معركة أولي البأس

خاص العهد

سقوط مدينة أرتيوموفسك (باخموت) تداعيات وآفاق
04/03/2023

سقوط مدينة أرتيوموفسك (باخموت) تداعيات وآفاق

عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية 

السؤال المطروح وبقوة، سواء عند أصدقاء موسكو أو أعدائها: لماذا صمدت أرتيوموفسك (باخموت) 110 أيام حتى اللحظة، ولماذا استغرقت فيها العمليات كل هذا الوقت؟

في البداءة، لا بد من الإشارة الى أن المساحة الفعلية لمدينة أرتيوموفسك لا تتجاوز 42 كلم مربع في حين أنّ مدنًا أخرى كماريوبول (166 كلم مربع) ومدينة سيفيرودنيتسك (42 كلم مربع) المماثلة في المساحة لمدينة أرتيوموفسك، وليسيتشانسك (96 كلم مربع) لم تأخذ كل هذا الوقت الذي استنفذته مدينة أرتيوموفسك، فما الأسباب؟ ولماذا يستشرس الجيش الأوكراني في الدفاع عنها؟ 

مسألة أخرى، ينبغي التطرق إليها قبل الإجابة على التساؤلات المطروحة، وهي أن الأوكرانيين ومن ضمن سلسلة الاستهدافات الموجهة ضد الثقافة الروسية عمدوا إلى تغيير اسم المدينة من أرتيوموفسك إلى باخموت، وهنا ينبغي الإشارة، إلى أن الاسم إياه (أرتيوموفسك) سوفيتي المنشأ، كان قد أطلقه السوفيات عليها تكريمًا للشخصية السياسية والثورية السوفيتية فيودور سيرغييف، المعروف باسم "الرفيق أرتيوم"، والذي كان صديقاً لستالين.

وفي هذا الصدد، صدر عن جمهورية دونيتسك في آذار/ مارس 2022، مرسوم تعاد بموجبه الأسماء المخصصة للمدن والبلدات التي كانت تحملها اعتبارًا من 11 أيار/مايو 2014، والتي كانت في السابق تحت سيطرة أوكرانيا.

وعليه فإن الصراع على المدينة له جانب ثقافي – تاريخي يرتبط بالأسس التي يستند عليها كل من روسيا وأوكرانيا.

على الصعيد العسكري، تتوسط أرتيوموفسك خط الدفاع الأوكراني أو ما يُطلق عليه الأوكران "خط القلاع" الممتد من مدينة سيفرسك شمالاً وصولاً حتى أفدييفكا جنوباً، إضافة إلى أنها عقدة توزُّع الاتجاهات لمسارات الجيش الروسي شمالاً نحو مدينتي سلافيانسك وكراماتورسك وغرباً نحو مقاطعة دنيبرو بتروفسك. إذًا وبالنظر إلى موقع أرتيوموفسك فإنها تشكل بوابة العمليات على المستوى العملياتي، خصوصاً أن السيطرة على المدينة سيكون بمثابة تغيُّر كبير في وتيرة العمليات.

وفي المعلومات أن الجيش الأوكراني ومنذ سنة 2014 بدأ بتنفيذ شبكة خطوط دفاعية على كامل خط الدفاع مقابل مواقع قوت جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، يتجاوز في هندسته هندسة خط ماجينو الفرنسي إبان الحرب العالمية الثانية، وخط بارليف الذي أقامه كيان العدو الإسرائيلي على طول قناة السويس، وخط آلون في الجولان السوري المحتل .

إن إجراء مقارنة من هذا القبيل، بين خط القلاع الأوكراني والخطوط الأخرى هدفه توضيح المصاعب التي تواجه الجيش الروسي، حيث تم تقدير طول خطوط الدفاع المتتالية داخل المدينة بـ 40 كلم من الدشم والخنادق وبـ30 كلم من الأنفاق تحت الأرض، وهو ما أتاح للقوات الأوكرانية الصمود طوال هذه الفترة.

عامل آخر، ساعد القوات الأوكرانية على الصمود، وهو العدد الكبير من القناصين وكاميرات المراقبة الحرارية، بالإضافة الى أن التلال المحيطة بالمدينة كانت تحت سيطرة القوات الأوكرانية حتى شهر من اليوم إلى أن بدأت بخسارتها مرتفعاً تلو الآخر، وهو ما مكّن الجيش الروسي من تسريع وتيرة الاقتراب.
 
الآن وبحسب سير العمليات لم يعد باستطاعة الجيش الأوكراني الصمود لفترات طويلة، خصوصاً أن إمكانيات الصمود لدى القوات الأوكرانية باتت متدنية، حيث قطع الجيش الروسي طريق الإمداد من الجهة الشمالية، وتتمدد وحداته نحو الغرب من نقاط السيطرة شمال أرتيوموفسك عكس عقارب الساعة، والهدف هو الإطباق على تقاطع تشاسوف يار، علماً أن الجيش الروسي قطع طريق الإمداد من الغرب عند بلدة إيفانوفسكويه، وترك مساحة بعرض 3 كلم، واقعة تحت سيطرته ناريًّا، يسمح من خلالها بعبور الآليات والجنود إلى خارج المدينة، ويقوم باستهداف أي قوات تدخل الى المدينة، وهذا بمثابة رسالة واضحة للقيادة الأوكرانية بضرورة سحب القوات حتى لا تتحول الى قتلى أو أسرى.

السيطرة على المدينة باتت مسألة وقت، وباعتقادي أن القيادة الروسية في حال لمست قدرات إضافية للقوات الأوكرانية على الصمود، فإنها ستعمد إلى إكمال الطوق حول المدينة وتجاوزها، والشروع في تطوير العمليات نحو الشمال باتجاه سلافيانسك وكراماتورسك بداءةً، ومن ثم ستَشْرع  بعدها بتثبيت نقاط ارتكاز للانطلاق بعملياتها نحو الغرب، باتجاه مقاطعة دنيبرو بتروفيسك.

في الختام، لا شك أن الروح المعنوية للجيش الأوكراني ستتأثر بشكل كبير بعد سقوط أرتيوموفسك، نظراً لأن الدعاية الأوكرانية والغربية روجت لاستحالة سقوط المدينة التي تم تدعيمها، سواء في داخلها أو في محيطها بعدد كبير من الألوية العسكرية، تضم ألوية نخبوية، وهي التي يتم سحبها الآن استعداداً لمعارك ما بعد أرتيوموفسك (باخموت) لحماية الاتجاهين الشمالي والغربي من الجبهة في قادم الأيام.

إقرأ المزيد في: خاص العهد