خاص العهد
بعد تعاونية موظفي الدولة..هل يرفع الضمان الاجتماعي تعرفاته؟
فاطمة سلامة
مفاجأة سارّة تلقاها موظفو القطاع العام أمس الخميس تمثّلت بزيادة تعرفة الأعمال الطبية الاستشفائية خمسين ضعفًا عما كانت عليه في العام 2021. التعميم الجديد جاء بعد أن بلغت أوضاع الموظفين الاستشفائية سوءًا حتى باتت الطبابة لمن استطاع اليها سبيلًا. الدخول الى المستشفى بات يتطلّب من المريض بيع ممتلكاته من منزل وسيارة ومجوهرات وسط المبالغ التي تفوق قدرته على الدفع. تقديمات المؤسسات الضامنة في الفترة الأخيرة باتت من "الجمل أذنه" مع تحليق الأعمال الطبية الاستشفائية بعد أزمة الدولار التي طالت كل شيء.
وبعد خطوة تعاونية موظفي الدولة، يسأل غالبية المنتسبين الى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عما اذا كان ثمّة تعديلًا سيلحق بالتعرفات التي باتت لا تُذكر وسط الرسوم الخيالية. فهل سيرفع الضمان الاجتماعي تعرفاته؟ وهل سيُكتب لتعرفات التعاونية الديمومة وسط الأزمة المالية الحالية وضعف التمويل؟.
كركي: سنرفع التعرفات من 9 الى 10 أضعاف الثلاثاء
لدى سؤال مدير عام "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" الدكتور محمد كركي عما اذا كان هناك زيادة منتظرة يُسارع بالقول "بالتأكيد"، لكنه يستدرك بالإشارة الى أنّ لكل مؤسسة إمكاناتها المالية، ويضيف "ثمّة شيء غريب حتى تتمكّن التعاونية من تغطية 50 ضعفًا. هذا الأمر يعني أنّ هناك أموالًا هائلة سوف تنهض ونحن نتفاجأ بكل صراحة إن كان من الدولة اللبنانية التي لا تعطي الضمان حقوقه فيما تغدق في أماكن أخرى الأموال، وإن كان من القطاع الخاص الذي يدفع لشركات التأمين عن كل أجير ما بين 600 الى 700 دولار سنويًا ولا يريد أن يدفع للضمان الاجتماعي".
الضمان تحوّل الى "كبش محرقة"
يوضح كركي أنّ يوم أمس الخميس شهد لأول مرة تحرك من قبل الأجراء والنقابات والمضمونين ونأمل أن نشهد تحركًا كبيرًا، فموظفو الضمان الاجتماعي وكل المعنيين بهذه المؤسسة اذا لم يتحركوا لن تتحرك لا الدولة ولا غيرها. وفق كركي، من ليس بالدولة ولا القطاع الخاص أو من ليس منتميًا للمؤسسة العسكرية وقوى الأمن تلقى ضربة كبيرة. برأي كركي، يوجد عدم تناسب ولا عدالة بين كل الجهات الضامنة وتواطؤ بين الدولة اللبنانية وأصحاب العمل للتهرب من دفع مستحقات الضمان الاجتماعي الذي تحوّل الى "كبش محرقة".
رفعنا التعرفات المتعلّقة بغسيل الكلى ضعفين
يلفت كركي الى أننا تمكنا أمس الخميس من اتخاذ قرار جريء بزيادة التعرفات المتعلّقة بغسيل الكلى حيث ارتفعت تقريبًا ضعفين وباتت كالتعرفات بكل الجهات الحكومية الضامنة، وهذه الخطوة ستكلّف الضمان 1300 مليار ليرة سنويًا اذ لدينا حوالى 2000 مريض كلى، هؤلاء كانوا معرضين للخطر وبعد قرار الأمس لن يدفعوا أي ليرة من جيبهم كاستمرار للنهج المتبع منذ 40 عامًا. وهنا يلفت كركي الى أننا أمام معضلة، فمجلس إدارة الضمان يتأخر كثيرًا للتجاوب مع القرارات ولا يجوز تعريض سلامة الناس للخطر لأنّ مريض الكلى اذا تأخر عن الغسيل بين أسبوع الى أسبوعين يتهدده خطر الوفاة.
وفي سياق التعرفات الجديدة، يوضح كركي أنّنا عرضنا سلسلة أمور على مجلس إدارة الضمان لكنّه للأسف لم يتّخذ فيها قرارات سريعة، وعليه ننتظر اجتماع اللجنة الاستشارية الطبية العليا الاستثنائي الثلاثاء القادم ــ يقول كركي ــ للموافقة على الاقتراحات لرفع التقديمات من 9 الى 10 أضعاف، فمعاينة الطبيب ستصبح حوالى 450 ألفًا، والاقامة لليلة واحدة في المستشفى ستصبح 850 ألفًا. وهنا يشير كركي الى أنّ كل التعرفات ستدرسها اللجنة الاستشارية المكوّنة من كل الجهات المعنية من الجامعات الثلاث (اللبنانية، اليسوعية، والأميركية)، الضمان الاجتماعي، وزارة الصحة، نقابتي الأطباء والمستشفيات، وكل المعنيين بالشأن الصحي "لاتخاذ القرارات المناسبة فورًا لأن الناس لا يمكن أن تنتظر".
التعرفات ستغطي 40 بالمئة من الكلفة الفعلية
ويوضح كركي أنّ التعرفات رُفعت في السابق مرتين ونصف الى ثلاث مرات، أما الآن فستُرفع من 9 الى 10 أي أنها ستغطي 40 بالمئة من الكلفة الفعلية بالمستشفيات كي لا يدفع المضمون فروقات كبيرة. وفق كركي فإنّ رفع التعاونية التعرفات 50 ضعفًا ــ أي كما كانت عليه قبل الأزمة ــ بعيد عن الواقع.
سيُرد للمضمون ما بين 30 الى 80 بالمئة من سعر الدواء
وفي ملف الدواء، يوضح كركي أنه لأول مرة جرى العمل على موضوع الدواء اذ لدينا 600 دواء لسبعة أمراض مزمنة من سكري وضغط وما الى هنالك. ستتم مضاعفة تقديمات كل الأدوية "الجنريك" 15 مرة و"البراند" 12 مرة، وبالتالي سيُرد للمضمون ما بين 30 الى 80 بالمئة بحسب سعر كل دواء.
لا ينكر كركي أنّ الواقع يحتاج للمزيد من التقديمات اذ يجب أن تكون التقديمات مضاعفة 90 مرة، لكن هذا الأمر يتطلب تحركًا للعمال لحماية الضمان لا أن ينزل الى الشارع 50 الى 60 شخصًا فقط. أمام هذه الأرقام لا أحد يبالي ولن تهتم الدولة. وفي هذا الصدد، يوضح كركي أنّنا سعينا ووزير العمل في حكومة تصريف الاعمال الدكتور مصطفى بيرم ــ لأكثر من عامين ــ للحصول على 200 مليون دولار للضمان من حقوق السحب الخاصة والبالغة مليارًا و137 مليون دولار لكن للأسف طار 70 الى 80 بالمئة من هذه الأموال دون أن يستفيد الضمان.
سنرفع التعويضات العائلية
وفي ملف التعويضات العائلية، يلفت كركي الى أنّ رقم التعويضات قليل (33 ألفًا عن كل ولد و60 ألفًا للزوجة) ويبشّر المواطنين بأنه سيتم إصدار زيادة إضافية بعد أن جرت مضاعفتها ثلاث مرات بالرغم من أن هذه الزيادة لم يصدر مرسومها بعد فالدولة اللبنانية لا تعطي الضمان حقوقه ولا تتجاوب معه بالسرعة اللازمة. وهنا يسأل كركي: هل يُعقل أن يبقى الضمان من دون لجنة مالية لاستثمار أمواله؟ هل يُعقل أننا نرسل اقتراحًا لزيادة الاشتراك للأطباء الذين يدفعون مئة ومئتي ألف فقط بينما يأخذون من المريض 25 دولارًا بدل المعاينة الواحدة؟.
عدم عدالة في التعاطي بين المؤسسات الضامنة
يُشدّد كركي على أنّ ثمّة ما يُحاك لمؤسسة الضمان الاجتماعي. في السابق، كنا نسمع وبالتحديد ما قبل عام 2002 عن مشاريع لإسقاط الضمان. هذا الأمر كان مدروسًا وممنهجًا. وبعد عام 2002 عاد الضمان ليأخذ دوره، ولكن للأسف جاءت الأزمة الاقتصادية وفقدت الليرة قيمتها حتى أن الجزء المدولر لا تعطينا إياه الدولة اذ ثمّة تقصير فادح وعدم عدالة في طريقة التعاطي بين المؤسسات الضامنة.
لكن كركي لا يذهب بعيدًا في التشاؤم بل يلفت الى أننا نعمل على نهوض الضمان واذ بقينا على ما نحن عليه، فذاهبون تدريجيًا ليعود الضمان ليلعب دوره، مع الإشارة الى أنّ هذا الأمر يتطلب من الدولة المواكبة بأن تهتم وتدفع الأموال في أوقاتها، ويلفت الى أنّ وزير المالية مشكورًا دفع العام الماضي 1200 مليار ليرة، وقبلها 300 مليار ليرة، لكن للأسف لنا في ذمة الدولة ديونًا بقيمة 5000 مليار ليرة". وهنا يشدّد كركي على أننا اذا أردنا أن نزيد التعرفات 10 مرات سننفق 10 الاف مليار ليرة سنويًا، وعلى الدولة أن تدفع منهم 25 بالمئة، وهي لا تزال اليوم بعيدة كثيرًا".
يشدّد كركي على أنّه ليس باستطاعتنا أن نأخذ خطوات ارتجالية بلا تمويل، نتفهم الناس ولكن يجب أن يعرف المضمونون أن الإمكانيات ضئيلة، مع الإشارة الى أننا سنسعى لرفع التقديمات تدريجيًا. صحيح أنّ زيادتها 10 أضعاف لا تكفي، ولكنه أفضل الممكن بالإيرادات الحالية.
كما يتطرّق كركي الى مسألة المعاش التقاعدي مدى الحياة، المشروع المهم جدًا، لكنّه يشير الى أنّه جرى تطييره بعد عام ونصف من العمل مع وزارة العمل والاتحاد العمالي العام ومنظمة العمل الدولية والهئيات الاقتصادية. وفق كركي، عُرض على مجلس إدارة الضمان وجرى "تطييره" ما يعني ذهاب تعب عام ونصف سُدى، مع العلم أنّ هذا المشروع من أهم الإنجازات التي يجب أن تؤرخ.
خميس: الاستشفاء أولوية بالنسبة لنا
مدير عام تعاونية موظفي الدولة الدكتور يحيى خميس يلفت الى أنّ تعرفات التعاونية قبل الأزمة الكبيرة أي عندما كان سعر صرف الدولار 1500 ليرة كانت ممتازة والمريض لا يدفع فارقًا كبيرًا. ولكن بعد الأزمة والارتفاع الجنوني للدولار باتت التعرفات تتآكل. صحيح أنّ المستشفيات لديها الحق بالزيادة، لكن في المقابل كان ثمّة مبالغة في الرقم الذي تطرحه حيث ارتفعت التعرفات الاستشفائية بشكل كبير جدًا بالمقارنة مع تعرفاتنا، وسُجّلت فروقات كبيرة يدفعها المريض حتى وصلنا الى مكان لا يتمكّن فيه من الدخول الى المستشفى الا اذا كان وضعه المادي جيدًا جدًا، ما اضطر البعض الى بيع منزله وسيارته للمعالجة.
يشدّد خميس على أنّ الاستشفاء أولوية بالنسبة لنا وهذا الأمر أهم من الراتب. وعليه، واكبنا هذه المراحل بزيادات طفيفة ناتجة عن وفر معيّن نتج عن انخفاض نسبة تهافت الناس على المستشفيات ما دفعنا الى زيادة أربعة أضعاف في أول تموز 2022، بعدها 10 أضعاف في كانون الأول 2022، وبعدها طالبنا بمساهمة الدولة بموازنة التعاونية حتى وصلنا ــ بناء على الأرقام والمنطق ــ الى أن نعطي لهذا الموظّف "المسحوق" فرصة للمعالجة اذا مرض وأن لا يدفع ما "فوقه" و"تحته" فاقتنعت الدولة وأعطتنا سلفة خزينة شهرية انعكست في الأرقام الجديدة حتى وصلنا الى 50 ضعفًا أي ما يقارب 75 ألفًا للدولار الاستشفائي.
مروحة تغطية نقاشية مع المستشفيات
يُطالب خميس أصحاب المستشفيات اذا كان هناك ما تبقى من ضمير لديهم عدم المبالغة، ويلفت الى أنه ستكون هناك مروحة تغطية نقاشية مع المستشفيات وسنتواصل مع الكبيرة منها كي لا ترفع تعرفاتها بطريقة كبيرة، لأن المستشفيات والمناطق ستلتزم الى حد كبير وستكون متعاونة معنا فالتعرفات التي أقررناها ستكون جيدة. وعليه يرجّح خميس أن لا تأخذ فروقات كبيرة من المواطن بل 10 بالمئة وفق النظام والقانون. أما المستشفيات التي لن تتجاوب فسيكون لنا معها حديث آخر وسنعطيها فترة شهر لننجز تقييمًا لأدائها.
في ما يتعلق بالدواء، يوضح خميس أننا ليس لدينا القدرة على رفع تعرفات الدواء 30 ضعفًا أو 50 ضعفًا، ويلفت الى أننا أنجزنا دراستنا وحدّدنا تعرفات كل مجموعة أدوية لها تركيبة متشابهة، فيما سيتم العمل بالتركيز على الأدوية الجنريك والصناعة المحلية، حتى أنّ الأعمال الطبية في المختبرات من صور أشعة وفحوصات رفعنا تعرفاتها ولم نعمل اعتباطيًا، يختم خميس.