خاص العهد
طرابلس على خط الزلازل.. والشائعات
محمد ملص
لم تسلم طرابلس وباقي مناطق الشمال من الهزات الارتدادية التي لا تزال تضرب الخط الساحلي الممتد من تركيا الى سوريا ولبنان. إلا أن الرعب الذي أصاب أهالي طرابلس والمنية ووصل الى عكار لم يكن من الهزّات فقط، بل من الشائعات التي تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي حيث كان لها النصيب الأكبر وراء دفع مئات العائلات لترك بيوتها والمبيت في الشوارع داخل سياراتهم.
آخر تلك الهزات وقعت مساء الأربعاء - الخميس، حسب ما أفاد المركز الوطني للجيوفيزياء في بحنس التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمي، الذي أكد أن هزة وقعت بقوة 4،2 درجات على مقياس ريختر، على بعد 5 كيلومترات من الهرمل جنوباً، وشعر بها سكان البقاع والشمال والمتن وكسروان وبيروت. فيما أثارت الهزة قلقًا كبيرًا في صفوف المواطنين، الذين كانوا قد اختبروا هزّةً فجر الاثنين، على إثر الزلزال الذي ضرب تركيا، وهو ما دفع بهم إلى الطرقات خوفاً من أي انهيارات.
مئات الطرابلسيين أخلوا منازلهم أمس، وقرروا المبيت داخل سياراتهم التي اصطفّت بطوابير طويلة عند معرض رشيد كرامي الدولي خوفًا من أية ارتدادات محتملة أو تكرار الهزة الأرضية التي ضربت لبنان مساء الاثنين. الخوف كان سيد الموقف، إلا أن الخوف الأكبر كان من الشائعات التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي والتي زادت من حجم الخوف والقلق لدى الطرابلسيين، بل كانت السبب الرئيسي في دفع الناس لترك منازلهم والمبيت داخل سياراتهم وفي الشوارع.
بيوت مهددة بالسقوط
لا شك أن حجم الخوف الذي يسيطر على نفوس المواطنين بات كبيرًا، لكن بالاضافة إلى ذلك فإن الواقع الذي يعيشه أهالي طرابلس يشكل جزءًا كبيرًا من هذا الخوف. ففي حال وقعت الكارثة، ستكون الخسائر كبيرة جدًا بالأرواح، اضافة إلى خسائر مادية كبيرة أيضًا، وذلك نتيجة المنازل المعرضة أصلًا للسقوط. مصادر كشفت لموقع "العهد" الاخباري أن "في طرابلس وحدها ما يزيد عن 500 منزل متصدّع ومهدّد بالانهيار، خصوصًا في باب التبانة والزاهرية والقبة وجبل محسن، اضافة الى مئات الشقق التي شيدت حديثاً كمجمعات سكنية هي أيضًا معرضة للسقوط، بعد أن ظهرت التصدعات والتشققات فيها على اثر الزلزال الأخير. لكن بالوقت عينه، تطمئن المصادر نفسها إلى أن "الأبنية المذكورة ليست معرّضة للانهيار فورًا أو أنها بحاجة للاخلاء، انما الخوف هو من تفاقم الوضع أكثر في حال حصول هزّة ثانية بقوة الهزّة السّابقة، لا سمح الله، فإنّ الكارثة ستكون كبيرة".
شائعات وتحليلات.. ما حقيقتها؟
مع كل دقيقة، تحمل المجموعات الاخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي أخبارًا حول احتمال حصول هزّات أرضية، ووصلت ببعض المجموعات لحدود القول إن زلزالاً "مدمّراً" سيضرب لبنان. وبالرغم من هدوء الزلزال، إلا أن الشائعات لم تهدأ، بل كانت ترمى يمنة ويسرة حتى أن احداها جرى تناقلها على أنها صادرة عن الجهات الرسمية، وأخرى تم نسب مصدرها إلى قناة "المنار": "وفيه ان إدارة الكوارث والطورائ اللبنانية: تدعو المواطنين الى الخروج الى الاماكن المفتوحة خوفا من زلزال مدمر"، ليتبين بعد ذلك ان هذا الخبر غير موجود على موقع "القناة" وهو عار عن الصحة.
لجنة تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والازمات الوطنية نفت "هذه الإشاعات المتداولة"، موضحةً أن "المعلومات المتداولة عارية عن الصحة" وأهابت بالمواطنين "عدم الأخذ بها والاطلاع على المعلومات من مصادرها الرسمية والموثوق بها، وهي غرفة العمليات الوطنية لإدارة الكوارث والأزمات والمجلس الوطني للبحوث العلمية - المركز الوطني للجيوفيزياء".
حتى أن الصليب الاحمر لم يسلم من الشائعات، وهو ما اضطره الى اصدار بيان نفى من خلاله "نفياً قاطعاً أن يكون قد أصدر أي تحذير حول حدوث زلزال في لبنان"، وذلك بعدما انتشرت أخبار "ملفقة وكاذبة" منسوبة إلى الصليب الأحمر اللبناني، هدفها "إدخال الهلع إلى نفوس المواطنين".
لا شك أن ما حدث ليل أمس في طرابلس من حملة تخويف وترهيب للاهالي من غير المستبعد أن يحصل مرة ثانية وثالثة، فالعائلات التي عاشت ليلة رعب الاثنين الماضي باتت تحت رحمة شائعات مجموعات الواتساب وصفحات التواصل، هذا عدا عن "تفريخ" عشرات "الخبراء الجيولوجيين" الذين ظهروا سريعًا واحتلوا القنوات المحلية وباتوا يلقون الأخبار دون حسيب أو رقيب، ومن دون أدنى مراعاة لمشاعر المواطنين الذين باتوا ليلتهم أمس في الشوارع تحت رحمة الشائعات.