معركة أولي البأس

خاص العهد

هكذا حولت المقاومة الاسلامية محاولة العدو لاجتياح اللويزة وجبل صافي إلى مصيدة
29/06/2023

هكذا حولت المقاومة الاسلامية محاولة العدو لاجتياح اللويزة وجبل صافي إلى مصيدة


يوسف الشيخ
يمكن الجزم أن مواجهات 25 و26 أيار/ مايو 1988 في قرية اللويزة وجبل صافي كانت اختباراً لجيش العدو وللمقاومة الاسلامية في نفس الوقت، لتطبيق أساليب وطرائق قتال الطرفين بالاستناد إلى خبرة وفهم الجغرافيا العسكرية. وسيظهر تباعاً في هذا المقال أن "جنرالات المقاومة الاسلامية" الذين لم يتجاوز كبيرهم (عمريًا) في ذلك الوقت 28 عاماً، تفوقوا ببراعة على جنرالات دان شمرون مجدد وصائغ العقيدة القتالية والفن التعبوي لمعظم وحدات الكوماندوس والوحدات الخاصة النخبوية الصهيونية بعد العام 1985.

فخبير العمليات الخاصة الذي كان يدير عملية "بيرس ماخين" ــ "פרס מכין"ـ وهي العملية التي شن فيها 600 جندي من الكوماندوس الصهيوني والعملاء اللحديين (خضعوا لتأهيل استمر لـ 12 شهراً) هجوماً مشتركاً ومزدوجاً على قرية اللويزة الجنوبية وعلى جبل صافي، وذلك بين 25-5-1988 و27-5-1988، زج فيه العدو بالطائرات الحربية والمروحيات القتالية من نوع كوبرا وسرية دبابات و40 ملالة M113، وبعد 5 محاولات هجومية لم يستطع هذا الحشد الذي بلغ كتيبة مدرعة معززة أن يخترق قرية اللويزة الواقعة على طرف الوادي والخالية من السكان، والتي تبلغ مساحتها 3.39 كيلومتر مربع ( 339 هكتار)، كما استعصى عليه التقدم على تلة "مياسة" التي تعتبر الامتداد الجنوبي المنحدر من جبل صافي، فضلاً عن أنه لم يستطع احتلال أجزاء صغيرة من جبل صافي لأكثر من دقائق في مواجهة ثلاث فصائل من مشاة المقاومة الاسلامية، لم يتجاوز عددهم بعد التعزيز أكثر من 60 مجاهداً.

كيف حدث ذلك؟ وماذا طبق الجانبان من طرائق قتال حتى استطاعت قوة صغيرة أن تتفوق على قوة كبيرة تفوقها 10 أضعاف؟

أهمية جبل صافي لدى العدو

لا بد من التنويه في البداية أنه لولا ضربات المقاومة بين صيف 1982 وربيع 1985 لم يكن الصهاينة أبداً في وارد الانسحاب من جبل صافي وتلال إقليم التفاح الغربية، حيث إنهم بعد اندحارهم من صيدا ومعظم الجنوب والبقاع الغربي (بين 16-2-1985 و24-4-1985)، أبقوا على احتلالهم شريطًا جبليًا يمتد من السريرة جنوبًا وحتى جزين شمالًا، وتمسكوا بهذا الجيب الاستراتيجي لأهداف عسكرية وأمنية محضة.

إلا أن بقاءهم في جبل صافي والتلال المشرفة على اقليم التفاح كانت دونه محاذير، فنقاط الاقتراب إليه من الجهة الغربية في جباع، عين بوسوار، عرب صاليم وجرجوع كانت سهلة جداً، ورغم انحداره الشديد من الجهة الغربية إلا أن المقاومة الاسلامية نوعت من ضرباتها للجبل والمواقع الصهيونية واللحدية التي كانت فيه، حتى صار اللحديون يخشونه ويتهربون من الخدمة فيه، ورغم وجود مجموعة من المواقع المحيطة التي تمتد من موقعي بصليا وصيدون في الشمال الغربي إلى الرمانة والرادار في الشمال الشرقي، ورغم أن ارتفاع الجبل يتعدى الـ 1300 متر وفي أماكن أخرى 1400 متر، إلا أن خوف اللحديين من الخدمة لم يدفع الصهاينة إلى المغامرة والبقاء فيه، فعملوا على قطع التماس معه والانسحاب إلى مواقعهم الحصينة في سجد والريحان وعرمتى وبئر كلاب وكسارة العروش (تم تعزيزهما وتوسيعهما في التسعينيات) تاركين جبل صافي رغماً عنهم ومعه كافة التلال الغربية ( مليتا - الرفيع ...الخ)، وخط القرى والبلدات الممتد من حبوش إلى جباع فضلاً عن قريتي اللويزة ومليخ التي كانت مهجورة وكانت في الجزء الشرقي منها ممراً لدوريات المقاومة والصهاينة من وإلى المنطقة المحتلة.

ولأهمية جبل صافي للصهاينة نورد هذه القصة التي نقلتها صحيفة "السفير" اللبنانية في الصفحة الخامسة من عددها الصادر في 7 شباط/ فبراير 1983، تنقل أن "المايجور أبو يوسف" الحاكم العسكري لمدينة النبطية و"الكولونيل أبو جبل" المسؤول الأمني لإقليم التفاح زارا أحد موظفي الفئة الأولى البارزين بالجنوب في مبنى سراي النبطية، وسألاه عن مطالب الدولة اللبنانية، متذرعين أن اتفاقًا سيعقده النظام اللبناني برئاسة أمين الجميل مع كيان العدو بعد أسابيع، ومن واجب الجنرالين الصهيونيين ثقيلي الظل أن يلبيا ما تطلبه الادارة العامة اللبنانية، فطالب الموظف اللبناني الكبير بعدة مطالب منها مطلب الانسحاب الصهيوني من جبل صافي، لأن الحكومة اللبنانية لا تستطيع تنفيذ تقوية شبكات الهاتف في الجنوب إلا من خلال معدات تقوية تضعها في صافي، رد "الكولونيل أبو جبل" جازماً بالقول حرفيًّا: "هذا الجبل جبلنا، فتشوا عن جبل آخر يشابهه ونحن مستعدون لنقل المعدات الموجودة في جبل صافي الى الجبل الذي تختارونه.. وتكرم عيونك".

إذاً لم يكن في وارد الصهاينة التخلي عن جبل صافي الذي يعتبرونه زوراً جبلهم، إلا أنهم انصاعوا تحت ضربات المجاهدين في ربيع العام 1985 و"شمَّعوا الخيط".

هكذا حولت المقاومة الاسلامية محاولة العدو لاجتياح اللويزة وجبل صافي إلى مصيدة

إجراءات المقاومة بعد انسحاب العدو من اللويزة وجبل صافي

فور انسحاب العدو درست المقاومة الاسلامية المنطقة، وبالخصوص جبل صافي والمرتفعات الأخرى وقريتي اللويزة ومليخ، وصولاً إلى مروج عقماتا وعرمتا والريحان وأطراف جزين فضلاً عن الأطراف الشرقية لصيدا التي تمتد صعودًا من كفر فالوس وعبرا إلى وادي الليمون، وصولًا إلى الحمصية وجزين، ووضعت خطة دفاعية متكاملة للمنطقة، وتقرر تقسيمها إلى 4 محاور تتكيف مع الامكانيات وجغرافيا الأرض وحدود المناورة والطاقة النارية التي تمتلكها المقاومة في ذلك الوقت وتقرر أن يقع عبء الرصد والانذار المبكر على منطقة جبل صافي في ثلاثة اتجاهات.

الأول: تلة "مياسة" وهي الجزء الجنوبي من سلسلة جبل صافي والتي يبلغ ارتفاعها 1200 متر وتنخفض جنوبًا باتجاه مليتا ووادي جرجوع لتصل إلى ارتفاع 700 متر حيث أنشئ فيها مرصد يطل على كامل المنطقة الممتدة من كسارة العروش إلى بئر كلاب فضلًا عن طريق عرمتى الريحان وبعض الشيارات، كما أنشئ مركز تأميني وزود برشاشين ثقيلين يغطيان مجال الرؤية من مليتا إلى كسارة العروش ومن اللويزة إلى حدود مليخ وبئر كلاب.

الثاني: مقام النبي صافي ويقع في وسط الجبل المسمى باسمه ويرتفع 1300 متر وأقيم فيه مرصد استراتيجي يستخدم لعدة أغراض (الرصد - الانذار المبكر - تصحيح الرمايات - تأمين دوريات العمق..) حيث إنه كان يؤمن رؤية وإشرافًا على المنطقة الممتدة من مليخ إلى عرمتى والأطراف الغربية للريحان وصولاً إلى موقع سجد وكل المنطقة الغربية المتصلة فيه، وعزز المرصد بنقطة تأمين وبعدد من الرشاشات الثقيلة والمدافع المباشرة والمنحنية.

الثالث: مرصد ومكمن سهل " كرار" في أقصى الجهة الشمالية لسلسة جبل صافي، ويشرف على الطريق الممتدة من بلدة الحمصية على أطراف جزين إلى مواقع الرمانة والرادار والأمريكان والطرق المؤدية إليهما، وطريق جزين ـــ عرمتى، وكان مجهزاً بحقل ألغام وكمين وسلاح متوسط وهاون 60 للمشاة ويؤمن حماية مزدوجة لبلدة جباع ولنقطة المقام.

وللمفارقة فإن مجموع المجاهدين الذين كانوا يخدمون في النقاط الثلاثة لم يتعدّ الــ 30 مجاهدًا في أكثر الحالات اكتظاظًا.

أما بلدة اللويزة التي ترتفع 950 متراً فكانت تتصل بوادي جرجوع وجميع الخطوط المنخفضة الممتدة شرقها تحت المواقع الخمسة المنتشرة أمامها، والتي كانت حتى العام 1994 مواقع اسرائيلية تابعة للواء غولاني ويوازي عديدها أكثر من سريتين معززتين، وتتمتع بالدعم الناري الكافي من خلال الدبابات والمدافع الثقيلة ويمكنها أن تطلب دعمًا جويًا أو مروحيًا ساعة تشاء فضلًا عن كون هذه المواقع قلعة في البناء والتجهيزات الالكترونية والموانع الكونكريتية والأسلاك الشائكة.

وقد نصبت تلك المواقع على شكل نصف دائرة لتؤمن الدعم المتقابل لبعضها البعض ولتؤمن طاقة نار هائلة يمكنها القضاء على أي قوة مهاجمة تدخل في وسط نصف الدائرة تلك.

إلا أنه ورغم هذه المناعة التحصينية الدفاعية فقد كان مجاهدو المقاومة الاسلامية من دوريات الاستطلاع أو مجموعات الاقتحام تتقرب بطرقها الخاصة التي برعت بها المقاومة الاسلامية التي تميزت بشكل عام باستخدام مبادئ الحرب التالية:  

1ــ  المفاجأة
2ــ المبادأة
3ــ المحافظة والثبات على الهدف
4ــ العمل الهجومي
5ــ الأمن
6ــ سرعة العمل
7ــ خفة الحركة
8ــ البساطة
9ــ المرونة
10ــ الروح المعنوية

كانت اللويزة منطقة تجهيز لمعظم الدوريات (الاستطلاعية -الكمائن - الهجومية) لذا كانت ذات أهمية كبيرة للمقاومة رغم أن عديدها - كما مر معنا - لم يتجاوز يومًا الـ 30 مجاهدًا ممكن أن يصلوا في حالات التجهيز للعمليات إلى 60 أو 70 مجاهدًا.

هكذا حولت المقاومة الاسلامية محاولة العدو لاجتياح اللويزة وجبل صافي إلى مصيدة

إغراء ما ادعاه العدو إنجازًا في ميدون

كان العدو يعلم من خلال استطلاعه الجوي أن منطقتي جبل صافي واللويزة تمثلان تهديداً كبيراً له، ويتعاظم مع الأيام، فالأول أي جبل صافي بكل مراصده كان يحصي النفس على العدو، ووجود هذه المراصد يعني تمتع المقاومة الاسلامية بميزة متقدمة في المعلومات الاستخبارية المجمعة من المراصد الثلاثة، أما الثاني وهو اللويزة فكان بمثابة الكابوس للمواقع الصهيونية التي تطل على القرية، لذا عهدت قيادة المنطقة الشمالية إلى الجنرالين (لاحقاً) "شيكو تامير" و"إيريز غيرشتاين" (أعلى ضابط رتبة قتلته المقاومة الاسلامية في لبنان) بإعداد خطة لمداهمة اللويزة وخطة لمداهمة جبل صافي وذلك في العام 1986.

كانت الفكرة التي خرج بها الضابطان أنه ينبغي تركيز الأولوية على جبل صافي لأنه من دونه تصبح اللويزة بلا فائدة لحزب الله وتمسي بحكم الساقطة عسكريًا.

أخذت هذه الفكرة نقاشًا طويلًا إلى أن تقرر اعتمادها وتنفيذها في 26-11-1986 بالدفع بقوة مشاة صهيونية - لحدية مشتركة من جهة موقعي الرادار والامريكان لتقتربا من نفس المنطقة التي سيعاودون ارتكاب ذات الخطأ فيها في 25-5-1988.

ولكن في المرة الثانية كان الخطأ بالآليات والمشاة ولم يكن بالمشاة فقط كما في المرة الأولى. حيث تكلف الصهاينة واللحديون في خطئهم بمحاولة اختراق جبل صافي عام 1986 حوالي 11 إصابة بين قتيل وجريح وأسير لحدي، فضلاً عن أسر المجاهدين لجثماني مهاجمين لحديين. ورغم محاولة القوة التي بلغت 250 عنصرًا صهيونيًا ولحديًا المستميتة لإعادة الكرة ثلاث مرات إلا أنها كانت تصطدم بمقاومة أشد، فأخلت تلك القوى المكان وانسحبت حاملة 4 قتلى بينهم قتيل صهيوني و7 جرحى وبقي الأسير الحي والجثث بعهدة المقاومة.

عام 1987 مثل للمقاومة عام اقتحام مواقع: السويداء - سجد -الحقبان - بصليا - علي الطاهر - الرادار الامريكان - صيدون - الرمانة.

وجاءت عملية بدر الكبرى في 31-5-1987 وقبل أسبوعين من تنفيذ الصهاينة لاجتياح كبير بواسطة لواء مدرع على محورين كان سيعيد احتلال المنطقة الممتدة من جزين إلى كفر فالوس، وكامل المنطقة الممتدة من اللويزة ومليخ شرقًا مرورًا بجبل صافي ومليتا والرفيع، وصولًا إلى المنطقة الممتدة من كفرملكي إلى حومين. وكان من المقرر في حال نجح الاجتياح تسليم جبل صافي والمحيط للكتيبة 127 المستحدثة، والتي كان سيتم تجميع عناصرها من كتيبة جزين في الجيش اللبناني ومن عناصر من القوات اللبنانية والاحرار والكتائب وحراس الارز الذين انضموا إلى الفوج العشرين في جيش لحد.

بدأ العام 1988 بسلسلة ضربات للعدو وعملائه في منطقة البقاع الغربي ما أدى بالنهاية إلى تنفيذ العدو لعمليتي "العيون الخضراء" و"القانون والنظام" ضد ميدون حيث جرى تدمير منازلها بالكامل.

كان وزير الحرب في ذلك الوقت اسحق رابين قد اختلف مع رئيس أركانه اللواء المظلي دان شمرون حول جدوى عملية ميدون، وذلك قبيل العملية بأسابيع عندما كان يجتمع مجلس عسكري استشاري يضمه إلى شمرون وقائد المنطقة الشمالية يوسي بيليد وكل من شاؤول موفاز قائد لواء نخبة المظليين 35 وقائد الفرقة 36 "عصبة النار" مئير داغان وعضو مجلس تخطيط العمليات عميرام ليفين، فضلاً عن المقدم في لواء غولاني وقائد سرية الاستطلاع في اللواء آنذاك إيريز غيرشتاين الذي أحب رابين أن يسمع رأيه في عملية تستهدف ميدون. اعترض رئيس الاركان "شمرون" والمقدم "غيرشتاين" على العملية بعدما شرحا لرابين خطورة تجاوز الخطوط الحمر مع حزب الله، فكان أن قاد العملية رابين بنفسه ونفذها اللواء المظلي 35 تحت إمرة العقيد موفاز حيث أبعد رابين المعارضين للعملية وأدارها شخصيًا.

هكذا حولت المقاومة الاسلامية محاولة العدو لاجتياح اللويزة وجبل صافي إلى مصيدة

شمرون يقود المواجهات في اللويزة وجبل صافي

كان شمرون يفكر بفرض مفهومه ونظريته لهكذا عمليات، فكانت فكرة إعادة دراسة خطة اجتياح جبل صافي وقرية اللويزة معًا بواسطة وحدة كوماندوس هي الأقوى وهي الأفضل لتطبيق مفهومه العملياتي، ومن أجل ذلك اعاد صياغة الخطة بطريقة تلفيقية، فإرسال المئات من عناصر الوحدات الخاصة إلى عملية كبيرة في لبنان يحتاج إلى قرار مجلس وزراء العدو، ولم يضمن شمرون أن يدافع رئيسه رابين عن خطته في تلك الجلسة المفترضة، فقرر من جديد إحياء فكرة الكتيبة المختلطة التي تقرر أن يشرك فيها:

1ــ  120 فردًا من القوات الخاصة التابعة للواءي "غولاني" و"جفعاتي" بالإضافة إلى "سييريت اللواء" أي دورية استطلاع اللواء التي كان يقودها في ذلك الوقت المقدم "إيرز غيرشتاين" بنفسه.
2ــ فصيلتي هندسة (متفجرات).
3ــ حوالي الـ 500 عميل من عناصر ميليشيا لحد.
4ــ فصيلتي دبابات (أم 48 باتون وميركافا 2).
5ــ  35 ملالة أم 113.
6ــ إضافة إلى 6 طائرات F16.
7ــ  4 طائرات هيليكوبتر مقاتلة من نوع كوبرا AH1.
8ــ جرافتين عسكريتين.
9ــ ثلاث بطاريات مدفعية.

صيغ أمر العملية كالتالي:

1ــ يبدأ التمهيد الناري الساعة 6:30 صباحاً يوم الأربعاء 25-5ــ1988.
2ــ يقوم التشكيل الجوي بالتمهيد النيراني بعمق 1 كيلومتر من خط التماس.
3ــ تتولى طائرات الكوبرا والمسيرات استطلاع الأهداف المقصوفة للتأكد من اصابة الأهداف.
4ــ تتقدم في نفس الوقت قوة الاستطلاع باتجاه أطراف اللويزة للقيام باستطلاع ثان ميداني.
5ــ تتحرك عند الساعة 7:00 بموجب التأكيد الثاني القوة المكلفة باستهداف اللويزة.
6ــ تتولى طائرات الكوبرا مهمة مواكبة التحرك ومنع أي قوة للعدو من التدخل من خلال رشاشاتها وصواريخها.
7ــ بعد ساعتين تتحرك القوة الثانية باتجاه جبل صافي لتفجير المرصد وقتل أو أسر كل من يعترضها وتواكبها طائرة كوبرا ومسيرتان لمنع تدخل أي قوة للعدو.  
8ــ في حال انجاز المهمة قبل الساعة 12:00 ظهراً تترك جميع القوات الأمكنة المستهدفة وتخطر المدفعية لتأمين السواتر النارية اللازمة للانسحاب وفي حال طرأ أي تهديد تتعامل معه طائرات الكوبرا مجددًا حتى تنهيه.
9ــ يعاود الطيران الحربي ولمدة 15 دقيقة استهداف ما تبقى من أهداف غير مدمرة ثم يقوم بعملية استطلاع فوري لكل المسرح المستهدف.
تقرر إعطاء العملية اسم بيرس ماخين.

قاد العملية دان شمرون وقائد المنطقة الشمالية يوسي بيليد  (المنزعج من تفرد رئيسه)، فضلًا عن قائد "لواء غولاني" في ذلك الوقت غابي أشكينازي والعميل أنطوان لحد من غرفتي عمليات في موقع سجد وفي موقع الريحان، واستغرقت العملية تسع ساعات وجرت على ثلاثة محاور:

ــ عرمتى ــ مليخ ــ اللويزة
ــ سجد ــ تلة مياسة ــ عين بوسوار
ــ تلة الرهبان ــ الرادارــ موقع النبي صافي

الساعة السابعة صباحًا (أي بتأخير بلغ 30 دقيقة عن الخطة المقررة) قام تشكيل من ست طائرات حربية بغارات على تلال جرجوع ومواقع المقاومة الاسلامية في اللويزة، والقت الطائرات المغيرة حوالي خمسين صاروخًا.

وعلى الاثر، بدأت المدفعية الصهيونية بعيدة المدى تقصف، من مرابضها في الشريط الحدودي، قرى اقليم التفاح مركزة قذائفها على جرجوع، عربصاليم، عين بوسوار، جباع وعين قانا، واستمر القصف متواصلًا حتى العاشرة والنصف من قبل الظهر، تقدمت تحته قوات الاحتلال باتجاه اللويزة تعززها الآليات والدبابات من طراز "ميركافا 2" و"أم 48" وكانت مغطاة بشوادر برتقالية اللون لتمييزها من الطائرات الحربية المغيرة، والتي نفذت سلسلة ثانية من الغارات التمهيدية الأكثر دقة استمرت 20 دقيقة واستهدفت قلب قرية اللويزة ومليتا (تلة الامام الحسين (ع) ـــ الملعب) وسلسلة تلال صافي (مياسة ــــ المقام ــــ منطقة الكمائن المعروفة بمنطقة سهل كرار).

هكذا حولت المقاومة الاسلامية محاولة العدو لاجتياح اللويزة وجبل صافي إلى مصيدة

 
المقاومة تستبق العدو وتعطل كل مخططاته

منذ الدقائق الأولى أي بعد 10 دقائق من إطلاق شمرون لعمليته بيرس ماخين أدركت العقول العسكرية المبدعة في غرفة عمليات المقاومة الاسلامية أن الصهاينة اختاروا الطريق الأصعب لتشغيل قواتهم، وهو طريق البر عن طريق المشاة والمدرعات، وليس عن طريق الإبرار الجوي. وبعد أن أدرك القادة في المقاومة أن فرصة المفاجأة التي تيسرت للعدو قد ضاعت مع بدء الاشتباك الفعلي، ولم يعد بمقدورهم الزج بقواتهم المجوقلة أبدًا على الأقل في الهجوم الذي يستهدف قرية اللويزة، حيث إن معظم وسائط الدفاع الجوي (المتواضعة) للمقاومة الاسلامية قد تحفزت منذ الدقائق الأولى لبداية المعركة، وحيث إن المنطقة ضيقة فلا يمكن للعدو تنفيذ إبرار جوي عبر طائرات النقل بسب احتمال استهدافهم وامكانية تشتتهم وعدم إسقاطهم في البؤرة الجغرافية المطلوبة، وفي هذا الحال فإن العدو مجبر فيما لو قرر المستحيل في "الفن التعبوي"، وهو الزج بالمظليين عبر طائرات هليكوبتر، فإنه يغامر بتفتيت أي طائرة هليكوبتر تنقل جنودًا مهما كانت ظروف القتال، حيث يمكن التعامل معها من مليتا ومياسة وجرجوع وحتى من داخل اللويزة، لأن الهليكوبتر في هذه الحالة مضطرة للاقتراب كثيراً من الأرض بفعل وجود اللويزة في منطقة منخفضة وتحاذيها تلال يمكن للمقاومين أن يكونوا قد خبأوا أي شيء فيها، عندها بدا واضحًا أن المقاومة قد كسبت المعركة رغم الطاقة النارية الهائلة التي أفرغها العدو في المرحلة الافتتاحية للعملية وذلك للأسباب التالية:

1ــ طبيعة المنطقة ذات التضاريس الصعبة والتي تفرض على المهاجم عن طريق البر الخضوع للجغرافيا العسكرية للأرض مثل المسالك المحكوم باجتيازها، طبيعة المناورة التي تلزمه عدم المغامرة يمينًا وشمالًا والاقتصاد ما أمكن من النيران والموارد اللوجستية، كونه يجتاز أرضًا قد يتسبب ضرب آلية واحدة فيها إلى تعريض كامل الرتل لنيران العدو المباشرة والاتكال على المشاة، وهنا يأتي دور المقاومة في تعريض المشاة لنيرانها القاتلة بأقل قدر ممكن من المجاهدين.

2ــ بدأ المرحلة الافتتاحية بتطبيق العدو للتماس بالنار على تلتي مياسة ومليتا بدا واضحًا أنها مناورة تعطيلية للمنطقتين للاستفراد باللويزة، فكان على مليتا ومياسة أن تتحملا العبء الأكبر من الدفاع عن محيط اللويزة، وهذا ما قدمه رجال المقاومة في هذين الموقعين ببراعة وشراسة منقطعتي النظير.

3ــ عدم فتح تماس في سلسلة جبل صافي مع منطقتي المقام وحقل كمائن سهل كرار كان إجراءً خداعيًا من العدو وضع في حساب قيادة المقاومة أن القوة التي تهاجم اللويزة لا علاقة لها بأي جهد عسكري مستقبلي في منطقة جبل صافي باستثناء محور المياسة، وأظهرت عمليات الرصد والاستطلاع في اليوم السابق وجود حشد صهيوني لحدي كبير في محيط موقع الرادار، فكان ذلك دليلًا إضافيًّا على أن المخطط العسكري الصهيوني افترض أن تقع في الفخ وتصدق الخدعة فتخفف المقاومة من إجراءاتها التأمينية في منطقتي المقام وسهل الكمائن "كرار" الذي لا يبعد أكثر من (500ــ700) متر عن طريق الرادار لتنقل القسم الأكبر من مجاهديها لتعزيز محور مياسة.

4ــ تأكيد وجود حشد (صهيوني ـــ لحدي) في محيط موقع الرادار يؤكد أن الصهاينة وعملاءهم سيعاودون الكرة باتجاه الهجوم من الرادار على سهل "كرار" وصولًا إلى المقام وهنا يمكن أن تنفذ المقاومة ضربتها الكبيرة.

5ــ كانت المقاومة بعد تحليل الدروس المستفادة من عملية "ميدون" وفهم طريقة تفكير الصهاينة قد أخذت بعض الإجراءات التأمينية منها زيادة الكمائن في المناطق المفتوحة وبطاقة نارية كبيرة فضلًا عن تعزيز مناطق القتل بنسفيات أكبر فجرى وضع عبوات ناسفة كبيرة في منطقة المقتل خلف حقل الألغام في سهل "كرار" والذي يعتبر منطقة قتل نموذجية للعدو.

مواجهات جبل صافي

أخلت المقاومة نقطة الرصد في مقام صافي، واتجه الراصد إلى نقطة رصد ميدانية حيث تحول رصد جبل صافي إلى رصد مدفعي كان يتولى تحديد وتصحيح الرمايات المدفعية التي قامت المقاومة الاسلامية من خلالها باستهداف تجمعات العدو في مليخ ومحيط اللويزة، فضلاً عن التشويش على مرابض العدو المنتشرة في سجد والريحان وعرمتى.

وأعادت المقاومة نشر كمائنها لتتحول إلى حائط صد بشري بين سهل "كرار" والمقام ولم تغامر بنشر أي كمين في السفح الشرقي لجبل صافي لإمكانية تعطيله بسهولة فور اشتباكه مع أي مجموعة مهاجمة، وهذا ما مكن الصهاينة من التسلل عبر ثغرة إلى المقام لتنفيذ عملية دعائية كبيرة بتفجير المقام.  

عند الساعة الثانية عشرة والنصف استؤنفت المعارك عنيفة في تلال جبل صافي وتقدمت قوة مؤللة معادية يتجاوز عددها 8 آليات ودبابة يدعمها حولي 400 من المشاة من تلة الرادار في اتجاه موقع النبي صافي مدعومة بتمهيد ناري كبير من الرمانة والرادار وبصليا ومواكبة طائرة هليكوبتر من نوع كوبرا قامت بالتمشيط برشاشات من عيار 800 ملم المنطقة المستهدفة وأمنت الاستطلاع الفوري للقوة المهاجمة، فاستهدفتها المقاومة من ثلاثة اتجاهات ما اضطرها للابتعاد خوفًا من إصابتها.

فور تحرك القوة المعادية من الرادار بدأت مدفعية المقاومة المباشرة والمنحنية بدك موقع الرادار ومحيطه فاستطاعت تدمير آلية M113 على مدخل الموقع، ولدى اقتراب القوة المتسللة من نقاط الكمائن دخلت مجموعة منها بحدود 30 عنصرًا حقل الألغام المزروع بألغام فردية والغام ضد الدروع، فانفجرت الألغام موقعة الـ 30 بين قتيل وجريح، فاستعجلت القوة المهاجمة طريقها نحو العبوة الكبيرة التي انفجرت بإحدى الآليات من نوع M113  محدثة دويًا هائلًا ومحولة الآلية في ثوان إلى كتلة من الخردة بقيت منتشرة في سهل "كرار" حتى التحرير عام 2000، وكل من خدم في تلك النقطة يحدثك عن الحفرة الكبيرة التي تتوسط الحقل، والتي تنتشر حولها على مدى 30 مترًا قطع الآلية المفتتة. عصف انفجار العبوة التي استهدفت الآلية أطاح بعدد من المهاجمين قدر المجاهدون من شهود العيان عدده بين 7 و10 جنود. واندفعت الكمائن تحصد ما تبقى من الرتل المؤلل والجنود، فاستهدفت دبابة أم 48 إضافية وثلاث ملالات أم 113 فضلًا عن الجنود الذين سارعوا للاختباء حيث التجأ زملاؤهم إلى تلة "الربّاط " حيث كان المجاهدون في انتظارهم. سادت فوضى كبيرة بين القوة المتقدمة وخلال احتدام المعركة بين فصيل من المجاهدين والقوة المعادية التي بلغ عديدها 400، تسللت مجموعة من جنود العدو تبين لاحقًا أنهم من قوة الهندسة التابعة للواء "غولاني" كانت تعمل في قلعة الشقيف وجيء بها خصيصًا لغرض تفجير المقام الذي كان غرضًا دعائيًا عسكريًا صهيونيًا محضًا، وظن العدو أن له أيضًا تأثيرًا معنويًا على مجاهدي المقاومة الاسلامية. فور تفجير المقام أعطي الأمر لجنود العدو بالانسحاب إلا أنهم وقعوا في مشكلة إضافية وهي إخلاء الآليات المضروبة، وعدم السماح للمقاومة الاسلامية بالاستفادة منها لاغراض عسكرية أو لأغراض دعائية تنسف هدف العملية الأساسي وهو ردع المقاومة وارسال رسالة إلى كل المقاومين أن مصير ميدون سيتكرر في كل قرية تتخذها المقاومة منطلقًا للمساس بجيش العدو.

أخلى الصهاينة وعملاؤهم الدبابة والملالات الثلاث فضلًا عن قتلاهم وجرحاهم إلا أن الملالة التي فتتتها العبوة الكبيرة لم يكن بالإمكان سحبها فأغار طيران العدو على موقعها عدة مرات دون أن يتكمن من مسح آثار خيبته.

هكذا حولت المقاومة الاسلامية محاولة العدو لاجتياح اللويزة وجبل صافي إلى مصيدة

مصيدة اللويزة

في اللويزة طبق المقاومون نفس المبدأ، فبعد ثلاثة محاولات تقدم لم يستطع الصهاينة سوى احتلال حي في جنوب شرق القرية لم تتجاوز مساحته 120 مترًا طولًا و15 مترًا عرضًا، واستعمل المجاهدون كما في ميدون أسلحة (BKC) المتوسط وقذائف الـ (RBG) لحصد ما أمكن من آليات وجنود العدو ومنها دبابة وآلياتا M113، كانت إحدى تلك الملالات قد تقدمت كثيرًا باتجاه المجاهدين فاستهدفوها بالسلاح المناسب ودمروها. وبعد فشل العدو في اللتقدم إلى القرية تحول كل جهده لسحب الآلية المدمرة، فتحولت تلك الآلية إلى مصيدة للعدو بعدما قرر المجاهدون عدم السماح للعدو بسحبها مهما كلف الثمن.

تحولت مهمة تدمير قرية اللويزة منذ بعد ظهر اليوم الأول 25ــ5ــ1988 إلى منتصف ليل 26ــ5ــ1988 إلى مهمة استنقاذ آلية مدمرة. ونقلت وكالة رويتر عن ضابط صهيوني في مرجعيون أن عملية سحب الآلية المدمرة أصبحت أولوية وذات حساسية كبيرة وذلك بهدف منع حزب الله من تحقيق نصر اعلامي ودعائي.
بعد يومين اعترف العدو بسقوط 7 جرحى لقواته وبسقوط قتيلين و25 جريحًا لعملائه، فضلًا عن تدمير دبابة و6 ناقلات جند وادعى العدو أنه استطاع قتل 40 عنصرًا من حزب الله.

سجل المجد

إلا أن سجل المجد سجل في صفحاته أن المقاومة الاسلامية قدمت شهيدًا واحدًا هو أحد فرسان تلك المواجهة الكربلائية في اللويزة وهو الشهيد السعيد هاشم علي بلوق (محسن 19 عاماً) من مواليد بلدة النبي إنعام في البقاع.

نتائج المواجهات:

1ــ أكدت المواجهات في اللويزة وجبل صافي أن المجاهد المتوكل على الله والذي يخطط ويفهم طريقة تفكير العدو ويستبق خطواته يمكنه التفوق على هذا العدو رغم التفاوت الهائل بالامكانيات والعديد وتكنولوجيا السلاح.
2ــ أكدت المواجهات ميزة يتفوق فيها المقاوم اللبناني على عدوه الصهيوني إن لم يكن يجاريه وهي أن فهم الجغرافيا العسكرية للأرض والاشتباك على أساسها يجعل من هذه الجغرافيا سلاحاً إضافياً في يده يستطيع به هزيمة عدوه.
3ــ أكدت المقاومة الاسلامية في هذه المواجهات مرونتها في التخطيط والتنفيذ مهما كانت الظروف معاندة.
4ــ أكدت المواجهات أن الفرد (الإنسان) هو العنصر الأقوى الذي تمتلكه المقاومة الاسلامية في كل معاركها، وأن روحيته وحماسته وايمانه بانجاز الهدف مهما كانت ظروفه صعبة لا تقل عن كفاءته ولياقاته العسكرية والشخصية.
5ــ أكدت المواجهات براعة المقاومة الاسلامية في صرف جهدها وتوزيعه بما يتوافق مع متطلبات كل معركة وحسن إدارة المناورة بالنار وبالحركة وفق احتياجات الميدان.
6ــ أكدت المواجهات تفوق مجاهدي المقاومة الاسلامية في القتال الفردي على جنود نخبة الكوماندوس لدى العدو وعملائه.
7ــ خلقت المواجهات في اللويزة وجبل صافي شرخاً في قيادات العدو خلال حرب الجنرالات عام 1988، ما زاد من تراكم أخطاء قائد المنطقة الشمالية "يوسي بيليد" وحرمه من منصب رئيس هيئة الأركان العامة عام 1991.
8ــ جمدت لسنة وثلاثة أشهر العمليات الخاصة الكبيرة التي بدأ جيش العدو بتنفيذها منذ العام 1986 والتي كانت تتطلب تشغيل قوات كبيرة في مناطق وجود "العدو".
9ــ أنهت إلى غير رجعة فكرة تعاون جيش العدو مع عملائه في العمليات الخاصة وكانت المرة الأولى والأخيرة التي يطبق فيها العدو هذا المبدأ التشغيلي.
10ــ أظهرت المواجهات المعنويات الكبيرة لجمهور المقاومة الاسلامية والثقة الأكبر بالنصر وتحمل تبعاته وتضحياته.

جبل صافياللويزة

إقرأ المزيد في: خاص العهد