسالة إلى الداخل مفادها أن هذه "الفرقة الحاكمة ليست حقيقية"، ويرى أن "اجتماع المعارضة يعطي نظرة أمل بالمعارضة وبالتغيير الإيجابي في الداخل الطامح لأن تكون هناك سلطة للشعب وليس لفئة تختطف القرار الشعبي، وتذهب بالدولة إلى حروب خارجية أو تطبيع، وتعطي مقدرات البلد إلى الأجنبي، لتنفيذ سياسة السيطرة والاحتلال والعدوان، في إشارة إلى العدوان السعودي على اليمن وشراء الأسلحة من الدول الكبرى.
المؤتمر الذي جمع المعارضة المنتشرة في عدة دول غربية، يثني عليه الناشط السياسي أمين النمر، ويقول إنه في طور التشكل وفي الأيام المقبلة يمكن أن يكون هناك عمل مشترك من النظري إلى العملي، ويشدد على أهمية "التواصل بين الداخل والخارج، وهموم الداخل هي هموم الخارج وحريتنا لا تكتمل بالخارج إلا إذا اكتملت حرية الداخل".
تطمح المعارضة للتأثير بشكل فعال في دفع النظام نحو تنفيذ الاصلاحات، بل يتبلور طموحها في أن يتبدل النظام الذي تستأثر به عائلة حاكمة ويتمكن الشعب من اختيار سلطاته التي تدير شؤون البلاد وبالتالي تنعم باستقرارها السياسي والاجتماعي، مع تحرير جميع سجناء الرأي وفك قيود المعتقلين من النشطاء، إضافة إلى تعليق عقوبة الإعدام وإدخال الإصلاح الاجتماعي إلى البلاد، والكف عن استغلال خيرات البلاد وثرواتها وإنقاذها من الانهيار الذي هو فيها الآن.
لقد اتجهت آراء المعارضين والإصلاحيين السعوديين وبعض نشطاء حقوق الإنسان الموجودين في الخارج نحو الامتزاج بالأفكار لصناعة مشروع واقعي حقيقي قابل للتطبيق في الواقع العملي لمستقبل أفضل لبلدهم، من شأنه تغيير الصورة التي نشرتها سلطات آل سعود على مر عقود من الاستئثار بالسلطة.