خاص العهد
بعد السيطرة على عفرين: ما مصير "اخوة الجهاد"؟ وإلى أين المفر؟
محمد عيد
عاد الشمال السوري للاشتعال مجددًا بعدما سيطرت "هيئة تحرير الشام" على عفرين وتمددت إلى جوارها في تصعيد واضح جرى أمام أنظار الجيش التركي وحكومته. تركيا التزمت الصمت تجاه فتك أبو محمد الجولاني بصنائعها والمجموعات الإرهابية المتحالفة معها في الشمال، التي انسحبت في ظلال " الهدنة" التي لم تحترم إلى مناطق "درع الفرات". فما هي الأسباب الموجبة لاقتتال "إخوة الجهاد" المزعوم هؤلاء؟ وما هو المصير الذي ينتظرهم بعد هيمنة "تحرير الشام" على الساحات؟
الصراع المتنقل
يرى الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية حسام طالب أن التناقضات بين الفصائل الإرهابية في الشمال السوري ليست وليدة اللحظة، فهذه الفصائل حملت معها للشمال السوري خلافات كبيرة من ريف دمشق والجنوب وحمص والقلمون، فقبل تحرير هذه المناطق من قبل الجيش السوري، كانت مناطق المسلحين تشهد اقتتالًا دائمًا وتصفيات فيما بينهم، وعندما قام الجيش السوري بتحريرها قامت فصائل هؤلاء المسلحين بتحميل بعضها البعض مسؤولية الهزيمة النكراء.
وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري أشار طالب إلى أن الاحتلال التركي لم يستطع دمج هذه الفصائل المنهزمة بطريقة سلسة خلال أربعة أعوام من تواجدها في الشمال السوري، فكان كل اندماج يسبقه اقتتال وتصفيات للقادة ومعارك طاحنة.
وفي الوقت الذي عملت فيه "هيئة تحرير الشام" خلال السنوات الماضية على تأسيس هيكل أمني وعسكري وشرعي متماسك وقوي في إدلب، وحيّدت نفسها عن الاقتتال في باقي الشمال، لم تحقق الفصائل المختلفة هذا الأمر في أرياف حلب المحتلة، ودخلت فيما بينها في اقتتال عنيف استنزفها على مدى هذه السنوات. ومع تزايد الخلافات بينهم وتأثيرها المباشر على الاحتلال التركي قام الأخير بجمع هذه الفصائل ضمن هيكل عسكري أسماه "الجيش الوطني"، ومع اشتعال جبهات ليبيا وناغورني كاراباخ تم نقل آلاف العناصر من "الجيش الوطني" للقتال على هذه الجبهات فيما عُرف لاحقاً بقضية "المرتزقة السوريين".
دخول الجولاني على الخط
وأضاف الباحث المتخصص في الشؤون الإسلامية في حديثه لموقعنا أنه بات من الواضح أن التركي يستخدمهم في حروبه ولا يعنيه سيطرتهم على الأرض أو دعمهم في مواجهة الجيش السوري فهدف التركي تحقيق مصالحه بعيداً عن مصالح ورغبات هذه الفصائل. مع العلم أن "الجيش الوطني" يحوي في تشكيلاته معظم الجماعات التكفيرية في سوريا من جماعات الإخوان إلى السلفية إلى "داعش" الذي يتمثل وجوده بفصيلي "أحرار الشرقية" و"جيش الشرقية"، وهذه التناقضات في المدارس التكفيرية داخل الجسم العسكري أشعلت الاقتتال بين فصائله قبل دخول أبو محمد الجولاني على الخط ووقوفه إلي جانب "أحرار الشام" في قتالها مع الفيلق الثالث في حزيران/ يونيو الماضي وحسم المعركة لصالح "أحرار الشام" في ريف عفرين والباب.
وشدد طالب على أن هذا الدعم من الجولاني لم يكن مجانيًا، فتم إنشاء نقاط وحواجز للهيئة في مناطق "أحرار الشام" وظهرت تبعية مبطنة من "أحرار الشام" للجولاني، معتبرًا أن نجاح "هيئة تحرير الشام" في تغليب كفة "أحرار الشام" على خصومها من بقية الفصائل الإرهابية فتح شهية الجولاني على عفرين وريف حلب الشمالي، وهي مناطق تعد استراتيجية من الناحية العسكرية ومصدر دخل كبير للهيئة من الناحية الاقتصادية والزراعية.
اتفاق ضمني بين أنقرة والجولاني
طالب لفت إلى أن التركي لم يكن في ذلك الحين يثق بالجولاني كونه خرج من التبعية للاستخبارات التركية وبدأ العمل مباشرةً مع الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، ومع دخول هذه الاستخبارات بشكل علني لإدلب وتعويم الجولاني في الإعلام الغربي على أنه معتدل ولا علاقة له بـ"القاعدة"، وصل التركي مع الهيئة لاتفاق يقضي باندماج فصائل تركمانية متمثلة بالحمزات وسليمان شاه "العمشات"، والحفاظ على المصالح التركية في الشمال والحفاظ كذلك على التحالف مع حركة "أحرار الشام"، وضم "فيلق الرحمن" إلى التحالف وعدم الصدام مع الجماعات الإخوانية في "الجيش الوطني"، كل ذلك مقابل غض النظر من الجانب التركي عن تحركات الهيئة ضد الفيلق الثالث والذي يضم الجماعات الوهابية وعلى رأسهم جيش الإسلام التابع في انتمائه العقائدي وتمويله للسعودية.
وبعد هذا الاتفاق انسحبت الفصائل الإخوانية من عفرين وجندريس وتركتهما للفيلق الثالث الوهابي داخل الجسم العسكري بما يسمى "الجيش الوطني"، وتم السماح للهيئة بالعبور بدباباتها ومدرعاتها وعناصرها من جانب النقاط التركية لتتم السيطرة على مناطق "غصن الزيتون" التابعة للفيلق الثالث وترحيل الفيلق لأرياف الرقة والحسكة.
وبهذا الشكل حققت "النصرة" عمقًا استراتيجيًا في حال قيام الجيش السوري بشن هجوم على إدلب وعمل على تحرير طريق M4 كما نص اتفاق استانا، ومعلوم أن التركي سيجد في هذه التطورات وسيلة للتملص من اتفاقياته كون هذه المناطق باتت تحت سيطرة جماعات مصنفة إرهابية ولا تخضع لمناطق خفض التصعيد وهذا سيطيل أمد الحرب في سوريا دون تشكيل حرج مباشر لأردوغان أمام الضامن الروسي والإيراني.