معركة أولي البأس

خاص العهد

البحرين: شحنٌ طائفيٌّ متفاقمٌ والشيعة يحتكمون للقضاء
21/06/2023

البحرين: شحنٌ طائفيٌّ متفاقمٌ والشيعة يحتكمون للقضاء

لطيفة الحسيني

يزداد المشهد سودادية في البحرين وكأن لا انفراجَ تعيشه الدول العربية المُجاورة. عنوانُ المرحلة اليوم في أرض "أوال" هو الشحن الطائفي بامتياز. لا القوانين النظرية تستطيع انتزاع أيّة إساءة لطائفة أساسية في البلد، ولا خطاب السلطة قادرٌ على تحصين المجتمع وتوحيده.

كان ينقص البحرينيين أن يعتلي الشيخ عدنان القطان إمام وخطيب صلاة الجمعة في مسجد الفاتح ورئيس بعثة البحرين للحج منبره ليزيد الطين بلّة في المملكة. وصَف القطان مؤخرًا طائفة المسلمين الشيعة بأنهم "أهلُ باطل". لم يُسمّهم، لكنّه ألمحَ إليهم بكلّ صراحة قائلًا "لأهل الباطل أصنامٌ وأوثانٌ ومقدسات وقبور وأضرحة يطوفون بها ويتعبّدون لها أو حولها".


على الملأ إذًا، قَصَد القطان شيعة البلد من على شاشة تلفزيون البحرين الرسمي الذي ينقل مباشرةً خطبته وما تُمثّل من هوى السلطة. من السذاجة اليوم نفيُ واقعةِ التحريض على مكوّنٍ رئيسي في الوطن. السياق يبدو تراكميًا، وكأنّ النظام يريد صعود سلّم قصير يوصل سريعًا الى بُغْض الآخر مهما كان المُخطّط محسوسًا ومكشوفًا. المسألة تتدحرج من حصار جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز التي تحتضن أكبر صلاة جمعة للمسلمين الشيعة في البلد، ثمّ توقيف خطيبه العلامة الشيخ محمد صنقور لأيّام، وبعدها إخضاع مداخل المسجد والطرقات المؤدية إليه والمُصلّين لإجراءات أمنية مشدّدة تعرقل في النهاية إقامة الصلاة فيه وتوقف الخطبة الاجتماعية والوطنية أيضًا.

 

 

المنبر المُزعج للسلطة

أداءُ منبر الدراز طيلة الفترة الماضية أقلق النظام وأجهزته، في ظلّ تأثيره الظاهر ودوره التوعوي  لدى الأجيال الكبيرة والصغيرة التي ترتاده منذ عقود. خطابٌ شامل لهواجس المواطنين من الاقتصاد والمعيشة الى التطبيع والخيانة. بيان وزارة العدل والشؤون الاسلامية الذي دعا أئمّة المساجد لعدم تسييس المنبر الديني، محذّرًا إيّاهم من إعادة الخطاب الذي يحمل النهج التأزيميّ، حمل تهديدًا ووعيدًا لهؤلاء اكتمل لاحقًا مع بيان الأوقاف الجعفرية التي تُعيّنها السلطة يحثّ خطباء المساجد والمنابر والرواديد على الابتعاد عن أية مظاهر للتسييس لا تتناسب مع أجواء عاشوراء.

يعرف البحرينيون جيدًا أن كلّ ما يصدر عن الجهات المحسوبة على السلطة من الوزارات الى الإعلام والمراكز الدينية مدروس ومحبوك بعناية. يفقه النظام لُعبته الأمنية القديمة - الجديدة. أسلوبُ التحذير حاضرٌ دائمًا، تمامًا كسياسة الإيعاز التي يتميّز بها. يطلب من أبواقه في الإعلام إطلاق حملة سياسية على خطباء الشيعة، فتمتلئ كلّ صفحات الصحف اليومية باستصراحات ومقابلات تتفق على انتقاد أئمة المساجد، وهؤلاء ليسوا ضميرًا مستترًا ولا أسماءً مجهولة، بل شخصيات علمائية وازنة لها رأيها في ما يمرّ به البلد، ولا تقفز عن أزماته المُتسلسلة.

 

البحرين: شحنٌ طائفيٌّ متفاقمٌ والشيعة يحتكمون للقضاء


إضعاف دور الطائفة الشيعية

"فعلة" الشيخ عدنان القطان لم تكن لتحصل لولا الضوء الأخضر من جانب الملك، السلطة، الحكومة، الداخلية، أيًا يكن. كلّ بحريني يعرف ذلك، وكلّ مواطن يتلمّس اليوم هجمة شرسة على طائفة أساسية في البلد بلا خجل وبلا توقّف بُغية إضعاف دورها الوطني، وإجبارها على النأي بنفسها عمّا يقترفه الحاكم.

ثمّة رأي يقول إن الاستهداف المباشر للمسلمين الشيعة في البلاد ومن يمثّلهم ويَحكي لُغتهم يعود الى الموقف الثابت والجارف لديهم من التطبيع مع الكيان الصهيوني. إجماعُ العلماء والفقهاء والشخصيات والوجوه البارزة في الطائفة على نبذ أيّة علاقة مع عدو الأمة لا رجعة عنه. هؤلاء يتقدّمون مشروع رفض تكريس الخيانة أمرًا واقعًا في المملكة، فيتصدّون يوميًا عبر الخطابات والبيانات والندوات واللقاءات والنشاطات والتغريدات، انسجامًا مع توصيات مرجعهم الوطني آية الله الشيخ عيسى قاسم الذي حرّم أيّ شكل من أشكال التطبيع ونبّه من مخاطر التهاون فيه، واصفًا إيّاه بالشؤم والشرّ المستطير على الدين والأمة، موجّهًا الخطباء ليكون كلامهم دفاعًا عن الشعب وتبيينًا لحقائق الدين.

تحرّك للمُحامين الشيعة في البحرين

خيارات الردّ على تحريض القطان بوجه المسلمين الشيعة ليست مفتوحة اليوم، في ظلّ سيطرة السلطة على كلّ الجهات التي تُعنى بالشكاوى والمُحاسبة والمساءلة، لكنّ المعلومات تشير الى أن عددًا من المُحامين الشيعة في المملكة سيتحرّكون قضائيًا ضدّ خطيب صلاة الجمعة في مسجد الفاتح لازدرائه بطائفة من البلد.

وبالفعل، تقدمت المحامية هدى الشاعر ببلاغ جنائي بصدد مضمون خطبة صلاة الجمعة التي ألقاها الخطيب الشيخ عدنان القطان مؤخرًا، بعد أن صيّر المنبر وسيلةً لبثّ الفتنة والطائفية مجاهرةً والتعدّي على معتقدات الغير بطريقة استفزازية وعلنية.

 

البحرين: شحنٌ طائفيٌّ متفاقمٌ والشيعة يحتكمون للقضاء

 

تعايش سلمي مُصطنع

يجهد النظام في السنوات الأخيرة من أجل التسويق لمراكز الحوار والتعايش السلمي التابعة مباشرة للملك. العنوان الرنّان يتكرّر يوميًا في الصحف والنشرات الإخبارية لإعلام السلطة، غير أن الميدان يُناقض هذا "النعيم المُصطنع" لدى أهل الحكم.

القاعدة تنصّ على أن من يدّعي أنه أهلٌ للحوار والتعايش والسلم، عليه الاعتراض على خطاب الكراهية السائد اليوم في البحرين من جانب السلطة ويمنع حصوله نهائيًا. وهنا يطرح سؤال: اذا أرادت الدولة أن تُبرهن عن حُسن نيّتها أو ربّما أن تتراجع عن الأسلوب القمعي والتحريضي بوجه الطائفة الشيعية، هل تستطيع أن توقف الشيخ عدنان القطان عن اعتلاء المنبر بعد كلامه الأخير؟ (اذا افترضنا أنه نطق بما نطق بناءً على اجتهاد شخصي وهذا أبعد ما يكون)؟ هل تحاسبه؟ وهل تعود عن إقفال مسجد الصحابي صعصعة بن صوحان العبدي (جنوب المنامة) الذي يعني الكثير لأبناء هذه الطائفة بعدما قابلت المطالبات الشعبية بفتح مزاره بوضع الحجارة على مدخله؟

يقول أحدهم إن أزمات البحرين أكبر من حجمها الجغرافي. الحاكم يسير عكس ما يُصرّح. مسيرة التعايش السلمي تقف عند حدود الانتماء الطائفي في حسابات السلطة. لا تعايش مع الشيعة بل تضييق واضطهاد وازدراء، ومن ينافس النظام في بُغضهم يَجنِ الكثير من المكاسب والرعاية الملكية. واذا كان ما تقدّم ضربًا من الخيال، فلتُثبت السلطة صدقها وتسامحها وحُبّها للشيعة المُناوئين لها فعلًا وحقيقةً.

إقرأ المزيد في: خاص العهد