خاص العهد
موظفو القطاع العام.. أي زيادة بلا ربط بالدولار ستتآكل
فاطمة سلامة
خسر موظفو القطاع العام 95 بالمئة من قيمة رواتبهم. المعاشات تآكلت ومن كان يتقاضى ثلاثة ملايين ليرة أي ألفي دولار فإنّ راتبه اليوم لا يصل الى 38 دولارًا. هذا الواقع دفع موظفي القطاع العام الى إعلاء الصوت والإضراب، فرواتبهم لم تعد تكفي بدل شراء محروقات للذهاب الى أعمالهم. وبالموازاة، فإنّ كل ما حولهم يُسعّر على الدولار ما يجعل قدرتهم الشرائية "بالأرض" اذا صحّ التعبير.
ولا يخفى أنّ إضراب الموظفين ترك تداعيات سلبية على قطاعات عدّة على رأسها التربوي، ما دفع الحكومة الى البحث عن مخارج للأزمة. آخر هذه الطروحات ما جرى تداوله في الساعات الأخيرة حول إعطاء الموظفين بدل انتاجية عن كل يوم حضور لموظفي الفئة الخامسة 400 ألف ليرة والرابعة 500 ألف والثالثة 600 ألف والثانية 700 ألف ليرة انتهاء بـ800 ألف ليرة للفئة الأولى. كما يتم إعطاء الموظّف 5 ليترات بنزين أو ما يعادل قيمتها كبدل نقل عن كل يوم حضور.
وهبي: المقترح مقبول اذا...
إلا أنّ الطرح المذكور لم يلق صدىً إيجابيًا لدى الموظفين انطلاقًا من أنّ ما سيأخذونه في اليد اليمنى سيتبخّر باليسرى طالما بقي سعر صرف الدولار على هذه الحالة التصاعدية. يُطالب هؤلاء الموظفون بربط الراتب بسعر منصة كي يضمنوا أقله بقاء القدرة الشرائية للراتب على حالها. ممثل رابطة موظفي الإدارة العامة في الحكومة حسن وهبي يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ طرح الحكومة غير مقبول، ولغاية الآن لا عودة عن الاضراب المستمر منذ نحو شهر. وفق حساباته، فإنّ طرح الحكومة جيّد لو أنّ سعر صرف الدولار مستقر، إلا أنّ التلاعب الحاصل بسعر الصرف يدفعنا الى المطالية بضرورة ربط الراتب بسعر صرف الدولار، وإلا فقيمة الزيادة ستتبخّر قبل أن نتقاضاها.
يضيف وهبي "الطرح مقبول لو أنّ سعر الصرف ثابت، ولكن مبلغ الـ400 ألف ليرة لموظف الفئة الخامسة لا يساوي شيئًا، خاصة أنّ مبدأ الانتاجية قائم على عدد أيام الحضور، وهذه الأيام تُحصى نهاية الشهر، ما يعني أنّ تقاضي بدل الانتاجية سيكون في الشهر التالي، وعندها قد يكون سعر الصرف تغيّر صعودًا، وقيمة الزيادة تآكلت قبل أن نتقاضاها". وعليه، يرى وهبي أنّ الحل ليس في بدل الإنتاجية فموظّف القطاع العام الذي دخل الى وظيفته عبر مجلس الخدمة المدنية ليس "مياوما" بل موظّف يتقاضى راتبه قبل بدء الشهر. وهنا يشدد وهبي على أنّ ثمة محاولات لتحويل الموظف الى "مياوم" يتقاضى بدل أيام الحضور.
يذكّر وهبي بمطالبات موظفي القطاع العام، يقول "منذ بدء التلاعب بسعر صرف الدولار قلنا لكي نحافظ على الإنتاجية لا بد من ربط الراتب وبدل النقل بالدولار"، ويضيف "
في بداية عام 2021 كنا نتقاضى راتبًا فأعطونا زيادة نصف راتب أي راتبا ونصفا. في عام 2022 أقروا مساعدة راتبين بالإضافة الى الراتب الأساسي. وفي عام 2023 يقترحون بدل إنتاجية. وهنا يشدّد وهبي على أنّ مضاعفة الرواتب تُكبّر الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية لكن قيمتها مقارنة بسعر صرف الدولار لا تساوي شيئًا. المقترح الجيّد وفق وهبي هو أن يتم ربط رواتب موظفي القطاع العام بمنصة "صيرفة" التابعة لمصرف لبنان. وفي هذا الإطار، يستغرب وهبي كيف أنّ الدولة تجبي وارداتها وفق الـ15 ألف ليرة، ولا تدفع الرواتب وفق منصة الـ15 ألف ليرة!. وهنا يؤكّد وهبي أننا لا نريد رفع الرواتب، فقط نريد راتبًا واحدًا وفق سعر منصة 15 ألف ليرة.
وفي معرض حديثه، يوضح وهبي أننا طالبنا في السابق بتحويل الرواتب الى الدولار وتقاضي 50 بالمئة من قيمتها. بمعنى، من كان يتقاضى مليونا ونصفا أي ألف دولار يتقاضى اليوم 500 دولار، لكنّ المقترح لقي رفضًا من الحكومة انطلاقًا من أنها لا تملك الدولار. وعليه، يطالب وهبي اليوم براتب أساسي يضاف اليه 4 رواتب أي أن المجموع 5 رواتب شرط أن يكون وفق سعر منصة ثابت قد تكون 15 ألف ليرة أو غيرها. وعليه من كان يتقاضى مليوني ليرة يتقاضى عشرة ملايين ويتم ربط المبلغ بسعر منصة، لكن وهبي يعود ويؤكّد أنّ فكرة تثبيت الراتب على سعر صرف محدّد لا تزال مرفوضة من قبل حاكم مصرف لبنان.
ولا يُخفي وهبي أنّ الحكومة طرحت فكرة الإنتاجية كي لا تغطي الزيادة كافة موظفي القطاع العام نظرًا لعددهم البالغ 350 ألفًا، وعليه يستفيد الأساتذة وموظفو الإدارة من هذا الطرح ويُستثنى الموظفون في السلك العسكري والمتقاعدون.
وحول ما يُحكى عن ربط أي زيادة بالتضخم، يقول وهبي "الدولة هي من أوجدت التضخم وطالما الإيرادات مقفلة ولم يدخل اليها واردات عبر إقفال إدارات الدولة فالدولة تخسر عن كل يوم إضراب لإداراتها 120 مليار ليرة".
شمس الدين: طالما لا استقرار في سعر الصرف ستتبخّر الزيادة
الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين يشدّد على ضرورة إيجاد حل لرواتب موظفي القطاع العام انطلاقًا من أحقية هذا الأمر، لكنّه في المقابل يحتسب الأمور بواقعية. طالما سعر صرف الدولار يرتفع فإنّ أي زيادة لن تفعل شيئًا. يذكّر شمس الدين بالمادة 111 من قانون الموازنة التي نصّت على حصول العاملين في القطاع العام على راتبين إضافيين إضافة الى الراتب الأساسي عن كل شهر وذلك كحد أدنى 5 ملايين وأقصى 12 مليونا، وقد شرح المجلس الدستوري في حينها اللغط الحاصل وقال من يتقاضى مليونا ونصف مليون ليرة لا يتقاضى 5 ملايين بل تضاف الخمسة ملايين ليرة الى راتبه ليصبح 6 ملايين ونصف المليون. هذا المبلغ كان في حينها عندما كان سعر الصرف 38 ألف ليرة كان يساوي 171 دولارًا، أما اليوم فهذا المبلغ يساوي 81 دولارًا، وعليه فالرواتب خسرت منذ آخر عام 2022 لغاية الآن 50 بالمئة من قيمتها.
يضع شمس الدين الحديث عن أي زيادة في خانة "المضيعة للوقت"، فطالما لا استقرار في سعر الصرف ستتبخّر الزيادة. الحل -برأيه- ليس بزيادة الرواتب بل في أن توقف الدولة صعود الدولار وارتفاعه وتضع حدًا له، وإلا فالموظّف لن يستفيد من أي طروحات جديدة.
يتحدّث شمس الدين تفصيليًا عن المقترح المطروح. وفق حساباته، فإنّ 200 ألف عامل في الدولة اذا ما استثنينا "العسكريين" سيحتاجون الى مليون ليتر بنزين يوميًا. واذا ما احتسبنا أنّ كل موظّف يحتاج الى 370 ألف ليرة بحسب السعر الحالي للصفيحة، فإنّ 200 ألف موظّف يحتاجون الى 74 مليار ليرة يوميًا أي 17760 مليار ليرة سنويًا. المبلغ المذكور سيضاف اليه الرواتب وبدل الانتاجية أيضًا، فمن أين ستأتي الدولة بهذه الإيرادات؟ هل أجرت الدولة حساباتها؟ يسأل شمس الدين الذي يرجّح أن تضطر الدولة لدفع ربع إيرادات الموازنة لهذا الأمر فقط.
يعود شمس الدين ويكرر لا بد من إيجاد حل، لكنّ الحل ليس بالزيادة بل بخفض سعر صرف الدولار، ولدى الدولة إجراءات لذلك وتستطيع فعل ذلك. كما يقترح شمس الدين حلولًا أخرى كإجراء مناقلات للموظفين، وحصر الحضور بيوم أو يومين بالأسبوع، حتى المعلم بإمكانه ضغط البرنامج التربوي وحصر أيام التدريس لتصبح 70 بدلًا من 150 مثًلا وذلك بناء على توجيهات لجنة تربوية تقترح ما المهم وغير المهم. وفق شمس الدين الحل ليس بالزيادة بل بإجراءات تواكب الأزمة.