خاص العهد
مافيات تدير شبكات التهريب في البحر.. والركاب عرضة للخداع
محمد ملص
بات الدولار أغلى من حياة مئات اللبنانيين، نتيجة الطمع والجشع الذي طغى على قلوب العشرات من المهربين فأماتها، وحولهم الى وحوش بشرية همها الوحيد جني كميات كبيرة من الأموال، دون أي مراعاة لكرامة الانسان وقدسيته.
نشطت في الآونة الأخيرة وتحديداً في شمال لبنان عصابات لتهريب البشر عبر البحر، وكثرت معها مراكب الموت التي قضت على حياة آلاف الحالمين بمغادرة أرض الوطن والوصول الى أرض الأحلام في أوروبا. جشع تجار الموت من المهربين دفعهم لاستغلال حلم هؤلاء الفقراء لجني أموال طائلة ولو كانت على حساب موتهم وغرقهم مع مئات الأطفال والنساء.
من هي هذه العصابات؟ وكيف يتم تشغيلها؟
في منطقة ببنين ـ قضاء عكار والتي باتت مقصد كل من يريد الهجرة نحو أرض الأحلام في أوروبا، تنشط عصابات الهجرة غير الشرعية. المنطقة التي تقع على شاطىء العبدة، كان سكانها يعملون في صيد الأسماك، الا أن معظم هؤلاء الصيادين حولوا مراكبهم من مراكب للصيد الى مراكب لـ"الهجرة غير الشرعية"، وباتوا يمتهنون تجارة الموت.
ابان الهجرة الجماعية التي انطلقت عام ٢٠١٧ نحو جزيرة قبرص وتركيا ومنها الى أوروبا غادر آلاف اللبنانيين ومعهم السوريون والفلسطينيون. حينها كانت الحدود المفتوحة بين تركيا واليونان ومنهما الى أوروبا تساعد المهاجرين على الوصول الى وجهتهم، أما اليوم ومع التشدد التركي واليوناني في قمع المهاجرين غير الشرعيين مقابل ما يقدمه الاتحاد الاوروبي لتلك الدول، وجد الآلاف ضالتهم في مراكب الصيد، منهم من يصل الى مبتغاه ومنهم من يتم القبض عليهم واعادتهم الى لبنان، ومنهم من يكون مصيره الموت غرقاً.
مسار الرحلة
يروي بلال (اسم مستعار للمهرب) لموقع "العهد" مسار الرحلة وكيفية اعدادها "يأتي الينا العشرات يوميًا ممن يريدون الهجرة، يريدون حجز مقعد لهم عبر مركب ينطلق نحو ايطاليا. نحن نعمل على تأمين المركب بالاضافة الى ما يحتاجه من مادة المازوت وبعض الأطعمة، كذلك نؤمن على متن الرحلة هاتف ثريا وجهاز الـgps، بالاضافة الى أجرة القبطان أو من يقود السفينة، هذا عدا عن التغطية الأمنية، والبحث عن نقطة انطلاق غالباً ما تكون غير خاضعة للمراقبة الأمنية، حيث يتم دفع مبالغ تصل لحدود الـ50 الف دولار لصاحب الأرض القريبة من الشاطئ لتسهيل مرور المركب".
ما يرويه بلال يتناقض كلياً مع ما يرويه أحد المهاجرين ممن ركبوا أمواج البحر، وبعد أن وصلوا الى اليونان تمت اعادتهم إلى لبنان. "علي"، فلسطيني الجنسية، من مخيم نهر البارد، غادر منذ قرابة الشهر عبر مركب انطلق من شاطىء المنية، يقول في حديث لموقع "العهد" إن الركاب تعرضوا "للمعاملة السيئة من قبل المهربين. طلب مني المهرّب مبلغ 4 الاف دولار، دفعت ألفي دولار لحجز مكان وعند الانطلاق الدفعة الثانية".
يؤكد علي أن معظم الركاب يتعرضون لعملية خداع كبيرة من قبل المهربين، فصاحب المركب وعدنا أن الرحلة التي سننطلق عبرها الى ايطالبا ستكون عبر مركب مجهز يقل 40 مهاجراً فقط بالاضافة الى باقي التفاصيل، لكن ليلاً تلقينا اتصالاً من قبل أحد معاوني المهرب، ابلغنا فيه أن موعد الرحلة سيكون عند الواحدة ليلاً وحدد مكان التجمع، وعندما وصلنا إلى النقطة المحددة ركبنا عبر بيك آب بداخله قرابة الـ 50 شخصاً بالاضافة الى غالونات من المازوت، وفور وصولنا الى الشاطئ تفاجأنا بعدد آخر من الركاب ينتظر، هنا لا يمكنك العودة، يجيبك المهرب: "فيك تطلع وفيك ما تطلع لكنك تخسر الاموال والحجز"".
يضيف "علي": "كنا قرابة الـ120 شخصاً على متن مركب لا يتجاوز طوله الـ8 أمتار، انطلق بنا نحو ايطاليا على مدى 8 ايام في البحر.. "شفنا الموت" أكثر من مرة. كنا عرضة للغرق عشرات المرات، الى أن وصلنا الى قبالة الشواطئ اليونانية حيث انقطعت مادة المازوت، وبقينا ليومين واقفين في عرض البحر إلى أن أنقذتنا البحرية اليونانية". يختم علي حديثه لـ"العهد" بالقول "لا يمكن أن أعيد تلك الرحلة لأنني حتماً سأعود جثة".
مصادر أمنية أكدت لموقع "العهد" وجود "عصابات منظمة باتت تتقن التهريب، وهي لم تعد محاولات فردية، وبات كل همهم تجميع الأموال". أما عن مصاعب ملاحقة هؤلاء وتوقيفهم، فيقول المصدر إن "مساحة الشاطئ التي يجب حمايتها كبيرة، وهي تبدأ من القلمون شمالاً وصولاً الى نقطة العريضة في عكار، بالاضافة الى النقص الكبير في عديد القوى الأمنية هو ما يعيق ملاحقة هؤلاء، هذا عدا عن التراخي في القضاء والذي يسهّل خروج المهربين بعد أشهر وربما أيام، ليعاودوا مرة أخرى تجهيز مركب آخر".
في المحصلة، ستتوقف مراكب الهجرة غير الشرعية عن الابحار خلال الأيام المقبلة مع قدوم فصل الشتاء، ولن تنتهي معها أطماع المهربين الذين سيعودون للإبحار مع بداية الصيف بشكل أكبر، ويعاود معها تجار الموت مزاولة مهنتهم دون أي رادع إنساني يمنعهم من التجارة بأرواح الاف النازحين.a