خاص العهد
حُلم الكهرباء والتمويل "المعجزة"
فاطمة سلامة
يعيش اللبنانيون هذه الأيام على حُلم الثماني ساعات كهرباء. عمليًّا، بدأت وزارة الطاقة التحضير وتجهيز الأرضية اللازمة لزيادة التغذية الكهربائية. أجريت الجمعة عملية فضّ العروض الإدارية العائدة لثلاث شركات، تنافست للفوز بمناقصة شراء فيول أويل A وفيول أويل B وغاز أويل لمصلحة "مؤسسة كهرباء لبنان".
الأربعاء القادم سيكون موعدًا لفض العروض المالية، ليبدأ بعدها التلزيم ومن ثم يستقبل لبنان البواخر المحمّلة بالفيول والغاز. مبدئيًّا، يُفترض بالعملية أن تجري بسلاسة دون عوائق، لكن حالة لبنان الفريدة، وتجربته المريرة مع الملف الكهربائي، تجعلنا نطرح علامات استفهام حول العديد من النقاط التي تُحيط بالعملية، على رأسها التمويل.
كيف للبنان الغارق في أزمة اقتصادية، صُنّفت على أنها من بين أشد ثلاث أزمات في العالم أن يؤمّن حوالى 100 إلى 120 مليون دولار شهريًّا بدل فيول؟ هل سيُكتب لهذه العملية الاستمرارية أم أنها ستكون بمثابة حقنة "مورفين" تسكّن معاناة المواطن مرحليًّا، قبل أن تعود التغذية الكهربائية إلى ما هي عليه اليوم، أي بالكاد ساعتين كل 24 ساعة؟ هل ستنجح عملية الجباية وإزالة التعديات عن الشبكة الكهربائية، لا سيما إذا وضعنا في الحسبان، أن التمويل اللازم لزيادة ساعات التغذية مرتبط أوَّلًا وأخيرًا بالجباية وإزالة التعديات، أم أنّ التكلفة الباهظة للفاتورة الشهرية ستجعل العملية أكثر تعقيدًا؟.
ما سبق ليست مجرد أسئلة افتراضية مبنية على تكهنات، بل أسئلة واقعية ومشروعة، حتمها الواقع المزري الذي يرزح تحت وطأته ملف الكهرباء في لبنان. أسئلة ومخاوف ما كانت ــ بالتأكيد ــ لتكون لو أنّ لبنان الرسمي تلقّف المساعدة الإيرانية التي عرضت عليه على طبق من ذهب!
الهواجس أعلاه ما كانت لتكون، لو أنّ مسؤولي لبنان أعطوا الأذن الطرشاء لوشوشات السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي باعتهم سمكًا في البحر بملف الكهرباء! ما كان ليكون شيء من ذلك القبيل، لو أنّ لبنان الرسمي تعامل بجدية ومسؤولية مع كافة العروض الصينية والإيرانية والروسية في هذا الملف.
ولكن، يا لَلأسف. لقد فضّل المسؤولون رفع التعرفة، وتحميل المواطن ما لا طاقة له على حَمله، حتى قبل أن تترجم زيادة التغذية فعليًّا على الأرض، وهو ما حذَّر منه حزب الله مرارًا وتكرارًا، داعيًا على لسان قيادييه ونوابه إلى عدم رفع التعرفة قبل زيادة التغذية واستفادة المواطن من هذا الأمر.
وهي أيضًا الرسالة التي ردّدها غير مرة مسؤولون في حزب الله على مسامع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. ولكن، يا لَلأسف، فقد رُفعت التعرفة استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، حتى قبل أن تزداد ساعات التغذية الكهربائية.
أبدت مصادر فاعلة في ملف الكهرباء، في حديث لموقع "العهد" الإخباري خشيتها من الدخول في دوامة يصعب الخروج منها. فصحيح أننا قطعنا استحقاق المناقصة بانتظار وضع اللمسات الأخيرة، الأربعاء، إلا أنّ تمويل المناقصة التي ستكون كل شهر بشهره دونه عقبات.
قيل، إن هناك اتفاقًا للتمويل لكنّه غير واضح المعالم، وهنا بيت القصيد. ما هو واضح حتى الآن، أن مصرف لبنان سيؤمّن اعتماد مستندي أو كفالة لدى المصارف الأجنبية، تضمن لها تقاضي أموالها. استحقاق الدفع سيكون بعد 180 يومًا، ومعنى ذلك أن البنك المركزي لن يحول المستحقات المالية للشركات، إلا بعد أن يستوفي المبالغ من مؤسسة كهرباء لبنان، وفقًا لسعر منصة صيرفة، ويحوّلها إلى دولار.
وفقًا لمصادر مطلعة، فإن أموال الشركات مضمونة، ومصرف لبنان سيكون مضطرًا للسداد من جعبته في حال لم تتمكن مؤسسة كهرباء لبنان من السداد.
من أين سيغطي مصرف لبنان هذه الأمول؟ تشير المصادر إيَّاها في هذا الصدد إلى أموال المودعين التي ستكون الملاذ الأخير لحاكم مصرف لبنان، في حال تعذَّر الدفع للشركات.
على أن المصادر نفسها، تعود وتشكك في استمرارية مشروع زيادة التغذية. فمصرف لبنان لن يصمد طويلًا في الدفع. وهو سبق وأن أبلغ المعنيين، بأنه لن يموّل أكثر من 300 مليون دولار، أي لثلاثة أشهر فقط. وذلك باعتبار أنّ مؤسسة كهرباء لبنان ستكون قد بدأت باستيفاء فواتيرها وفقًا للتعرفة الأعلى، لتتمكّن من الدفع للشركات بدل الفيول والغاز.
لكنّ المصادر لا ترى أنّ الأمور بهذه السهولة والبساطة. فجباية الفواتير وفق التعرفة الجديدة دونها صعوبات كثيرة. لا شك، من أن تلك الفاتورة ستقصم ظهر المواطن، ولن تكون أشفى حالًا بكثير من فاتورة اشتراك المولّد، مع ضرورة لفت الانتباه إلى أنّ المواطن حاليًّا يؤجل الكثير من المهام اليومية، بانتظار ساعتي الكهرباء الرسمية، وذلك طلبًا للتوفير كون التعرفة منخفضة – تقول المصادر ـــ فكيف سيكون حال الفاتورة إن أضيفت تلك المهام عليها مع تعرفة مرتفعة؟!. تعطي المصادر مثالًا بسيطًا على الحال الذي ستكون عليه الفاتورة، فتلفت الى أنّ معدل استهلاك المنازل يبلغ نحو 600 كيلو واط في الشهر، لا كما يُروَّج ما بين 200 إلى 300 كيلو واط في الشهر، وعليه فإن المعادلة ستكون على النحو الآتي:
500 كيلو واط * 0.27 سنت+ 10$ (أول مئة كيلو واط) + رسم اشتراك 15 أمبير (نحو 8$) = 153* 30300 (سعر الصرف على منصة صيرفة) *1.11 =169.83$ ما يعادل 5.145.849 ليرة.
الفاتورة التي ستتخطى الخمسة ملايين ليرة، كانت تُدفع وفق التعرفة القديمة 50 ألف ليرة، ما يعني أن الزيادة ستكون مئة ضعف تقريبًا، أي أنها تفوق التضخم الذي طال سعر صرف الدولار (نحو 26 ضعفًا) بأشواط كثيرة.
وتلفت المصادر إلى أنه، وفي حال سارت الأمور كما يجب في المناقصة الأولى سترتفع التغذية، بدءًا من منتصف كانون الأول بمعدل ثماني ساعات، أي 1000 ميغاوات.
معمل الزهراني يحتاج إلى صيانة، ولا ينتج أكثر من 150 ميغا وات، دير عمار حاليًّا تجري صيانته لينتج 450 ميغا وات. المحركات العكسية في (الجية والذوق) من المفترض أن تنتج 270 ميغا وات، لكن مشغلهما قال صراحة بأنه لن يجعلهما في الخدمة، حتى ولو بات الفيول متوفِّرًا، ما لم يتقاض "الفريش دولار". أما معملا الجية والذوق، فإن تمكنا من إنتاج 100 ميغاوات "بيتنا بالقلعة" تقول المصادر. وفي ما يتعلق بمعملي بعلبك وصور، فبالكاد ينتجان 70 أو 40 ميغاوات، وهما لا يستخدمان إلا للضرورة القصوى.
وفي الختام، تعود المصادر وتشدّد على أن الأهم في ملف زيادة التغذية الكهربائية هي الاستمرارية. لا يهم أن ينعم المواطن لبضعة أشهر بثماني ساعات كهرباء، لتعود بعدها الحالة إلى سابق عهدها أي بالكاد ساعتين.
ولا تخفي المصادر خشيتها، من أن تبقى الاحتمالات مفتوحة في حال لم تفِ الدولة بوعودها القاضية بزيادة التعرفة بالتوازي مع زيادة التغذية، خصوصًا وأن وزير الطاقة، وليد فياض، كان قد وعد صراحة، أنه في حال لم تتمكن وزارته من زيادة التعرفة، فسيطلب من مؤسسة كهرباء لبنان تأجيل قرار الاستيفاء وفقًا للرسوم الجديدة حتى زيادة التغذية، وهذا شرط من شروط مجلس الوزراء.
لكن بالمقابل، لا تخفي المصادر توجّسها، من ألَّا يكون القرار بيد فياض وحده. فقد تصر ــ برأي تلك المصادر ــ جهات ثانية على رفع التعرفة، رغم بقاء التغذية على حالها، الأمر الذي يحتِّم تفعيل الخطط الآيلة إلى مواجهة واقع الزيادة بلا تغذية، خصوصًا أنهم قطعوا على المواطن الطريق للاستفادة من عروض ومساعدات الخارج، وأوقعوه في شباك الفواتير الباهظة، وبالتوازي لا زالوا ينهبون ودائع المواطنين، كرمى لصندوق النقد الدولي. ما السيناريوهات المتوقعة؟ تجيب المصادر "عندها لكل حادث حديث".