معركة أولي البأس

خاص العهد

"يا خوفي يوم النصر نكسب سينا ونخسر مصر"!
11/07/2023

"يا خوفي يوم النصر نكسب سينا ونخسر مصر"!

ايهاب شوقي

مع ما تشهده مصر اليوم من انهيار اقتصادي، يبدو أن هتافات الجماهير والحركة الطلابية المصرية في أعوام 1972 و1973 قد صدقت حينما كانت تهتف: "يا خوفى يوم النصر نكسب سينا ونخسر مصر"!

في ما يلي سوف نعرض لمسار التدهور في الاقتصاد المصري، والدور الأميركي في ذلك، من خلال الاجابة على مجموعة من الاسئلة.

* ما هي القرارات الاقتصادية المصرية التي اتخذت تحت الضغط الأمريكي بعد كامب دايفيد وحتى الآن؟

هناك قرارات تم اتخاذها تحت الضغط الأمريكي من منطلق الشروط التي يجب توفرها لمن يتلقى المعونات والمساعدات الأمريكية، وهي على صلة بسلوك الدولة وسياستها ومدى اتساقها مع المصالح الأمريكية، كشرط لتلقي المساعدة، وكذلك على صلة بمصادر انفاق المعونات وبالتوجه الاقتصادي للدولة والذي يجب ألا يفارق الفلك الأمريكي.

ومن هذا المنطلق يمكن أن نضع بعض القرارات السابقة لكامب ديفيد في هذه الخانة، لأنها قرارات كانت بمثابة استيفاء للشروط قبل التقدم بطلب العون والمساعدة الأمريكية.

وهنا يمكننا دمج القرارات الاقتصادية التي تزامنت مع التوجه نحو أمريكا مع القرارات التي بدأت مع كامب ديفيد ولا تزال مستمرة حتى اليوم:

"يا خوفي يوم النصر نكسب سينا ونخسر مصر"!

أولًا  - ورقة أكتوبر:
منذ تحقق نصر أكتوبر، بدأ الرئيس أنور السادات إعادة صياغة أسس نظام حكمه بشكل مخالف للأسس التي كان يستند عليها الحكم خلال العهد الناصري، فصدرت ورقة أكتوبر في الذكرى الأولى لانتصار 1974 وقد حدد الرئيس السادات أهداف الورقة في عشرة أهداف ركزت البنود الثلاثة الأولى منها على الاقتصاد وهي:
1- التنمية الاقتصادية بمعدلات تفوق كل ما حققناه حتى عام 1974.
2- الإعداد لمصر عام 2000 حتى توفر أسباب استمرار التقدم للأجيال المقبلة.
3- الانفتاح الاقتصادي في الداخل والخارج الذي يوفر كل الضمانات للأموال التي تستثمر في التنمية.
بشّرت الورقة بالانفتاح الاقتصادى وانتهاء سياسات "عهد الانغلاق" وتحرير التجارة الخارجية والاستثمار الخارجي.

ثانيًا: خطوات تشجيعية أمريكية للسادات للمضي قدمًا في عملية السلام
سجلت في هذه المرحلة عدة مساعدات سبقت اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام، ويمكن ملاحظة تدرجها في تعميق التعاون وتقوية موقف السادات داخليًا ومساعدته على تبرير التعاون مع أمريكا وقد كانت المساعدات متنوعة عسكريا واقتصاديا

ثالثا: سياسة الانفتاح
من أخطر القرارات الاقتصادية التي اتخذتها مصر وما تزال تداعياتها السلبية ماثلة حتى اليوم هي "سياسة الانفتاح":
* هي سياسة الرئيس المصري أنور السادات "لفتح الأبواب" للاستثمار الخاص في السنوات التي تلت حرب أكتوبر 1973 مع "إسرائيل"
* صاحب الانفتاح قطع العلاقات مع حلفاء مصر القدماء ومقدمي المساعدات
* تم استبدال الإتحاد السوفياتي بالولايات المتحدة الأميركية وبدأ ما يسمى بعملية "السلام" مع "إسرائيل"
* وضع الانفتاح حدًا لسيطرة القطاع العام على الاقتصاد المصري
* أدى الانفتاح الاقتصادي إلى نتائج عديدة أبرزها:
- تجزئة الاقتصاد المصري وتحوله لمجموعة متنافرة من الاقتصاديات
- إضعاف القطاع العام الذي كان يمثل الركيزة الأساسية لما حدث من نمو اقتصادي في الستينات
- ظهور مراكز قوى اقتصادية اكتسبت نفوذا وهيمنة لا يستهان بها على توجيه السياسات الاقتصادية ووضع القرارات العامة
- نمو هش خدمي في الاقتصاد المصري مرهون للأجانب ومثقل بعبء دين خارجي ضخم
-نمو هائل في الأنشطة الطفيلية مثل استغلال النفوذ السياسي والإداري، والارتشاء والمضاربة والاتجار في السوق السوداء، والتهريب..
- قفز معدل التضخم إلى 11% في عام 1974 ثم إلى 13% في 1977 وقد بلغ 25% في 1981
- غياب التخطيط ووقوع الاقتصاد المصري في فخ التبعية
- الإضرار بالمواطنين الفقراء ومحدوي الدخل بسبب رفع الأسعار وخاصة أسعار السلع والمواد الغذائية
- ظهور طبقة ثرية في مصر كانت قد اختفت فيما قبل عام 1952
- ظهرت بمصر مراكز التسوق الخاصة والعديد من الأنشطة الاقتصادية التي كان يحظرها النظام الاشتراكي
- عام 1975 نشرت جريدة روز اليوسف تحقيقًا صحفيًا قالت فيه إن مصر أصبح بها ما يزيد عن 500 مليونير بعد سياسة الانفتاح الاقتصادى

رابعًا: الاقتراض من صندوق النقد الدولي للمرة الأولى
تملك مصر تاريخًا حافلًا مع صندوق النقد الدولي:
- ديسمبر 1945: انضمام مصر لعضوية صندوق النقد.
- في عامي 1977ــ 1978 : الاقتراض من الخارج لأول مرة في تاريخها في عهد أنور السادات، باقتراض 185.7مليون دولار.
- في عامي 1991- 1993: الاقتراض للمرة الثانية في عهد حسني مبارك، باقتراض 375 مليون دولار لسد عجز الميزان التجاري ما فرض اتباع سياسة الخصخصة وبيع القطاع العام.
- في عامي 1996 ــ 1998: المطالبة بقرض بـ 434.4 مليون دولار تم إلغاؤه.
- إلغاء 50% من الديون المستحقة لمصر لدى دول نادي باريس.
منذ ثورة 25 يناير:
- طلب الحصول على قرض في عهد المجلس العسكري.
- طلب مرتين الحصول على قرض في عهد محمد مرسي.
- طلب زيادة القرض من 3.2 إلى 4.7 مليار دولار.
- عدول مرسي عن تنفيذ العديد من الإصلاحات أدى إلى تعليق المفاوضات.
اتفاق عام 2016:
- برنامج إصلاح اقتصادي مدته 3 سنوات.
- الحصول على قرض بـ 12 مليار دولار.
أهم قرارات برنامج الإصلاح:
- تعويم الجنيه في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.
- في عام 2016: ارتفاع سعر صرف الدولار من 8.87 جنيه إلى أكثر من 18 جنيها.
عادةً ما يقدم صندوق النقد والبنك الدوليان قروضاً بالعملة الصعبة. وبدلاً من أن تُستخدم في مشاريع تنموية وحيوية للاقتصاد المحلي، تستخدم في الواقع لتمويل واردات السلع الاستهلاكية واستمرار "العادات السيئة"، أو تنفق من جانب المسؤولين الحكوميين الفاسدين.

خامسًا: المعونة الأمريكية
بعد توقيع مصر لاتفاقية السلام مع "إسرائيل" "كامب ديفيد" في نهاية سبعينيات القرن العشرين، تعهدت أميركا بتقديم معونة اقتصادية وفنية لمصر و"إسرائيل"، وحصلت على قرابة أربعين مليار دولار منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، من المعونة الأميركية في مشروعات للبنية الأساسية والمعونات الغذائية.
كانت معظم أموال المعونة تعود مرة أخرى لأميركا في شكل مشتريات وأجور لخبراء أمركيين يعملون بمصر، فضلا عن المعونة العسكرية المقدمة لمصر سنويا، بحدود مليار دولار، تأتي في شكل أسلحة ومعدات عسكرية من أميركا.
كانت النتيجة أن حصلت أميركا بموجب برامج المعونة على كافة البيانات والمعلومات التي تخص مصر، في المجالات المختلفة، فضلا عن سياسة أميركا عبر المعونة بكل صورها، إذ كانت مسكنات لا تسمح لمصر لأن تكون دولة اقتصادية قوية.
وقد تم تخفيض المساعدات الاقتصادية تدريجيا منذ عام 1998. بحلول أواخر 1990، قرر الكونجرس البدء في تخفيض نطاق المساعدات الاقتصادية بما يوازي تخفيض 40 مليون دولار سنويا من مصر على مدار 10 سنوات. وبناء على طلب من بوش، الذي شهدت فترة حكمة علاقات متوترة مع حسني مبارك قرر الكونجرس قطع نصف المساعدات الاقتصادية لتصل إلى 200 مليون دولار عام 2009. وعند توليه السلطة سعى باراك أوباما لزيادة 50 مليون دولار لهذه المساعدات لتبلغ 250 مليون دولار منذ عام 2010.

* ما هي السياسات الأمريكية التي تم فرضها على الدولة المصرية منذ كامب ديفيد؟

في كتاب للباحث المصري الدكتور عادل حسين، يتحدث الكاتب عن سياسة "الخطوة خطوة" في فرض السياسات الأمريكية ويقول:
منذ أن سلم السادات للولايات المتحدة توكيلاً لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وقعت مصر رهينة هجوم مخطط عرف باسم «سياسة الخطوة خطوة» منذ عام 1974.
 ذلك الهجوم نجح في تحقيق أهدافه في منتصف عام 1977، إذ صاحب تلك الفترة تغيرات أصابت البنية الاقتصادية المصرية ودفعت السادات إلى الخضوع للشروط المفروضة عليه، ومن ثَمَّ التمهيد لعلاقات غير متكافئة مع الاقتصاد الاسرائيلي.

وتتجسد ملامح ذلك التغير في:
1. الاعتماد على الخارج لتغطية الفجوة الغذائية
2. القروض الميسرة والمنح
3. الهيكل الهش والمكشوف للموارد

وضع البنك الدولي بالتعاون مع وكالة التنمية الأمريكية استراتيجية التنمية في قطاعي الزراعة والصناعة بغية جعل هيكل الاقتصاد المصري متسقًا مع متطلبات السلام الأمريكي الإسرائيلي، وما يتضمنه من مشاريع مشتركة مع العدو الصهيوني في سبيل زيادة التبادل التجاري مع مصر.

"يا خوفي يوم النصر نكسب سينا ونخسر مصر"!

وتم التلويح دوما بعقوبات اقتصادية لفرض سياسات داخلية وخارجية.
وفي عام 2020 تم فرض سياسات تخص مجال الطاقة والغاز، فقد اجتمع وزير الخارجية سامح شكري فى 16 يناير 2020 فى واشنطن بعدد من أعضاء مجلس الشيوخ وهم السيناتور الجمهوري "ليندسي جراهام" رئيس اللجنة الفرعية لأفريقيا التابعة للجنة العلاقات الخارجية وعضو لجنة اعتمادات العمليات الخارجية، والسيناتور "جو مانشين" عضو وزعيم الأقلية الديمقراطية في لجنة الطاقة وعضو لجنتي الاعتمادات والخدمات العسكرية، والسيناتور "تيم كاين" زعيم الأقلية الديمقراطية باللجنة الفرعية لأفريقيا التابعة للجنة العلاقات الخارجية وعضو لجنة الخدمات العسكرية. كما التقى بعدد من أعضاء مجلس النواب وهم النائب الديمقراطي "آدم سميث" رئيس لجنة الخدمات العسكرية، والنائب الديمقراطي "تيد دويتش" رئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط ومكافحة الاٍرهاب، والنائب "مايكل ماكول" زعيم الأقلية الجمهورية بلجنة الشئون الخارجية، والنائب "ماك ثورنبيرى" زعيم الأقلية الجمهورية بلجنة الخدمات العسكرية.
وتطرقت المباحثات للدور المصري الرائد في مجال الغاز الطبيعي من خلال إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، الأمر الذي سيعود بفوائد مؤكدة على اقتصاديات دول المنطقة، وسيسهم كذلك في اتاحة المزيد من الفرص الاقتصادية أمام الشركات الامريكية.

* ما هو تأثير الرؤية الأمريكية للمنطقة ومركزية الأمن الصهيوني في تلك الرؤية على السياسة الاقتصادية تجاه مصر؟

تتضمن مقومات السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط:
- تحقيق سلام دائم وعادل "بالمقاييس الأمريكية" بين "إسرائيل" و"جيرانها" العرب
- تحقيق وتنمية أمن "إسرائيل" وخيرها
- وضع إطار أمني في الخليج العربي يكفل الوصول الأمريكي لموارد الطاقة
- وضع حد للإرهاب (بالمفهوم الأمريكي) المدعوم من الدول والكيانات الأخرى
ما يعني أن المعونات الأمريكية لمصر تُدار وتُوجه للسيطرة على مصر فيما المعونة الأمريكية لـ"إسرائيل" تُدار بآليات تحقق "تنمية أمن إسرائيل وخيرها".
حصدت "إسرائيل" السلام، وتحسن اقتصادها بمعدلات عالية، بينما تدهور اقتصاد الدول العربية، سواء التي أبرمت اتفاقيات السلام مع إسرائيل أو التي لم تقدم على هذه الخطوة. فالكيان الصهيوني كان ناتجه المحلي في 1979 نحو 21.5 مليار دولار، قفز في 2018 إلى 370.5 مليار دولار، وهو أعلى من ناتج مصر المحلي الذي بلغ في 2018 بحدود 250 مليار دولار فقط.
ولعل النتائج التي يعيشها الكيان الصهيوني، وتمكنه من مفاصل منطقة الشرق الأوسط الآن، هو ما كان مخططا له منذ الإعلان عن مؤتمر مدريد للسلام في 1990، الذي أعلن فيه عن مشروع الشرق الأوسط الجديد، لتظل اقتصاديات المنطقة العربية تدور في فلك الاستهلاك وإنتاج المواد الأولية، بينما الكيان الصهيوني يتحول إلى دولة منتجة للتكنولوجيا ومصدر للسلع الإستراتيجية.

"يا خوفي يوم النصر نكسب سينا ونخسر مصر"!

* ما هي المساعي الصهيونية للتأثير على الاقتصاد المصري بشكل مباشر أو عبر تحريض الأمريكي؟

تهدف الولايات المتحدة الى التطبيع العلني والشامل بين الدول العربية واسرائيل وهذا ما دعت إليه في إطار "مبادرة السلام العربية" التي أقرها مؤتمر قمة بيروت عام 2002.
وتسعى أميركا لتحقيق التطبيع الاقتصادى بين إسرائيل والدول العربية يجب أن يتأسس على تحقيق المصالح الإسرائيلية.
وكان للجهود الأمريكية فعل الحسم فى مسار العلاقات التجارية بين العرب و"إسرائيل"، الأمر الذي جعل هذه العلاقات تشهد نقلات نوعية لا ترتبط بمسار التسوية السلمية وتطوراته.

والملاحظ أن الإدارة الأمريكية باتت تستغل سعى الدول العربية لعقد اتفاقيات تجارة حرة ثنائية مع واشنطن للحصول على ما تريد. كذلك تستغل الولايات المتحدة حاجة الدول العربية للانضمام إلى منظمة التجارة الدولية وشروط التجارة الحرة مع كل دول العالم من أجل إثناء بعض الدول العربية عن استمرار مقاطعتها لـ"إسرائيل".

يرصد الباحث رفعت سليم في دراسته عددًا من الملفات التي شهدت ضغوطًا كانت بمثابة المؤامرات على اقتصاد مصر وأمنها ومنها: عدم تنمية سيناء والاكتفاء فقط ببعض مشاريع السياحة التي فكر فيها الصهاينة في جنوب سيناء، تفريغ الاقتصاد المصري من مضمونه ببيع القطاع العام وهدمه وجعل الملكية في المشاريع الكبرى بمصر في يد أفراد لا في يد الدولة، التحول الكامل الى دعم النظام الرأسمالي والسياسات النيوليبرالية ودعم بعض رجال الاعمال للتعامل بشكل مباشر مع "اسرائيل" للقضاء على ما كان يسمى في الماضي بالرأسمالية المصرية الوطنية، منع اقامة مشروعات صناعية كبرى عملاقه يمكن أن تستخدم في بناء عسكري وبالتالي تحويل مصر الى مستهلك كبير.

"يا خوفي يوم النصر نكسب سينا ونخسر مصر"!

وفي 14 كانون الاول/ ديسمبر من عام 2004 تم توقيع برتوكول (الكويز) بين الحكومة المصرية والكيان الاسرائيليومن آثارها السلبية القاتلة دخول "إسرائيل" بنسبة تقرب من 12% من المواد المصنّعة في مصر، أي اختراق اقتصادي تطبيعي يصعب ردّه مستقبلاً مع تحصيل نسبة كبيرة من عوائد هذه الصادرات الصناعية ويقدّر مبدئياً بـ (745 مليون دولار) وهي صادرات من المفترض أن تذهب إلى الولايات المتحدة، ووفقاً لوثائق وزارة التجارة التي أكّدت أيضاً أن "إسرائيل" وفقاً للاتفاقية ستدخل كعامل رئيس في تشغيل 205 مصانع مصرية وستؤثّر في تحريك واختراق عقول "161 ألف عامل". وأتت الاتفاقية لتقدّم مصر "لإسرائيل" تنازلاً مجانياً يفتح الباب السياسي (فضلاً عن الباب الاقتصادي) لزيادة تجارتها وتطبيعها من خلال إدخال مكوّن صناعي بنسبة 11.8% الأمر الذي لم يقابله تنازل إسرائيلي مواز، ولو بشكل رمزي. كما أدّت هذه الاتفاقية إلى الإنهاء العملي لاستراتيجية المقاطعة العربية للشركات والسلع "الإسرائيلية"، وهي استراتيجية كبّدت العدو الصهيوني في الفترة من (1948 - 2018) أكثر من مائة وخمسين مليار دولار، تأتي هذه الاتفاقية لتجعل التطبيع الاقتصادي السرّي (والمحدود) الذي كان يجري مع 14 دولة عربية، تطبيعاً علنياً ومتزايداً وبأحجام كبيرة.

المتأمل في حصاد برنامج المساعدات الأمريكية لمصر لا يتردد في التسليم بأنه أقرب إلى (اتفاق تعاون) من كونه "مساعدات"؛ فما حصدته الولايات المتحدة من مكاسب اقتصادية وأمنية واستراتيجية ــ وهي الأهم ــ يفوق بكثير أي استفادة اقتصادية جزئية وظرفية نالتها مصر في المقابل.

* ما هو الاختراق الأمريكي والاسرائيلي للدولة المصرية والنخب والذي سمح بتنفيذ السياسات الاقتصادية الأمريكية؟

تتضمن المادة الثالثة من معاهدة "السلام" تحتوي على ثلاثة بنود، ينص ثالثها على: "يتفق الطرفان على أن العلاقات الطبيعية التي ستقام بينهما ستضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وإنهاء المقاطعة الاقتصادية والحواجز ذات الطابع المتميز المفروضة ضد حرية انتقال الأفراد والسلع. كما يتعهد كل طرف بأن يكفل تمتع مواطني الطرف الآخر الخاضعين للاختصاص القضائي بكافة الضمانات القانونية وبوضع البروتوكول الملحق بهذه المعاهدة "الملحق الثالث" الطريقة التي يتعهد الطرفان بمقتضاها بالتوصيل إلى إقامة هذه العلاقات، وذلك بالتوازي مع تنفيذ الأحكام الأخرى لهذه المعاهدة".

عملت السياسات الصهيونية على خلق طابور خامس من رجال الصحافة والاعلام والفن للإطراء والثناء على اتفاقية كامب ديفيد  وعلى المناداة باستمرار التطبيع مع "اسرائيل" وعلى تجميل شكل الكيان في الاعلام والميديا وعلى عدم ظهور "اسرائيل" بأنها العدو وأن العدو الحقيقي هو ايران، بل لو ظهر من المصريين من يدعم المقاومة وينشدها فهو عدو لهم، وقد بدأت هذه الحركة في أوائل عام 1984، أما الآن فرجال الدولة هم من يجملون صورة "اسرائيل" ويمتدحونها.
افتتحت في القاهرة مكتبين أحدهما استشاري لشركة "إنترتريد" والآخر مكتب اتصال لشركة "ألتاتريد" بهدف إقامة علاقات برجال الأعمال المصريين لدفع عجلة الصادرات مرة أخرى، وتقديم الاستشارات، والإعداد للتعاون بين الشركات المصرية والإسرائيلية وإقامة مشاريع مشتركة. كما حرصت على المشاركة في معارض القاهرة الرئيسية السنوية؛ كمعرض الكتاب والمعرض الصناعي والمعارض الفنية والمشاريع البحثية المشتركة التي تتدخل المؤسسات البحثية الأمريكية بدور الممول والمنظم لها.

"يا خوفي يوم النصر نكسب سينا ونخسر مصر"!

أما على مستوى قطاع الزراعة، فقد كانت هناك زيارات متبادلة بكثافة واجتماعات للجان الفنية وندوات علمية. وحصلت "اسرائيل" على التزام من الدولة المصرية بتسهيل تسجيل الشركات الإسرائيلية وفتح مكاتب لها، كما حصلت على تأشيرات دخول متعددة الاستعمال لرجال أعمالها وسائقي الشاحنات الإسرائيلية عبر الحدود، وذلك بموجب مذكرة التفاهم عن النقل وملحقاتها.

وقد أطلق الكاتب المصري "عادل حسين" على السياسة الإسرائيلية الاقتصادية تجاه مصر مصطلح "التسلل المنظم"، هذا النمط من التسلل يتكامل مع دور آخر قامت به الصهيونية الدولية وهو السرية التامة لمساندة الجهود الإسرائيلية، إذ تسللت تحت غطاء مستثمريين ورجال أعمال من جنسيات مختلفة ومصريين من أمثال عصمت السادات وعثمان أحمد عثمان، مكّناها من اختراق مجالات مشاريع إنتاج البيض والدواجن في الداخل إلى جانب مشاريع الاستيراد المختلفة.
كما استطاعت السفارة الإسرائيلية في القاهرة أن تخترق العديد من النخب السياسية والاقتصادية والإعلامية، وهو ما كشفه الاحتفال السنوي للسفارة في ذكرى احتلال فلسطين، صيف 2018.
الباحث المتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي سمير الطوخي يؤكد وجود طابور خامس يعمل بعدة مؤسسات صحفية واقتصادية وسياسية لصالح "إسرائيل"، يمثلون مجهود مجموعة "جمعية القاهرة للسلام" التي شكلتها مجموعة كوبنهاجن عام 1997، برئاسة الكاتب اليساري لطفي الخولي، والتي ضمت صحفيين ومثقفين مصريين للتحاور مع نظرائهم الإسرائيليين.

ووفقا للطوخي، فإن "إسرائيل" استطاعت اختراق عدد من المراكز البحثية الهامة، لصناعة أصدقاء لها بالقاهرة، كانوا رأس الحربة في الترويج للتطبيع، منها مركز دراسات الشرق الأوسط، والذي يضم مجموعة من العسكريين والباحثين المدنيين من أبرزهم طارق فهمي وطه المجدوب، والأخير كان عضوا بجماعة كوبنهاجن، وكذلك مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام والذي كان أعضاؤه القوام الأساسي لجمعية القاهرة للسلام مع "إسرائيل".

* ما هو خطر تطور السياسات المصرية التابعة منذ كامب ديفيد؟ وما أسباب التغير؟

اتفق الرئيس السادات مع رئيس وزراءالعدو بيغن على تزويد مصر للكيان بالنفط، وتم التوقيع على أول اتفاق لإمداد "إسرائيل" بـ(2 مليون طن) من النفط عام 1980 ثم اتفق الجانبان في 18 آذار/ مارس 1980 على تزويد "إسرائيل" بمليون طن من النفط حتى نهاية عام 1980.

وأصبح النفط المصري يشكل أهم بنود التبادل التجاري بين مصر والكيان إذ اتفق وزير النقط المصري عبد الهادي قنديل في عام 1986 مع المسؤولين الإسرائيليين على أن تحصل "إسرائيل" على مليوني برميل من النفط المصري الخام خلال العام المقبل أي ما يعادل 40% من مجموع استهلاكها السنوي مقابل قيام مصر بزيادة نسبة وارداتها من مشتقات النفط الخام من الكيان.

"يا خوفي يوم النصر نكسب سينا ونخسر مصر"!

وبالتالي نلمح مسارًا متدرجًا يبدأ من دعم السادات اقتصاديا لتبرير التحول الاستراتيجي نحو "السلام" وأمريكا، ثم يصل لإحكام الفخ والقبضة الاقتصادية بتحويل الاقتصاد المصري لاقتصاد تابع ومرهون للسياسات الأمريكية والصهيونية، ثم تسلل منظم صهيوني لتصبح هناك ضغوطا صهيونية مستقلة لا يشترط أن تكون برعاية أمريكية وضغط أمريكي مباشر، ونجد بعد ذلك تطور مهين مفاده التلويح بالعقوبات وتجميد المعونات، وذلك بعد افتقاد أوراق القوة المصرية والقناعة الأمريكية والصهيونية بوصول مصر لحالة يصعب معها التمرد والعودة لما قبل الاتفاقيات.

في الفترة التي سبقت عام 2004، كان التطبيع بين مصر و"إسرائيل"، قاصرا على ملفي السياحة والزراعة وقد حققت فيهما "إسرائيل" نجاحات سياسية واقتصادية وأمنية ومخابراتية كبيرة، بينما كانت مصر تقوم بدور المستقبل ليس أكثر.
وبدءا من عام 2004 أخذ موضوع التطبيع مسارا مغايرا بعد توقيع اتفاقية الكويز بين مصر و"اسرائيل" وأمريكا، وبعدها تم توقيع اتفاقية تصدير الغاز المصري للكيان بأسعار زهيدة، ثم شراء "إسرائيل" في 2007 لبنك الاسكندرية من خلال وسيط إيطالي، ثم زيادة المشروعات السياحية في شرم الشيخ وطابا.

ولا يمكن التعامل مع مشروع تأسيس خط إيلات عسقلان لنقل النفط الذي وُقِّع أخيراً بين مستثمرين إماراتيين وإسرائيليين وشركة خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية المملوكة لـ"إسرائيل"، بمعزل عن مشروعات تطبيع أخرى في قطاعات حيوية تستهدف كلها التأثير سلباً بالاقتصاد المصري.

من بين هذه المشروعات مشروع إنشاء خط السكك الحديدية بين إيلات على البحر الأحمر وموانئ محتلة على البحر المتوسط، مثل عسقلان. فهذه النوعية من المشروعات تؤثر بقوة في قناة السويس، خاصة أنها تستهدف جذب أهم عميل لدى القناة المصرية، وهو النفط الخليجي.

وربما لخص السفير "بلال المصري" الوضع بدقة كبيرة عندما قال:
"إن المعونة الأمريكية هي نقطة الضعف الأساسية في العلاقة الأمريكية - المصرية وبدونها كان في إمكان مصر إستخدام أصولها السياسية الثابتة والقوية وهي رأس مال سياسي لا ينفذ".

* ما هي السياسات الأمريكية والصهيونية في ملف الغاز والمياه المصرية؟

التعاون الاقتصادي هو أحد بنود معاهدة اتفاقية كامپ ديڤيد، وفي أحد بنود الاتفاقية ورد بند ينص على تزويد مصر لـ"إسرائيل" بالنفط لمدة عشرين عامًا واستبدل هذا البند لاحقاً بتزويد "إسرائيل" بالغاز الطبيعي.
تم توقيع الاتفاقية في عام 2005 لأسباب أعلن أنها استراتيجية تتعلق بالعلاقة بين "الدولتين"، إذ رفضت حكومة العدو شراء الغاز من حقل الغاز الفلسطيني في البحر قبالة قطاع غزة، والذي تديره شركة بريتش گاز.
وكان المبرر الإسرائيلي لهذا الرفض هو أنها لا تريد أن تضخ المليارات في خزينة حكم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والذي اعتبرته مؤيداً للإرهاب.
كما أن مصر رأت في اعتماد "إسرائيل" على الغاز المصري وسيلة لممارسة الضغط من ناحية ولإثبات حسن نواياها لدى الأميركيين من ناحية أخرى.

"يا خوفي يوم النصر نكسب سينا ونخسر مصر"!

وإتفاقية تصدير الغاز المصري إلى الكيان هي اتفاقية وقعتها الحكومة المصرية عام 2005 مع "إسرائيل" تقضي بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي لمدة 20 عاما، بثمن يتراوح بين 70 سنتاً و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما يصل سعر التكلفة 2.65 دولار، كما حصلت شركة الغاز الإسرائيلية على إعفاء ضريبي من الحكومة المصرية لمدة 3 سنوات من عام 2005 إلى عام 2008 وقد أثارت هذه الاتفاقية حملة احتجاجات كبيرة دفعت عددا كبيرا من نواب مجلس الشعب المصري إلى الاحتجاج وتقديم طلبات إحاطة.

ومن أجل توفير وقود بديل لمحطات توليد الكهرباء، دون المساس بالغاز المصري المتدفق إلى الأراضي الإسرائيلية، بدأ وزير البترول السابق سامح فهمي في استيراد السولار والمازوت من الجزائر بالسعر العالمي المضر بالاقتصاد المصري، فقد بلغ سعر المليون وحدة حرارية من السولار والمازوت المستورد 3 أضعاف سعر الغاز المصدر لـ"إسرائيل"، بخلاف الضرر البيئي والصحي الناتج عن استخدام المازوت والسولار؛ إضافة إلى التأثير السلبي على محطات التوليد المصممة للعمل بالغاز الطبيعي كوقود أساسي.

من أجل معالجة كل هذا الخلل لجأ فهمي لاقتراض 28 مليار دولار من مؤسسة التمويل الدولية مورگان ستانلي، بضمان الهيئة العامة للبترول وقام وفد من المؤسسة بزيارات تفقدية واستقصائية لشركات الهيئة، ومنها شركات السويس وجابكو ورشيد. لكن رئيس الهيئة العامة للبترول حينها المهندس إبراهيم صالح، أبلغ تفاصيل ما حدث لوزير المالية الأسبق، يوسف بطرس غالي، والذي أبلغ بدوره رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف؛ ليصل الأمر للرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي رفض اقالة فهمي وطالب المسؤولين بالبحث عن مخرج آخر.

ولمواجهة الأزمة، قررت الحكومة المصرية وقتها تشكيل مجلس إدارة للهيئة العامة للبترول؛ ليضم وزراء المالية والكهرباء والبترول، إضافة للرئيس التنفيذي للهيئة، وقرر المجلس تحويل موارد قطاع البترول إلى وزارة المالية، والتي ستتولى بدورها الإنفاق على قطاع البترول، مما أدى إلى حدوث مشكلات بين المالية والبترول، تظهر جليًّا في أزمات الوقود، فعمليات استيراد المواد البترولية تتوقف على مقدار ما توفره وزارة المالية من أموال للاستيراد.
وبدأت وزارة المالية تحمل مسؤولية دفع أقساط وفوائد قرض "مورجان ستانلي" عن طريق البنك الأهلي المصري، ولكنها لم تتمكن من توفير مستحقات الشركاء الأجانب في شركات البترول، نظير حصصهم من الزيت الخام، وتراكمت الديون على الهيئة العامة للبترول، التي اضطرت للسماح للشركاء الأجانب بتصدير حصصهم من الزيت؛ ترضية لهم، حتى لا يسحبوا استثماراتهم، ونتج عن ذلك عجز في المنتجات البترولية يوازي الكميات المصدرة من الخام. واضطرت وزارة البترول إلى تعويض تلك الكميات باستيراد السولار والبنزين بالسعر العالمي، مضافًا إليها تكلفة النقل والتكرير، بالرغم من وجود 8 معامل تكرير مصرية توقف معظمها عن العمل بطاقتها الكلية.

وأدت كل هذه الخطوات المتوالية إلى سقوط قطاع البترول في بئر من الديون لصالح الشركاء الأجانب وشركات الهيئة نفسها وتفاقم أزمة الوقود.
وفي أيلول/ سبتمبر 2018 أعلنت شركتا "ديرليك" الإسرائيلية و"نوبل إنرجي" الأمريكية أنهما وشركة غاز شرق المتوسط المصرية، ستستحوذ على 39% من الشركة المالكة لخط أنابيب الغاز الطبيعي الذي بين مصر و"إسرائيل"، مقابل 518 مليون دولار، وقالت الشركتان، في بيانين على موقعهما الإلكتروني، إن الاتفاقية الجديدة تكفل إعادة تشغيل خط الغاز بين البلدين، خلال فترة العقد الذي سبق أن وقعته شركة دولفينوس لاستيراد الغاز من حقلي "تمارا" و"ليفاتان" الإسرائيليين لمدة 10 سنوات، كما ستتنازل الشركة عن دعوى التحكيم التي سبق أن تم الحكم فيها بتعويض ضد هيئة البترول المصرية والشركة المصرية للغاز الطبيعي "إيجاس" بقيمة 1.75 مليار دولار بسبب وقف تصدير الغاز عام 2012، على أن "يدفع الجانب المصري المبلغ على فترة 8 أعوام ونصف، مقابل أن يتنازل الجانب الإسرائيلي عن جميع مطالبه التي أقرها التحكيم في عام 2015″.

وزاد الجدل بشأن الصفقة ومبرراتها تأكيد الخارجية الإسرائيلية أن هذا الغاز مخصص للاستخدام في السوق المحلي المصري بخلاف المعلن من قبل الجانب المصري بأنه للتصدير الخارجي.
ويتعارض هذا التأكيد مع ما أعلنه مسؤولون مصريون في أوقات سابقة عن اكتفاء مصر من الغاز الطبيعي وتصديرها الفائض، وسعيها لأن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة، ويشكك في تقارير صادرة عن وزارة البترول تؤكد تلبية كامل احتياجات الاستهلاك المحلي من الغاز الطبيعي.

وبدأت "إسرائيل" تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر فى شهر كانون الثاني/ يناير 2020 بموجب إحدى أهم الصفقات التي جرى إبرامها بين الدولتين منذ إقرار السلام قبل عقود.
وقعت مصر و"إسرائيل" والاتحاد الأوروبي في حزيران/ يونيو 2022 مذكرة تفاهم لزيادة صادرات الغاز الإسرائيلي إلى الاتحاد الأوروبي بعد تسييله في مصر. وتوقع مسؤولون زيادة شحنات الغاز من مصر إلى الاتحاد الأوروبي بموجب هذا الاتفاق، لكنهم يرجحون أن الأمر قد يستغرق سنتين على الأقل حتى ينعكس أثر هذه الزيادة بشكل واضح على الصادرات المصرية، ويُعد هذا الاتفاق اعترافاً بالدور الرئيسي الذي يلعبه الغاز الطبيعي في سوق الطاقة في الاتحاد الأوروبي حتى عام 2030.
استعراض البيانات والمعلومات والرؤى للمتخصصين والخبراء تؤكد أن "إسرائيل" هي المستفيد الأكبر من الاتفاق من الناحيتَين الاقتصادية والجيوسياسية، فالصفقة المبرَمة تعدّ فرصة هائلة لتصدير الغاز إلى أوروبا بعد تسييله في مصر، إذ إنها لا تملك منشآت لتسييل الغاز، الأمر الذي يعني أنه بدون مصر لن تكون استفادة إسرائيل كما هي الآن.

الأكثر خطورة من ذلك أن مصر بهذه السياسة تسهم في أن تكون "إسرائيل" لاعباً أساسياً في سوق الطاقة العالمي، لا سيما السوق الأوروبي، وما سيجلبه لها ذلك من مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة. فهذه الاتفاقية بجانب أنها تعفي تل أبيب من كلفة بناء بنية أساسية لتسييل الغاز بميزانيات باهظة، فإنها تجنّبها كذلك المخاوف البيئية الناجمة عن وجود مثل تلك المصانع وسط الكتلة السكانية، فضلاً عن المخاوف الأمنية من سهولة استهدافها من قبل المقاومة بما يهدد أمن واستقرار المستوطنين.

تُعَدّ صفقة الغاز المصرية - الإسرائيلية أهم صفقة تطبيعية بين مصر والكيان الصهيوني منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، كمياً ونوعياً، وتحولت مصر معها من مصدِّرٍ إلى مستورِدٍ للغاز من الكيان الصهيوني.

* ما هو ناتج وأثر تلك السياسات على معيشة الانسان المصري؟

دخلت مصر في دوامات متتالية من الأزمات الاقتصادية وحلقات مفرغة من القروض وسداد فوائدها بالمزيد من الاقتراض وسياسات مفروضة عليها لا تخدم إلا المستثمرين وتزيد البطالة وتراجع للانتاج وانهيار للعملة الوطنية وهو ما أدى إلى زيادة الأسعار بسبب الحاجة الماسة للاستيراد مع وجود فجوة بين الدولار والعملة المحلية، بالإضافة إلى الاختراق الذي تسبب في كوارث صحية.
وعدد الخبراء أسباب فشل وصفة الصندوق كما يلي: تقليل عجز الموازنة عن طريق خفض النفقات يأتى غالبا على حساب الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة ودعم الغذاء للفقراء لأن الحكومات تتردد فى خفض الإنفاق على المؤسسات الأمنية، كما تتردد فى رفع الضرائب على الأغنياء من أنصارها بدعوى أنهم يخصصون أرباحهم للاستثمار، رغم أن بعضهم إما لا يدفعون الكثير من الضرائب، أو يهربون ثرواتهم إلى خارج البلاد. ولذلك يجد محدودو الدخل أن عليهم أن يدفعوا مبالغ أكبر للحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية وكذلك لتأمين غذائهم.

"يا خوفي يوم النصر نكسب سينا ونخسر مصر"!

كما أن النصيحة الأخرى للصندوق بخفض سعر العملة المحلية فى مواجهة العملات الدولية تؤدى إلى ارتفاع أسعار الواردات بما فيها واردات الغذاء ومستلزمات الإنتاج، ويترتب على ذلك قفزات فى أسعار الغذاء وانخفاض مستويات الإنتاج التى تعتمد على قدر كبير من مستلزماته المستوردة ما لم تجد الحكومة طريقة لتوفير التمويل الأجنبى للمنتجين المحليين الذين يعتمدون عليها.
ومع ضغط الإنفاق العام ورفع أسعار الفائدة بدعوى تشجيع الادخار وحماية العملة المحلية يدب الكساد وترتفع مستويات البطالة.

في سياق متصل، أحصى سياسيون واقتصاديون العديد من الخسائر التي لحقت بالشعب المصري نتيجة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي كان في مقدمتها انتشار الأمراض السرطانية وأمراض الكلى والكبد.
وأوضح المختصون أن هذه الأمراض انتشرت بفعل استيراد المبيدات المسرطنة من "إسرائيل"، ما دمر الزراعة المصرية وقضى على صحة المصريين، مشيرين إلى أن "إسرائيل" منذ توقيعها اتفاقية السلام قبل 40 عاما، وهي تعرف أنها لن تخوض حربا عسكرية جديدة مع مصر بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973".

وأكد المختصون أن الشعب المصري جنى الحصاد المر من اتفاقية السلام، ودفع ضريبتها من مأكله ومشربه، وتدمير البنية المجتمعية بنشر المخدرات بكافة أشكالها، بالإضافة لتحويل مناطق مصرية كاملة، كمحميات طبيعية للإسرائيليين في طابا وشرم الشيخ ودهب، لفرض التطبيع بالقوة الاقتصادية على الشعب المصري.

الغازصندوق النقد الدولي

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة