خاص العهد
بتوقيع المجتمع الدولي.. جريمة جديدة-قديمة بحق لبنان
فاطمة سلامة
ما الذي يُبقي النازحين السوريين في لبنان؟ الإجابة عن هذا السؤال البسيط والمشروع تحمل الكثير من الدلالات. صحيح أنّ العودة الى سوريا باتت اليوم آمنة أكثر من أي وقت مضى إلا أنّ الهدف الاستراتيجي لدول كثيرة غربية مؤثّرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية يتمثّل بمنع هذه العودة. ثمّة من يريد للبنان أن يبقى تحت مطرقة النزوح، والشواهد كثيرة. التوجه الذي أبدته الـ (UNHCR) قبل أشهر بالتوقف عن دفع المساعدات للسوريين وتسديدها في حال انتقل هؤلاء إلى الداخل السوري خير دليل على ذلك. الذريعة التي قدّمت آنذاك أن الدول المانحة ترفض ذلك أكّدت المؤكّد أن ثمّة مؤامرة دولية في هذا الإطار.
ما جرى ذكره ليس جديدًا. الحديث عن ملف النزوح ومنع العودة يبدو مكرّرًا، إلا أنّ الجديد برز مؤخرًا مع التطورات الصحية التي طرأت على مخيمات النزوح والتي تمثلت في تفشي وباء الكوليرا من تلك المخيمات التي تغيب فيها الخدمات الأساسية وأدنى مقوّمات الحياة، الأمر الذي يهدّد سلامة السوريين ومعهم سلامة اللبنانيين. ماذا يعني ذلك؟ يعني بكل بساطة أنّ من يمنع العودة يرتكب جريمة تهدد سلامة النازحين وسلامة المجتمع اللبناني ككل. الأخير بات أمام خطر الانتشار المتسارع، وكلام وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض الأربعاء لا يبشّر بخير وكأنه لم يكن ينقص لبنان الغارق بالأزمات الاقتصادية سوى أزمة صحية جديدة.
البزري: خطر الانتشار وارد
ولعلّ أكثر ما يثير الريبة هو برودة الأعصاب التي تتعاطى بها الجهات الدولية مع الأزمة الصحية الطارئة على المخيمات وعلى المجتمع اللبناني ككل. يروي مطلعون على الملف كيف تتعاطى المنظمات الدولية مع الخطر الداهم. تبدو هذه المنظمات غير مستعجلة لاتخاذ إجراءات لمحاصرة تفشي الوباء ما يهدّد المجتمع اللبناني وبيئته التي قد تواجه كارثة. النائب الدكتور عبد الرحمان البزري يحذّر في حديث لـ"العهد" من خطورة تفشي الوباء فالحالات قد تزداد بشكل متسارع. الكوليرا يشكّل خطرًا في بلد كلبنان تبدو فيه البنية التحتية سيئة وغير صالحة سواء لناحية الصرف الصحي أو سلامة المياه التي تستخدم انسانيًا أو المزروعات. وعليه، يرى البزري أنّ خطر الانتشار وارد خصوصًا اذا لم يتحسّن حال الكهرباء لأن جزءًا من البنية التحتية مرتبط بالتيار الكهربائي وبالمحروقات التي تبدو مفقودة في لبنان.
الساحلي: المنظمات الدولية تنظّر فقط
وفي خضم الإصرار الأممي على بقاء النازحين، يبرز السؤال عن دور المنظمات الدولية التي تنصّب نفسها في الواجهة. لنسلّم جدلًا أنها تحرّض وتمنع عودة النازحين، ماذا فعلت لهم لتأمين بيئة ملائمة وظروف حياة طبيعية؟. كيف تتحرّك حاليًا إزاء الوباء المستجد؟ ماذا فعلت لمحاصرته؟. الإجابة عن هذه الأسئلة لا تحتاج الى وقت. من يعرف خطّة عمل هذه المنظمات يُدرك أنها تتحرّك وفق أجندة سياسية، وبالتالي لا يشغل بالها البعد الإنساني. وفق مسؤول ملف النازحين في حزب الله النائب السابق نوار الساحلي لم تفعل هذه المنظمات الدولية شيئًا لا في ملف الكوليرا ولا غيره. فقط تنظّر وتنظّر ولا تريد عودة النازحين. وهنا يسأل الساحلي: لماذا لا يريدون عودة النازحين؟ فليقولوا لنا لماذا.
يستهجن الساحلي موقف أميركا وبعض الدول الأوروبية الرافض لعودة النازحين السوريين الى بلادهم وسط غياب أي مبرّر منطقي أو أخلاقي لهذا الموضوع. الحكومة الجديدة المنوي تشكيلها يجب أن تضع ملف النازحين في أولى أولوياتها وأن تنسّق مع الدولة السورية لعودتهم. وهنا يلفت الساحلي الى أنّ ثمة تجاوبا من قبل الحكومة والأمن السوري وتنسيق تام مع الأمن العام والدولة والحكومة السورية والأمن السوري، فالموضوع لم يعد يحتمل لا من الناحية الانسانية ولا الاجتماعية ولا حتى الاقتصادية. وفق تقديرات الساحلي، فإنّ ثلث المشكلة الاقتصادية في لبنان ناتج عن وجود أزمة النازحين، والآن برزت مشكلة صحية جراء غياب حد أدنى من النظافة في المخيمات خاصة تلك التي تفتقر الى صرف صحي ومياه شفة صالحة ما يشكل خطرًا على السوريين واللبنانيين معًا. المجتمع اللبناني غير معزول وبالتالي ثمّة خطر صحي على لبنان لأنّ الأعداد تتزايد بشكل مخيف.
السفير السوري: هناك من يحرض لتشويش صورة سوريا في ذهن أبنائها
السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي يلفت في حديث لـ"العهد" الى أنّ استطلاعات الأمم المتحدة نفسها تقول إن غالبية كبيرة من النازحين تريد العودة الى سوريا، ومع ذلك فإن المنظمات الدولية والدول المانحة التي رعت الحرب لا تزال تحرّض على الإحباط وعلى عدم العودة. موقف الدولة اللبنانية والأمن العام يصب في اتجاه العودة -يقول علي- لكن بكل أسف فالولايات المتحدة وبعض المستفيدين من المنظمات الدولية يمنعونها. ثمّة مجموعة مستفيدة من هذا الملف ولا يهمها لو كان هناك عشرات ومئات بل آلاف الأشخاص الذين يموتون جوعًا أو مرضًا. برأيه، فإنّ نقص المناعة الأخلاقي تجاه المال هو سيد الموقف بكل أسف.
ويشدّد علي على أنّ سوريا الدولة والمؤسسات والقيادة -رغم الحصار والعقوبات الخانقة على الشعب السوري- لم تدخر جهدًا ولم تترك وسيلة لتسهيل وتشجيع مواطنيها على العودة خاصة أن المناطق باتت آمنة، لكن للأسف ثمّة أشخاص لو وضعنا الشمس في عيونهم سيقولون هذا ظلام.
ويدعو علي الجميع لقراءة نتائج الحصار والحرب التي ركّبت وحضّرت ضد سوريا ونتائج النزوح والحالات الصعبة اقتصاديًا وصحيًا. كل هذه المؤشرات يحب أن تُقرأ بعمق -وفق علي- الذي يلفت الى أن الجهات التي تحرض وتشيطن صورة العودة وترسم خرائط وأجندات هي نفسها التي خططت للحرب على سوريا وجنّدت الإعلام والمخابرات ورجال الدين المأجورين. وهنا يلفت علي الى أنّ من يعرف سوريا يدرك أنها ليست مدينة فاضلة بالكامل لكنها كانت في حالة اكتفاء وأمان ومتقدمة على دول المنطقة، ولم يكن هناك فقر أو مجاعة بل كان فيها تعليم وطبابة، إلا أنّ من يمنع العودة يحرض لتشويش صورة سوريا في ذهن أبنائها.
شرف الدين: ضغوط على ميقاتي لمنع العودة
وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال الدكتور عصام شرف الدين -الذي تابع ملف عودة النازحين على مدى أشهر قبل أن يصبح في عهدة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم- يرى أنّ لقضية النزوح السوري تداعيات كبيرة صحية، بيئية، اجتماعية، اقتصادية، تربوية وأمنية. برأيه، اذا لم يعد السوريون لبلادهم فنحن أمام كارثة. لبنان البالغ عدد مواطنيه 4 ملايين ونصف مليون لا يحتمل مليونا و700 الف نازح. ثمة عبء كبير أنجزنا لأجله خطة جدية جدًا ووجدنا في المقابل تجاوبًا أكثر مما توقعنا من الجانب السوري.
يوضح شرف الدين أننا طرحنا عودة 15 ألف نازح كدفعة أولى وتبين أن باستطاعتنا إرسال 180 ألفا. لكن للأسف -يقول شرف الدين- فلو سارت حكومة ميقاتي بخطتنا منذ شهر أيار لكان هناك عودة طوعية لعشرات العائلات بعيدًا عن تدخل الأمم المتحدة والدول المانحة. الأخيرة لا يحق لها التدخل لأن قانون 1951 وبروتوكول 1967 "معنا" ولا يحق لأي دولة ثالثة أن تتدخل طالما لم نوقع على الاتفاق ما يعني أنه ليس باستطاعة أحد إيقاف العودة الطوعية.
لا يُخفي شرف الدين أنّ ثمّة ضغوطا سياسية أميركية وأوروبية من الدول المانحة ومفوضية شؤون اللاجئين على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لمنع العودة. وفق المتحدّث، فإنّ ميقاتي يريد الاستفادة من ملف النزوح ماديًا أكثر مما يهمه عودة السوريين لبلادهم، وهذه نقطة الخلاف معه. نحن نريد عودتهم وهو يريد الاستفادة من أموال ملف النازحين التي تدخل في ميزانية مجلس الوزراء لتعزيز سلطته.
ويوضح شرف الدين أنه ورغم انتقال الملف من "أيدينا" الى يد اللوءا ابراهيم العصامي ورجل الثقة الذي لا يخضع لضغوط داخلية وخارجية إلا أننا على الدوام نعمل لتزويده بكافة المعلومات التي بحوزتنا. وهنا يوضح شرف الدين أنه جرى تزويد اللواء ابراهيم الشهر الماضي بتقرير وزارة المهجرين حول أول قافلة عودة للنازحين السوريين إلى بلادهم والتي بلغ فيها العدد الاجمالي للعوائل ٤٨٣ عائلة تقسم كما يلي:
٣٠ عائلة من مدينة يبرود
٤٩ عائلة من قرية جراجير
٤٧ عائلة من مدينة قارة
٢١٢ عائلة من قرية المشرفة (فليطة)
٧٠ عائلة من قرية رأس المعرة وقرية رأس العين
٥٥ عائلة من قرية السحل
٢٢ عائلة من قرية الصرخة
عدد السيارات ٢٣٥ سيارة سورية
ويشير شرف الدين الى أنه "تردنا لوائح إضافية جديدة كل يوم تقريبًا ولكن تسجيل الطلاب في المدارس يحول دون الإقبال، كما أنّ العرقلة السياسية الخارجية والداخلية أيضا تحول دون الإقبال على التسجيل للعودة".