خاص العهد
تفاصيل رسالة "الفيول العراقي" والبواخر "الممنوعة من التفريغ"
فاطمة سلامة
"دخلنا في النفق المظلم، ونتّجه منذ ليل الأمس نحو العتمة الشاملة". بهذه الكلمات تستهل مصادر مطّلعة على أوضاع كهرباء لبنان كلامها لدى سؤالها عن الواقع الكهربائي. وفق حساباتها، انقلبت الصورة 180 درجة؛ فبعدما كانت الأجواء توحي قبل شهر بزيادة التغذية الكهربائية لساعات باتت الأمور معكوسة. معمل الزهراني أطفئ بالأمس ليصبح الاعتماد الكلي على المعامل الكهرومائية -تقول المصادر- التي تلفت الى أنّ اللبنانيين بالكاد سيرون الكهرباء نصف ساعة، هذا إن توفّرت. كما تكشف المصادر لموقع "العهد" الإخباري عن رسالة من وزير الطاقة والمياه حول الفيول العراقي، وتفاصيل الأخذ والرد حولها ما يبيّن أن لبنان في هذا الإطار أمام خيارين أحلاهما مر.
تأسف المصادر لأننا نعيش في "بلد العجائب". ثمّة وطن يغرق في العتمة تقابله هبة إيرانية لا تزال قائمة لتزويد لبنان بالفيول مجانًا. تمامًا كما ثمّة وطن يغرق في العتمة وفي المقابل، ثمّة ثلاث بواخر "غاز أويل" وفيول "B" "تتشمّس" عند الشواطئ اللبنانية وتُمنع من إفراغ حمولتها لمناكفات سياسية، فيما يتكبّد لبنان غرامة رسو يومية بقيمة 54 ألف دولار ما يعني أنّ عدّاد الغرامات بات بمئات آلاف الدولارات.
تحبس المصادر في فمها الكثير من الماء. تستغرب كيف حُرم لبنان المحاصر أميركيًا من الهبة الإيرانية بضغط أميركي، وكيف يُحرم اليوم من الاستفادة من بواخر الفيول لأسباب سياسية ومناكفات. وبالأرقام تستعرض المصادر قصّة البواخر "الممنوعة من التفريغ". في 28 تشرين الأول 2022 أطلقت وزارة الطاقة والمياه ثلاث مناقصات في هيئة "الشراء العام" لشراء كل من مادتي "الفيول أويل B" ومادة "الغاز أويل" لصالح مؤسسة كهرباء لبنان.
وفي شهر تشرين الثاني 2022 فازت شركة "VITOL BAHRAIN E.C" بالمناقصة. حينها أرسل وزير الطاقة والمياة طلبًا الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لفتح الاعتماد المستندي. وهنا توضح المصادر أنّ الأموال للشركة ستُدفع من الجباية حيث يتم تحويل الأموال الى الدولار على سعر صرف منصة "صيرفة" ليضاف اليها مبلغ بقيمة 20 بالمئة، لكنّ دور مصرف لبنان بمثابة الضامن والكفيل فقط. وعليه، وافق ميقاتي بتاريخ 23/12/2022 على استصدار سلفة لمؤسسة كهرباء لبنان تغطية للاعتماد المستندي الخاص بمادة "الغاز أويل"، إلا أن وزير المالية لغاية تاريخه لم يعطِ موافقته على الاعتماد المذكور بحجة مخالفته للقانون، وبالتالي لم يُرسل الاعتماد إلى مصرف لبنان ليتم فتحه وتتمكن الباخرتان Cape Bacton وKriti Admiral من التفريغ قبل أن تضاف اليهما باخرة San Carlos.
وتلفت المصادر الى أنّ إجمالي كمية "الغاز أويل" الموجودة على متن الباخرتين Cape Bacton التي وصلت الى الشاطئ اللبناني بتاريخ 15/12/2022 وKriti Admiral التي وصلت بتاريخ 22/12/2022 حوالى 63 ألف طن، فيما تبلغ كمية "الفيول B" الموجودة في باخرة San Carlos التي وصلت بتاريخ 31/12/2022 نحو 28 ألف طن. وهنا تلفت المصادر الى أنّ غرامات التأخر في التفريغ تزداد يوميًا، وقد بلغت لغاية تاريخه أكثر من 400 ألف دولار. وبحسب المصادر، فإنّ قيمة الغرامات بمعدل 18 ألف دولار عن كل يوم تأخير لكل باخرة. الاحتساب يبدأ بعد 72 ساعة + 6 ساعات من تاريخ وصول كل باخرة. وعليه، ثمّة غرامات بقيمة 54 ألف دولار يوميًا، ما يعني مئات آلاف الدولارات ستدفع كغرامات رسو.
الفيول العراقي
وفي سياق حديثها، تكشف المصادر لموقع "العهد" أنّه وفي سياق أزمة الكهرباء المستفحلة، طلب وزير الطاقة والمياه مؤخرًا من رئيس حكومة تصريف الأعمال "موافقة استثنائية" للفيول العراقي لتمديد العقد حول باخرة Histria Giada وهي باخرة "غاز أويل" يجب أن توردها شركة OQ Trading من خلال العقد العراقي المجدّد. ووفق المصادر أرسل وزير الطاقة والمياه كتابًا إلى وزير المالية للموافقة على العقد المجدّد بين لبنان والعراق بتاريخ 29/11/2022 لتزويد الجانب اللبناني بكمية /1,000,000/ طن متري من الفيول العراقي منذ شهر كانون الأول 2022 ولغاية نهاية تشرين الثاني 2023، كما طلب الوزير تمديد الاعتماد المستندي السابق بالقيمة ذاتها أي $ 437,966,000.
وفي هذا السياق، تلفت المصادر الى أنّ الجواب على الرسالة جاء سلبيًا. القضية عالقة عند قصّة عدم عرضها على مجلس الوزراء للموافقة عليها والسير بها. وبحسب المصادر أيضًا، طلب البنك المركزي استصدار سلفة خزينة بقيمة الاعتماد العراقي، وطلب من مؤسسة كهرباء لبنان تسديد قيمة الاعتماد إلى مصرف لبنان، ليأتي الجواب من المؤسسة أنها لا يمكنها تسديد المبلغ.
بناء على ما تقدّم، تلفت المصادر الى أنّ لبنان أمام خيارين أحلاهما مر؛ إما تأجيل التحميل من العراق وتأخير الاستلام وهذا يعني الغرق أكثر فأكثر في العتمة خاصة أن الفيول العراقي يسد زاوية من الفراغ الكهربائي، أو إلغاء التحميل كليًا مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من غرامات مالية تتكبدها الدولة اللبنانية. هذان الخياران لا ثالث لهما في حال استحالة تمديد الاعتماد المستندي، والذي سيدفع بشركة SOMO العراقية الى عدم القبول بتحميل شحنة "الفيول أويل" المخصصة لوزارة الطاقة والمياه، والتي سيتم مبادلتها من خلال شركة OQ Trading بشحنة "غاز أويل" على متن الباخرة Histia Giada، اللهم الا اذا حدث طارئ قلب الصورة رأسًا على عقب.
وفي ختام حديثها، تبدي المصادر استغرابها من أنّ ثمّة ازدواجية في المعايير في التعاطي مع الملفات خاصة أنّ ميقاتي هو من طلب بنفسه من وزير الطاقة إرسال الرسالة المذكورة حول الفيول العراقي، وفي المقابل يتذرع أن الموافقة على إعطاء اعتماد مستندي لبواخر "الفيول" التي ترسو عند الشواطئ اللبنانية تتطلّب قرارًا من مجلس الوزارء، تختم المصادر حديثها، مشيرة الى أنّه وحده المواطن الغارق في العتمة هو الضحية.