خاص العهد
تحسن المؤشرات الاقتصادية في تونس.. هل يمهد لانفراج مع صندوق النقد الدولي؟
تونس – عبير قاسم
سجلت المؤشرات الاقتصادية تحسنًا لافتًا في تونس في الفترة الأخيرة وذلك مع ارتفاع العائدات السياحية منذ مطلع العام الحالي الى أكثر من 55 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. كما شهدت تحويلات مواطني تونس بالخارج ارتفاعًا لافتًا بما يقارب الـ 15 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية، وذهبت هذه التحويلات بالأساس إلى سداد أقساط قروض حلّ أجل سدادها.
ولعل اللافت أيضًا هو عودة الفوسفات التونسي إلى الأسواق العالمية بعد غياب عشرية بالتمام والكمال وهو ما مكن الخضراء من مداخيل إضافية هامة قدرت بـ500 مليار دينار تونسي رغم أن نسق التصدير لم يعد إلى ما كان عليه قبل اندلاع الثورة. حيث كانت تونس قبل سنة 2011 تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج وتصدير هذه المادة الحيوية والتي لديها استعمالات عديدة من بينها إنتاج الأسمدة الفلاحية في وقت يزداد فيه الطلب على الغذاء، وتضاعف فيه سعر الفوسفات ثلاث مرات أو أكثر منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
حلول متوفرة
كما حصدت تونس مداخيل هامة من العملة الصعبة بعد ارتفاع الصادرات الصناعية بـ 14 في المئة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية ناهيك عن زيت الزيتون الذي ارتفع سعره في الأسواق العالمية، وتُعتبر تونس من أهم منتجيه عالميًا إلى جانب إسبانيا وإيطاليا. كما تحسن أداء قطاعات أخرى خدماتية بالأساس ساهمت جميعها في ارتفاع احتياطي البلد من العملة الصعبة وفي تراجع عجز الميزان التجاري. ولولا العجز الطاقي، الذي دخلت فيه تونس مع بداية هذه الألفية بعد أن كانت تحقق اكتفاءها الذاتي من إنتاجها المحلي من المحروقات إلى حدود نهاية تسعينيات القرن الماضي، لكان الوضع أفضل بكثير باعتبار أن الطاقة هي أشد ما يستنزف مدخرات البلد من العملة الصعبة.
ويؤكد أغلب الخبراء على أن الحلول لتجاوز هذا العجز الطاقي موجودة ومتوفرة ويعرفها القاصي والداني وهي أساسا تطوير إنتاج بعض حقول النفط والغاز التونسية من خلال تطوير تجهيزاتها، والعودة إلى نشاط التنقيب عن مخزونات جديدة مع استغلال غاز الشيست المتوفر بكميات هامة في تونس. ولعل الأهم، بالنسبة لأغلب خبراء الاقتصاد، هو الاستثمار أكثر وبنسق حثيث في الطاقات البديلة وخصوصا الطاقة الشمسية، ويبدو، بحسب البعض، أن مشروع الربط الكهربائي بين إفريقيا وأوروبا عبر تونس وإيطاليا سيحث التونسيين على المسارعة لإنجاز بعض المشاريع المعطلة في مجال الطاقة الشمسية وسيجد من يخدمون أجندات دول إقليمية ويعطلون هذه المشاريع أنفسهم مجبرين على التخلي عن خدمة بعض الدوائر خارج الجدود.
ويحصل هذا التحسن في المؤشرات الاقتصادية في وقت تعثرت فيه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بسبب رفض تونس تنفيذ خطة الإصلاحات المتعلقة أساسا بنظام الدعم الذي تستفيد منه العائلات الفقيرة ومتوسطة الدخل، بسبب مخاوف من "تهديد السلم الأهلي". لكن يبدو أن صندوق النقد الدولي قد يراجع حساباته مع هذا التحسن في المؤشرات الاقتصادية، ومع هذه القدرة على سداد أقساط القروض في الآجال المحددة التي تظهرها الخضراء، التي لم تطالب يومًا بإعادة جدولة ديونها بسبب عدم القدرة على السداد. كما أن القرض والهبة اللذين تم منحهما مؤخرًا لتونس، والدعم الأوروبي المالي المنتظر بعد الاتفاق الأخير الحاصل بين الخضراء والأوروبيين والذي أساسه ملف الهجرة سيدعم حظوظ تونس في نيل قرض من صندوق النقد الدولي، بحسب بعض الخبراء.
توقعات بالانفراج
وفي هذا الإطار يؤكد الخبير الاقتصادي التونسي رضا الشكندالي في حديثه لـ"العهد" الاخباري أن "المؤشرات الإيجابية التي سجلها الاقتصاد التونسي مؤخرًا توحي بانفراج على صعيد الأزمة المالية التي تعيش على وقعها الخضراء منذ فترة". وقال: "بالنسبة للمؤشرات المالية فهي تتعلق أساسًا بعائدات السياحة وهي تطورت مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية. وأيضًا بعائدات تحويلات التونسيين بالخارج والتي ارتفعت بصورة تكاد تكون ملفتة للانتباه مقارنة بالسنوات الماضية أيضا وهي مرشحة للارتفاع أكثر فأكثر في المستقبل القريب".
ويضيف محدثنا: "والمؤشرات الإيجابية التي توحي بانه قد يكون هناك انفراج على مستوى الأزمة المالية التي تعيشها تونس حاليا هو أولا هذا الدعم المالي من قبل الاتحاد الأوروبي والذي يمكن من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتبعه هذا القرض السعودي والهبة واللذان يعزّزان حظوظ تونس على مستوى المفاوضات مع هذه المؤسسة المالية الدولية الهامة خاصة وأن الشرط الأساسي هو القدرة على تعبئة الموارد الخارجية بالعملة الصعبة بمبلغ 2.5 مليار دينار والأحداث تؤكد إلى حد الآن على قدرة تونس على تعبئة موارد هامة للميزانية".
ويتابع: "اعتقد ان هذا المبلغ ستتمكن تونس من تعبئته في قادم الأشهر خاصة ان هذا القرض سيفتح شهية دول كثيرة في هذا العالم لتنخرط في برنامج الإصلاحات المقترح على تونس من قبل صندوق النقد الدولي. وبالتالي فإن تونس ستذهب في طريق الاصلاحات الاقتصادية ولا خيار لها سوى الذهاب في هذا الاتجاه وهو ما سيمكن برأيي من الاستقرار الاقتصادي والمالي وهذا يكون تقريبا الطريق للخروج من المأزق الاقتصادي الذي يتخبط فيه البلد منذ سنوات".
ويشدد الخبراء والمختصون على أهمية التوصل الى اتفاق بين تونس وصندوق النقد يمهد لضخ تمويلات إضافية باعتبار أن دولًا عديدة ومؤسسات مالية كبرى عبرت عن استعدادها لدعم تونس اقتصاديًا لكن تشترط موافقة صندوق النقد الدولي بصورة نهائية على منح القرص الذي وافق عليه خبراؤه بصورة مبدئية.
لكن طريق موافقة صندوق النقد الدولي على هذا القرض ما زال مليئًا بالأشواك باعتبار أن هناك دولًا ولوبيات خارجية مرتبطة بأخرى داخلية لا تتفق مع المنظومة الحاكمة الجديدة في تونس وتسعى لعزلها ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا. وتضغط هذه اللوبيات ليس فقط على صندوق النقد الدولي، بل أيضًا على بعض وكالات التصنيف للتخفيض من تصنيف تونس الائتماني السيادي على غرار وكالة فيتش رايتنغ التي سارعت في وقت سابق إلى التخفيض في تصنيف تونس وادعت أن الخضراء غير قادرة على سداد أقساط ديونها.
وبقي التصنيف المنخفض على حاله أشهرًا طويلة تكبدت فيها تونس خسائر فادحة نتيجة تسرع وكالة فيتش رايتنغ، لتظهر لاحقًا ومع مرور الأشهر قدرة تونس على السداد وفي الآجال وهو ما جعل الوكالة تعترف بخطئها لكن دون أي اعتذار.