معركة أولي البأس

خاص العهد

 القانون وجُرم الـ"MTV"
15/08/2023

 القانون وجُرم الـ"MTV"

لا يتكبّد المُراقب عناءً ليكتشف أنّ قناة "MTV" كانت صاحبة الرصاصة الأولى في حادثة الكحالة. لولا ما قامت به هذه القناة المعروفة الخبيثة لما حصل ‏الذي حصل، وفق ما قال الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله. ما إن اشتمّت القناة رائحة الشاحنة التابعة لحزب الله حتى أوفدت ثلاثة مراسلين محمّلين بأمر عمليات وتوصيات ما هبّ ودبّ للذهاب بعيدًا في حملة التحريض والتجييش وشدّ العصب الطائفي والمذهبي. وعلى قاعدة "إجت الرزقة"، وجدت قناة المُر في الحدث ــ الذي صنعته ــ مناسبة كبرى لتقديم أوراق اعتماد لدى جهات معروفة. 

لا يختلف اثنان على أنّ إيفاد أي قناة لمراسلين الى مكان ما يُعتبر أمر طبيعي، ووظيفة أساسية من وظائف الإعلام. لكنّ تحويل مهمّة "المراسَلَة" من وظيفة تقصّي الحقائق الى وظيفة التحريض على الاعتداء والقتل يُعتبر جريمة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. مراجعة سريعة لمضمون ما بُثّ في حينها على هواء القناة المذكورة مباشرة يؤكّد السيناريو الآتي: انقلاب الشاحنة، توجُّه سيارة البث التلفزيوني للقناة مباشرة الى كوع الكحالة، تبنّي قناة المر في رسائلها التلفزيونية مهمّة التحريض والتجييش وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والمناطقية، تعبئة القناة للبعض من أصحاب النفوس الضعيفة لافتعال مشكلة، إطلاق النار على الشباب المكلّفين حماية الشاحنة واستشهاد شاب للمقاومة، الشباب ردوا على مصادر النيران فسقط قتيل. هنا، لم تكتف القناة بما حصل، ولم تُشبع الدماء شراهتها للفتنة، بل وجدت فيها ذريعة للاستمرار بحملة التعبئة عبر استصراح جهات حزبية معروفة للتحريض على المقاومة واستكمال الفيلم المرسوم عسى ولعلّ تُفلح هذه المرة في إشعال الحرب الأهلية، كما تشتهي. 

أمام الدور السلبي المُطلق لنموذج إعلام القناة، وكسره كل الخطوط الحمراء التي رُسمت لهذه المهنة ــ وقد شهدنا سوابق كثيرة في هذا الإطار برزت الـ"MTV" فيها كـ"أم الصبي" ــ ثمّة سؤال مشروع وبديهي يُطرح عن دور وزارة الإعلام في كسر تيار الإعلام الفتنوي والتحريضي، واتخاذ قرارات تكون فيها القنوات المحرّضة عبرة لمن يعتبر. ثمّة أسئلة تُطرح عن موقف القانون من هكذا مسار إعلامي خارج عن الوظائف الأساسية والسياق الطبيعي الذي من الضروري أن يتواجد فيه. وأيضًا ثمّة أسئلة تُطرح عن دور "المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع" والأسباب التي تجعل منه مجلسًا "واعظًا" لا أكثر.  

محفوظ: تحوّل دورنا الى "واعظ" فقط 

رئيس "المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع" عبد الهادي محفوظ يُكرّر ما يقوله دائمًا. صلاحيات المجلس الوطني للإعلام استشارية فهو لا يملك أي قرار تنفيذي نحو أي مخالفة إعلامية تأتي من المؤسسات المرئية والمسموعة. المجلس يستطيع فقط أن يرفع توصيات الى الحكومة بضرورة تطبيق القانون بحق المخالفين، لكن بالتجربة تبيّن أنّ كل التوصيات التي تُرفع الى الحكومة تنام في الأدراج. يدعو محفوظ لأن نعترف بالواقع فالحكومة هي حكومات والمؤسسات المرئية تمتلك غطاء سياسيًا وطائفيًا يحول دون اتخاذ أي قرار بحقها. 

وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يشير محفوظ الى مسألة ثانية تقف عائقًا أمام قمع المخالفات تتمثّل بالانقسام السياسي والطوائفي في البلد ما يجعل المؤسسات الإعلامية في خدمة الطوائف. في موضوع الكحالة، لا شك أن الإثارة الإعلامية كانت طاغية وتستهدف بشكل أو بآخر إثارة النعرات، ودفع البلد الى نوع من حرب أهلية ليس فيها من رابح. الخاسر الأساسي هو الشعب اللبناني بكامله خصوصًا أن الحرب الأهلية لا تخدم سوى العدو وهذه حقيقة. من هنا، يطالب محفوظ بضرورة تهدئة الرؤوس الحامية السياسية والإعلامية قبل أي شيء. برأيه، البلد يحتاج الى تعزيز المشترك بين اللبنانيين وتعزيز القواسم المشتركة، وهذا يحتاج الى تهدئة الخطاب السياسي من كل الأطراف أولًا. 

يرى محفوظ أنه في ظل تحلُل الدولة تمتلك الحكومة أقله القدرة على اتخاذ القرارات في الموضوع الإعلامي، لكن للأسف فهذا القرار غائب. لذلك، يتوجه محفوظ الى القضاء باسم "المجلس الوطني للإعلام" لاتخاذ الخطوات اللازمة تجاه المخالفين. وفق حساباته، اذا طُبّق قانون الإعلام المرئي والمسموع من الممكن معالجة كافة المخالفات. القانون المذكور ينص على أنّ الإعلام المرئي حُر لكن الحرية يجب أن تكون مسؤولة، بمعنى تقع المخالفة عندما يكون هناك إثارة سياسية وطوائفية وتهديد لأمن المجتمع. كل هذه المخالفات كانت موجودة في حادثة الكحالة ما يجعلنا نسأل: أين هي الدولة؟.

وفي هذا السياق، لا يُخفي محفوظ ضعف المؤسسات خصوصًا "المجلس الوطني للإعلام" الذي تحوّل الى "واعظ" يقتصر دوره على رفع التوصيات في كل وقت. ويستغل محفوظ الفرصة ليوجه عبر "العهد" توصيته كإخبار للقضاء والحكومة لأنّ البلد بحاجة الى من ينتبه له ويرعاه، وأن يلعب الإعلام دوره المسؤول. ويضيف محفوظ "يفترض بالقانون المرئي والمسموع عندما يكون هناك أي إعلام ــ حتى ولو كان صحيحًا لكنّه يؤدي الى إثارة الفتنة ــ أن يتوقف ولا يتقدّم للناس. برأيه، فالأخلاقيات الإعلامية تكمن في أن تكون المعلومة صحيحة ودقيقة ومسنودة الى مصدر موثوق وإعلام موضوعي. للأسف تحول الإعلام اليوم الى "زواريب" وفتن، وبالتالي فالمطلوب شيء من الوعي". وفي سياق حديثه، يشير محفوظ الى نقطة يجب الالتفات اليها فالمصادر المالية للمؤسسات الإعلامية التي يفترض أن تأتي من الإعلان والصناعة الدرامية لا تكفي ولذلك تعتبر الإثارة مصدرًا لكسب الجمهور وإدخال الخارج على الإعلام اللبناني وتمويل المؤسسات، في إشارة الى تحريك الخارج لتلك المؤسسات، فبحسب محفوط، ليست صدفة كل هذه الإثارة الإعلامية. 

اسماعيل: ما قامت به "MTV" يُعد مخالفة واضحة للقانون

الخبير الدستوري عصام اسماعيل يُقدّم في حديث لموقعنا قراءة قانونية لأداء قناة "MTV" التحريضي، فيستهل حديثه بالتأكيد أنّ الحرية الإعلامية ليست مطلقة بل هي مقيّدة بالقانون في جميع دول العالم، ولا يوجد حرية تؤدي الى الفوضى، أو حرية كاملة لأنّ الكاملة المُطلقة غير المقيدة تؤدي الى الفوضى وعدم الاستقرار. لذلك تسعى الدول ــ وفق اسماعيل ــ دائمًا الى إقرار تشريعات تضبط أداء المؤسسات الإعلامية لتأثيرها الكبير على الجمهور والرأي العام. ونظرًا لحساسية الوضع اللبناني والاختلافات العديدة في هذا المجتمع، وضع المشترع اللبناني وتطبيقًا لاتفاق الطائف قانونًا يحتوي على ضوابط ملزمة لكل وسائل الإعلام لضبط الحرية المذكورة.

وعليه، يُقارب اسماعيل أداء الـ"MTV" من منطلق قانوني بحت، فيشير الى أنّ ما قامت به هذه القناة يُعد مخالفة واضحة للقانون، مخالفة تستدعي تحرُّك وزير الإعلام و"المجلس الوطني للإعلام" لفرض العقوبات المناسبة المقرّرة في القانون والمحددة ما بين التوقيف المؤقت ثلاثة أيام أو ثلاثة أشهر فأكثر. 

ويشرح اسماعيل أنّ أداء الـ"MTV" جاء مخالفًا لقانون البث التلفزيوني والإذاعي
رقم 353 - الصادر في 28/7/1994، حيث تنص المادة الثالثة في بنديها الأول والرابع على الآتي: "على المؤسسة الإعلامية التقيد بالالتزامات الآتية: الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني ومقتضيات العيش المشترك والوحدة الوطنية، الالتزام بعدم بث أو نقل كل ما من شأنه إثارة النعرات الطائفية أو المذهبية أو الحض عليها أو ما يدفع بالمجتمع وخاصة بالأولاد إلى العنف الجسدي والمعنوي والإرهاب والتفرقة العنصرية أو الدينية". 

كما تحظر المادة الرابعة من القانون على المؤسسات الإعلامية ما يأتي:

 1- بث أي خبر أو برنامج أو صورة أو فيلم من شأنه تعكير السلامة العامة أو إثارة النعرات أو الشعور الطائفي أو المذهبي بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
 2- الحض على العنف والمساس بالأخلاق والآداب العامة والنظام العام.
 3- التعرض بصورة مباشرة أو غير مباشرة لأسس الوفاق الوطني ووحدة البلاد وسيادة الدولة واستقلالها.
 4 - عدم التزام الموضوعية في البرامج الإخبارية وعدم إعطاء الحدث والخبر بماهيته.
 
وتنص المادة الخامسة على أنه: "في حال عدم تقيد المؤسسة بأحكام الفقرات السابقة من هذا القانون تطبق بحقها أحكام قانون المطبوعات".

كما جاء في "المادة 35" من القانون رقم 382 الصادر عام 1994 ما يلي:  

1- في حال عدم تقيد المؤسسة التلفزيونية والإذاعية بالموجبات المترتبة عليها في هذا القانون والقوانين المرعية الإجراء، تتخذ في حقها التدابير الآتية:
  - في حالة المخالفة الأولى: لوزير الإعلام بناء على اقتراح "المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع" أن يوقف المؤسسة عن البث لمدة أقصاها ثلاثة أيام.

  - في حالة المخالفة الثانية ضمن مهلة سنة من تاريخ ارتكاب المخالفة الأولى: لمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الإعلام المبني على اقتراح "المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع" أن يوقف المؤسسة عن البث لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام ولا تزيد عن شهر.
  
كما تدعو المادة الى أن يجتمع "المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع" بمبادرة منه أو بدعوة من وزير الإعلام، وفي حال تخلف المجلس عن تلبية دعوة الوزير خلال ثمانٍ وأربعين ساعة، لوزير الإعلام الاستغناء عن رأي المجلس.
وتكون القرارات المذكورة في هذه المادة قابلة للمراجعة أمام المحكمة المختصة التي تنظر فيها حسب الأصول الموجزة وعلى ألا يتجاوز التعويض المحكوم به في حال اعتبر التدبير مخالفًا للقانون، مبلغًا مقطوعًا قدره عشرة ملايين ليرة لبنانية عن كل يوم توقيف للمؤسسة التلفزيونية وثلاثة ملايين ليرة لبنانية للمؤسسة الإذاعية.

إضافة إلى ما ورد، تُطبق على الجرائم المرتكبة بواسطة المؤسسات التلفزيونية والإذاعية العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات العام وفي قانون المطبوعات وفي هذا القانون وسائر القوانين المرعية الإجراء، على أن تشدد هذه العقوبات وفقًا للمادة 257 من قانون العقوبات. وتضاف عبارة "المؤسسات التلفزيونية والإذاعية" حيث يلزم في جميع القوانين المذكورة ويعتبر البث بواسطتها مرادفًا للنشر المنصوص عليه في المادة 209 من قانون العقوبات.

ما سبق يقطع الشك باليقين بأنّ ثمّة مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الدولة اللبنانية وفي مقدّمتها وزارة الإعلام لكبح جماح الإعلام التحريضي والفتنوي، كما يدعو الواقع الى تعديل النصوص القانونية لإدارج عقوبات تؤلم المرتكب لا أن تكون زهيدة، ولعلّ العقوبة الأهم أمام حفلة "الجنون" الفتنوية التي نراها تكمن في وقف بثّ القناة التلفزيونية أيًا يكن حاميها.
 

وسائل الإعلامالتحريضالكحالة

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة