خاص العهد
2022..الروح تعود الى الجامعة اللبنانية وهذا ما يقوله رئيسها
فاطمة سلامة
في الآونة الأخيرة قيل الكثير في رحاب جامعة الوطن الجامعة اللبنانية. أشهرٍ عجاف مرّت على "أم التنوع" الطائفي والمذهبي. كثر تحسّروا وعبّروا عن خشيتهم على مستقبل جامعة كان لها الفضل في تخريج رموز في هذا الوطن. صيت الجامعة الوطنية -التي يصفها البعض بـ"أم الفقير" نظرًا لقسطها المتدني- يسبقها. مستواها العلمي مشهود له، وطلابها يفخرون بشهاداتهم أينما حلّوا. إلا أنّ الأزمة المالية والاقتصادية نالت كثيرًا من الجامعة التي بقيت -ومنذ تأسيسها في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي- صرحًا جامعًا لكل فئات الشعب اللبناني. صادفت الجامعة فترات صعبة من الحرمان افتقدت فيها لأبسط مقوّمات الاستمرار. حينها، قيل أنها "تموت سريريًا"، "تلفظ أنفاسها الأخيرة"، "تقف على حافة الإغلاق"، لكنها صمدت.
عام 2022 لم يكن عامًا سهلًا على الجامعة اللبنانية، بل كان من الفترات الصعبة في تاريخها، وفق ما يقول رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسام بدران. يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن سنة صعبة جدًا عاشتها الجامعة، لكنّه يؤكّد أنّ الروح عادت في هذه السنة الى الكليات على أمل أن يكون عام 2023 أفضل من سابقه. لا يخفي أن ميزانية الجامعة قليلة لكنها أمّنت الحد الأدنى للانطلاق بعد أن جرى حصر النفقات في الأساسيات الأساسيات. وهنا، يجزم بدران أنّ التعليم سيكون عام 2023 حضوريًّا حصرًا بعد أن تأمنت مقوّماته، ولا إمكانية لـ"الأونلاين" الا في أماكن محدودة جدًا "نعمل فيها على معالجة بعض المشاكل".
ولا يخفى لمن يتابع أوضاع الأساتذة الجامعيين أنّ الدولة لم تنصفهم كما يجب وهم الذين يبذلون كل ما بوسعهم لتقديم الأفضل للطالب، حتى باتت رواتبهم في الدرك الأسفل. في هذا الإطار، يقول بدران: "أوافق رأي من يقول بأن راتب الأستاذ الجامعي يجب أن تتم مضاعفته عشر مرات لكن هذا الأمر ليس بيدنا بل بيد الدولة". وحول هجرة الأساتذة التي شهدتها كليات الجامعة يلفت المتحدّث الى أنّ أرقامها ستتبيّن بدقة الشهر القادم بعد أن تنجز كافة المعاملات.
وفي ما يلي نص المقابلة:
س. البداية من موازنة الجامعة اللبنانية التي خسرت الكثير من قيمتها. كم خسرت؟ وهل ستكفي لعام دراسي كامل؟
ج. تمكّنت الجامعة اللبنانية من أخذ الأموال التي طالبت بها لعام 2022 في الموازنة والبالغة 1150 مليار ليرة وهذا ما جعلنا نتمكن من العودة الى التعليم الحضوري بشكل كامل. طبعًا، ثمة جزء يبلغ 280 مليار ليرة لا نزال نتواصل مع وزارة التربية بشأنه لتثبيته على القاعدة الاثني عشرية لعام 2023. لا ننكر أننا لسنا راضين عن الموازنة ولكنها مكّنتنا من "التقليع" لأنها تغطّي الحد الأدنى. الموازنة خسرت أضعافًا من قيمتها. في السابق كانت تقدّر بـ250 مليون دولار، أما اليوم ومع سعر صرف الدولار المتغيّر في السوق السوداء فباتت بحدود الـ20 الى 22 مليون دولار. 80 بالمئة منها رواتب وأجور، أما المبلغ المرصود للكلفة التشغيلة فقليل.
س. كيف تمكّنتم من تدوير الزوايا لتغطية مختلف التكاليف خاصة أن دولار السوق السوداء متحرك؟.
ج. الكلفة الأساسية في الجامعة تكمن في الكلفة التشغيلية. الرواتب لا تزال وفق الليرة اللبنانية. ورغم مضاعفة الراتب الا أنه لا مشكلة في ذلك. المشكلة تكمن في الأمور التشغيلية. صحيح أنّ الجامعة لم تعد تشتري معدات جديدة لكننا نعمل على حصر النفقات في الأساسيات الأساسيات لناحية تأمين الكهرباء، القرطاسية، المحابر، وكل ما يتعلق بالمختبرات. طبعًا، نتيجة حجم الجامعة الكبير لا يخلو الأمر من
نقص في تأمين المطلوب بشكل كامل أو من نقص في مادة المازوت بفرع معين أو كلية معينة لهذا الشهر أو ذاك. هذا الأمر استثناء، لكن بالمبدأ كل الفروع سيؤمّن لها في الفترة الأولى كافة الأمور الأساسية لتنطلق. ابتداء من عام 2023 سنؤمّن كامل فروع الجامعة اللبنانية لناحية المازوت والأوراق للامتحانات للتأكيد على قضية التعليم الحضوري. مسألة التعليم عن بعد انتهت، ولا مسوّغ قانوني يغطّيها اللهم الا في بعض الأماكن ككلية الطب في السنوات المتقدمة نتيجة النقص الكبير في الأطباء، بموازاة عمل الطلاب في المستشفيات.
س. ماذا عن أموال فحوصات الـ"PCR"(52 مليون دولار) التي أجريت للوافدين إلى مطار بيروت سابقًا في ظلّ تفشّي جائحة "كورونا" والتي خُصِّصَت للجامعة اللبنانية؟
ج. قبل أسبوع تسلمتُ رسالة من المدعي العام المالي بخصوص هذا الأمر. لا تزال هذه القضية موضع متابعة مع القضاء.
س. ماذا عن مجلس الجامعة المعطّل؟
ج. الأمر له علاقة بالحكومة، كان على الدولة أن تنجز الأمور التي طلبتها الجامعة من تعيينات عمداء الى تفرغ أساتذة وإدخالهم في الملاك، ولكن هذا الكلام اليوم بات متأخرًا جدًا. لم يعد هذا الأمر أولوية بالمدى المنظور، فالأولويات اختلفت بالنسبة للدولة بموازاة الشغور في رئاسة الجمهورية وعدم وجود حكومة أصيلة. بمعنى ثمّة أمور ضاغطة أكثر على الدولة. الجامعة تسير بتكليف عمداء ولكن الأفضل والأسلم والأكثر قانونية هو تعيين عميد أصيل وبمرسوم أو قرار من مجلس الوزارء. لكن اذا لم يتسن لنا تعيين عميد أصيل فإنّ العميد المكلّف حاليًا يقوم بمهام الأصيل. طبعًا، يفضّل في الأيام العادية أن يكون هناك مجلس جامعة ليكون هناك قرار جماعي بين كافة العمداء ورئيس الجامعة وممثلي الأساتذة ومجلس الجامعة.
س. في ما يتعلق بالرواتب، ثمّة شكاية كثيرة من قبل المتفرغين والمتعاقدين على حد سواء. أجر الساعة للأستاذ المتعاقد رُفعت كما نعلم مؤخرًا الى 200 ألف ليرة و300 ألف ليرة لمن يملك رتبة أستاذ. الأساتذة يعتبرون القرار الجديد غير كاف، ويطالب بعضهم بمساعدة بـ"الفريش دولار" على غرار التعليم المدرسي الرسمي. كيف تعلّقون؟.
ج. الراتب الأساسي لرئيس الجامعة اللبنانية المتفرّغ والمعيّن في الملاك 6 ملايين و250 ألف ليرة. راتب رئيس الجمهورية نحو 18 مليون ليرة. من الطبيعي أن نرى فرقًا كبيرًا بين راتب الأستاذ الجامعي وراتب من يعمل في المهن الحرة كالميكانيكي مثلًا الذي قد يبلغ أجر ساعته المليون ليرة. كل شخص منّا اختار مهنة في حياته، ونحن إما أن نقبل بما فرض علينا من راتب أو لا نقبل. رئيس الجامعة لا يستطيع أن يقارب هذه القضية وعلى صاحب العلاقة اتخاذ القرار. نحن كإدارة نبذل كل جهد في هذا الإطار لكننا نملك دورًا في بعض الأمور لا نملكه في أمور أخرى. عندما رفعت الدولة الرواتب وأضافت ضعفي راتب لكثير من موظفي القطاع العام للاستمرارية، ضاعفنا كجامعة الرواتب ثلاث مرات. هذا ما نستطيع فعله واذا لم نفعل ذلك نكون حُكمًا في دائرة التقصير. طبعًا أوافق الرأي من يقول بأن راتب الأستاذ الجامعي يجب أن تتم مضاعفته عشر مرات لكن هذا الأمر ليس بيدنا بل بيد الدولة التي عليها أن تنجز سلسلة رتب ورواتب جديدة.
س. ماذا عن الموظفين والمدربين الذين لا يتقاضون رواتبهم بشكل شهري؟.
ج. الموظفون والمدربون ضربت رواتبهم أيضًا بثلاثة، وبدءًا من عام 2023 فإنّ المدربين سيتقاضون رواتبهم شهريًا.
س. تشهد الجامعة كما بات معلومًا هجرة للأدمغة بسبب الأوضاع المالية والاقتصادية. هل من أرقام دقيقة؟
ج. الهجرة سائدة في البلد بأكمله والجامعة جزء منه. ثمة هجرة في أوساط القضاة، الضباط، أساتذة التعليم الثانوي والرسمي، الطلاب وغيرهم. هذه الظاهرة للأسف تفاقمت نظرًا للوضع الاقتصادي الصعب. وفي ما يتعلّق بالأرقام، للأمانة لا أرقام دقيقة في حوزتنا. مسألة النقص في صفوف الأساتذة بدأت تظهر عندما عدنا فعليًا الى التعليم الحضوري. سنتمكّن من حصر الأسماء والأرقام من الآن حتى شهر كانون الثاني المقبل لأنّ ثمة معاملات تُرسل من الكليات وتأخذ وقتًا للتنفيذ في الإدارة المركزية خاصة أنّ بعض الأساتذة قدموا إجازة بدون راتب، أو طلب استيداع لعام. كل هذه التفاصيل تتطلّب من أسبوعين الى ثلاثة أو أربعة أسابيع لتتضح.
س. كيف سيتم التعويض عن هذا الأمر؟
ج. عندما يكون هناك شغور في أي اختصاص، فإنّ المرسوم 6084 المتعلّق بالجامعة يلحظ هذه القضية، وبموجبه يتم الإعلان عن حاجات، وقد أعلنت الجامعة فعلًا عن حاجاتها في عدة أماكن، ويجري تقديم الطلبات، لتدرس بعدها اللجنة العلمية الملفات وتصنفها بحسب قناعاتها والمعايير الموضوعة لديها ليصار بعدها الى اختيار الأشخاص الذين ستتعاقد معهم بحسب الحاجة.
س. البعض يقول أنّ الروحية التعليمية والرسالية ماتت. هل توافقونه الرأي؟
ج. قطعًا لا تزال الروحية موجودة لدى الطلاب. البرهان امتلاء الكليات التي عادت الى التعليم الحضوري الذي بات مطلبًا للتلامذة وليس فقط للإدارة. الروحية لدى الأساتذة نسبية فبعضهم لا يزال يعمل بروحية عالية جدًا. وهنا لا بد من الإشارة، قبل الأزمة كان هناك أساتذة راضين عن أوضاعهم والعكس صحيح، والأمر ذاته ينطبق حاليًا في خضم الأزمة، مع الإشارة طبعًا الى أن وضع بعض الأساتذة أصعب من قبل وهذا طبيعي. لكن لا نخفي أن الجامعة اللبنانية مرّت وفي تواريخ سابقة بأزمات مماثلة إلا أنّ هذه الأزمات لم تمنع الأستاذ من العطاء. طبعًا، الأستاذ حاليًا يقوم بواجباته ويقدّم الأساسيات المطلوبة منه للتلامذة الذين هم أولاده وجيرانه وأقاربه وأبناء بيئته ومنطقته، ولكن اذا انفرج وضعه المالي أكثر بالتأكيد يصبح لديه الوقت للتفرغ أكثر لكل ما هو بحثي وتطويري.
س. ثمّة وجهة نظر تقول أن الأستاذ الجامعي كان يعيش في فترة من الفترات نمط حياة مرفّها، وعليه أن يتحمّل اليوم. ما رأيكم؟.
ج. البلد بأكمله سابقًا كان يعيش حياة مبالغا فيها، لكن الأستاذ الجامعي لم يكن يعيش حياة مترفة كما يصوّر البعض. نعم كان قادرا على شراء الحاجات الأساسية وجزء من الكماليات، إلا أنه اليوم بات يحسب حسابًا لكل شيء. على سبيل المثال، كان بمقدوره في السابق شراء "بدلة" بقيمة 750 ألف ليرة أي 500 دولار وفق سعر صرف 1500 ليرة، أما اليوم وبعد أن باتت الـ500 دولار تفوق راتبه بالتأكيد لم يعد قادرا على شرائها.
س. كم شهدت الجامعة عمليًا من "نزف" للطلاب؟
ج. لا أرقام لدينا حتى الآن. في الكليات الخاصة لا أعتقد هناك مشكلة كبيرة، ولكن المشكلة أعتقد في الكليات المفتوحة حيث يتسجل الطلاب ويتركون لعدة أسباب. أحد الأسباب تعود الى قدرات الطالب التعليمية اذ قد يتفاجأ بصعوبة "الإقلاع" في هذا الاختصاص أو ذاك. الأسباب الاقتصادية تأتي كسبب رئيسي أيضًا، فمن لديه وضع اقتصادي صعب يفضّل ترك الدراسة لمساعدة أهله، وفي هذا الإطار، خسرت الجامعة اللبنانية جزءًا من طلابها، فيما الجامعات الخاصة لا توجد لديها هذه الفئة. سبب ثالث يدفع الطلاب الى ترك الجامعة يكمن في نظرتهم التشاؤمية الى مستقبلهم في لبنان. بعض الطلاب يرون أن لا أمل في لبنان فيقررون السفر الى الخارج للدراسة على أمل تطوير أنفسهم في بلد الاغتراب. السبب الرابع يعود الى تفضيل البعض الذهاب الى الجامعات الخاصة نظرًا للاضرابات التي تحصل أحيانًا. لكن رغم كل تلك الأسباب لا يزال جزء كبير من الطلاب موجودا في الجامعة اللبنانية.
س. يعيش الطلاب وضعًا كارثيًا. البعض لا يملك ثمن التنقل للوصول الى الجامعة. سبق أن جرى الحديث عن النقل المشترك. هل من تحرك في هذا الإطار؟
ج. تواصلت مع وزير الأشغال الدكتور علي حمية لأجل هذا الموضوع، فوزارة الأشغال مسؤولة عن هذا الأمر ولا دخل للجامعة بايصال الطلاب الى الكليات. هذا الأمر يحتاج لخطة نقل. بالتأكيد، نتمنى أن يكون هناك خطة تسمح للطلاب بالتنقل تمامًا كما تسمح للأساتذة والموظفين في الجامعة والقطاع العام بالانتقال الى عملهم بكلفة مقبولة ومنطقية.
س. بتنا على أبواب كانون الثاني، ماذا عن السكن الجامعي في الحدت. هل بات جاهزًا؟
ج. السكن ليس جاهزًا حتى الساعة. نُجري الصيانة المطلوبة التي تسمح بأن يكون جاهزًا في وقت ليس بعيد.
س. ثمة كليات بدأت فعليًا بالحضور، وأخرى لم تنطلق وسط مخاوف من عودة التعليم "أونلاين" الى الساحة التعليمية لأسباب مادية هذه المرة وليست صحية. هل فكرة التعليم عن بعد واردة؟.
ج. أصدرتُ تعميمًا واضحًا منذ فترة. التعليم حضوري حصرًا، ولا إمكانية لـ"الأونلاين" الا في الأماكن التي لحظنا فيها مشكلة معينة نعمل على معالجتها وهي أماكن محدودة جدًا وضيّقة. في البداية كان يقول البعض أننا لن نتمكّن من الانطلاق حضوريًا واصفين الأمر بالمغامرة التي ستبوء بالفشل. لكن الحمد لله أثبتت الجامعة أن المقوّمات للتعليم الحضوري تأمنت. طبعًا لم تؤمن الدولة الرواتب والأجور للأساتذة والمدربين كما يجب، ولكن في نهاية المطاف أمرنا أمر القطاع العام.
س. في الفترة الأخيرة، قيل الكثير في رحاب الجامعة اللبنانية. البعض قال أنها تتعرّض لموت سريري وتلفظ أنفاسها الأخيرة، والبعض وصف الجامعة بـ"جامعة الفقراء" وعبّر عن خشية كثيرة من احتمال إقفالها. ماذا تقولون في هذا الصدد؟.
ج. الجامعة اللبنانية هي جامعة الكفوئين. مرّت في السابق بظروف صعبة جدًا ولم تقفل. ولا نخفي أنّ الفترة التي مرّت فيها الجامعة منذ عام لغاية اليوم كانت صعبة جدًا، وهي من الفترات الصعبة في تاريخ الجامعة. منذ عام 1988 حتى عام 1996 مرّت الجامعة بفترات صعبة شبيهة بفترة اليوم حيث وصل راتب الأستاذ الجامعي الى الـ50 دولارا. أما في ما يتعلّق بمصطلحات "الموت السريري" و"الأنفاس الأخيرة" فهي اذا استخدمت كانت تعابير للتدليل الى أننا بحاجة الى ردة فعل سريعة من الدولة لتنهض الجامعة ولحث السلطة على الدعم المطلوب.
*كلمة أخيرة
عام 2022 كان العام الذي عادت فيه الروح الى الكليات في الجامعة اللبنانية بعد أزمة "الكورونا"، وإن شاء الله نتمكّن من أن نُراكِم على الجهد ليكون عام 2023 أفضل من سابقه للطالب والأستاذ والموظّف.