خاص العهد
شروط دمشق لإعادة إحياء اتفاق أضنة
محمد عيد
تبدو إعادة إحياء اتفاق أضنة الذي تم توقيعه بين سوريا وتركيا في العام ١٩٩٨، عندما كادت الأمور تتدحرج إلى حرب بين البلدين على خلفية اتهام انقرة لدمشق باحتضان قادة وعناصر حزب العمال الكردستاني، مطلبًا ملحًا لتركيا التي فشلت استراتيجيتها في سوريا فشلًا ذريعًا وباتت تبحث عن النبش في تفاهمات الماضي مع العاصمة السورية من أجل حفظ ماء الوجه.
وحتى ذلك الوقت تريد القيادة السورية من أردوغان أن يتبنى ما تخشى أنه اليوم "دعاية انتخابية" ويحوّل هذا التبني إلى استراتيجية ضمن شروط للعودة إلى اتفاق أضنة وضعتها دمشق بعناية شديدة.
أردوغان والبحث عن المخرج
يرى الباحث السياسي الدكتور أسامة دنورة أن احياء اتفاق أضنة، أو التوصل الى تفاهم جديد يغزل على نفس المنوال، هو أحد أهم العوامل والشروط الموضوعية اللازمة لتفكيك التورط التركي في الحرب السورية.
وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري أشار دنورة إلى أن تركيا التي خرقت تفاهم أضنة عبر ادخال ودعم المجموعات الارهابية في سوريا، عادت لتواجه حقيقة مفادها أن الإضرار بأمن سوريا سوف ينعكس مباشرة على سلامة الأمن القومي التركي، فبعد أن وصل مشروع ازاحة القيادة السورية وتنصيب حكم الاخوان الى طريق مسدود، تحول الانخراط التركي في الأزمة السورية إلى وضع الاستعصاء والجمود لمشروع مسدود الأفق، وما بقي منه هو فقط الآثار الجانبية المضرة بتركيا ذاتها، فمن أزمة اللاجئين السوريين في الداخل التركي، مرورًا بالأحمال الزائدة التي يمثلها استمرار دعم الارهاب التكفيري في ادلب ماديًا ومعنويًا، وصولًا الى المخاطر الجدية التي يمثلها وجود قوى انعزالية وتقسيمية في سوريا، والمحاذير القائمة على زيادة منسوب التورط العسكري التركي على الساحة السورية، مثلت هذه العوامل جميعها عوامل ضاغطة استراتيجيًا، والأهم انتخابيًا، على حكم اردوغان.
خارطة طريق
وأوضح عضو الوفد الوطني السوري إلى مباحثات جنيف في حديثه لموقعنا أن حجم التورط التركي على الساحة السورية كبير، وهناك ضرورة لإنجاز خارطة طريق تفصيلية ونظام ضمانات متناظر ما بين الطرفين، وإلا فالاستنزاف الاقتصادي والجيوبوليتيكي لتركيا كدولة، والعسكري للجيش التركي، والسياسي لاردوغان وحزب العدالة والتنمية، سيبقى عمليًا ضمن مسار تصاعدي يأخذ بناصية الحكم التركي نحو الهاوية.
وشدد دنورة على أن العودة الى تفاهم أضنة (أو نسخة مطورة أو منقحة منه) تتطلب اجراءات لاستعادة الحد الأدنى من الثقة بين الحكومتين، وهذه المهمة ليست سهلة رغم استمرارية الوساطة الروسية ومصداقيتها وديمومتها بالنسبة للجانبين السوري والروسي على حد سواء، مشيراً إلى أنه وقبل استعادة الحد الادنى من الثقة (وفق اجراءات تتطلب وقتاً للنضج) فإن الطرف السوري لن يكون في وارد منح الحكم التركي شيكات على بياض، بما يساعده على مصادرة شعارات المعارضة التركية وسحب البساط من تحتها، فالمطلوب من التركي اليوم ان يصل بتوجهاته الجديدة الى مرحلة اثبات اعتمادها كاستراتيجيات لا تراجع عنها، بمعنى ان يصل بهذه التوجهات الى نقطة اللا عودة الى سياسات العقد الماضي وحقبة "الربيع العربي"، وان يبدو بشكل واضح ان تركيا قد سحبت بشكل نهائي السياسات القائمة على التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا والدول العربية، إن كان عبر الدعم السياسي للإخوان، أو الدعم الميداني للجماعات الارهابية في سوريا.
شروط دمشق
وأشار دنورة في حديثه لموقعنا إلى أن المتطلبات السورية هي ذاتها المتطلبات الموضوعية للعودة الى حالة طبيعية في العلاقات ما بين بلدين جارين، وتتلخص هذه المتطلبات في أربعة محاور رئيسية؛ انجاز خارطة طريق لانهاء الاحتلال العسكري التركي لأراض سوريا، انجاز خارطة طريق لتفكيك المجموعات الارهابية عبر استيعاب السوريين ضمن آليات المصالحة والعفو بالتوازي مع ايجاد حلول نهائية لتواجد القيادات والمجموعات من "الجهاديين العالميين"، وايجاد خارطة طريق متوافق عليها لعودة طوعية للاجئين السوريين بما يراعي اعتبارات الطرفين السوري والتركي، وايجاد تفاهم امني - سياسي يطور أو يعيد اعتماد اتفاق اضنة، وخارطة طريق لانهاء التورط التركي في الملف السياسي السوري، أو التحول نحو دور سياسي ايجابي يحترم استقلال القرار السيادي السوري.