معركة أولي البأس

خاص العهد

قطاع الاتصالات وانطلاق عجلة المحاسبة
11/11/2022

قطاع الاتصالات وانطلاق عجلة المحاسبة

فاطمة سلامة

لم تكن تسمية قطاع الاتصالات بـ"نفط لبنان" عبثًا. يشكّل هذا القطاع موردًا هامًا لخزينة الدولة اذا ما أحسن المسوؤلون إدارته. لكنّ الواقع وعلى مدى أكثر من عقدين بيّن تحويل وزارة الاتصالات الى "مغارة" بكل ما للكلمة من معنى. فُتحت الوزارة على "ما هبّ ودب" من هدر وفساد وسوء إدارة متوارثة من عهد الى آخر. تقرير ديوان المحاسبة الذي صدر قبل أشهر يؤكّد المؤكّد. التقرير المفصّل حول الهدر والفساد يُبيّن ما سبق أن توصلت اليه لجنة الإعلام والاتصالات قبل نحو ثلاث سنوات في عهد النائب حسين الحاج حسن عندما كان يترأسها. حينها وثّق تقرير اللجنة بالأرقام التجاوزات والعشوائية وبيّن مستوى الهدر الكبير خصوصًا في قطاع الخليوي "البقرة الحلوب". وباعتراف ديوان المحاسبة، ثمّة 6 مليارات دولار ذهب هدرًا وفسادًا في كل مفاصل القطاع. 

ولا يخفى حجم الجهد الحثيث الذي بذله نواب كتلة الوفاء للمقاومة الذين تعاقبوا على رئاسة لجنة الاتصالات النيابية على مدى سنوات كثيرة. محاربة الفساد وفضحه في قطاع الاتصالات كان الشغل الشاغل بالنسبة لنواب حزب الله الذين أعدوا العدة جيدًا، وجمعوا مختلف المعطيات والوثائق التي تبيّن كمًا كبيرًا من العشوائية والهدر والفساد والسرقة وسوء الإدارة في هذا الملف. وُضعت كل تلك المعطيات في حوزة القضاء الذي تأخر في البت فيها ليعلن النائب حسن فضل الله مؤخرًا خبر بدء مجلس النواب بالخطوات التنفيذية من أجل البت في طلبات القضاء إحالة وزراء اتصالات سابقين على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. 

الموسوي: لتذهب الأمور نحو المحاكمة

الإعلان في حد ذاته إنجاز ولو كان متأخرًا في بلد لم تُحل فيه أي قضية الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء منذ تأسيسه. صحيح أنّ الطريق طويل وشاق للوصول الى خواتيم  سعيدة لكنّ بدء الخطوات التنفيذية يعني الانتقال من النظري الى العملي بغض النظر عن النتائج. رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب الدكتور ابراهيم الموسوي يؤكّد لموقع "العهد" الإخباري أننا "نسعى ونقوم بجهدنا لتذهب الأمور نحو المحاكمة". ويضيف "نحن في لجنة الاتصالات قدمنا كل المعطيات والوثائق من أجل لجنة التحقيق البرلمانية، وعندما كان النائب حسين الحاج حسن رئيس لجنة الاتصالات قدم طلبًا للجنة تحقيق برلمانية لكنها لم تسلك طريقها".

ويلفت الموسوي الى أنّ الملف ليس جديدًا، وما نعمل عليه أوسع وأشمل بكثير وله علاقة بما قبل عام 2010، ويشمل عددًا كبيرًا من الوزراء، وكل من تولى المسؤولية في هذا الملف منذ عام 2005. لكنّ المستجد في المسار الذي نعمل عليه اليوم هو أنه في السابق لم تشكل لجنة التحقيق البرلمانية لأنه لم يكن هناك شيئًا في القضاء، لكن اليوم وبعد صدور تقرير ديوان المحاسبة بات لدينا مستند قانوني أكثر صلابة يمكّننا من الدخول في هذا الملف، بالتزامن مع الدعوى المقامة في مبنى قصابيان والهدر الذي شهده وصدور مطالعة قضائية في هذا الوقت. ويلفت الموسوي الى أنّ ما نقوم به أشمل بكثير لاختصار كل هذه المرحلة من الفساد. 

هل تصل الى خواتيمها؟ يسأل الموسوي ويجيب على نفسه بالإشارة الى أننا اذا أردنا أن نعمل بروحية القانون وحسب مسؤولياتنا تصل القضية الى المحاكمة. وهنا يلفت الموسوي الى أنّ مليارات الدولارات خسرتها الخزينة في قطاع الاتصالات وقدرها ديوان المحاسبة بـ6 مليارات ما بين هدر وفساد وسوء إدارة وسرقة ومبان مستأجرة لا لزوم لها، مع الإشارة الى أنّ الرقم قد يكون أكبر وهذا ما قد يبينه التحقيق.  

ويوضح الموسوي أنّه وقّع أمس الخميس عريضة وسيوقعها زميلاه الحاج حسن وفضل الله ونواب آخرون لطلب لجنة تحقيق برلمانية. وبحسب الموسوي وبناء على اجتماع الهيئة العامة يجب أن يوقّع على العريضة 26 نائبًا ونحن من أوائل الموقّعين بعد أن قدمّنا الوثائق التي في حوزتنا منذ زمن. برأي الموسوي، كان على القضاء أن يتحرك سابقًا ولكن العجلة القضائية ليست على ما يرام لأسباب سياسية. وهنا يشدّد على أننا لن نألو جهدًا بأن نقوم بكل كل ما يمكن أن يؤدي لإحقاق الحق وكشف شبكات الفساد. 
 
وفي ختام حديثه، يلفت الموسوي الى أننا ماضون بكل ثبات لمحاربة الفساد على المستوى التنفيذي وإيصال القضايا الى حيث يجب أن تصل. يجب اجتثاث الفساد في لبنان بعيدًا عن الاستنسابية والمحاباة ومنطق الطائفية فالفاسد لا دين له ولا طائفة. 

يمّين: الخطوات الدستورية للمحاكمة 

الخبير الدستوري عادل يمّين  يلفت بداية الى أن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والموجود منذ وضع الدستور بصيغ مختلفة، لم يسبق أن أحيلت اليه أي قضية منذ تأسيسه. يشرح يمين دستوريًا المراحل التي تخضع لها محاكمة الرؤساء والوزراء. "بالاستناد الى أحكام المادة 70 من الدستور لمجلس النواب الحق أن يتهم رئيس الحكومة والوزراء لارتكابهم الخيانة العظمى أو لإخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم ولا يجوز أن يصدر قرار الاتهام الا بغالبية الثلثين من مشروع أعضاء مجلس النواب ويحاكم هؤلاء أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء".

ويضيف يمّين "بالاستناد الى قانون أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى رقم 13 تاريخ 18 آب/ أغسطس 1990 يُقدم طلب الاتهام بموجب عريضة يوقّع عليها خُمس أعضاء المجلس النيابي على الأقل ويجب أن يكون الطلب مفصلًا ومعلًلا ويتضمن اسم الشخص أو الأشخاص الذين يتم اتهامهم والجُرم المنسوب اليهم وعرض القرائن والأدلة المؤيدة، وفور ورود طلب الاتهام مستوفيًا الشروط يُبلغ رئيس مجلس النواب نسخة منه الى جميع النواب والأشخاص المطلوب اتهامهم ويمهلهم 10 أيام للإجابة عليه خطيًا وتكليف محام أو أكثر للدفاع"، ووفق يمّين "اذا لم يستجيبوا عيّن رئيس المجلس من تلقاء نفسه محاميًا للدفاع  ــ من المحامين المقيدين على الجدول العام ـ بعدها يبلغ رئيس المجلس نسخة من جواب الأشخاص المطلوب اتهامهم الى جميع النواب وذلك قبل 10 أيام على الأقل من موعد الجلسة المخصّصة للنظر في طلب الاتهام".

بعد ذلك، يلفت يمّين الى أنّ المجلس النيابي يدعو لجلسة خاصة تنعقد بعد 10 أيام من إبلاغ الأشخاص نسخة عن طلب الاتهام. وبعد أن يستمع الى مرافعتي الادعاء الممثل بأحد موقعي طلب الاتهام والدفاع يقرّر المجلس النيابي بالأغلبية المطلقة إما إحالته الى لجنة تحقيق خاصة قبل التصويت على طلب الاتهام وإما رد الطلب.

ويوضح يمّين أنه وفور الإحالة من قبل المجلس النيابي، تنشأ لجنة خاصة نيابية تسمى لجنة التحقيق مؤلفة من رئيس وعضوين أصيلين وثلاثة نواب احتياطيين ينتخبهم المجلس النيابي بالاقتراع السري وبغالبية مطلقة من أعضائه. وفي هذا الإطار، يلفت يمّين الى أنه لا يمكن أن يكون عضوًا في اللجنة أحد أعضاء المجلس الأعلى المنتخبين، فيما تتحرى لجنة التحقيق في ما اذا كانت الأفعال المنسوبة الى الشخص أو الأشخاص ثابتة الثبوت الكافي، ويكون للجنة التحقيق النيابية هنا سلطات هيئات التحقيق القضائية ولها أن تفصل في طوارئ المحاكمة وتصدر مذكرات الجلب والإحضار والتوقيف الاحتياطي.  
 
وفور التحقيق ــ يقول يمّين ــ تجتمع اللجنة في جلسة سرية تضع تقريرها في القضية وتتضمّن تقرير ما اذا كانت الأفعال ثابتة الثبوت الكافي لإعطائها نصها القانوني وتعيين النصوص التي تنطبق عليها والارتكابات وتحيل لجنة التحقيق تقريرها فورًا الى المجلس النيابي وتبلغه الى كل من ممثلي الادعاء والدفاع. بعد ذلك، يلتئم المجلس النيابي في جلسة خاصة بدعوة من رئيسه في مهلة لا تتعدى 10 أيام من تاريخ إيداع لجنة التحقيق تقريرها المجلس ويستمع فيها الى التقرير ومرافعتي الادعاء والدفاع ويتم التصويت بالاقتراع السري على القرار بغالبية الثلثين من الأعضاء وبعدها يصدر القرار ويرفع رئيس المجلس القضية فورًا الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بموجب إحالة يبلغها الى كل من رئيس المجلس الأعلى والنائب العام لديه فيصدر الحكم ويبلغ المتهمين قرار الاتهام.

فهل سنشهد سابقة محاسبة على إهدار المال العام وكشف للفساد؟ يسأل متابعون؟.
 

وزارة الاتصالات اللبنانية

إقرأ المزيد في: خاص العهد