معركة أولي البأس

خاص العهد

هل تسهم "دولرة" الأسعار في انخفاضها؟
17/02/2023

هل تسهم "دولرة" الأسعار في انخفاضها؟

فاطمة سلامة

في الآونة الأخيرة، كثُرت التقارير الدولية التي تؤكّد احتلال لبنان المراتب الأولى في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتضخمها. ارتفاع تدهورت معه القدرة الشرائية للمواطنين وباتت في الحضيض. سلعٌ بالجملة شُطبت من السلة الغذائية التي لم تعد تقتصر سوى على الأساسيات الأساسيات. والمفارقة، أنّ السلعة ذاتها تباع بأسعار متعدّدة في الوقت نفسه وفي أمكنة مختلفة. والمفارقة الأكبر، أنّه ما إن يرتفع سعر صرف الدولار ألفًا واحدًا ترتفع الأسعار في اللحظة ذاتها، أما في حال انخفض سعر الصرف 10 آلاف ليرة ــ على سبيل المثال ــ فسعر السلعة يبقى في أغلب الأحيان -اللهم ما ندر- كما كان. 

هذا الواقع دفع كثرًا الى الحديث عن ضرورة "دولرة" الأسعار حتى أصبح هذا التمني قرارًا أعلن عنه وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام. عبّر سلام عن قناعته بأنّ قرار "دولرة" الأسعار في "السوبرماركات" هو لحماية الناس. فما أهمية هذا القرار؟ وهل فعلًا يحمي المستهلك؟ كيف ستراقب وزارة الاقتصاد مسألة عدم رفع "السوبرماركت" لأسعار السلع حتى "المدولرة"؟ ومن سيحدّد سعر الصرف؟. 

أبو حيدر: اعتماد السعر كمرجع للأسعار يساعد المستهلك على اختيار الأرخص 

قرار وزارة الاقتصاد يعني بكل بساطة أنّ كل ما على رفوف "السوبرماركت" من أسعار ستبدو بالدولار. أما الفاتورة فيُمنع أن تصدر الا بالليرة اللبنانية وفق ما يقول مدير عام وزراة الاقتصاد والتجارة الدكتور محمد أبو حيدر. وفق أبو حيدر، يجب التمييز بين الدولرة واعتماد الدولار كمرجع للسعر. في السابق، كنا نلاحظ أنّه عند ارتفاع سعر صرف الدولار يلجأ التجّار الى رفع الأسعار، وعند الانخفاض لا يحصل الأمر نفسه. التجار كانوا يسعّرون أعلى من سعر الصرف الموجود لحماية رأسمالهم، ومن هنا كان الهدف اعتماد التسعير بالدولار على الرف بينما الدفع بالليرة اللبنانية.  هذا الأمر يمكّن الناس -وفق أبو حيدر- لتُقدّر كم يبلغ ثمن السلعة لأنّ السعر سيبقى ثابتًا اليوم وبعد أسبوع وبعد شهر، واذا وجد المواطن دولار أي سلعة متفاوتا بين مكان وآخر حكمًا سيختار الأرخص ثمنًا. 

من يحدّد سعر الصرف الرسمي نظرًا للتفاوت الحاصل أحيانًا في أسعار السوق السوداء؟. يشدّد أبو حيدر أولًا على أن هذا الأمر ليس من مهمّة وزارة الاقتصاد، لكنه يلفت بالمقابل الى اعتماد سعر الصرف المتداول بشكل يومي عبر التطبيقات. هذا السعر يجب أن يكون معروضًا على شاشة كبيرة عند الباب.  

ماذا عن العقوبات؟ يوضح أبو حيدر أنها ذاتها الموجودة اليوم اذ تتم إحالة ملف المخالفة الى القضاء المختص. وقد لاحظنا مؤخرًا أننا بدأنا نشهد وضع إشارة من القضاء لإقفال "سوبرماركات". وفي هذا الإطار، يشير أبو حيدر الى قانون حماية المستهلك، ويوضح أنّ الوزارة تعمل على تعديل الفقرات المدرجة فيه لتكون العقوبة رادعة أكثر كي لا تستسهل الجهة المخالفة العقوبة ويصبح العقاب بلا معنى. 

عكوش: خطوة جيدة ولكن..
 
وفي قراءة اقتصادية لخطوة الوزارة بدولرة الأسعار، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش أنها خطوة جيدة لكن يجب أن تترافق مع خطوات صارمة ورقابة من وزارة الاقتصاد مع تشديد العقوبات على المخالفين، لا أن تكون العقوبات كما السابق محاضر ضبط بمبلغ زهيد تتحول الى القضاء. بهذه العقوبة الزهيدة نبقى في مكاننا، بينما المطلوب عقوبات صارمة تصل حد إقفال "السوبرماركت" ــ التي لا تلتزم ــ لفترة محددة. هنا يكون العقاب مؤلمًا لأنّ الإقفال يعني حرمانها من أرباح كبيرة جدًا.  

وفي حديث لموقع العهد الإخباري، يلفت عكوش الى أنّ الدولرة ليست شيئًا جديدًا وهي موجودة لدى معظم التجار اذ لا يوجد تاجر يبيع أو "يُفوتر" بالليرة اللبنانية، لكنّ الموضوع اليوم محصور كما يُحكى بتجار التجزئة وخاصة "السوبرماركات". وكما هو معلوم عند كل ارتفاع بسعر صرف الدولار كانت الأسعار ترتفع، وعند كل انخفاض لا تنخفض بل تأخذ المؤسسات احتياطاتها برفع السعر تحسبًا لأي ارتفاع لاحق. وفي الوقت نفسه، فإنّ معظم "السوبرماركات" لا تسعّر على سعر صرف السوق بل على سعر صرف أعلى كي "يحتاطوا" ويضعوا هامشًا ــ ما بين سعر الدولار بالسوق السوداء وبين سعر المبيع ــ نحو 4 آلاف ليرة عن كل دولار. على سبيل المثال، اذا كان سعر السلعة ثلاثة دولارات فإنّ الفارق بين دولارها ودولار السوق السوداء 12 ألف ليرة.

وفيما يشير عكوش الى أنّ عملية التسعير المذكورة تساهم في رفع الكلفة على المواطن، يلفت الى أننا لطالما سألنا:" لماذا لا تسعّر السلعة الاستهلاكية بالدولار على الرفوف ما يُعطي إمكانية للمواطن ليحفظ السعر ويقارنه بين "سوبرماركت" وأخرى، ويقارنه بين فترة زمنية وأخرى؟ مع الإشارة الى أنّ الأسعار ثابتة نسبيًا على الرفوف، وقد تتغيّر قليلًا لأنها خاضعة للبورصات العالمية. في هذه الحالة لا تكون الفروقات كبيرة يقول عكوش، أضف الى أنّ عملية المحاسبة التي ستجري على الصندوق من المفترض أن تكون واضحة من حيث اعتماد سعر صرف واضح للمواطن بغضّ النظر من سيحدده وزارة الاقتصاد، مصرف لبنان، أم السوق السوداء، الأمر الذي يساهم في خفض أسعار السلع لأن هامش الربح بالنسبة لـ"السوبرماركات" لا يكون كالسابق حيث تحولوا في الآونة الأخيرة الى صرافين لأنهم يشترون الدولار من السوق السوداء على سعر ويحولونه الى المستهلك بسعر أعلى، مع الإشارة الى ضرورة أن يكون للمواطن الخيار بأي عملة سيدفع لتجنب مخالفة قانون حماية المستهلك وقانون النقد والتسليف. 

هل ستفتح الخطوة الجديدة الباب أمام المنافسة؟ يجيب عكوش على هذا السؤال بالتأكيد أنّ الخطوة تحتاج الى إجراءات أخرى لكي تفتح باب المنافسة، منها أن  تقوم وزارة الاقتصاد ومصلحة حماية المستهلك بإدراج أسعار السلع بشكل يومي عبر ملفات تنشرها الوزارة على صفحتها. حينها ستفتح الخطوة المجال للتنافس بين  "السوبرماركات" والمحلات التجارية على تخفيض الأسعار خاصة اذا كانت المعلومات بيد المستهلك ما يخوّله مقارنة الأسعار واختيار السعر الأقل. وهنا يلفت عكوش الى أنّ الأسعار ارتفعت في الآونة الأخيرة حتى على الدولار نتيجة استخدام هوامش أرباح لصرف الدولار وهوامش أرباح تجارية عالية. يعود عكوش ويشدد على ضرورة أن يكون بين متناول أيدينا معلومات تُنشر على صفحة الوزارة أو تطبيق على الهواتف يحدد سعر الصرف عبر تدخل يومي وإعلان سعر صرف يومي تمامًا كما يحصل بملف المحروقات.

 بحصلي: الدولرة تعطي الإمكانية لكشف التلاعب بالأسعار ورفعها بطريقة عشوائية 

وفيما تعذّر الحديث مع نقيب أصحاب السوبر ماركت، تحدّث نقيب مستوردي السلع الغذائية هاني بحصلي عن خطوة الدولرة، واصفًا إياها بالمفيدة للمستهلك قبل التاجر. وفق قناعاته، التسعير بالدولار أفضل للمستهلك والمستورد والسوبرماركت.  يشير بحصلي الى أنّنا سعينا ليكون التسعير بالدولار كي لا يكون هناك تجاوزات. التسعير بالليرة اللبنانية أحدث فوضى في الأسواق، بينما لدى التسعير بالدولار  تصبح الهوامش أقل مع إمكانية كشف التلاعب بالأسعار أو رفع السعر بطريقة عشوائية. 

التاجر عندما يسعّر  بالليرة اللبنانية لا يعرف متى يبيع السلعة فيضطر الى تغيير السعر كلما تغيّر سعر الصرف -يقول بحصلي- أما الأسعار المدولرة على الرفوف فلا تتغير، ليبقى السعر ثابتًا، وهذا أمر مفيد للسوبرماركت أيضًا. أما نحن كمستوردين فكنا نبيع المؤسسات بالليرة اللبنانية وبعد أسبوعين نتقاضى حقوقنا بالليرة نفسها لكن عندما "نفوتر" بالدولار فنحن نبيع بقيمتها كما هي ولا نخسر، يضيف بحصلي. 

وفي الختام، يشدّد بحصلي على أن ثمة فوضى كبيرة جدًا في الأسعار. صحيح أننا لم نحل الأزمة ولكن الدولرة كفيلة بضبط الفوضى وكشف التجاوزات.
 

الدولارغلاء الأسعار

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة