معركة أولي البأس

خاص العهد

هل تُصبح المدرسة الرسمية في خبر كان؟
10/03/2023

هل تُصبح المدرسة الرسمية في خبر كان؟

فاطمة سلامة

مرّت على التعليم الرسمي في لبنان سنوات سِمان كان فيها للمدرسة الرسمية مجدها. أساتذتها مشهود لهم بكفاءتهم وعطاءاتهم اللامحدودة. ورغم الإهمال الرسمي ــ من وقت لآخر ــ لم يكن هنالك كلام على جودة تعليمها ومستوى خريجيها. لكن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة بدّلت تلك السنوات السِمان على التعليم الرسمي بأخرى عجاف. المدارس الرسمية تواجه اليوم تحديات بالجملة تضع وجودها على المحك. ومن هنا، كان تحذير الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله لجهة وجود مخاطر على وجود القطاع التربوي. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّ ثمّة تهديدًا لركن أساسي من أركان الحياة المجتمعية. يعني بكل بساطة أن التعليم سيُصبح حكرًا على فئة "من يملك المال" وعلى طبقة دون أخرى، الأمر الذي يُلقي بتداعيات لا تُحمد عقباها في البيئة المجتمعية. 

عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب الدكتور إيهاب حمادة وهو عضو لجنة التربية النيابية يتوسّع في الحديث عن التحذير الذي أطلقه سماحة السيد نصر الله. ثمّة تآمر على التعليم الرسمي -حذّرنا منه مرارًا- جعل الخطر وجودي على هذا القطاع، بهذه الكلمات يستهل حديثه ويرسم معادلة تلخّص المشهد وتُقرّب الصورة. في هذه المرحلة لدينا حوالى 20 بالمئة فقط من الطلاب في المدرسة الرسمية و80 بالمئة في المدرسة الخاصة. تدني النسبة يعود لضعف ثقة الأهالي بالتعليم الرسمي. تلك الثقة تلاشت وباتت صفرًا بفعل الاستهتار والتآمر على المدرسة الرسمية وإهمالها وعدم إنصافها من أبواب كثيرة. وعليه، فإنّ ضعف الثقة قد يدفع الأهالي العام المقبل لعدم تسجيل أبنائهم في المدارس الرسمية. عدم وجود طلاب في هذه المدارس سيقابله كلام حقيقي حول وجود الأساتذة، بمعنى سيقول البعض: "اذا لم يكن هناك طلاب فلماذا سيكون هناك أساتذة؟". وهذا ما نحذّر ونخاف منه، يقول حمادة.

هل تُصبح المدرسة الرسمية في خبر كان؟

ينتقل حمادة من نقطة انعدام الثقة بالمدرسة الرسمية الى نقطة أخرى تشكّل خطرًا على وجود هذا القطاع التربوي. النقطة الأولى ستعبّد الطريق حكمًا نحو النقطة الثانية والمتمثلة بتحقيق شرط من شروط صندوق النقد الدولي الداعي الى تخفيف العبء على الدولة من خلال تقليص موظفي القطاع العام. وبما أنّ الأساتذة يشكلون غالبية موظفي القطاع العام فهذه النقطة ستضع مصير 40 أو 50 ألف أستاذ على المحك خصوصًا أنهم الفئة المُعتد بها اذا حصل نوع من تخفيف الأعباء المالية على الدولة من خلال القطاع العام. وهنا يرى حمادة أنّ ثمّة مخاوف من محاولات ومساع لأخذنا الى واقع على مستوى التعليم الرسمي يمهّد لطرح فائدته وثمرته ووجوده وعدم وجوده للنقاش. تمامًا كما خلق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مسألة تحرير الدولار بأمر واقع، وأعدم العملة الوطنية بأمر واقع، ورفع الدعم بأمر واقع وهلم جرا...

نقطة ثالثة تُكمل حلقة المؤامرة على التعليم الرسمي ــ يقول حمادة ــ تتمثّل بالأصوات الواضحة تمامًا حول خصخصة قطاع التعليم الرسمي ما يقودنا الى القول أنّ  هناك خطرًا وجوديًا على التعليم. وللأسف، هذا الأمر بدا واضحًا حتى على لسان فعاليات ومرجعيات طرحت صراحة أمام أساتذة التعليم الرسمي فكرة الخصخصة ودعتهم بوضوح للذهاب الى التعليم الخاص. تمامًا كما سمعنا هذا الكلام على لسان مسؤولين ونواب ناقشوا علانية وصراحة على وسائل الإعلام فكرة الخصخصة وأبعادها ودعوا اليها بشكل واضح. 

ما سبق يدفعنا ــ وفق حمادة ــ الى القول والتأكيد أن هناك تهديدًا وجوديًا يطال المدرسة الرسمية وبالتالي خطرًا وجوديًا على أصل وجود الأستاذ. وفي هذا الإطار يحذّر المتحدّث ــ مما سبق أن حذّر منه مرارًا ــ من طبقية التعليم ما يعني أنّ من لا يملك المال لا يتعلم ليصبح التعليم حكرًا على فئة وطبقة دون أخرى، وفي ذلك عملية تدمير بلد وعمود أساسي ومرتكز حقيقي ومحوري في الوطن، مع الإشارة الى أنّ قطاع التعليم الرسمي في لبنان كان منافسًا، وفي الفترة ما قبل الأخيرة كانت المدرسة الرسمية تفوق نظيرتها الخاصة من حيث كفاءة أساتذتها وثمارها التي برزت في نتائج الامتحانات الرسمية. وفي هذا السياق، يُدرج حمادة مثالًا؛ في منطقة الهرمل لا يوجد ثانوية خاصة ــ رغم بعض المحاولات ــ لأنّ ثمّة قناعة ترسخت أن أيًا من الثانوية الخاصة لن تستطيع منافسة الرسمية وهذا الأمر واضح في الكفاءات فالأستاذ الرسمي رغم كل ما يُحكى هو الأكفأ.

وفي سياق حديثه عن المشكلات التي يعاني منها التعليم الرسمي، يشير حمادة الى أنّ ثمة قرضًا بمئة مليون دولار للمدرسة الرسمية لا يزال محتجزًا لدى مصرف لبنان ــ منذ عهد وزير التربية الأسبق مروان حمادة ــ . في عهد الوزير طارق المجذوب " جرت متابعة للقرض وحاولنا جهدنا مع مصرف لبنان لسحب جزء منه لطباعة "المتون العلمية" لكن سلامة أصرّ على إعطاء القرض وفق سعر صرف 1500 ليرة رغم أن سعر صرف الدولار كان مرتفعًا، فرفض الوزير المجذوب وطالب بدولار "فريش" كما هي عملة القرض. وهنا يسأل حمادة: " أين هذا القرض؟ هل لا يزال في مصرف لبنان؟ ليجيب على نفسه بالقول :"لا نعلم اذا صرف وكيف".

كما يلفت حمادة الى ما يحكى حول مئة مليون دولار أخرى كهبة من البريطانيين وقرض آخر لدى مصرف لبنان لصالح التعليم بقيمة 30 مليون دولار. كل هذه الأموال يحجز عليها مصرف لبنان. وعليه، إجمالي الأموال يبلغ 230 مليون دولار للمدرسة الرسمية وهو رقم مهم يؤمّن مطالب الأساتذة وكلفة التعليم، فكلفة الأساتذة لا تتجاوز الخمسين مليون دولار سنويًا وعليه بإمكان هذا المبلغ تأمين التكاليف لحوالى أربع الى خمس سنوات قادمة، يضاف الى هذه المبالغ قانون الـ500 مليار ليرة لدعم التعليم الرسمي والخاص والذي أقر في مجلس النواب. كل هذه الكتلة المالية تغطي نفقات التعليم يقول حمادة الذي يتطرّق الى قضية أموال فحوصات الـ PCR التي كانت مخصّصة للجامعة اللبنانية وقيمتها 52 مليون دولار. هذا المبلغ اذا ما استرجع ــ وثمة ادعاء بالنيابة العام المالية حوله ــ كفيل بتحريك عجلة الجامعة اللبنانية. 

ويشدّد حمادة على أنّ كلام الأمين العام لحزب الله جاء ليؤكد المخاوف والهواجس التي أطلقناها حول الخطر الوجودي على قطاع التربية. وفق قناعاته، نحن في خضم ظرف استثنائي وأزمة حقيقية وهنا تتجلى الرسالة لدى الأساتذة ما يتطلب منهم التضحية ــ مع أحقية مطالبهم ــ لإنقاذ القطاع التربوي ومستقبل الأساتذة الذي بات على المحك. ولا ينسى حمادة أن يتطرق الى  ملف المدارس الخاصة، فعادة ما ينطبق على القطاع العام ينطبق على الخاص، لكن عندما جرت مضاعفة الرواتب ثلاث مرات في التشريع للمدارس الرسمية سقط هذا الأمر عن المدارس الخاصة عندما أنجزت الموازنة ولم يلحق التعليم الخاص بالرسمي، وأصبح هناك فجوة واسعة بين راتب المعلم الخاص والرسمي. لذلك يرى حمادة أننا بحاجة الى تعديل هذه المادة لتعديل رواتب التعليم الخاص والا فالتعليم الخاص مهدد أيضًا.

المدارس الرسمية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة