خاص العهد
عودة سوريا إلى الجامعة العربية: نصاب الموافقة لم يكتمل ودمشق لا تكترث
محمد عيد
الخرق الكبير الذي أحدثته دمشق في مسار الانفتاح العربي عليها لم تكتمل مشاهده بعد مع وجود دول لا تزال تتحفظ على عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية لأسبابها الخاصة. واذا كانت هناك قناعة بأن السعودية الجانحة للتسويات والمتصدرة حاليًا لمشهد الانفتاح على دمشق قادرة بثقلها السياسي على الزام الدول المعارضة لهذه العودة بتغيير رأيها، فإن دمشق لا تبدي الحماس الزائد لهذه العودة وإن كانت لا ترفضها بالمطلق، الأمر الذي يجعلها غير معرضة للابتزاز على خلفية العودة المحتملة.
فماذا وراء التحفظ القطري على عودة سوريا؟
ولماذا يغرد المغرب خارج سرب الإجماع العربي في هذا الشأن؟
الرياض من خصم إلى عرّاب للتسويات
يرى نائب الأمين العام لحزب الشباب الوطني للشؤون السياسية والإعلامية د. خالد كعكوش أن السعودية اتخذت قرارها بالتقارب مع دمشق على خلفية عدة أحداث هامة على المستويين الدولي والاقليمي، تمثل ذلك بفشل المخطط الدولي لتقويض الدولة السورية واسقاط نظامها، اضافة لتراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة الذي كان سببًا مباشرًا لتمكن التنين الصيني من تحقيق الخرق والوصول الى تطور ايجابي ومتسارع في العلاقات بين السعودية وايران.
وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري أشار د. كعكوش إلى التطور الأخير الذي شكل مدخلًا لامكانية ايجاد حلول للملف السعودي - اليمني بالدرجة الأولى ومن ثم حلحلة الملف الشائك المتعلق بسوريا وامكانية عودتها الى الجامعة العربية، حيث كانت لافتة في هذا السياق زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الى السعودية والبيان الختامي المشترك الصادر بنهايتها مرحبًا ببدء الحلحلة.
وأضاف أنه بعد هذه الزيارة دعت السعودية وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووزراء خارجية عدد من الدول العربية لاجتماع يناقش عددًا من القضايا العربية من بينها المسألة السورية.
واتفق الوزراء العرب بحسب البيان الصادر على أهمية حل الأزمة الإنسانية، وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سوريا وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ مزيد من الإجراءات التي من شأنها الإسهام في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية.
قطر لم تخرج من المربع الأول
وشدد نائب الأمين العام لحزب الشباب الوطني للشؤون السياسية والإعلامية على أن هذا البيان المعلن لا يعني اتفاق الوزراء العرب على عودة سوريا الى الجامعة العربية لأن لبعض الدول الخليجية والعربية المشاركة في الاجتماع مصالح مختلفة ومتضاربة، ومشروع مختلف للمنطقة بشكل عام تعمل عليه قطر ودول أخرى مثل المغرب، حيث كان ملحوظاً عدم وصول اية مساعدات انسانية من هاتين الدولتين تحديداً الى الحكومة السورية على خلفية الزلزال المدمر الذي ضرب سورية وهذا مؤشر على موقف هاتين الدولتين تحديداً من الحكومة السورية الذي لم يتأثر بكارثة انسانية اصابت البلاد.
ونوه الدكتور كعكوش إلى أن جامعة الدول العربية تتخذ قراراتها عامة بالإجماع، ومن بينها سيكون قرار عودة سوريا الى الجامعة إلا أن الاتفاق بالإجماع قد يكون غير مرجح بسبب تضارب المصالح بين الدول العربية،
ليطرح السؤال المهم حول مدى قدرة الدول المتحفظة أو المعترضة على التأثير في هذا القرار.
ولفت نائب الأمين العام لحزب الشباب الوطني في حديثه لموقعنا إلى أن هذا الملف معقد جدًا حيث من الواضح أن قطر هي المؤثر الأبرز والرافض لعودة سوريا للجامعة. فما هي امكانية القدرة على التعطيل؟ خاصة وأن القطري المتحالف مع تركيا يعلم تمامًا أن الملف السوري هو أحد الملفات المؤثرة في الانتخابات التركية. كما يعلم تمامًا أن لقاءً رباعيًا لوزراء خارجية كل من ايران والسعودية وروسيا وسوريا سيحدث قريبًا ما قد يشكل خرقًا على مستوى العلاقات السورية - التركية.
لماذا يشتعل السودان اليوم؟
وأشار الدكتور كعكوش في حديثه لموقعنا إلى أنه وفي ظل كل هذا التعقيد استجد الحدث الخطير والدامي في السودان، الأمر الذي وضع عشرات علامات الاستفهام لجهة التوقيت الذي حصل فيه هذا الحدث، سائلًا لمصلحة من يتم فتح جرح عربي جديد على الحدود الجنوبية لمصر والغربية للسعودية؟ ومن الذي حرك صراعًا عسكريًا سريعًا؟
وهل هناك يد خفية قد تكون قطرية خلف هذا التصعيد يحرج السعودية والامارات ومصر ويضعها أمام امر واقع جديد؟
دمشق: لسنا تحت الضغط
د. كعكوش شدد على أن التجربة مع الجامعة العربية بالنسبة لسورية كانت مريرة جداً، حيث يعلم الجميع المواقف التي اتخذتها الجامعه تجاه الحكومة السورية واقصاءها منذ عقد من الزمن ومنح مقعدها في احدى الدورات لجهة غير شرعية، وهذا يعطي مبررًا للحكومة السورية لعدم الاندفاع نحو العودة للجامعة التي تعتبر ميتة بالنسبة لسوريا. وتفضيل العلاقات الثنائية الجيدة مع الدول العربية هو الخيار الافضل مرحليًا بالنسبة لسورية، لحين تتمكن الجامعة العربية من استيعاب الدور الحقيقي لقلب العروبة النابض وموقعها الحقيقي في السياسات العربية والاقليمية والدولية.
ويرى د. كعكوش في حديثه لموقعنا أن سوريا ذاهبة مبدئيًا الى انفتاح عربي ثنائي، مشيرًا إلى رفضها بشكل قاطع العودة المشروطة الى الجامعة العربية حيث لا ترى جدوى من ذلك على اعتبار أنها تعيش اليوم ظرفًا عسكريًا وسياسيًا مختلفًا عن سنوات الحرب السابقة.
من جهته، يرى المحلل السياسي اسماعيل مطر أنه ما خلا الموقف القطري الموحي بالتشدد والكويتي الأقل تشددًا فليس هناك من يتحفظ على عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية على مستوى مجلس التعاون الخليجي.
وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري أشار مطر إلى أنه وعلى مستوى بقية الدول العربية يبرز الموقف المغربي الرافض لعودة دمشق إلى الجامعة العربية والمرتبط بعدة شروط تريد المغرب وضعها قبل رفع الفيتو عن العودة المحتملة لدمشق.
وأكد أن تحفظات المغرب تنطلق من توجسها من العلاقة القوية بين دمشق والجزائر التي تربطها مع جارتها المغرب علاقات شائكة على خلفية الاتهامات المغربية للجزائر بدعم "جبهة البوليساريو" فيما يطالب المغرب دمشق بالكف كذلك عما يقول أنه دعم سوري لهذه الجبهة ويطالبها كذلك بإبراز موقف سياسي أكثر وضوحاً بشأن القطيعة معها.
ويرى مطر أن كل هذه التحفظات ستتلاشى مع الوقت القريب لأن الدول المعارضة لعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية أقل ثقلًا سياسيًا من الدول المتحمسة لعودتها وهي سترضخ في نهاية المطاف لشبه الإجماع العربي في حين أن دمشق لا تتوسل هذه العودة وتبدي تجاهها حماسًا فاترًا وهذه ورقة قوية بيدها تجعلها غير مضطرة لتقديم أية تنازلات.