خاص العهد
أهالي ضحايا المرفأ بانتظار عدالة السماء
مصطفى عواضة
في لحظة شؤم وسنوات إهمال، تحوّلت بيروت منارة الشرق إلى لوحة ركام. لم يعِ اللبنانيون حينها ما حدث رافضين تصديق الواقع من هول المشهد، فالمدينة أُحرقت ودماء أبنائها تساقطت وأشلاء لم يعرف أصحابها إلا من فحوص الحمض النووي. أمٌّ تبحث عن ابنها وتصرخ "ابني حلو ومنيح عيونو عسلية" ومراسل خلف الشاشة يعلم مصير ابن تلك الوالدة، لكنه لا يملك جرأة إفجاعها!
ذلك هو حال عروس العواصم في 4 آب/أغسطس 2020، يوم سُفكت الدماء واختلف القوم في ما بينهم على سبب الحادثة بين ضربة من العدو أو تفجير أو حريق، أو حتى وجود قنبلة نووية أثكلت قلب العاصمة بأولادها، إلا أنهم لم يسألوا عن أرواح الأبرياء وما حلّ بذويهم بعد الكارثة.
أما عن التلاعب بالحقائق والتجارة بالقضية من أجل استعراض هنا ومكاسب هناك، فحدّث ولا حرج. منهم من كان يعلم بحصول الجريمة ومنهم من أخفى الدلائل وسيّس دماء الشهداء وحرّض من أجل العودة إلى بوسطة "عين الرمانة" متعطّشًا لدماء أبناء الوطن، ومُستذكرًا صفحات تاريخه السوداء المكتوبة خلف متاريس خدمة العدو الصهيوني.
بعد عاميْن على وقوع مُصاب الوطن، ترك موقع "العهد" الإخباري الكلام لهؤلاء المظلومين الذين لا حديث يعلو فوق حديثهم، عسى أن يكون في ذلك فسحة لقول ما منعوا من الإفصاح عنه منذ ذلك الوقت.
مسار التحقيق
إبراهيم حطيط، المتحدث باسم أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت وشقيق الشهيد ثروت حطيط يقرّ بأن "أهالي الضحايا فشلوا في إبعاد التسييس عن قضية ذويهم"، ويقول لـ"العهد" إن "العمل القضائي منذ بداياته كان مخطئًا في بعض الأمور، وبعض رجال الدين ساعدوا في هذا الفشل إذ إنهم كانوا يعملون لصالح حزب سياسي مُعيّن بحجة مناصرة قضيتنا إلا أن العكس تبيّن!".
ويضيف حطيط "قاضي التحقيق طارق بيطار المغطّى سياسيًا لم يكن يستجيب لمطالبنا، فهو لم يستجوب بعض المسؤولين السابقين من رؤساء حكومة وجمهورية"، ويتابع "ارتكاب مخالفات قانونية من قبل جهات رسمية لبنانية بالسماح لباخرة النيترات بالدخول والتقصير في تصريف المواد المحملة، عدا عن تعامل بعض القضاة مع التعاميم الصادرة حول المواد الموجودة باستخفاف أدّى لوقوع الانفجار، ثمّ جاءت محاولة تحميل المسؤولية للموظفين الإداريين الذي قاموا بكامل واجباتهم في هذا الأمر".
أهالي الشهداء
ويستذكر حطيط بعض التفاصيل عن شقيقه الشهيد ثروت، فيُشير الى أنه كان موظّفًا في المرفأ منذ حوالي 20 عاما، وكان رجل الإطفاء الوحيد الموجود هناك، حيث استنجد بالموظفين لإخماد النيران لتحضر أفواج الإطفاء إلى المكان بعد 40 دقيقة أي بعد حلول الكارثة!.
ويلفت إلى أن شقيقه يوم الحادثة كان يجري مكالمة فيديو مع زوجته عند حدوث الحريق الذي أدى إلى الانفجار الأول، إذ إنه كان يُطلعها على حجم الأضرار ونسبة الحريق، واضطرّ حينها لقطع اتصاله الأخير الذي استمرّ لحوالي دقيقة واحدة نتيجة حدوث الانفجار الاول وانهماكه في حصر الحريق.
زوجة الشهيد محمد عباس
من جانبها، تقول السيدة نسرين زوجة الشهيد محمد عباس إن الأخير كان قد قطع يوم إجازته التي استمرت لـ10 أيام نتيجة استدعائه للعمل، وكان الاتصال الأخير معها قبل حوالي ساعة ونصف من الانفجار ليطمئنها، إلا أنها لم تعلم بمصيره إلا عند الساعة الـ3 فجرا من اليوم التالي باستقبال اتصال من زوجة الشهيد عماد زهر الدين التي نقلت إليها خبر الفاجعة.
شقيقة الشهيد عماد زهر الدين
أمل شقيقة الشهيد عماد زهر الدين تؤكد بدورها لـ"العهد" أن العائلة علمت بمصيره بعد بحثها بنفسها على مرأى من القوى الأمنية، مُبيّنة أن الشهيد ذهب بقدميه للموت في الوقت الذي كان يستطيع الهروب من الحادثة، إلا أن نخوته منعته من الإقدام على ذلك، فاستشهد مُختلطًا دمه بدم السني والمسيحي، وتعتبر أن "بعض أجهزة الدولة متورطة في هذا الانفجار، إذ إنها كانت تعمل على إخفاء الأدلة، وترك الأهالي يفتشون عن ذويهم ويصارعون مصيرهم"، وتردف "لم يُكشف مصير الشهيد عماد إلا بعد اسبوع من الانفجار، متأملين طوال هذه المدة أن يكون من الجرحى المسعفين إلى مستشفيات سورية، لكنهم لم يستطيعوا التعرف إلى جثته إلا عبر فحوص الحمض النووي لبعض أشلائه".
والدة الشهيد حمد العطار
بعد الموقف الأليم الذي أبكت فيه جميع أبناء الوطن بكلماتها "ابني حلو ومنيح عيونو عسلية"، تختصر الحاجة أم اسماعيل، والدة الشهيد حمد العطار، الموقف لموقعنا بكلماتٍ مبكية من جديد "ابني راح وروحي راحت معه"، إذ إن الشهيد حمد كان أكثر أبنائها سندًا لها، لكن سوء المعيشة أجبره على العمل في المرفأ يوميا بعدما فقد راتبه الأساسي قيمته بسبب الأزمة الاقتصادية القائمة".
وتشير أم اسماعيل إلى أنها لم تعرف مصير ولدها لوقت طويل على الرغم من معرفة وسائل الاعلام به، وأن مصير الشهيد كشف عن طريق أحد أقاربه المنتسبين للجيش اللبناني والذي لم يخبرها بشيء خوفا عليها، إذ إنه لم يتعرّف إلى الجثة إلى من خلال وشم موجود على جسد الراحل".
الجريح جوزيف غفري
أمّا الجريح جوزيف غفري فيقول لموقعنا إن قدمه بُترت على الفور جراء الانفجار في حينه نتيجة سقوط حجر ضخم من أحد المباني عليها عدا عن إصابة كتفه بكسور بليغة لم تعالج حتى اليوم نتيجة عدم إفادتها في التقرير الطبي جراء الضغط الحاصل آنذاك، مستذكرًا أنه أسعف في سيارته المهشمة بعد ان بقي في الأرض حوالي 40 دقيقة دون اسعاف.
اليوم، يُجمع الأهالي على عدم ثقتهم بعدالة القضاء المسيّس لمصالح شخصية وأجندات خارجية، ويُعربون عن قناعتهم بأن ليس هناك من يأخذ بحقهم سوى عدالة السماء التي لا تظلم مثقال ذرة.