خاص العهد
اجتماع نسائي في السفارة الايرانية في بيروت: فلسطين أولًا
منار صباغ – اعلامية في قناة "المنار"
يحكى كثيرًا عن الديبلوماسية الايرانية. العدو قبل الصديق يشيد بأساليبها. وعندما يحضر الذم أو التهجم، بطريقة أو أخرى، يصب هذا التهجم في مصلحة صورة الجمهورية الاسلامية الايرانية. فالصبر أو ديبلوماسية الدولة لا الأشخاص، اللهجة الحاسمة دون التفريط بأي عنصر من عناصر السيادة، بل التشدد حتى النخاع بتفاصيل اللغة أو اللباس وفكرة الهوية، كلها عناصر تحسب للديبلوماسية الايرانية لا عليها.
على مدى يومين شغل وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان لبنان واللبنانيين بجدول أعماله المكثف، بل حتى أنه أقلق العدو وأزعجه حينما أطل على فلسطين المحتلة من مارون الراس اللبنانية.
كل هذا النشاط الخاص بالديبلوماسي الهادىء والذكي جدًا كما يوصف، لم يكن كافيًاً على ما يبدو، فقد حضر الى جانبه نشاط لزوجته أيضًا. بكثير من التنظيم تم التحضير للقاء نسائي مختلف عن السائد. الدعوة خاصة حسبما أبلغت حينما اتصل بي أحد المعنيين من مكتب السفير الايراني في بيروت. وهي تشمل عددًا محدودًا من السيدات اللبنانيات والايرانيات، للقاء خاص مع زوجة الوزير عبداللهيان، وحينما سألت عن عنوان أو طبيعة اللقاء، كان الجواب مقتضبًا دون ايضاحات بأنه لقاء ودي للحديث والتعارف.
حدد الموعد عصر يوم الخميس الفائت عند تمام الثالثة في مبنى السفارة الايرانية الجديد في منطقة بئر حسن، حيث لا يمكن للزائر إلا أن يلاحظ جمالية المكان الجديد ودقة التصميم بما يعكس فخامة دون تكلف أو مبالغة في ظل اجراءات أمنية دقيقة ومنظمة.
بلطف وحسن استقبال قادنا المعنيون إلى إحدى القاعات لنكون بضيافة زوجة السفير الايراني، السيدة نرجس أماني، التي تتحدث العربية بلهجة مصرية وهي التي أمضت مع زوجها في القاهرة قرابة التسعة أعوام حين كان سفيرًا للجمهورية هناك. ويسجل للسيدة أماني نشاطها اللافت مذ قدمت إلى بيروت، في استكمال لما كانت تقوم به من أنشطة سياسة واعلامية في بلادها، ومع أنها مقلّة بالحديث عن نفسها، إلا أن التواضع ينقلب فخرًا لكونها وزوجها السفير أماني، من عوائل الشهداء ما بين الحرب المفروضة والحرب ضد الارهاب في سوريا.
لثلاث ساعات استمر اللقاء مع الدكتورة عبداللهيان والسيدة أماني والحشد النسائي المتنوع بين باحثات واعلاميات ومحاميات ومبلّغات وعاملات في أنشطة دعم المقاومة الاسلامية ومجالي التربية والأسرة، دون أن ننسى الحضور اللافت لكريمة سيد شهداء المقاومة الاسلامية السيد عباس الموسوي وشقيقة شيخ الشهداء الشيخ راغب حرب.
الحضور المتنوع بقي على انتظاره لحين بدء مضيفتنا السيدة أماني بالكلام حيث كشفت عن موضوع الجلسة المطولة، الذي كان بخلاف التوقعات للسائد في التجمعات النسائية، فهي طرحت فكرة كبيرة وهامة: "كيف يمكن التسريع بعملية انهيار كيان العدو المانع الرئيسي لتطور ورخاء شعوب المنطقة ولا سيما الاسلامية منها؟".
رغم كل التشويش العالمي لتقزيم وتحجيم دور المرأة، البوصلة واضحة، فاختيار هذا الموضوع بوصفه رافعة لكل رخاء أو شقاء في المنطقة، يعيد الى المرأة دورها الحقيقي والمسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقها كمقاومة فاعلة في مواجهة المؤامرة الصهيونية في منطقتنا.
بدقة عددت السيدة أماني ست عشرة نقطة من نقاط ضعف الكيان، لتستهل الكلام من بعدها زوجة وزير الخارجية الايراني الدكتور عبداللهيان الكلام وهي الاكاديمية والاستاذة الجامعية، بالحديث عن مركزية قضية القدس في فكر الامام الخميني (قده) والامام الخامنئي دام ظله، حيث ذكرت بكلام السيد القائد قبل عيد الفطر حول استعجال "اسرائيل" لمراحل زوالها الحتمي، كما عرضت لبدايات هذا الأفول الحتمي مقدمة مقاربة هامة حينما أشارت الى مرحلة هزيمة بعض الدول العربية أمام الكيان، وهو ما زرع في عقول الشعوب العربية والاسلامية أنها لا تهزم، وهذا ما أنهاه محور المقاومة منذ ولادته، اذ ساهم السلوك الاسلامي في تغيير هذه الافكار الانهزامية الى الأبد على ما أكدت الدكتورة عبداللهيان.
أما مداخلات المشاركات في هذا اللقاء الذي اتفق على أهمية تكراره مستقبلًا في بيروت وطهران، فقد أضافت الكثير على أفكار الدكتورة عبداللهيان والسيدة اماني وكلّ من منظار تخصصها ومتابعتها الاكاديمية والمهنية، لتمر الساعات الثلاث بسرعة لم تتوقعها المشاركات في جلسة لم تخلُ من العاطفة لا سيما عند الحديث عن تضحيات الشهداء وفضلهم على مجتمعاتنا.
على أن أكثر ما حضر الى ذهني في هذه الجلسة، حجم التشويه والتشويش الذي يطال المرأة الايرانية ودورها بصورة خاصة والمسلمة المتدينة بصورة عامة. محاولات تغييب كل هذا الرقي والثقافة والحياء والفاعلية والاحساس العالي بالمسؤولية تجاه المجتمع وقضاياه، لا شك أنها فاشلة، ففي هذه القاعة نماذج ناحجة بحق، بالحفاظ على هوية المرأة المسلوبة هذه الأيام، بعناوين براقة ظاهرًا هدّامة باطنًا.
كل هذا الضجيج المفتعل ما بعد وفاة مهسا اميني، كان يتخذ من قضية المرأة ستارًا للمؤامرة ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية للقول إن المرأة الايرانية مظلومة ومضطهدة ومهمشة، وغير ذلك من الاتهامات الكاذبة.
في هذه الجلسة على سبيل المثال لا الحصر، زوجة ديبلوماسي ايراني تشغل منصبًا أكاديميًا مرموقًا والى جانبها زوجة سفير عاملة بمجالي السياسية والاعلام، والى جانبهما شابة ثلاثينية سألت عنها، فقيل لي انها ديبلوماسية عاملة في السفارة الايرانية في بيروت، حتى كريمة السفير اماني التي تشبه والديها بالنشاط والحيوية -وهو ما بدا واضحًا خلال الجلسة- هي طالبة دراسات عليا بالعلاقات الدولية ويبدو أنها تسير على خطى ابيها، أما كريمة الوزير عبداللهيان والتي كانت حاضرة ايضًا، فهي طالبة دراسات عليا في مجال التكنولوجيا.
ولا بد من الاشارة الى أن نسبة السيدات المتعلمات في ايران كبيرة جدًا، وهذا التطور والتحول النوعي حصل بعد انتصار الثورة الاسلامية، فقبلها كانت المرأة شبه مغيبة عن ساحتي العلم والعمل ولم يكن مسموحًا لها أن تتجاوز دور السلعة كما هو حاصل اليوم في غالبية المجتمعات.
نعم في هذه الجلسة كثير من العمق وقليل من الاستعراض وصرف الأموال للترويج والدعاية. الأمر الذي قد يبدو ضعفًا اعلاميًا أو مبالغة في التواضع وعدم التسويق، قد يحمل في طياته ايجابيات من أبرزها أن العدو مخدوع، يكذب الكذبة ويصدقها، يطلق الاشاعة ويبني سياساته على أساسها. فإن كان زوال "اسرائيل" حتميًّا وقريبًا جدًا، فهو بفضل هذه النماذج النسائية من ايران الى فلسطين الى كل شبر من ارض محور المقاومة.