خاص العهد
منظومة الصواريخ الأميركية الحديثة شرق الفرات: خطوة استعراضية
دمشق ـ محمد عيد
في خطوة عكست مخاوفه الشديدة من استهداف قواعده العسكرية شرق الفرات استقدم جيش الاحتلال الأمريكي إلى ريفي كل من الحسكة ودير الزور منظومة صواريخ "هاي مارس" المتطورة، كما عمد إلى تسيير قوافل عسكرية من العراق إلى سوريا لتدعيم وجوده هناك.
خطوات جرت بالتزامن مع تأكيد واشنطن عزمها على الإبقاء على قواتها هناك بدعوى محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي.
خبراء عسكريون سوريون وضعوا الخطوة في سياق استعراض القوة الأمريكي، والذي يتجاوز التعامل مع منظمات مقاتلة تعتمد على العمليات المباغتة وإطلاق المسيرات، إلى توجيه رسائل تهديد إلى كل من دمشق وطهران بالتروي قبل تفعيل عمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال الأمريكي في شرق الفرات، وأن منظومة الصواريخ العالية التكلفة والتي استقدمت على عجل ويصل مداها إلى ٣٠٠ كم غير معنية بإيقاف طائرة مسيرة لا تزيد تكلفتها عن مئات الدولارات، فالغاية هي اعتراض قرار استخدامها وليس اعتراضها كغاية بحد ذاتها.
استعراض قوة يستبطن الضعف
يحاول الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الدكتور قاسم قنبر ربط الأحداث الميدانية والسياسية ببعضها بعصا من خلال التذكير بما أكده مجلس الأمن القومي الأمريكي قبل أيام عن بقاء القوات الأمريكية في سوريا وعدم رغبتها في مغادرة قواعدها هناك.
وفي تصريح خاص بموقع "العهد" الإخباري، أكد العميد قنبر أن "الكلام الأمريكي في هذا السياق والذي أريد له أن يكون "حاسماً" أعقبه قيام الجيش الأمريكي بإرسال منظومة صواريخ جديدة إلى شرق الفرات بالتزامن مع إطلاق ما تسمى بـ" قوات التحالف الدولي" مناورات عسكرية في المنطقة".
وأضاف قنبر: "المناورات العسكرية هي أمر طبيعي لجنود لا يمارسون الأعمال القتالية، ويكتفون بمهمة قطع الطريق بين عواصم محور المقاومة، وتدريب ادواتهم الإرهابية وتقديم الدعم اللوجستي لتنظيم داعش الإرهابي، أما الجديد الذي يحمل دلالات لا يمكن اخفاؤها فيتمثل في نقل عدد غير قليل من منظومات صواريخ" هاي مارس" المتطورة إلى القواعد الأمريكية في ريفي الحسكة ودير الزور بعد أن كان وجودها مقتصراً على قاعدة التنف في البادية السورية، كما قام جيش الاحتلال الأمريكي قبل أيام بإرسال ٣٥ شاحنة أسلحة دخلت من العراق إلى سوريا عبر معبر "الوليد" و"اليعربية" تضم القافلة تجهيزات عسكرية وشاحنات تحمل مواد لوجستية ومصفحات أمريكية محمولة على ناقلات الجند".
وشدد قنبر: "أن هدف واشنطن من التأكيد على استمرار وجود قواتها المحتلة في سوريا و إرسال منظومة "هاي مارس" الصاروخية العالية الحركة والمكلفة كثيراً إلى هناك هو توجيه رسائل تهديد إلى كل من سوريا وإيران وروسيا"، مشيراً إلى ما قاله محرر شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة "ستراتفور" للاستخبارات الخاصة "رايان بول" والذي أكد على أن "الهدف على الأرجح من استقدام هذه الصواريخ هو القوات المدعومة من إيران" ويضيف هذا الخبير الأمريكي في تقرير لموقع "فورس" إلى "إمكانية إضافة كل من روسيا والجيش السوري إلى الأهداف المحتملة"، مشيراً إلى إن "الولايات المتحدة تظهر لروسيا والجيش السوري وإيران أن أساليب المضايقة لن تجعلها تسحب قواتها".
ولفت العميد قنبر إلى أن "استعراض القوة الأمريكي هذا يستبطن الكثير من الضعف والخوف، على اعتبار أن الهدف من كل هذا الضجيج والحركة الأمريكية دفاعي بحت، ويهدف إلى صد هجمات المقاومة الشعبية المدعومة من سوريا و إيران والرد على استفزازات روسيا، وهذا ما يفسر غضب وخيبة أمل أدوات أمريكا في المنطقة من هذه الخطوة الأمريكية التي يفترض أن تعزز قوتهم في الوقت الذي تكرس فيه انغلاقهم ضمن قواعدهم وعدم الرغبة في التمدد ضمن حسابات قد تكلفهم الكثير".
وأكد الخبير العسكري والاستراتيجي على أن "منظومة صواريخ " هاي مارس" ورغم كونها حديثة ومتطورة فهي لا تستطيع أن تحدث الفارق في أي اشتباك مباشر مع مجموعات المقاومة الشعبية في سوريا والتي استهدفت القواعد العسكرية الأمريكية غير مرة، مشيراً إلى أن منظومة الصواريخ الأمريكية هذه قد استعملت في الحرب ضد روسيا في إقليم دونباس شرق أوكرانيا قبل أن يتمكن الروس من فك شيفرتها وتحييدها وهذا ما يفسر سحبها لاحقاً من أرض المعركة واستقدامها إلى سوريا".
وذكّر العميد قنبر بخيبة الأمل الكبيرة التي أصابت واشنطن وحلفاءها والتي أعقبت زيارة وزير الدفاع الأمريكي ورئيس الأركان في آذار/ مارس من العام الماضي بعدما بنيت عليها آمال كبيرة وتحليلات وتوقعات استراتيجية دون أن ينجح ذلك في وقف استهداف القواعد الأمريكية في سوريا.
الاعتماد على الأدوات
من جهته أكد المحلل السياسي خالد عامر أنه "أمام هذه المعطيات التي تحيط بالوجود الأمريكي في سوريا لم تجد واشنطن بديلا عن إعادة تفعيل وتجهيز قوة عسكرية محلية من أجل تنفيذ عمليات وخوض عمليات ضد القوى المقاومة في البادية السورية وشرق الفرات".
وفي تصريح خاص بموقع "العهد" الإخباري شكك عامر في رغبة وقدرة ميليشيا "قسد" على الانخراط في تحالف عسكري "يتجاوز العمل خارج المناطق التي يسيطر عليها حاليا نتيجة خوفه من التغييرات الإقليمية التي أعادت تعويم دمشق وهو أمر تدركه واشنطن استحالته بالنسبة لـ "قسد" وحلفائها الحاليين خاصة مع إدراكها لحساسية تركيا الشديدة من نقل أية أسلحة إلى مناطق شرق الفرات، والدليل أن نائب وزير الخارجية الأمريكي اضطر للتأكيد على أن ذلك لا يستهدف تركيا، وأنه لا توجد لبلاده أي نية أو خطة لإقامة كيان كردي شمال شرقي سوريا، مشيراً إلى أن البديل أمريكيًّا يتمثل في إنشاء قوة عسكرية جديدة، فالقوات الأمريكية إلى جانب إرسال صواريخ سعت إلى توسيع دائرة علاقاتها الجيدة مع قوات "الصناديد" العربية العشائرية بهدف الاستعانة بهم لحماية قواعدها من الهجمات التي قد تتعرض لها، كذلك فإن قوات الاحتلال الأمريكي فعلت الاتصال مجدداً مع " لواء ثوار الرقة" كما فرضت التنسيق بين" قسد" و"جيش سوريا الحرة" في منطقة التنف عند مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية.
وختم عامر حديثه لموقعنا بالتأكيد على أن "واشنطن لا تزيد على أنها تقوم بـ " تجريب المجرب" فالمرتزقة، لا يمكن أن يدعموا أحدا خلافاً للمقاومين الذين يبذلون دماءهم رخيصة في سبيل أوطانهم".