معركة أولي البأس

خاص العهد

هل تشهد المدارس نزوحًا من الخاص الى الرسمي العام المقبل؟
20/05/2023

هل تشهد المدارس نزوحًا من الخاص الى الرسمي العام المقبل؟

فاطمة سلامة

يُبدي غالبية أهالي الطلاب في المدارس الخاصة صدمتهم أمام الارتفاع "المهول" في الأقساط. أقسام التسجيل في المدارس شاهدة على حجم النقاشات والأخذ والرد الذي لا طائل منه. الأقساط حُدّدت بالدولار "الفريش" ومعها بعض الملايين بالليرة اللبنانية، وهي أقساط باتت تفوق قُدرة الأهالي على الدفع. لنفترض مثلًا أنّ ربّ أسرة لديه ولدان، وسيكون من المتوجّب عليه دفع 600 دولار عن كل ولد ــ هذا في الحدود الدنيا ــ ما يعني أنّه مضطر لدفع 1200 دولار ما عدا الكتب والقرطاسية، أي ما يفوق المئة مليون ليرة. فما بالنا ببدلات النقل التي باتت لا تقل عن 80 دولارًا شهريًا وفي أحسن الحالات؟! كل ذلك في بلد يتقاضى فيه الموظّف بضعة ملايين شهريًا ما يعني أنّ مدخوله السنوي لا يُغطي بدلات أقساط أولاده في المدرسة، ونحن هنا لم نتحدّث بعد عن متطلبات الحياة الأخرى من غذاء ومسكن وملبس واشتراكات كهرباء ومياه وما الى هنالك. 

أمام هذا الواقع، عاد الحديث عن طبقية التعليم وحصره بفئة معيّنة دون أخرى. تمامًا كما عاد الحديث عن نزوح متوقّع لجزء من التلامذة من المدارس الخاصة الى الرسمية العام المقبل وسط عدم قدرة الأهالي على الدفع. الواقع الذي يطرح أسئلة عدّة على رأسها: هل تبدو المدارس الرسمية جاهزة؟ وهل من سبيل لتعزيز هذه المدرسة التي كانت ــ حتى الأمس القريب ــ رائدة في مجال التعليم قبل أن تعصف بها رياح الأزمة؟

حمادة: أصررنا على أن لا تسقط المدرسة الرسمية 

عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" وعضو لجنة التربية النيابية النائب إيهاب حمادة يشدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أنّ المدرسة الرسمية تعاني من تعثُّر واضح نتيجة الأزمات الموجودة في البلد بدءًا من أزمة الرواتب والبدلات المالية للأساتذة وليس انتهاء بالنفقات التشغيلية، وكل ذلك نتيجة الأزمة العامة التي أرخت بظلالها على كل الميادين ومنها ميدان التعليم. لكن هذه الأزمة قابلها إصرار من الجميع على ضرورة أن تبقى المدرسة الرسمية التي هي عمليًا مدرسة الفقراء. لذلك، كان هناك نوع من المتابعة الحثيثة ــ حتى من قبلنا ــ كي لا تسقط هذه المدرسة الرسمية، فجرى تدعيمها من خلال التشريع والظروف التشريعية التي نحن فيها ومن خلال ما قدّم للمدرسة الرسمية على مستوى المراسيم التي أنجزت والتي يتعلّق بعضها بالرواتب وبدل الإنتاجية وصولًا الى ضرورة أن يكون هناك امتحانات رسمية تعزيزًا للثقة بهذه المدرسة. 

هل تشهد المدارس نزوحًا من الخاص الى الرسمي العام المقبل؟

يؤكّد حمادة أننا مستمرون بدعم المدرسة الرسمية؛ فسقوطها يعني سقوط التعليم وسط الأقساط المرتفعة التي ستكون في المدارس الخاصة، والتي لن يكون بمقدور الطلاب أن يتسجّلوا فيها جراء الظروف المالية. وهنا يشدّد حمادة على ضرورة دعم المدرسة الرسمية، فإلى أين سيذهب الطلاب اذا ما كانت متعثّرة ومقفلة؟!. تعثُّر المدرسة الرسمية سيوصل في نهاية المطاف الى طبقية التعليم، بمعنى من لا يمتلك المال لا يتعلم. هذا الأمر يجعلنا نؤكّد أننا الى جانب المدرسة الرسمية ولن نتركها أبدًا لأننا مؤمنون بأنها ستستمر. 

لن ندع المدرسة الرسمية تسقط

كيف ستنهض وتستمر؟ يُجيب حمادة عنى السؤال بالإشارة الى أنّ استمرارها بحاجة الى قرار من الدولة. وهنا يبدي تفاؤله بإمكانية حدوث انفراجات في القضايا التي لها علاقة باستقرار الدولة من خلال الاستقرار السياسي سواء لجهة انتخاب رئيس للجمهورية أو وجود حكومة وخطط. وفي هذا الإطار، يشدّد حمادة على أنّنا "نقول لكل من حاول استهداف المدرسة الرسمية ــ لغايات ما ــ بأن هذه المدرسة لن تسقط ولن ندعها تسقط، وهذا يتعلّق بشقين أساسيين هما أهالي الطلاب الذين سيكونون الى جانب المدرسة الرسمية والأساتذة الذين يجب أن يتميزوا برسالية في التعامل مع المدرسة الرسمية، وهذا ما نعمل عليه ونحاول متابعته من خلال قيام الدولة بمسؤوليتها تجاه التعليم في لبنان". 

هل من خطط لدى حزب الله للنهوض بالمدرسة الرسمية؟ يقول حمادة "نحن دائمًا على تواصل مع وزراة التربية وبشكل شبه يومي، ومع المدارس في كل الجغرافيا اللبنانية والنقابيين والمسؤولين عن المدارس ولم نتركهم للحظة، اذ وقفنا الى جانب المدارس الرسمية حتى في الظروف السابقة على مستوى كل التقديمات المالية الممكنة من قبلنا والدعم المالي والمعنوي الممكن ونحن مستمرون، وذهبنا في بعض الأحيان الى حد بناء مدارس رسمية وتقديمها الى الدولة". وهنا لا يُخفي حمادة أنّ الوضع صعب ولكننا متفائلون ونحمل همّ التعليم الرسمي وليس فقط المدرسة الرسمية إنما أيضًا الجامعة وهذا استحقاق أساسي. 

ويُضيف حمادة "مسؤوليتنا الدائمة أن نبقى الى جانب التعليم الرسمي في لبنان وأيضًا التعليم الخاص الذي هو جناح أساسي، ولكننا نكون بجانبه عندما لا ندعه يسقط أو يتحوّل الى تعليم طبقي، لذلك تحدثنا عن موضوع الأقساط وعقدنا مؤتمرًا صحفيًا طلبنا فيه من وزير التربية تحديد الأقساط في المدارس الخاصة ضمن صلاحيته وفقًا للمادة 13 من القانون 515، كما كنا سباقين منذ عامين الى تقديم قانون منع دولرة الأقساط في الجامعات والمدراس". ولا يُخفي حمادة أنّ ثمّة مخاوف من أن تكون غالبية اللبنانيين خارج سياق التعليم وهذا له آثار على المستوى الاجتماعي، وهذا مقصود. وفق قناعاته، ثمّة جهات خارجية تعبر بشكل واضح وتسأل: ما الجدوى من التعليم الرسمي؟ وهذا الكلام له أجندات خاصة فأي جهة تريد محاصرة مجتمع تبدأ بالتعليم. 

هل تتوقعون نزوحًا من المدارس الخاصة الى الرسمية في العام الدراسي المقبل؟ يقول حمادة "بصراحة اذا أعدنا الثقة الى المدرسة الرسمية ضمن الحد الأدنى، فإنّ أولياء الأمور وفي ظل الأقساط المرتفعة سيتوجهون من المدراس الخاصة الى الرسمية". برأي حمادة، النزوح متوقف على تعزيز الثقة بالمدرسة الرسمية. الثقة بالتعليم الرسمي كانت قوية جدًا حيث وصلت الى مرحلة الإيمان خصوصًا بالتعليم الثانوي. لكن للأسف، فالظروف الأخيرة أوصلتنا الى مرحلة تزعزعت فيها الثقة بهذه المدرسة، واليوم بدأت هذه الثقة تعود مع التوجه نحو إجراء الامتحانات الرسمية، واذا ما تغيرت ظروف البلد سيستعيد التعليم عافيته بسرعة. 

لمنع تحول التعليم الخاص الى تجارة 

وفي الختام، يُذكّر عضو كتلة الوفاء للمقاومة أنّ التعليم الخاص هو في نهاية المطاف رسالة، ويأمل أن لا يتحوّل الى تجارة لجني الأرباح ما يشكل خطرًا على البلد. وهنا يدعو المعنيين الى ممارسة مهامهم ووظائفهم بتحديد الأقساط ومراقبتها وإلزام المدارس بسقف معين. طبعًا، نحن لا نقول أن لا يكون هناك اكتفاء مالي لأساتذة التعليم الخاص، بالعكس فنحن نأمل أن تنعكس هذه الزيادة على الأساتذة لا على جيوب البعض، لكننا نتمنى أن تكون ضمن المعطى الذي يتحمله الأهالي ويُراعي الوضع المادي الصعب للناس. 

الأشقر: اجتماعات للإدراة التربوية للبحث بالعام الدراسي المقبل 

لدى سؤاله عن خطط الوزارة في سياق تعزيز المدرسة الرسمية، يشير مدير عام وزارة التربية عماد الأشقر الى أنّ لدى الوزارة خططًا لتعزيز المدرسة الرسمية وتطويرها ودعمها وتأمين الأفضل والأحسن لطلابها وأساتذتها. لا يُخفي الأشقر أنّ "عامين صعبين مرا على التعليم الرسمي في لبنان خاصة لجهة الإضرابات، ولكن بفضل الله عاد التعليم الى المسار الصحيح، والهمّ منصب اليوم على إنجاز الإمتحانات الرسمية". وبالتوازي، يلفت الأشقر الى أنّ هناك اجتماعات للإدارة التربوية برئاسة وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي للبحث بالعام الدراسي المقبل بما في ذلك موضوع الاستعداد لاستقبال عدد أكبر من التلامذة في حال كان هناك نزوح من التعليم الخاص الى الرسمي.

ويوضح الأشقر أنّ الوزارة توقّعت حدوث النزوح المذكور العام الماضي لكنه لم يحصل بل حدث العكس. في العام الدراسي ما قبل الماضي نزح 50 ألف تلميذ الى التعليم الرسمي، وعندما حدثت الإضرابات العام الماضي نزح نصفهم الى التعليم الخاص. أما العام الحالي فلا يوجد لدينا أرقام واضحة، ولكن التعليم الرسمي خسر ما نسبته 15 بالمئة من طلابه. وفي العام الدراسي المقبل وأمام التحديات التي تواجه الأهالي في المدارس الخاصة والأقساط التي تتحرك بشكل كبير يرجّح الأشقر نزوح عدد من التلامذة من المدارس الخاصة باتجاه الرسمية. وهنا يشير الى أنّه اذا  حدث هذا الأمر فـ"الكادرات" موجودة والمدارس موجودة لكن المهم أن لا يكون لدينا انقطاع عن التعليم كما حدث العام الحالي، وهذا يتطلب تأمين الحد الأدنى للمعلمين ما يجعلهم يتابعون مسار السنة بشكل صحيح. 

هل تشهد المدارس نزوحًا من الخاص الى الرسمي العام المقبل؟

التحديات ليست صنيعة وزارة التربية

يشدّد الأشقر على أنّ التحديات التي يواجهها التعليم في لبنان ليست صنيعة وزارة التربية أو جراء خطأ منها، بل هي تحديات موجودة في البلد نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب وقد برزت جلية في قطاع التعليم بسبب تواجد الجميع فيه من طلاب وأساتذة وغيرهم. ويلفت الأشقر الى أنّ إعادة الثقة بالتعليم الرسمي تتطلّب أولًا احترام كرامة الأستاذ وتأمين معيشته بكرامة لأنه لا يستطيع أن يمارس مهنة التعليم و"الجوع" تسلّل الى أولاده، لا بد من تحسين التقديمات من طبابة واستشفاء وبدلات النقل وما الى هنالك قبل الرواتب. 

ممنوع أن يكون هناك تلميذ بلا مقعد دراسي

وفيما يشير الأشقر الى اقتراح القانون الذي تحدّث عنه رئيس لجنة التربية النيابية النائب حسن مراد لحماية الجميع بموضوع الأقساط في المدارس الخاصة، يلفت الى أن وزير التربية سيطرح لجنة الأسبوع المقبل للبحث في الأقساط تضم ممثلي المدارس الخاصة والمعلمين والأهل لإيجاد صيغة تمكننا من الحفاظ على طلابنا أينما كانوا. وبالمقابل، يلفت الى أنّ المدارس الرسمية جاهزة لاستقبال أي عدد من الطلاب، والعمل جار على صعيد ترميمها وتأهيلها، كما سيتم تزويدها بنظام الطاقة الشمسية ضمن مشروع قريب. وفق الأشقر، تعمل الوزارة كل ما يمكن لتكون المدرسة الرسمية حاضرة ومستعدة لأي عملية نزوح من المدارس الخاصة وهي قادرة على استيعاب أكبر عدد انطلاقًا من لازمة أساسية مفادها: "ممنوع أن يكون هناك تلميذ بلا مقعد دراسي". 

وفي الختام، يأمل الأشقر أن يقارب الجميع قضية التعليم بإيجابية للحفاظ على التربية لأنها "رأسمالنا".

وزارة التربية والتعليم العالي في لبنانالمدارس الرسمية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل