خاص العهد
معادلة "الغجر": لا مقايضة
يكاد لا يخلو خطاب للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله من معادلة جديدة تُربك العدو الإسرائيلي، فكيف اذا كان الخطاب في ذكرى عدوان تموز 2006 على لبنان ويتزامن مع اعتداء جديد ارتكبه العدو أعاد فيه احتلال الجزء اللبناني من بلدة الغجر بعدما ثبُتت أحقيته للبنان باعتراف أممي؟!
المحلّل السياسي الدكتور وسيم بزي يقرأ في خطاب سماحة السيد نصر الله يوم الأربعاء (12 تموز 2023) فيلفت الى أنه يحمل طبيعة استثنائية ربطًا بالأحداث والتطورات التي تحصل على جبهة الجنوب. تلك الأحداث والتطورات لم تأت الأمس بالذات لأن هناك مسارًا من الوقائع الميدانية التي كان العدو يحاول من خلالها فرض وقائع حاكمة جديدة أو أن يتلاعب بقواعد الاشتباك أو أن يرمّم قدرة الردع لديه. من وجهة نظر بزي، فإنّ أهم ما تطرّق اليه سماحة السيد نصر الله في هذا العنوان أنه كشف زمنيًا أن موضوع إعادة ضم الجزء الشمالي من بلدة الغجر وقسمًا من أراضي بلدة الماري قد سبق بالتوقيت موضوع الخيمتين وأن أحد أهداف نصبهما - وتحديدًا الخيمة الأولى الواقعة جنوب الخط الأزرق داخل الأراضي اللبنانية المحتلة - كان استقطاب الأنظار ودفع المعنيين بالداخل والخارج للتعاطي مع هذه الحقيقة بما تتطلّبه من مواقف قبل أن تبادر المقاومة لأخذ دورها الطبيعي بالتصدي لاحتلال العدو مرة أخرى لأراض لبنانية.
ومن نتائج هذا الأمر - كما عبّر سماحته - الشكوى اللبنانية الى مجلس الأمن والاتصالات الأميركية والفرنسية وغيرها القائمة على قدم وساق مع اللبنانيين والأهم أنّ العدو قد ظهر مردوعًا حين هدّد بإزالة الخيمتين بالقوّة، وهو ما لا يجرؤ على القيام به وعاد يقول إنّه يريد أن يستخدم الدبلوماسية. وهنا، يرى المتحدّث أنّ هناك تطورًا مهمًا في كلام سماحة السيد نصر الله حيث أكّد أنّ إزالة الخيمتين غير وارد وأنه غير مرتبط بأي مقايضة كمثل الانسحاب من الغجر لأن كلا الأمرين حق للبنان. الخيمة موجودة في أراض لبنانية محتلة والعدو عاد وضمّ أراضيَ لبنانية محتلة، وبالتالي مبدأ المقايضة يقضم الحق اللبناني ويُسلّم للعدو بما قام به من عدوان. برأي بزي، فإنّ ما حصل يرسم خارطة طريق يفترض بالمعنيين بالأمم المتحدة والدولة اللبنانية أن يستفيدوا منها لتشكيل حالة ضغط على العدو للخروج من المنطقة التي استولى عليها.
وفي هذا السياق، يشير بزي الى ما تحدّث عنه سماحته لجهة التكامل بين الدولة والمقاومة في تجربة الحدود البحرية الأخيرة؛ فنحن لسنا بصدد ترسيم كما قال السيد نصر الله لأنّ هذه المنطقة محدّدة منذ عام 1923 بموجب اتفاقية بوليه–نيوكومب، ومُعاد تثبيتها بموجب اتفاقية الهدنة عام 1949 بعد نشوء الكيان المحتل. وعلى ضوء ذلك نحن في البر لا نُرسّم بل نقاتل في سبيل انتزاع حق ضمن الحدود الوطنية لبلدنا.
وفي الشأن الرئاسي، يستوقف بزي الكلام المهمّ للأمين العام لحزب الله حول تمسُّك حزب الله بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية. يشير الى الشواهد التي أعطاها سماحته في بلد لا تُحترم فيه النصوص والأعراف وبلد تُبنى فيه المعايير على الأشخاص ومواقفها. وقد أعطى سماحته أدلة تاريخية على هذا الأمر بدأت بالرئيس إميل لحود وأدائه في حرب تموز بالذات، وانتقل الى الرئيس ميشال عون وكيف حمى ظهر المقاومة على مدى 6 سنوات ليضع رئاسة فرنجية العتيدة وتمسك حزب الله به ضمن هذا المنحى. برأي بزي، يضيء هذا بقوة لأوّل مرّة على الجمهور للإشارة الى أسباب التمسك بفرنجية، وهذا يؤكّد أنّ خيار فرنجية ما بعد جلسة 14 حزيران الماضي هو أكثر تجذرًا ليس لدى حزب الله فقط بل حزب الله وحركة "أمل"، كما يؤكّد أنّ كل ما قيل بالمرحلة الماضية عن مقايضات وحاجة لنصوص دستورية أو انقلاب على الطائف أو غيرها من المقولات نفاها سماحته بكثير من التسخيف واعتبر أنها تهدف الى أمرين؛ فتنة مع المسيحيين كون الرئيس هو الوحيد الذي يُقسم على الدستور وله دائمًا مشروعيته، وفتنة مع السنّة الذين يعتبرون أن الطائف شكّل لهم مكسبا تاريخيّا ويتمسكون به.
وفي العناوين، يستوقف بزي ما تناوله سماحته لجهة عودة الحوار مع "التيار الوطني الحر". وفق بزي، نحن أمام إطلاق كرة من رئيس "التيار" جبران باسيل تلقفها في اليوم التالي سماحة السيد نصرالله، وهذا الأمر من إطلاق وتلقف له معان سياسية مهمة جدًا. بالنسبة لبزي، الطرفان يدركان أنّ قسوة الذي جرى حين سار "التيار" بالمرشح جهاد أزعور كامتحان صعب للعلاقة لم يؤثّر على إدراك كل منهما للحاجة الوطنية للعلاقة بينهما والحاجة السياسية للحاجة للحوار، والأهم أن الحوار القادم بينهما هو دون شروط مسبقة وبالتالي يمكن لحزب الله أن يضع مرشحه على الطاولة كما يمكن للوزير باسيل أن يضع من يريد من أسماء.
وفق قناعات بزي، فإنّ المهم من عودة الحوار بين الطرفين - علمًا أن عُرى العلاقة لم تُقطع بالفترة الماضية - هو أن توقيتًا سياسيًا بالغ الدلالات يُعطى لهذه العودة اذ إنّ حزب الله ينفتح على "التيار" بموازاة استقبال رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب تيمور جنبلاط مع كتلة "اللقاء الديمقراطي". بحسب بزي، هذان خطان متوازيان لهما دلالات أنّ حزب الله لم يسلّم بوقائع ما بعد الجلسة الانتخابية الأخيرة وأنه يتحرك ويسعى ويطوّر الوقائع السياسية من خلال رؤيته لواقع الملف الرئاسي بالمرحلة المقبلة. وفي هذا الإطار، يرى بزي أنّ زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان القادمة لا تحمل في طياتها الكثير من الآمال كما أنّ "اللقاء الخماسي" الذي سيُعقد على مستوى المندوبين في الدوحة لن يقدم جديدًا في هذا الإطار وستظل معركة الرئاسة أسيرة لوقائع داخلية وتوازنات يمكن أن تُعدل بالمرحلة القادمة، فيما من الواضح أنّ كلمة سر خارجية لم تنضج حتى الآن" يقول بزي في ختام مقاربته.