معركة أولي البأس

خاص العهد

الانتقام المؤجّل: أبناء القطيف الى البعثرة
05/07/2023

الانتقام المؤجّل: أبناء القطيف الى البعثرة

لطيفة الحسيني

مشهدان مُتعاكسان في السعودية اليوم. الإعلام الغربي يحتفي بخطوات الانفتاح الديني المُتدرّج والمشاريع الاقتصادية والفنية، وإعلامُ الشعب والمواطن ينشغل بغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار ونكبة تهجير السكان الأصيلين من أرضهم.

القطيف اليوم في مرمى الاستهداف المباشر. عملية تجريف واسعة تطال قُراها وشوارعها وأحياءها وتغييرٌ كاملٌ لمعالمها. كلّ المؤشرات تؤكد وجود مؤامرةٍ على أهل المنطقة لتشريدهم علنًا. فماذا يجري فعليًا؟

شهية التدمير المفتوحة

بعد تدمير حيّ المسورة، فتحت شهية النظام أكثر. على الخريطة قرى وشوارع ومدن وُضعت كي تخضع لسيف السلطة. كلّ ما يصبّ في صالحها سياسيًا واقتصاديًا، داخليًا وخارجيًا، يجب أن تُبادر إليه. الأجواء الإقليمية والدولية تُتيح لها تنفيذ ما يحلو لها من مشاريع، من قمع، من تهجير، فالصمت على الملفّ الحقوقي في السعودية سارٍ، والانشغال بأزمة أوكرانيا وأسعار النفط يأخذ الحيّز الأكبر من الاهتمام الدولي، ما يعني أن النظام سيكون في مأمن من الانتقادات والمَلامة.

على الأرض، عجلات التجريف تنشط في عموم القطيف. من مدينة صفوى - العوامية الى البحاري ومزارع الرامس وحي الزهراء وشوارع الإمام علي (ع) والثورة (يضمّ 28 معلمًا أثريًا من منازل ومساجد وقلعة) والرياض والناصرة والشاطئ ومقبرة الخباقة وقرية أم الحمام والجش والأوجام وتاروت وبلدة عنك وشارع سلمان الفارسي وطريق زين العابدين وصولًا الى أم الساهك، لا لغة سوى لغة الهدم. صودرت عشرات آلاف العقارات، وثُمّن الكثير منها بأقلّ من سعره الحقيقي، انُتزعت ملكيات مئات المساحات والأمتار من أهلها الأصيلين، فظلّوا بلا بدائل وأضحوا مُهجّرين بلا مأوى أو نازحين مؤقتين هنا وهناك.

بلا إنذارٍ مسبق، يُفاجأ هؤلاء بمُلصق مُباغت على دارتهم في وقت تختاره أجهزة الدولة يدعوهم الى إخلاء منازلهم. عليهم التنفيذ سريعًا لأن لا خيار أمامه، وبالتالي المُغادرة كيفما كان والانسلاخ عن عمرٍ قضوه في بلداتهم بلا عودة أو إمكانية استرجاع ذاكرة الأجداد هناك.

اجتثاث الهوية القطيفية

قراءة أهل البلد لما يحصل من مجازر بحقّ قُراهم تؤكد أنهم يتعرّضون حرفيًا لعملية اجتثاث لمسقط رأسهم وجذورهم الراسخة والضاربة في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية.

بحسب هؤلاء، المسألة خطيرة جدًا، فنحن أمام مشروع يهدف الى إحداث تغيير ديمغرافي شامل للقطيف، على اعتبار أن النظام السعودي يرى في الكثافة السكانية الواقعة هناك حِفظًا للهوية، لذلك يعمل على تشتيتها وتمزيق مُجتمعها المُتماسك مقابل تحقيق وحدة السلطة النجدية واستدامتها في السلطة السياسية.

لماذا سحق هوية أهل القطيف؟

في القطيف أكثرية للمُسلمين الشيعة وهي بيئة حاضنة للمُعارضين والمُناهضين لسياسات الدولة، تجتمع مع وجود حقلٍ نفطي بارز، الأمر الذي يدفع السلطة الى الضغط على أهالي المنطقة برمّتها والتضييق عليهم بشتّى الوسائل وحمْلهم على اتخاذ قرار الهجرة، فتضيع هويّة المنطقة أو بمعنى أصحّ تجري بعثرة السكان، بموازاة توسعة وجود النجديين (نسبتهم أقلّ من 20%).

طمس الهوية اذًا هو العنوان العريض للتجريف المتواصل في القطيف وبلداتها. صحيح أن ثلث جدة دُمّر لدواعٍ اقتصادية أو أمنية والعمارات والمساجد سُوّيت بالأرض، وصحيح أيضًا أن التوسعة العمرانية طالت مكة المكرمة للحُجج نفسها فباتت المدينة عبارة عن بؤرة لمشاريع الأمراء من فنادق وغيرها، إلّا أن ما تمرّ به القطيف أعظم وأفدح.  

لا لُبس في أن المقصود من عمليات التجريف التي لا تتوقّف، وفق أبناء الداخل، سحق الهوية القطيفية تمامًا. اقتلاع ومحو للذاكرة التاريخية فيها عبر هدم المنازل، وتغيير أسماء الشوارع والأحياء على غرار ما حصل في جزيرة تاروت والعوامية التي تعتبر قلب الثورة الشعبية منذ عام 2011، ومن خلال السيطرة على مزارع الناس وتحريك "أرامكو" كأداة مُنفّذة لهذا المشروع.

ما يُعزّز نظرية المؤامرة على أبناء القطيف، من وجهة نظر المُعارضين والمُراقبين، هو عدم إنذارهم بشكل مسبق قبل عملية الهدم، وعدم تقديم تعويضات أو بدائل مُقنعة ولا حتى توظيف أهالي المنطقة في هذه المشاريع الاقتصادية حسبما تدّعي السلطة، وهذا كلّه يحسم فرضية إضعاف هوية المناطق غير النجدية.
 
برأي المُعارضين، الخطورة تُختصر بطرد السكان الأصيلين من القطيف، لأن النظام لم يُصفِّ حساباته معهم منذ إحباط موجة الحراك السلمي الشعبي. لأجل هذا الهدف تتعاون وزارت البلديات والمواصلات والنفط والطاقة وحتى شركة الكهرباء لمسح المنطقة وتسويتها بالأرض، حتى لا تذكّرها قبل الأهالي بأنها مهْد المطالب العادلة والمشروعة في الجزيرة العربية.

 

الانتقام المؤجّل: أبناء القطيف الى البعثرة

 

 

القطيف

إقرأ المزيد في: خاص العهد