خاص العهد
الانتخابات البلدية.. حزب الله و"أمل" "أعدّا العُدة" كما لو أنها غدًا
فاطمة سلامة
عام 2022 مُدّدت ولاية المجالس البلدية بموجب القانون رقم 285 تاريخ 12/04/2022 حتى 31/5/2023، أي لما يُقارب السنة. في الأسباب الموجبة للتمديد، أشير حينها الى تزامن انتهاء ولاية المجالس البلدية والاختيارية ــ التي أُجريت عام 2016 ــ مع مواعيد انتهاء ولاية المجلس النيابي. وعليه، فإنّ إجراء الاستحقاقين ــ وفق القانون المذكور ــ تعترضه جملة من العوامل اللوجستية والمالية والنقص في الإمكانات والعتاد والعديد، وعلى وجه الخصوص تدهور سعر صرف العملة الوطنية، فكانت الأولوية لإجراء الانتخابات النيابية التي تشكّل "حجر الزاوية في بنيان النظام الديمقراطي اللبناني".
اليوم، ومع اقتراب انتهاء "مدّة السنة" يسود نوع من "التخبط" وسط ضبابية لجهة إجراء الاستحقاق من عدمه. ما إن أعلن وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي عن جهوزية الوزارة، حتى بدأت القوى السياسية تدلو بما لديها في هذا السياق. البعض لم يُخرج كلام مولوي من دائرة الاستعراض. برأيهم، الوزارة ليست جاهزة والوزير يجري انتخابات في الإعلام فقط. كُثر يُضمرون التأجيل ويتمنونه لكنّهم لم يقولوا ذلك صراحةً وعلانية. تارة يشيرون الى أسباب مالية تمنع إجراء الاستحقاق، وتارة أخرى الى أسباب لوجستية تتمثّل بنقص الجهاز البشري نظرًا لإضراب موظفي القطاع العام ما يحول دون إجراء الانتخابات على "الأرض". طبعًا، للأسباب المذكورة فعلها، لكن يُضاف الى ذلك عدم جهوزية بعض الأحزاب ــ لأسباب عدة لوجستية وسياسية وغيرها ــ لإجراء تلك الانتخابات.
حزب الله: جاهزون لنخوض الانتخابات في أي لحظة
وبغض النظر عما ستحمله أجواء الجلسة التشريعية الثلاثاء والتي من المفترض أن تحسم الجدل الحاصل حول هذا الاستحقاق، يبدو ثنائي حزب الله - حركة "أمل" الأكثر جاهزية واستعدادًا ــ من بين الأفرقاء ــ لإجراء الانتخابات في موعدها. منذ أشهر يعمل هذا الثنائي لإنجاز هذا الاستحقاق بناء على الاتفاق البروتوكولي للتعاون بين حزب الله وحركة "أمل" والذي أنجزته القيادتان عام 2010 وكان بمثابة اتفاق شامل حول الانتخابات البلدية. وهو اتفاق جرى بموجبه دعم لوائح مشتركة بين الحزبين في كل القرى التي تواجدوا فيها، وفق ما يؤكّد مسؤول العمل البلدي في حزب الله الدكتور محمد بشير لموقع "العهد" الإخباري.
بحسب المتحدّث، طُبّق الاتفاق عام 2010، وبعدها عام 2016، واليوم يجري العمل على تطبيقه. وبعد عقد جلسات دورية كان الاتفاق على تعديل بعض النقاط فيه إضافة الى البلديات المستحدثة. وانطلاقًا من هذا الواقع، يشدّد بشير على أننا جاهزون كاتفاقية ــ منذ فترة ــ لنخوض الانتخابات في أي لحظة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الاحتمال الأكبر هو الذهاب نحو التأجيل. وهنا يوضح بشير أنّ الاتفاق مع حركة "أمل" يشمل 288 مدينة وبلدة وقرية وهو عدد كبير وضخم من البلديات، لكنّه في الوقت نفسه يقول "جاهزون لجزء من معركتنا ونضمن نتائجها إن شاء الله".
يشير بشير الى أنّه وبعد إعلان مولوي الجهوزية لإجراء الانتخابات، جدّدنا اللقاءات مع حركة "أمل" وأعلنّا بدء آليات تنفيذ الاتفاقية. وعليه، بدأت الجلسات بين المناطق وجرى إبلاغ المندوبين بذلك. وفيما يلفت الى احتمال التأجيل، يرى أنّ الانتخابات قد تجري بأي لحظة. لذلك، نحن حاهزون ولوائحنا جاهزة دون الدخول حتى الآن في مسألة اختيار الأشخاص، ولكن لوجستيًا جاهزون وقادرون كحركة "أمل" وحزب الله أن نخوض الانتخابات في المناطق، مع الإشارة الى أنه ينقصنا فقط مسألة تشكيل اللوائح وإدراج الأسماء عليها وهذا الأمر يحتاج لنحو 10 أيام فقط.
وفي هذا السياق، يوضح بشير أننا كحزب الله أجرينا تقييمًا لأداء كل رؤساء البلديات الحاليين وباتت الصورة واضحة لدينا مع من سنكمل كمجالس بلدية، ومن سنعمل على تغييرها لأسباب مختلفة منها أن رؤساء البلديات هم أعلنوا عدم رغبتهم بالتجديد. وبناء عليه، يقول بشير "بتنا جاهزين ونعرف أي المجالس البلدية ستتغيّر وأيُّها ستُطعّم، وأعتقد أن إخواننا في "أمل" قاموا بآليات عملهم كما يجب، ويبقى أن نجتمع مرة ثانية مع كل قرية لإرساء اللوائح التي سيتم دعمها اذا ما أجريت الانتخابات بعد أن تأخذ الموافقات المطلوبة".
الحكومة قصّرت كثيرًا
لدى الحديث عن حماسة البعض للتأجيل، يتطرّق بشير بداية الى أنّ الحكومة قصّرت كثيرًا للاستعداد للانتخابات البلدية. للأسف، لم يتم الحديث بشكل واضح وصريح مع الأساتذة والقضاة والموظفين الرسميين الذين سيتواجدون كرؤساء أقلام ورؤساء لجان القيد. لم تكن لا الحكومة ولا وزارة الداخلية جدّيتين للتحضير لهذا الموضوع. لدينا اليوم إضرابات في القطاع العام ولدينا عدد كبير محتمل من المرشحين يُقدّر بعشرات الآلاف. هل الدولة جاهزة لوجستيًا لتأمين إخراجات القيد بهذه السرعة؟! يسأل بشير الذي يشير الى أن لا إخراجات قيد لدى مأموري النفوس، وهذا ما كان يجب أن يتم التحضير لديه جيدًا خاصة أنّ الانتخابات في 7 أيار بمحافظة الشمال وعكار ما يعني أنها بعد أيام فقط. ووفق معلوماتنا ــ يقول بشير ــ لا مرشحين حتى الآن، أضف الى أنّ هناك عقبة مالية تتمثل بعدم وجود اعتمادات، وإجراء الانتخابات يتطلّب حوالى 8 ملايين دولار.
قوى سياسية لا تريد الانتخابات لخوفها من النتائج
من ناحية أخرى، يرى بشير أنّ بعض القوى السياسية تعتبر أنّ البلد لا يحتاج حاليًا الى الخضّة الاجتماعية الكبيرة التي قد تحصل فيفضّلون تأجيل الانتخابات ليس خوفًا من نتائج الانتخابات وإنما خوفًا من الإرباك الاجتماعي والمشاكل التي تحصل والتي يبدو لبنان في غنى عنها. كما يلفت بشير الى أنّ ثمة قوى سياسية أخرى لا تريد انتخابات بلدية لخوفها من النتائج وهي تعرف أنّ وضعها الاجتماعي والشعبي في تراجع فتفضّل أن لا تحصل الانتخابات.
لكل الأسباب المذكورة توافقت القوى للحديث عن التأجيل. التأجيل يتطلّب اجتماع المجلس النيابي لإصدار قانون بالتأجيل أو التمديد للمجالس الحالية، لكنّ العقبة كانت تكمن في أنّ بعض القوى لا تريد المشاركة في أي جلسة تشريعية لأنها تعتبر أن مجلس النواب هيئة ناخبة وليس هيئة تشريعية، إلا أنّها في الوقت نفسه لا تريد انتخابات، ما قد يدفعها للمشاركة في جلسة الثلاثاء تحت عنوان "تشريع الضرورة". وعليه، قد نذهب الى التأجيل لمدة سنة أي حتى 31 أيار 2024.
وضع مالي صعب للبلديات
وحول وضع البلديات الصعب ماليًا، يوضح بشير أن البلديات تعاني من نقص في الأموال خصوصًا أنّ إيراداتها سواء على مستوى الجباية أو الصندوق البلدي المستقل لا تزال بالليرة اللبنانية الموازية لدولار 1500 ليرة. بمعنى أنّ البلديات التي كانت تتقاضى مئة ألف دولار أي 150 مليون ليرة كموازنة لا تزال تأخذ المبلغ نفسه أي 1500 دولار. وفق حسابات بشير، يستحيل أن تتمكن البلديات ــ بهذه الميزانية ــ من القيام بمشاريع، وعليه، على كل بلدية أن تحدّد ما هي الحاجات الأساسية التي يحتاجها المواطن بناء على الأولويات والعمل على تأمين الاحتياجات بالطريقة المناسبة من ماء وكهرباء ونفايات وصحّة، فهذه المواضيع أولوية ويجب الاهتمام بها. أما المشاريع الكبرى فلا أعتقد أنّ البلديات بإمكانها إنجازها.
يوضح بشير أننا كجهة حزبية ندخل حاليًا الى كل قرية من القرى التي لدينا وجود فيها لنستكشف احتياجاتها الأساسية، اذ يدفع حزب الله حاليًا مساعدات ضخمة جدًا لكل القرى ويؤمّن لها خدمات متنوّعة من طاقة شمسية أو مازوت لمولدات الكهرباء أو لآبار المياه. حزب الله يُساعد قدر المستطاع ويعمل بالتوازي على تقديم دراسة أكبر عبر الدخول الى كل قرية لدراسة حاجاتها وكيفية تقديم المساعدة لها، لكن يجب تحريك المجتمع المحلي بمعنى أن يكون هناك تحرك نحو المتموّلين والمغتربين الذين لم يقصّروا في قراهم، إلا أن الاستفادة منهم يجب أن تكون أكبر، وأن لا تكون على هيئة صدقات أو حصص عينية بل تذهب باتجاه خدمة كل البلدة كالمازوت والمياه وغيرهما من الأمور التي تحتاجها الناس في حياتها اليومية.
حركة "أمل": جاهزون للانتخابات اذا ما حصلت غدًا
مسؤول الشؤون البلدية والاختيارية في حركة "أمل" بسام طليس ينطلق في حديثه لموقع "العهد" الإخباري من النقطة التي انطلق منها بشير أي من اتفاق عام 2010 الذي يحكم التحالف بين الحزبين والذي أرسى كل القواعد والأسس ورسم ملامح التنسيق الكامل بخصوص هذه الانتخابات على كافة الأراضي اللبنانية، وقد أعيدت قراءته لانتخابات الدورة المقبلة وعُدّل بما يُقدّم الأفضل للناس والقرى".
يؤكّد طليس أنّ الحزبين جاهزان للانتخابات اذا ما حصلت غدًا. منذ حوالى الستة أشهر يعمل هذا التحالف "بصمت" لإنجاز هذا الاستحقاق، واليوم نعمل وبشكل مشترك "بصمت"، لكننا أعلنّا الأسبوع الماضي جهوزيتنا في الإعلام على وقع أصوات النشاز التي اتهمتنا بأننا لا نريد الانتخابات، بينما نحن في الواقع أكثر فريق "مرتاح" للانتخابات ولا مشكلة لدينا في إجرائها بمواعيدها.
وضعنا كافة الأمور الإجرائية لهذا الاستحقاق
يوضح طليس أن قيادتي حزب الله وحركة "أمل" وضعتا كافة الأمور الإجرائية لهذا الاستحقاق بغضّ النظر عن توجه المجلس النيابي والحكومة اللبنانية. القيادة أصدرت التعليمات وأعطت التوجيهات وأعدت العدة سواء أجريت هذه الانتخابات أم تأجّلت كما يُحكى 4 أو 6 أشهر أو حتى سنة . وفق طليس "السنة وراء الباب". وعليه، يشير طليس الى أننا لوجستيًا نعمل كما لو كانت الانتخابات حاصلة بمواعيدها، وفي حال جرى التمديد لأسباب ما لن نتوقّف، ولن "نحشر" أنفسنا في الوقت الضاغط بل سنستمر بالعمل بهدوء. ولهذه الأسباب، نحن في اجتماعات دورية على المستوى التنظيمي والتشكيلات التنظيمية، وعلى المستوى الداخلي.
من الناحية العملية، يشير طليس الى أنّ ثمة 288 بلدة وقرية ومدينة يشملها التحالف في الجنوب وجبل عامل والضاحية الجنوبية لبيروت، والشوف وعالية، والبقاع الغربي والشمالي والأوسط، وجبيل وكسروان والشمال. يتفاءل طليس بضخ دم جديد في الانتخابات، فالاتفاق الموقّع بين الحزبين يستند الى ترشيح العائلات لنخب وكفاءات. وهنا يأمل طليس أن تضخ لنا العائلات الأكفأ والأنسب والخبرات علمًا أننا وقّعنا للدورة القادمة معايير للانتخابات والترشيح ومواصفات. على سبيل المثال، لا يجوز أن يقيم في بيروت رئيس بلدية لقرية في البقاع، كيف سيكون على تماس مع الناس؟ يسأل طليس.
وحول الذرائع التي تُساق اليوم لعدم إجراء الانتخابات من قبل البعض، يقول طليس "بالنسبة لنا لا مشكلة بموضوع الانتخابات على اعتبار أننا انطلقنا من اتفاق في 90 بالمئة منه "صفر مشاكل" في القرى والبلدات، أما البعض فيحسب حسابًا ما اذا كانت الانتخابات ستضره أم تفيده". ويضيف طليس "لا أريد أن أبرّر ولكن يُحكى عن موظفي القطاع العام والمدارس الرسمية الذين من واجبهم الرسمي أن يكونوا في مدارسهم ووظائفهم لكنّهم يقاطعونها لأسباب محقة" وهنا يسأل طليس: هل الانتخابات "واجبة" بالنسبة اليهم أكثر من الوظيفة أو الرسالة التعليمية؟. وفق طليس، اذا لم تُحل قضية الإدارة ثمّة مخاوف من أن ندفع التكاليف للانتخابات وقبيل انطلاقتها بيومين تعلن رابطة الموظفين أو نقابة المعلمين عدم مشاركتها.
الإمكانيات عند الدولة دقيقة
وفيما لا يُخفي طليس أنّ التأجيل قد يكون لمصلحة البعض، يشدّد على أنّ وضع البلديات والإمكانيات عند الدولة دقيقة. ويسأل:" هل وتيرة عمل البلديات اليوم هي ذاتها التي كانت قبل ثلاث سنوات؟". وفق حساباته، فالبلديات في وضع لا تُحسد عليه، فهي تعاني من مأزق مالي وثمة توجه بأن ينصب اهتمام البلديات واتحاد البلديات فقط على الأولويات. البنى التحتية والمشاريع التي كانت تُنجز سابقًا و"التجميلية" جرى إيقافها منذ نحو 3 سنوات اللهم الا تلك الممولة من بعض الجهات أو المؤسسات المانحة.
البلدياتوزارة الداخلية البلديات