معركة أولي البأس

خاص العهد

عملية بدر الكبرى: يوم أغلق مجاهدو التعبئة العامة الأرض والجبال على العدو (1-2)
30/05/2023

عملية بدر الكبرى: يوم أغلق مجاهدو التعبئة العامة الأرض والجبال على العدو (1-2)

يوسف الشيخ
تعتبر عملية بدر الكبرى التي نفذت فجر الاحد في الحادي والثلاثين من أيار/ مايو1987 عملية متكاملة العناصر اختلط فيها التخطيط المحكم بالقيادة الحكيمة بأخذ الاعتبار بالدروس المستفادة بتعدد الجهات المشاركة وعلى رأسها التعبئة العامة بالاحتضان الشعبي والمدد الالهي. ولا يمكن تقديم صورة متكاملة للعملية إلا بعد عرض واف لمجموعة من المتعلقات التي سبقتها والتي ترتبط بها ارتباطاً وثيقاً حتى يكتمل المشهد الكبير للإنجاز الذي صنع ذات " أيار" مجيد من العام 1987.

ما بعد الاندحار الصهيوني الثاني عام 1985

بداية وبعد الانسحاب الثاني الكبير للعدو من معظم الجنوب والبقاع الغربي بين 16 شباط/ فبراير 1985 و 24 نيسان/ أبريل 1985 أقرت قيادته إبقاء لسان جغرافي يمتد شمالاً بين الجنوب والبقاع الغربي بعرض يتراوح بين 2 و 5 كيلومتر ويشرف على معظم المنطقة التي تحررت عام 1985 بالرؤية والنار، كما يؤدي دور الحاجز أو المانع الطبيعي بين المنطقتين.

أنشأ العدو محميات أمنية وعسكرية في ذلك اللسان الذي يبدأ من قلعة الشقيف مروراً بمنطقتي العيشية والريحان وصولاً إلى جزين، وينعطف شرقاً باتجاه المرتفعات الغربية للبقاع الغربي ليؤمن منطقة عسكرية عازلة ومشرفة على المناطق المحررة، وذلك لغرض وحيد وهو حماية مستعمراته الأمنية الشمالية من المطلة إلى شلومي، وتأمين حركته في الشريط الحدودي المحتل الممتد من شبعا وحاصبيا شرقاً إلى البياضة والناقورة غرباً، ومن أجل هذ الهدف استحدث العشرات من المواقع الحصينة في ذلك اللسان الجغرافي، دعّمها بالدبابات ومدافع الميدان وأجهزة الكشف الحرارية والرؤية الليلية، رابطاً بينها بشبكة من الطرق العسكرية، وعمل على تأمينها استطلاعياً بطائرات الاستطلاع غير المأهولة من أنواع عديدة أهمها طائرات (SEARCHER 1 و 2) وطائرات القتال الهجومي المروحية من نوع كوبراAH1  ونظام قيادة وسيطرة ومعلومات قادر على استدعاء الطيران الحربي من نوع F16 عند اللزوم . 

تميزت عملية دفاع العدو عن هذه المواقع المستحدثة بمجموعة من التكتيكات: 

1ــ الدفاع الثابت: الذي تؤمنه شبكة مؤلفة من عشرات بطاريات المدفعية من أعيرة 175 و 160 و 155 و 130 و 120 ملم فضلاً عن مئات الدشم المجهزة برشاشات متوسطة وثقيلة من طرازي ماغ 7.62 ملم و براونينغ 12.7 ملم . ومدافع عديمة الارتداد من طراز 75 و 106 ملم، ومئات أجهزة المراقبة والكشف الالكتروني، وتحصينات ودشم أسمنتية وكونكريتية، وسواتر وأسلاك شائكة، وخنادق وجدران دفاعية.

2ــ الدفاع المتحرك: الذي تؤمنه أسراب من الطائرات الحربية والمروحية القتالية وعشرات الدبابات من طراز ميركافا 1 و 2 وملالات مجنزرة من طراز M113  وعربات نصف مجنزرة من طراز M3 MK HALF- TRACKS وآلاف الجنود من ألوية النخبة والمظليين والمشاة المتحرك فضلاً عن تجهيز معظم المواقع بمهبط للمروحيات.

3ــ الدعم المتقابل: وذلك بأن يراقب كل موقع منطقة الرؤيا الممتدة حتى الموقع الذي يقابله لتصبح منطقة قتل له في حال اكتشاف تسلل لقوات الخصم.

4ــ دوريات الاستطلاع المتوسط والعميق: داخل صفوف الخصم لتأمين معلومات عسكرية ميدانية فورية عن التهديدات العاجلة.

فرض الانتشار الجديد على العدو تغيير الطواقم القيادية الوسطية والعليا العاملة في لبنان أو إعادة تأهيلها وتغيير الالوية والأفواج المنتشرة بألوية جديدة أكثر احترافاً وقدرة على التعامل مع القتال الجبلي وإعادة تنظيم وتأهيل جيش لحد العميل ورفع كفاءة عناصره وضباطه القتالية لتتواءم مع المهمة الجديدة.

استعانت القيادة العسكرية الصهيونية بقوات مشاة نخبوية لأجل تحقيق هذا الغرض من وحدات غولاني والمظليين واستعانت أيضاً بألوية جفعاتي والناحال وكتائب دبابات من الفرقة 36 والفرقة 162.

قيادة صهيونية جديدة لمهمة شاقة

كان هذا النوع من الانتشار يتطلب قائداً محترفاً من سلاح المشاة جرى اختباره في أكثر من معركة، ويمكنه إعادة تنظيم العلاقة بين الألوية والأفواج ويتمتع باللياقة العسكرية والتجربة التي تمنحه أهلية إدارة هكذا قوات فاختير العميد مظلي "يوسي بيلد" قائداً للمنطقة الشمالية واختير العميد مظلي "دايفيد آغمون" قائداً لوحدة الارتباط الصهيوني في لبنان.

مهمة "بيليد" كانت قيادة هذه القوى المتنوعة للمهمة الجديدة التي أوكلت إليها بعد الانسحاب أما مهمة "آغمون" الرئيسية فهي تحويل ميليشيا لحد من ميليشيا إلى "جيش" محترف. 
 
العميد يوسي بيليد قائد المنطقة الشمالية بين 1986  و 1991

تم اختيار "يوسي بيليد" لتجربته القريبة التي قاد فيها فيلقاً متنوع الاختصاصات في الاجتياح الصهيوني للبنان أسمي باسمه " فيلق بيليد "، الذي تولى مهمة عسكرية صعبة في الاجتياح وهي الزحف بنصف القوات الصهيونية الغازية تقريباً عبر الجبال والمنطقة الشرقية لجنوب لبنان والبقاع الغربي إلى تخوم بيروت الشرقية وتخوم صوفر، والتي اشتبك فيها مع القوات الفلسطينية وخبر معارك شرسة مع الجيش العربي السوري في المديرج وعين زحلتا والسلطان يعقوب.

عند نهاية الحرب كلف "بيليد" بقيادة معهد تدريب القوات البرية وشارك مع زميله الخبير المخضرم "آغمون" في واجب عسكري واحد، وكان ذلك سبباً مرجحاً لاختيارهما معاً لمسؤولية عن المهمة الشاقة التي تنتظرهما في لبنان.
في بداية حزيران/ يونيو 1986 كلف "يوسي بيليد" بقيادة المنطقة الشمالية بعد سنة من الانسحاب الثاني، فشهدت المنطقة على عهده تحولاً في العقيدة القتالية من الدفاع المتحرك والثابت نحو التقرب الهجومي من مناطق المقاومة واستخدام القوة القاتلة لتحقيق ذلك، فضلاً عن إطلاق تكتيك ومفهوم دفاعيين جديدين في القتال كانت بصمة بيليد عليهما واضحة وهما "تكتيك السحابة المدفعية" و "تدبير هنيبعل"، وكلاهما ابتدعا ليخدمان غرضاً واحداً وهو عدم الانكسار أمام قوات المقاومة التي بدأت منذ أيلول/ سبتمبر العام 1986 تنفذ إغارات كبيرة على مواقع العدو الحصينة كانت تسفر عن اكتساح المقاومين  للقوى المدافعة عن المواقع.
 
وقد طبقت المقاومة هذا الأسلوب الناجح في 6 عمليات نوعية كبرى هي: 

1ــ عملية الحقبان 11-9-1986 التي كانت العملية الأخيرة على الموقع الصهيوني اللحدي المشترك وتسببت نتائجها باندحار العدو عن موقع الحقبان وتلة الخزان المتاخمة . غنمت المقاومة الاسلامية في الهجوم الأخير ملالة   M113 نقلت فيها جثمان قائد العملية الشهيد رضا الحريري إلى بلدته دير قانون النهر وأخويه الشهيدين حسين قاروط والشيخ مصطفى عبد الكريم . 
2ــ عملية سجد بئر كلاب 18-9-1986 والتي أبادت فيها المقاومة الاسلامية حامية الموقعين وغنمت ملالتين ثم عادت وفجرتهما بسبب التدخل الكثيف للطيران المروحي .
3ــ عملية لوسي السريرة 3-12-1986 التي طبقت نفس المبدأ أيضاً وغنمت فيها ملالة رابعة كما أسرت ثلاثة لحديين. 
4ــ عملية موقع برعشيت2-1-1987 حيث سحق رجال المقاومة بسرعة موقعي العدو القديم والمستحدث وغنموا منهما كميات من الأسلحة وملالة M113  حملت شهيدي العملية ماجد غدار وغسان علوية الذين جرى نقلها عبر الجنوب إلى الغازية حيث شيع الشهيد غدار ثم إلى بيروت حيث جرت مراسم عرس الشهيد عسان علوية. 
5ــ 7-2-1987 عملية علي الطاهر النوعية التي استشهد فيها الشهيد القائد سمير مطوط (الحاج جواد) والتي نفذ فيها المقاومون هجوماً سريعاً على الموقع إلا أن التدخل الكثيف لطيران العدو المروحي والقصف المدمر الذي شبهه المقاومون بالقصف السحابي للموقع تسبب باستشهاد 19 مجاهداً.
6ــ عملية علمان الشومرية 18-4-1987 حيث اجتاح المقاومون الموقعين الصعبين والحصينين خلال دقائق وقتلوا منذ اللحظة الأولى كل من "يوآف شارون وعساف ألون"، وسيطروا على الموقع إلا أنهم تعرضوا مرة أخرى وبشكل كثيف لقصف شديد استهدف داخل الموقع وكل المنافذ المؤدية أو الخارجة منه، وأدى إلى استشهاد القائد أحمد شعيب وياسر كوراني داخل الموقع. 

هنا لا بد من التأكيد أن "يوسي بيليد" طلب لأول مرة في الحرب الدائرة بين المقاومة الاسلامية والعدو  تطبيق "إجراء هنيبعل" في الدقائق العشرة الأولى لبداية العملية، وفي شهادة الضابطين "شاي شابيرو" قائد دبابة ( ميركافا 2 ) من قوات جفعاتي الذي كان متمركزاً في موقع الطيبة، و"إيلان هراري" ضابط اتصالات موقع الشومرية، تحدثا عن أوامر قيادية عليا تجاوزت أمر قادتهما المباشرين باستهداف موقع الشومرية من الطيبة الذي يبعد 1400 متر عن الشومرية بقذائف الميركافا، وكشف هراري وهو ضابط اتصالات في الكتيبة 51 غولاني التي كانت متمركزة في موقع الشومرية كيف أن قيادة المنطقة أمرتهم بعدم الاشتباك والتوجه للاختباء فوراً في الاماكن الحصينة جنوب شرق الموقع قبل أن يتعرض الموقع لقصف شديد، وهو ما يؤكد أن "بيليد" طلب تطبيق " اجراء هنيبعل". 

وللتنويه فإن "إجراء هنيبعل" يشبه " تدبير السهم المكسور" BROKEN ARROW" الذي يطبقه الجيش الأمريكي، والذي يجعل كل الطاقة النارية لأي قوة مدفعية أو جوية أمريكية تتوجه إلى منطقة "السهم المكسور" لمنع "العدو" من أسر أمريكيين وقد نفذ " إجراء هنيبعل " في بداية عملية الأسر في 12 تموز/ يوليو 2006 ، وفي حي الشجاعية في غزة في 20 تموز/ يوليو 2014 وألغي من قبل الكنيست في بداية العام 2016.

الدروس المستفادة تحضيراً لعمليات القادمة

جرياً على عادتها تخضع قيادة المقاومة الاسلامية كل عملية من عملياتها النوعية إلى تحليل يتضمن: 
ــ دراسة عوامل القوة والضعف في الخطط المنفذة في كل عملية  
ــ  دراسة أداء و كفاءة الأفراد والمجموعات المشاركة وتطبيقهم للتعليمات 
ــ  تقييم رد فعل العدو على المستويين التكتيكي والتعبوي 
ــ  دراسة طرائق القتال التي يتبعها العدو في الدفاع والهجوم والمناورة بمواجهة العمليات النوعية 
ــ  رصد الأسلحة التي يدخلها العدو في الرد على العمليات النوعية 
ــ  تقييم نسبة نجاح العملية وملاءمتها للاستراتيجية العسكرية الموضوعة من قبل المقاومة.
ــ تقدير نسبة المعلومات التي قد يحصلها العدو من دراسته ومراقبته لأداء المقاومين وامكانية استخدامها في دروسه المستفادة لتطبيقها في جولات قادمة .
ــ استكشاف حالة العدو المعنوية قبل وخلال وبعد العملية.
ــ تحديد الاجراءات المفترض اتخاذها من قبل المقاومة لتطبيق الدروس المستفادة بعد العملية .
ــ مناقشة الاستمرار بالبرنامج الزمني للعمليات النوعية أو تعديله ( تقصيراً أو تطويلاً ) 
وكان هذا التحليل يأخذ حيزاً مهماً من البحث والتدقيق والمراجعة ووضع الفرضيات إلى أن تأخذ الصورة العامة بالتبلور وعلى أثرها يتم اتخاذ القرار بالخطوة القادمة .
تبين للمقاومة الاسلامية أن العمليات النوعية المنفذة تؤدي الدور المرسوم لها في البرنامج العام بشكل ممتاز، مع ثغرة مستجدة، وبعد دراسة احتمالية انكشاف المجموعات في العمليتين تبين أن العدو لم يستطع في العملية الأولى ولا الثانية اكتشاف المقاومين إلا بعد اقتحامهم المواقع  وثمة تسجيل لأحد الاتصالات بين المشرف على جهاز الرادار البشري في موقع الشومرية وبين قائد الموقع يؤكد فيه رداً على سؤال القائد وقبل دقائق من اقتحام الموقع "عدم التقاط شيء وعدم وجود أي أثر بشري في المحيط".
تم تحديد الثغرة واعطيت الأوامر بالاستمرار في البرنامج مع أخذ الاعتبار بتنفيذ مناورة نار كبيرة بالمدافع والصواريخ طوال فترة العملية القادمة.
وأدخل تعديل على العملية بنسف كل مل يحتويه موقع المدفعية في الرمانة وفي تلة الأميركان من مدافع وذخائر ومباني كما أقرت القيادة أدخال احداثيات 18 موقعاً إضافية على خطة العملية القادمة بينها 6 مواقع اسناد ناري رئيسية للعدو.

كانت العملية القادمة تستهدف نطاق عمل فوج العشرين في قضاء جزين وتهدف إلى خلخلة عمل الفوج وتوجيه ضربة قاسية له وإيصال رسالة للعدو بأن إجراءاته الجديدة في علي الطاهر وعلمان الشومرية تم كشفها ويجري التفوق عليها بدئاً من عملية بدر الكبرى. 

فوج العشرين : تجمع لأصحاب الرؤوس الكبيرة

مرت أشهر على تأسيس الفوج العشرين الذي ضم معظم الغرباء عن جزين من أبناء مناطق جبيل وكسروان ومعظمهم من عناصر القوات اللبنانية والكتائب والوطنيين الأحرار وحراس الأرز الذين فروا عام 1985 من منطقة شرق صيدا، والتي حاولوا أن يقيموا فيها تجمعاً جديداً للعملاء بعد فشلهم في افتعال فتنة بينهم وبين الجوار المسلم الذي دحرهم في فترة زمنية قصيرة، فانكفأوا باتجاه قضاء جزين ولم تكد تمر أسابيع على انتقالهم إلى مقامهم الجديد حتى بدأوا بالتنمر على أهالي المنطقة من القرويين وأهالي مدينة جزين الذين كانوا قد عملوا بالتعاون مع فعاليات المدينة والبطريركية على ترتيب يبعدهم عن التورط مع الصهاينة ومع المقاومة على حد سواء.

 إلا ان مجموعة الضيوف الثقلاء بدأت ببناء شكل جديد من الهيمنة على المنطقة غير وجهها وأعادها لسطوة الأسر بعد أن كادت تقترب من التحرر عند فشل مغامرة القوات اللبنانية في شرق صيدا.

كانت مجموعة صغيرة من أبناء جزين تعارض حيادها وتطالب ببناء شكل من أشكال الأمن الذاتي بحماية صهيونية، استفادت هذه المجموعة من مجيء الغرباء لتفرض بسلاحهم (الذي تغاضى عنه العميل لحد والصهاينة ) معادلة جديدة تضع جزين في قلب المعركة الطويلة مع المقاومة فجعلت تلك المعادلة القرى المسيحية في قضائي مرجعيون وبنت جبيل تحت جناح الاحتلال. 

لم ترض المجموعة الجديدة الخارجة عن إجماع جزين بالانخراط في جيش لحد بل سعت إلى التعامل مباشرة مع الاحتلال وتشكيل كيان شبيه بكيان سعد حداد ( 1976-1984) وتحدى العملاء زميلهم إبن المنطقة ( العميل أنطوان لحد من أهالي كفر قطرة قضاء جزين)، وعبر علاقاتهم وعلاقات أحزابهم بجهاز ال 504 وجهاز الموساد تم التمرد على قرار الادارة المدنية العميلة وميليشيا لحد .

أدى تعيين العميد " دايفيد آغمون " المغربي الأصل في تموز/ يوليو عام 1986 قائداً لوحدة الارتباط الصهيونية في لبنان إلى إحداث انقلاب في المناطق المحتلة، حيث تصرف "آغمون" مع كافة القوات العسكرية العميلة ككيان واحد هو يرأسه وفرض بعلاقاته القوية باسحاق رابين وقائد المنطقة الشمالية خطته لبناء ميليشيا لحد من جديد كتشكيل احترافي أكثر منه كميليشيا، وقطع كل علاقات الجماعة الناشئة في جزين بأجهزة الأمن الصهيونية واضعاً خطة لتشكيل جهاز أمن رديف في ميليشيا لحد يرتبط به وبقيادة المنطقة الشمالية.

بالنسبة لجزين فقد زارها "آغمون" عارضاً على وجهائها تعويم الفوج العشرين وإلحاقه بتشكيلات ميليشيا لحد الجديدة، لم يستطع المحايدون من وجهاء جزين الاعتراض على العرض رغم رفضه ضمنياً. فوجه "آغمون" أوامره بالتعديلات الجديدة التي قرنها بنظام إعداد وتأهيل فرض على جميع عناصر ميليشيا لحد ومسؤوليه الخضوع له، ويتمثل برفع فترة التدريب الأولى لكل عناصر جيش لحد من 4 أسابيع إلى 12 أسبوعاً يخضعون فيه للتدريب الأولي (دورة أغرار) وتدريبات على اعداد المتفجرات والاتصالات والطبابة العسكرية ومادة الأمن. كما فرض على معظم المسؤولين من مستوى قادة الحظائر وصعوداً الخضوع لدورة ضباط مكثفة تتراوح حسب المسؤولية بين 4 و 9 أشهر. 

تدخلت قيادات القوات اللبنانية والوطنيين الاحرار والكتائب وحراس الأرز لدى عناصرها والزمتهم بالخضوع للترتيبات الجديدة التي يقوم به "آغمون" وتولى إتيان صقر بنفسه برفقة بعض "العقائديين" الصعود إلى جزين واقناع هذه المجموعة. وتبين أن علاقات "آغمون" القوية بقيادته في تل أبيب فرضت على التنظيمات اليمينية الاربعة قراراً سياسياً أبلغت به هذه التنظيمات بحل وضع جزين نهائياً، فانصاعت له بدون تردد وفرضت على عناصرها الانصياع لتدابير " آغمون".
أطاع المسلحون الوافدون أوامر قياداتهم في المنطقة الشرقية، والتحقوا بتشكيلات الفوج العشرين وحيث أن " لطبع يغلب التطبع"  فقد رفضوا كل محاولات الدمج بأفواج أخرى، وحجتهم هي "خشية الاصطدام بالشيعة أو بالسنة والدروز المنتسبين إلى ميليشيا لحد في الأفواج والتشكيلات الأخرى".

تغاضى "آغمون" عن ذلك وألزم عميله لحد بتوزيعهم على المواقع اللحدية والمشتركة (الصهيونية اللحدية) الموجودة والمستحدثة في منطقة جزين حصراً، نظراً لخبرتهم في القتال ولإعطائهم الحافزية له. 

لم يكن قرار "آغمون" اعتباطياً فقد كان تقدير جهات التقييم في أقسام التدريب العسكري الصهيونية التي تولت دراسة وتأهيل ميليشيا لحد بأن هذه المجموعة " المتمردة " في جزين تفوق بخبرتها العسكرية الكثير من عناصر ميليشيا لحد في مناطق مرجعيون وحاصبيا وبنت جبيل والخيام الذي يبدون أمام هؤلاء المتمردين المتمرسين كهواة.
كان وجود هؤلاء " المتمردين" في مواقع متاخمة لمنطقتي اقليم التفاح والبقاع الغربي والمشرفة على صيدا إيذاناً بالأذى لأهل تلك المناطق وتوسعت اعتداءاتهم على الجيران في الوقت الذي كانت المقاومة تحضر فيه البند التالي على جدول أعمالها للعام 1987  وهو العملية النوعية القادمة التي كانت ستطال المواقع الرئيسية في محيط جزين التي تمت مهاجمتها في عملية بدر الكبرى.
في الحلقة المقبلة: السيد عباس (رض) يطلق عملية "بدر الكبرى" بنداء  يا علي (ع)

رواة المقاومة

إقرأ المزيد في: خاص العهد