خاص العهد
متى تتجاوب الدولة اللبنانية مع الهبات الإنقاذية؟
لطيفة الحسيني
حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، تشتدّ قساوة الأيّام العجاف على اللبنانيين. الكهرباء والدولار يزيدان مأساتهم، ويُعرقلان حياتهم وأشغالهم عند كلّ صباح. الحديث عن انفراج للأزمة في المدى القريب بات غير واقعي. المسألة ليست مرتبطة بانتفاء الحلول، بل بانتفاء الإرادات والعزائم. هذا ما يتجلّى يوميًا عند تجديد أيّ عرض قادم من الشرق، وتحديدًا من الجمهورية الاسلامية الإيرانية.
آخر المعطيات تُشير الى تسويف متعمّد يحول دون البتّ بالهبة الإيرانية التي أعلن عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الشهر الماضي والتي تُظهر استعداد طهران لتزويد معامل الكهرباء اللبنانية بالفيول المجاني بعد موافقة الحكومة.
يعرف اللبنانيون جيدًا حكوماتهم كيف تُماطل إزاء أيّ طرح يُقدّم من إيران، غير أن ضخّ كلامٍ ظاهرُه إيجابي حيال الهبة الأخيرة يدعو الى التساؤل: هل فعلًا هناك نيّة لقبولها أم أن ما يُحكى لا محلّ له من الإعراب وغايته في مكان آخر؟
أداء الدولة مخزٍ
من موقعه كمواكب لملفّ العروضات المقدّمة للدولة اللبنانية، يرى رئيس تحرير مجلة الإعمار والاقتصاد الدكتور حسن مقلد أن الثابت فيها أن "أداء السلطة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وصوًلا الى السيادية وبيان الحكومة على إثر إطلاق مُسيّرات المقاومة فوق حقل كاريش شاهد يُشير الى انصياعها للضغوطات الخارجية".
ويقول مقلد لـ"العهد": "نحن في دولة بلا كهرباء وهذا لم يحصل في أيّ بلد في العالم، وعلى الرغم من ذلك تأتي دولة وتقدّم لنا هبة تستطيع إنقاذنا وتأمين تغذية على الأقلّ بمعدّل ستّ ساعات، ونحن في المقابل ماذا نفعل؟ نضع شروطًا!". ويتابع "المواصفات التي قيل إنها طُلبت للتأكد من معايير الفيول الإيراني ليس لها قيمة. هذه الطريقة وُضعت على أيّام غازي كنعان لتكلّف بها شركة مُحدّدة، ومهما كانت هذه المواصفات هناك إمكانية للمُبادلة وإجراء بعض التغييرات على المادة المقدمة ولا سيّما في هذا الظرف الذي يموت فيه اللبنانيون ألف مرة". ويضيف "أداء الدولة في هذا الموضوع مخزٍ وهو في الأصل كان كذلك منذ أن أدارت الأزمة الراهنة. هناك وقاحة استثنائية في هذا الملفّ".
وبحسب مقلد، العراق اليوم قدّم طلب استثناء بموجبه تُعطيه إيران غازًا ليولّد كهرباء، وهذا يدحض كلّ الكذب الجاري بخصوص الأولويات. تكفي كذبة استجرار الغاز المصري التي بيّنت أن الدولة استجابت شكلًا بسبب تجميد مفاعيل قانون قيصر. الدولة اللبنانية حتى تاريخ اللحظة لم تقدّم أيّ طلب للحصول على استثناء في هذه القضية، مع العلم أن هناك طرقًا كثيرة تتجاوز العقوبات الأمريكية للوصول الى حلول.
ويعتبر مقلد أن "الدولة اللبنانية تستطيع تأمين كهرباء من سوريا بطريقة أسرع وبأقلّ من ساعة واحدة، وتحديدًا 360 ميغاواط مقابل تأمين كمية من الغاز (من مصر أو الأردن) لبعض المعامل السورية، وذلك عبر تمويله من البنك الدولي"، ويضيف "هناك غاز في الحسكة والقامشلي يكفي سوريا ولبنان، والجيش الأمريكي المسيطر على تلك المنطقة هو من يمنع ضخّ غاز بالأنابيب على سوريا".
كما يُعرب مقلد عن اعتقاده بأن لا أحد في الدولة يريد حلّ هذه المأساة، مع العلم أن هناك خيارات متعدّدة للخروج من هذه الأزمة، لأن هناك أطرافًا مستفيدة من المحنة القائمة بالتواطؤ مع الخارج. ويتابع "منذ بداية الانهيار صرفت الدولة 24 مليار دولار ويبقى بحوزتها 11 مليار دولار وهي تستميت للذهاب الى البنك الدولي، على الرغم من أنها تستطيع اقتطاع 3 مليارات دولار من المبلغ المتبقي لديها وصرفها بطريقة سليمة لتتغيّر كلّ الصورة".
برأي مقلد، المشكلة أن هناك جهات تتماهى تمامًا مع المشروع الأمريكي وهناك جهات أخرى لم تتحرّك حتى اللحظة.
الشرط الذي قيل إنه وضع لقبول الهبة لناحية مُطابقة الفيول الإيراني مع المواصفات اللبنانية يصفه مقلد بالكذبة، ويلفت الى "أننا اذا افترضنا أن المعامل لدينا لا تقبل إلّا أعلى أنواع الفيول، يمكن حينها بيع المادة المقدمة من إيران في السوق العالمي ومُبادلتها أو حتى إخضاعها لبعض التعديلات من أجل تخفيض نسبة الكبريت التي تحتويها".
ويذكّر بأن "روسيا كانت قد عرضت رسميًا على لبنان إعطاءه غازًا وتشغيل معملٍ بكامله بشكل مجاني، وهذا لا زال موجودًا لدى وزير الطاقة وليد فياض الذي وصفه بأنه أفضل عرض قدّم في تاريخ لبنان"، ويُشير الى أن "الطرح هذا استُخفّ فيه، والأمر ينسحب على عروض الصينيين الذين اقترحوا بناء 6 معامل كهرباء وكذلك الحال لم تتجاوب الدولة".
الخلاصة لدى مقلد واضحة: "الدولة لا تريد فيولًا إيرانيًا لأنها راضية بالضغط الخارجي عليها". وهنا يتساءل "هل يُعقل أن هناك بلدًا كلبنان يدفع 4 مليارات دولار مشتقات نفطية لمافيا المولدات ولا يُشغّل معامله؟"، ثمّ يستدرك "هناك قرار بالضغط على الناس والاستمرار في ذلك، الحلول الداخلية والإيرانية والروسية والغربية جدية، إلّا أن حجم المصالح والارتباطات الخارجية تمنع أيّ حلّ".
شروط غير مُطابقة للمنطق!
قد يكون أغرب ما يحصل اليوم على صعيد عجز الدولة كهربائيًا وضع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، كما سُرّب، شروطًا على الهبة الإيرانية المجانية. الأجواء المُحيطة بالملفّ وبالمعنيين به تشير الى أن هناك نيّة من أجل زرع الشكوك بجودة الفيول الذي تنوي طهران تقديمه.
أمام هذه المحاولات، يؤكد الخبير النفطي الدكتور ربيع ياغي لـ"العهد" أن "ما يسري على الهبة العراقية يسري على الهبة الإيرانية"، ويقول "ما جرى فعليًا على صعيد الاتفاقية مع العراق هو عملية مُبادلة مع شركات نفطية، أي فيول عراقي مقابل ديزل مُطابق للمواصفات اللبنانية، وهذا يمكن أن يُطبّق تمامًا في عرض الجمهورية الاسلامية".
يشرح ياغي أن "في لبنان معامل تستهلك الفيول الأقرب الى نوعية النفط الخام (معملا الجية والذوق) وأخرى غاز أويل يتضمّن نسبة كبريت قليلة (معامل دير عمار والزهراني وصور وبعلبك). والمشكلة هي أن كلّ المعامل حتى تُنتج طاقة بطريقة آمنة يجب أن تكون نسبة الكبريت متدنية في الفيول أو الغاز أويل (لا تتجاوز 2%)".
ويُبيّن أن "الديزل الإيراني ممتاز، لكن الفيول الإيراني يتضمّن نسبة كبريت عالية ومادة الاستفلت التي تؤدي الى نوع من الترسّبات عند تشغيل الطاقة، وهذه المشكلة يعاني منها أيضًا الفيول العراقي، وعليه المخرج الأنسب يكون بالمُبادلة".
ياغي يرفض ربط حجم الهبة الإيرانية بمسألة ما يمكن تأمينه عبر المعامل من ساعات التغذية الكهربائية، ويوضح أن "لا علاقة للفيول بعدد ساعات التغذية المرتبطة بتقنين مؤسسة كهرباء لبنان التي توزّع وحدها الطاقة المُنتجة على المناطق".
برأي ياغي، تصل قدرة المعامل اللبنانية اذا أنتجت بطاقةٍ كاملة full capacity الى 12 ساعة تغذية لا أكثر بمعدّل 1500 ميغاواط، مع العلم أن لبنان بحاجة الى نحو 3000 ميغاواط ليُنير 24 ساعة على 24، وفعليًا ليس لديه معامل تستطيع إنتاج هذه الطاقة.
الكهرباءوزارة الطاقة والمياهالفيولمعمل الزهراني