خاص العهد
الأسير المحرّر حمود: "زهرة شبابي" فداء للمقاومة
فاطمة سلامة
رغم مرور يومين على عودته، لا يزال الأسير المحرّر من السجون الأميركية محمد يوسف حمود يشعر بأنه "يحلم". الرجل العائد الى تراب الوطن بعد 23 عامًا من السجن بتهمة تمويل حزب الله لا يجد ما يصف به شعوره. شعور العودة الى الوطن لا يوصف. يخونه التعبير، فلا يجد الكلمات التي تعبّر عما في داخله. يقول "لا أزال تحت الصدمة وليس باستطاعتي التعبير.أشعر وكأني أحلم". لم يكن يتصوّر أن يلقى كل هذه الحفاوة التي لقِيها في الاستقبال بين أهله ومحبيه. لم يتصوّر نفسه بهذا الحجم -يقولها بابتسامة-، حامدًا الله على كل ما هو فيه.
حمود الذي غادر الوطن عام 1992، ها هو اليوم بعمر الـ49 عامًا. "زهرة شبابه" كما يُقال قضاها في السجن، لكنّه غير آسف. صحيح أنّ الظلم صعب وكل التهم التي لُفّقت له لم تكن صحيحة، فهو لم يدعم حزب الله عام 1999، إلا أنّه لا يجد حرجًا بالقول إنّ سنوات السجن و"زهرة شبابي" فداء للمقاومة. كلام حمود يُذكّرنا بكثيرين من الشرفاء الذين ردّدوا هذه العبارة الشهيرة فوق منازلهم المهدّمة في الحرب. يضيف حمود "نحن لم نقدم واحدًا بالمئة مما قدّمه المقاومون الذين جاهدوا ورفعوا شرف الأمة بأكملها، تضحيتي لا تقارن بتضحياتهم ولو 1 بالمئة".
كنت أفتخر بأخبار المقاومة
يتحدّث حمود لموقع "العهد" الإخباري بحماسة، فهو كان يشعر بشرف كبير عندما كان يُعرّف الناس في السجن على المقاومة. يقول "كنت أفتخر وأروي للناس أخبار المقاومة، كانت هذه القضية ترفع رأسي. كنت أسير قضيّة ولولا ذلك لما عملوا من قضيتي قضية". لو عاد الزمن بحمود الى الوراء لا يتوانى عن تمويل حزب الله. يُكرر الأسير المحرّر الحقيقة "لم أدعم حزب الله عام 1999، ولكن لي الشرف أن أدعمه ولو لديّ القدرة لدعمته دائمًا. فمن واجبي أن أقدّم هذا الدعم".
حمّود صديق الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله كما ادعّى القضاء الأميركي، كان يتمنى أن يكون كذلك. ردّد هذه الأمنية مرارًا على مسامع الأميركيين. كان يتم تقديم حمود في الصحف والأخبار بهذه الصورة حتى أن إحدى الصحف وصفته بـ"الإرهابي الأخطر" على الأراضي الأميركية، وهنا قمّة "السخافة" يقول حمود الذي يلفت الى أنه اتهم أيضًا بأنه صديق للسيد محمد حسين فضل الله.
يجد حمود في الحديث فرصة للكلام عن السيد نصر الله. "هو عزّ هذه الأمة، وكنت أفتخر كلما أراه في نشرات الأخبار، ولطالما تمنيت أن أكون بين الجماهير التي تستمع لخطاباته لأشكر الله أنني أمامه". وردًا على سؤال، يتمنى حمود أن يلتقي بسماحته "فهذا فخر وشرف لي".
بعد التحرير انتظرت العودة بفارغ الصبر
بعد تحرير عام 2000 كانت الحماسة تطغى على حمود للعودة الى الوطن. كان ينتظر بفارغ الصبر تلك اللحظة وهو ابن بلدة "صربين" الجنوبية. مشاعر الفخر والعزّة لا حدود لها وهي التي دفعت حمود لنقل تلك المشاعر الى أصدقائه الذين كان يهاتفهم ويهنئهم ويتحدّث عن مشاعره بالتحرير والانتصار كأي لبناني أو إنسان تحرّر أرضه ففرح بالانتصار الذي حققته المقاومة. لكنّ الحكومة الأميركية كانت تعمل على تسجيل كافة المكالمات لاستعمالها ضدّه وتأكيد الادعاء بأنه ينتمي الى حزب الله. الفرحة ذاتها كانت عام 2006 على إثر الانتصار الكبير في تموز.
أكثر من تهمة لُفّقت زورًا وبهتانًا
يستذكر حمود قضيّة سجنه، فيشير الى أنّه سُجن بتهم ملفّقة من اللبناني س. ح. كما بات معلومًا. الأخير عمل على تحقيق مصالحه الشخصية على حساب حمود، فعمل على تلفيق قضية دعم حمود لحزب الله وتمويله. وعليه، تمكّن س. ح. من إحضار 12 فردًا من عائلته من لبنان للعيش في أميركا التي تكبّدت كل المصاريف. وكذلك حصل على الـ"GREEN CARD"، وتمكّن من تخفيض محكوميته بالسجن من 30 عامًا الى 3 سنوات فقط (س. ح. كان متهمًا في أميركا بالقيام بالعديد من الأعمال غير القانونية)، ما يعني أنّه وجد في حمود الفرصة لإطلاق سراحه من السجن وتحسين أوضاعه الشخصية.
يوضح حمود أنه حوكم بأكثر من تهمة زورًا وبهتانًا. التهمة الأخطر التي وُجّهت اليه كانت في "الدعم المادي" لحزب الله. وبالمناسبة، كان حمود أوّل من يُحاكم بقانون "الدعم المادي" على الأرض الأميركية. وهنا يلفت الى أنّ النظام الأميركي مضحك. "اتهمتُ أولًا بإرسال 3500 دولار الى حزب الله، ولاحقًا أدانتني هيئة المحكمة بدعم حزب الله بملايين الدولارات التي فُقدت في أميركا. تهمة أخرى لُفقت لي حيث قيل إنني محرّض لصالح حزب الله من كندا الى أميركا الى لبنان، ولم أكن أملك أي فكرة عن هذا الموضوع. وبعد فترة قالت هيئة المحكمة إنه لا يوجد حزب الله، وإنه لم يثبت عليّ أني مذنب أو عنصر في حزب الله أو قائد تابع لحزب الله".
ما يُحكى عن القانون الأميركي مغاير للواقع
يشدّد حمود على أنّ الأميركيين يدّعون أن الإنسان لديه حرية الرأي والتعبير، ولكن كل هذه الأقاويل غير حقيقية. ثمّة انفصام ما بين النظريات الأميركية وأرض الواقع. وفق حمود، عندما تقرأ الكتب القانونية تعبّر عن اندهاشك، وتخال أنّ أميركا بلد رائع في القانون، ولكن على أرض الواقع كل هذه الكتابات غير حقيقية ولا تتعدى سقف النظريات لأنها لا "تُقرّش" على أرض الواقع. على سبيل المثال يقول حمود "عندما كنت أذهب الى المحاكمة كنت ألتمس بأن النيابة تمتلك أفضل فريق وخبرة قانونية، لكنها من جهة أخرى ورغم اقتناعها بأني على حق لا تعطيني حقي".
تنمية المهارات العلمية والأكاديمية
أما عن أوقاته التي قضاها في السجن، فيلفت حمود الى أنه عمل لتحسين مهاراته العلمية والأكاديمية. قضى معظم وقته في الدراسة. تعلّم القانون الأميركي ليدافع عن نفسه بمساعدة محاميه، كما درس بالمراسلة مع أكاديميتين وحصل على شهادة بإدارة الأعمال وعلم النفس، ودرس الكثير من المقررات العلمية، قبل أن يعود الى أرض الوطن محمّلًا بالكثير من الذكريات التي ستُضاف الى تاريخ شعب المقاومة.
تصوير: موسى الحسيني