خاص العهد
"التحطيب" يلتهم أحراج البقاع: غلاء المازوت يدمّر الأشجار المعمّرة
إيمان مصطفى
يعتمد البقاعي محمد المقداد على حطب المناجر في تجارته، يفرزه بأكياس، ويبعه بالكيلو للزبائن. اذ ان الحطب بات بديل الناس لمواجهة صقيع الشتاء. فقد طبق البقاعيون المثل القائل: "بحصة بتسند جرة" كوسيلة "رخيصة الثمن" للتدفئة، في ظل أسعار المازوت التي تكوي جيوبهم.
أسعار الحطب تتفاوت، يقول التاجر لـ "العهد"، وأرخصها المناجر، الذي يشهد إقبالًا واسعًا من قبل المواطنين، اذ أن السعر يرتفع أو ينخفض باختلاف النوعية.
تتعدّد الأنواع من حطب السنديان، الى الزيتون، أو الجوز، المشمش، والكرز، واللوز، والأشجار المثمرة، وغيرها. وأزهدها سعرًا، بحسب المقداد، هو المناجر، اذا يحتوي الكيس الواحد على 20 كيلو، ويبلغ سعره قرابة الـ 150 ألف ليرة لبنانية. فسعر الحطب ارتفع بنسبة كبيرة نسبة للسنوات الماضية، من الـ300 ألف للطن الواحد، الى حوالي 3 ملايين ليرة لبنانية العام الماضي، وصولًا إلى 8.5 ملايين ليرة لبنانية هذا العام.
المقداد يبيع حوالي ما بين 100 إلى 300 كيس يوميًا، مشيرًا إلى أن الموسم لم يبدأ بعد، متوقعًا أن يزداد الطلب مع حلول فصل الشتاء.
واذ يشدد على أن عمله يتوافق مع القوانين اللبنانية، يؤكد أنه تمّ ضمان بعض الأراضي للتحطيب، في جرد الهرمل، اللبوة، الدير الأحمر، شمسطار، وطاريا، وفي أحراج عديدة أخرى.
"التحطيب" يهدّد الثروة الحرجية
البقاعيون الذين لا يستطيعون شراء براميل المازوت للشتاء يؤمّنون مؤونة التدفئة من الحطب إمّا عبر شرائه أو عبر قطعه من الأحراج والبساتين والجرود. حتى تحوّل بعض الأفراد إلى حطابين، وينزلون بمنشاريهم ويشنّون حرب إبادة بيئية دون حساب أو رادع. ففي بلدة القاع البقاعية وفي وضح النهار، ارتكب مجهولون مجزرة بيئية، حيث أقدموا على نشر وتقطيع 450 شجرة زيتون معمرة من أجل التدفئة وبيعها حطبًا.
عضو بلدية مدينة الهرمل جمال خزعل، يشدد في حديث لـ "العهد" على أن ظاهرة "التحطيب" وموجة قطع الأشجار في الأحراج والبساتين ظهرت نتيجة الحاجة الملحّة لاستخدام الحطب كبديل عن المحروقات على أبواب فصل الشتاء، الأمر الذي يهدد الثروة الحرجية، وفقًا لخزعل، فيشهد جرد الهرمل هجمة غير مسبوقة قد تؤدي إلى إبادة الأشجار، حيث إن كلفة الحطب الإجمالية التي يحتاجها البقاعيون خلال موسم الشتاء لا تتعدى الـ 25 % من كلفة المازوت، الآخذة بالارتفاع.
وبينما يأسف خزعل الى أن القطْع في الجرود يتم على قدم وساق، حيث لا مسؤولين ولا رقابة، يؤكد أن بلدية الهرمل منعت المخالفات في نطاقها، وما حصل من قطع أشجار في الجبانة أو على جوانب الطريق، هي حوادث فردية تم العمل على كبحها.
خزعل يلفت إلى ما وصفها بـ"الجريمة التي لا تُغتفر"، موضحًا أن البيئيين رصدوا أكثر من عملية قطع عشوائية لأشجار معمرة لا تعوّض، ومنها اللزاب، وهي شجرة صمغية معمّرة تنمو في أعالي الجبال.
وتشكل هذه الشجرة ثروة حرجية مهمّة جدًا، وفقًا لخزعل، إذ تنمو في أماكن لا تستطيع الأشجار الصمغية الأخرى أن تتأقلم فيها. ولطالما كانت المشكلة تكمن في أن تكاثر الشجرة صعب وأحيانًا شبه مستحيل، ونموّها بطيء، وهو ما يجعل قطْعها كارثة وطنية وبيئية لا تعوَّض.
ويختم خزعل حديثه مؤكدًا أن هناك قطْعًا جائزًا للأشجار يتمّ بطريقة مدروسة، داعيًا المواطنين للحفاظ على الثروة الحرجية والبيئية، فالفقر لا يبرر الجريمة.