خاص العهد
انتخابات البحرين: هكذا أحطبت النتائج "هندسة" السلطة
لطيفة الحسيني
"الماء يكذّب الغطّاس" هكذا يقول المثل الشعبي العربي، وهذا هو الحال مع النظام في البحرين. قبل أيام قليلة، أنجزت السلطات انتخاباتها بناءً على هندسة مدروسة لا توصل سوى مرشّحيها أو من ترضى عنهم الى مجلس النواب الصوَري. حبكة المسرحية التي عُرضت يوم السبت الماضي لم تكن كذلك. أرقامٌ معلنة خلال بضع ساعات، أفضت الى نتائج تُشكّل برهانًا على مدى تراجع التأييد الشعبي لسياسات الدولة مقابل ارتفاع حجم المقاطعة.
حاول النظام أن يُقدّم صورة سليمة لا تشوبها أيّة ثغرات، لكن منذ لحظة بدء فرز الأصوات سقط في مستنقع التزوير. حتى العملية التي يُديرها ويرسم زواياها انقلبت عليه. مع إعلانه وصول نسبة الاقتراع الى 73% ، وقع النظام في فخّ التزييف.
أين اكتساح مرشحي النظام اليوم أمام أرقام المعارضة بالأمس؟
عام 2006 شاركت قوى المعارضة في الانتخابات النيابية في البحرين ترشّحًا واقتراعًا. حينها، سجّلت نسبة الإقبال على التصويت 72% بحسب الأرقام الرسمية. نواب كتلة "الوفاق" وعلى رأسها أمينها العام (المعتقل اليوم) الشيخ علي سلمان حصد 9157 صوتًا (في الدائرة الأولى في المحافظة الشمالية) مقابل 3 منافسين.
في المقابل، نرى أن أعلى نسبة تصويت في الانتخابات التي جرت على مستوى الدائرة نفسها حقّقها مرشح بـ930 صوتًا فقط، وبالتالي أصوات الشيخ سلمان عام 2006 توازي أصوات نحو 8 مرشحين مجتمعين في 8 دوائر في المحافظة الشمالية. أمّا الفائزون الستة من الجولة الأولى في الانتخابات الحالية فلم يستطع أيّ منهم تخطّي عتبة الـ7 آلاف صوت.
ما تقدّم معادلة بسيطة عن الترويج الباطل الذي يُشيعه النظام وإعلامه الرسمي، للقول لمن لا يدقّق ويبحث عن الحقيقة إنه نال البيعة الشعبية بزحف تاريخي غير مسبوق منذ عام 2002، لكن الميدان يُشير الى العكس تمامًا. أرقام الأمس تدحض الاكتساح المُزمع. أكثر من 300 مرشّح فاز منهم 6 فقط في الجولة الأولى، والباقون ينتظرون الإعادة ليُحسم مصير نيابتهم.
بالانتقال الى عام 2010 آخر انتخابات شاركت فيها قوى المعارضة التي عُزلت اليوم عن المشهد السياسي الداخلي بقانون صادر عن الملك، يتضح أن أعلى الأصوات حصدها نواب جمعية "الوفاق" في ذلك الوقت، فعلى سبيل المثال في المحافظة الشمالية نال النائبان الشيخ حسن سلطان 8413 صوتًا وعلي الأسود 6446 صوتًا، أما نتائج السبت فلا تشير الى حصول أيّ مرشح على هذه النسبة، إذ استطاع أكثر المرشحين حظًا في دوائر المحافظة الفوز بـ3471 صوتًا.
جولة ثانية للحسم تعني إقبالًا ضعيفًا
مصادر المعارضة البحرينية تتوقّف عند هذا المُعطى، لتشير الى أن عدم الحسم من الجولة الأولى يؤكد أن لا نصر محقّقا ولا غلبة للمرشحين الذين قبِل بهم النظام، أي لا مشاركة قويّة وفعلية توصل 40 مرشحًا الى البرلمان، وهذا يعكس حالة إحباط الشعب وحتى المؤيّدين للسلطة وعجزها عن استقطاب الشارع وإقناعه بجدوى الانتخابات.
نتائج مُخيّبة وضعيفة
بحسب المصادر، الأصوات أظهرت الفرق بين مرشحي هذه الدورة وضعف نتائجهم وبين مرشحي المعارضة في دورتيْ 2006 و2010، ففي الانتخابات الحالية أعلى نتيجة في بعض الدوائر لم تتجاوز الـ800 صوت، في حين وصل مرشحون لم يكونوا يحلمون بمقعد نيابي في حياتهم والسبب عزل الجمعيات المعارِضة عن المشهد السياسي والانتخابي، وعلى سبيل المثال في الدوائر الشيعية ولا سيّما في محافظتي الشمالية والعاصمة كان من المسلّمات أن يفوز النائب بما يفوق الـ10 آلاف صوت، أمّا اليوم فنرى أن الأول بين المرشحين لا يُحرز أكثر من آلاف معدودة من الأصوات.
صفعة فئة الشباب
اللافت في العملية الانتخابية وفق رصد المعارضة والإعلام الشعبي للمراكز كان تدنّي المشاركة الشبابية (من عمر 20 الى 40 عامًا). في يوم الاقتراع، غابت الوجوه الشبابية عن صناديق الاقتراع، وللتعويض عن ذلك، قرّر إعلام النظام إبراز صور المسنّين والمرضى الذين جيء بهم الى المراكز الانتخابية.
بلغة الأرقام، عملية حسابية لنسبة الناخبين من هذه الفئة منذ استئناف الانتخابات التشريعية عام 2002 تُبيّن أن حجمها يصل اليوم الى نحو 155 ألفًا وهي كتلة وازنة وحاسمة في الانتخابات، واستطاعت أن تلعب دورًا جديًا في تغيير النتائج التي ظنّ النظام أنها ستُسجَّل لصالحه مع إعراض عدد كبير منها عن المشاركة. حركة لا تُفهم سوى على أنها صفعة للسلطة وما كانت تعوّل عليه، كما أنها تُفسّر على أنها غضب جراء ارتفاع معدلات البطالة وأزمة الإسكان المتفاقمة والوعود الفارغة من قبل الحكومة والنواب والمرشّحين بتقديم تسهيلات مالية وعقارية لهم.
المقاطعة الناعمة
مُعطى آخر يحمل على الشكّ في النتائج المعلنة من قبل وزير العدل ورئيس اللجنة العليا للإشراف العام على الانتخابات نواف المعاودة: الأوراق البيضاء أو البطاقات الباطلة التي يبلغ عددها قرابة الـ 22 ألفًا. هذا مؤشر يستحقّ التوقّف عنده، لما له من دلالة حقيقية في العملية. الأوراق كلّها احتُسبت حكمًا في إجمالي نسبة الاقتراع، وتقدير المعارضة أن الرسالة الأساسية التي تعنيها هي مقاطعة ناعمة أو مشاركة بالإكراه خشية انتقام السلطات منهم، وهي أيضًا تعبيرٌ جليّ عن مدى سخط الشعب من المسرحية الجارية.
لماذا الختم على جواز السفر؟
الختم على جواز السفر لتأكيد اقتراع المواطن البحريني ترى فيه مصادر المعارضة إجراءً مقصودًا لناحيتيْن: ممارسة التزوير وحتى بطريقة عشوائية ولإخافة من صوّت وابتزازه لاحقًا لجهة تخليص المعاملات في الإدارات المحلية وآليات السفر.
شخصيات موالية: لا فائدة من الانتخابات
في المقابل، تُعبّر أصوات محسوبة على الموالاة عن خيبة لا لُبس فيها أو ربّما يأس من إمكانية تحقيق أيّ تقدّم عبر الانتخابات هذه أو في المجلس النيابي الجديد. ابراهيم بو صندل وعلي المعمري وعبد الله السهلي وأحمد الحدي مرشحون خاسرون انتقدوا على الملأ الأداء الانتخابي وكيف جيّرت السلطات الأصوات لصالح من تريد وعملت ضدّ شخصيات كانت في معسكرها، ما شكّل لهم طعنة حقيقية دفعتهم الى الإقرار بعدم وجود نزاهة أو فائدة من هذه العملية.