خاص العهد
أحراج الجنوب مهددة : مئات الأشجار تقطع في الحجير وزبقين.. ورميش
داني الأمين
يبدو أن تجّار الحطب على عجلة من أمرهم هذا العام، لبيع أكبر قدر ممكن من الحطب، قبل انتهاء فصل الصيف، مستغلين حاجة الأهالي وخوفهم من اقتراب فصل البرد قبل تأمين وقود التدفئة الأقل ثمناً من المازوت.
في الأيام الأخيرة الماضية، تعرضت أحراج وادي الحجير وقطمون في رميش وبيت ليف الى اعتداءات بالجملة، طالت عشرات الأشجار المعمرة، كان آخرها "قطع أكثر من ثلاثين شجرة سنديان في حرج قطمون الحدودي"، الأمر الذي أدى الى حصول عراك بالأيدي بين عدد من شباب رميش والمعتدين على الأحراج.
كما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور تبرز حجم الاعتداءات الهائل الذي طال أحراج الجنوب اللبناني، في أكثر من منطقة، لا سيما أحراج زبقين، ياطر، بيت ليف، ووادي الحجير.
قبل عدة أيام نشر الشاعر شوقي بزيع صوراً لأحراج زبقين وياطر (قضاء صور) يظهر فيها حجم التعديات، التي قضمت مساحات كبيرة منها. كما انتشرت صور كثيرة لحطب أشجار السنديان والملول، الذي يتم بيعه في الأسواق، بعيداً عن أعين الناس والقوى الأمنية.
بشكل علني أو خفيّ ينتشر يومياً عدد من الأهالي المزودين بمناشير الحطب بين الأحراج والبساتين، لجمع ما تيسر من حطب الشتاء. يعمد أحد تجار الحطب في منطقة بنت جبيل الى الاتصال بزبائنه، قائلاً لأحدهم: "عليك أن تسرع في طلب حصتك من الحطب، لدي الكثير من حطب السنديان الأخضر واليابس، لأن أي تأخير قد يمنعك من الحصول على حصتك، بسبب زيادة الطلب على الحطب".
قانون الغابات في لبنان الصادر عام 1948، والذي يمنع قطع الأشجار الصمغية، ويخضع قطع الأشجار الحرجية لاجازة مسبقة، غير قادر على منع الأهالي وتجار الحطب من قطع الأشجار المعمّرة وقضم الأحراج، لأن "الأهالي غير قادرين على شراء المازوت، وعليهم أن يؤمنوا ما يحتاجونه من الحطب" يقول المزارع حسن صولي (مرجعيون)، ويلفت الى أن "محمية الحجير باتت مهددة، بسبب حاجة الأهالي من جهة، وجشع التجار من جهة ثانية، اضافة الى غياب أي دور عملي للقوى الأمنية ومأموري الأحراج، الذين لا يملكون بدل البنزين لمراقبة المعتدين".
في بلدة مجدل سلم تبادل الأهالي صور حطب السنديان المقطّع على هواتفهم النقالة. بعضها تم نشره على الفيسبوك، لتشعل غضبهم، كون محمية الحجير تجاور البلدة، وهي المكان الأخضر الوحيد في المنطقة، وباتت الملاذ الوحيد للمتنزهين والفقراء. يعتبر جابر ياسين أن "هذا الوادي هو وادي الشهداء، وأشجاره حمت المقاومين طيلة فترة مقاومتهم للاحتلالين الاسرائيلي والفرنسي، وهو اليوم أيقونة المنطقة"، ويرى أن "ما يحصل من اعتداءات على الأشجار المعمرة هو عمل جبان يجب وضع حد سريع له".
أصبح تجار الحطب المعروفين بأسمائهم وأرقام هواتفهم يتمتعون بشهرة ونفوذ، كونهم يؤمنون طلبات الأهالي من الحطب. لكن ذلك يؤكد "مدى الاستهتار والاهمال في متابعة المعتدين على الأحراج، لأنهم أصلاً ينقلون الحطب من الوادي، ويبيعونه علناً" يقول أبو علي ياسين، ويشير الى أن " الاعتداءات الأخيرة طالت أكثر من 200 شجرة سنديان في الحجير". بينما يؤكد رئيس بلدية مجدل سلم علي تامر ياسين على "وجود اعتداءات على أشجار الحجير، معظمها يعود الى شهر آذار/ مارس، وقد تم الادعاء على 23 مواطناً، وتجريم شخصين منهم، أما الاعتداءات الأخيرة فقد طالت حوالي 70 شجرة سنديان، وقد تم الادعاء على 15 موطناً"، ويلفت الى أن " الاهمال ساهم في زيادة الاعتداءات على الأحراج، لكن محمية الحجير والبلديات ساهمت مراراً في حماية الأشجار وزراعة الآلاف منها".
محمية وادي الحجي
يؤكد رئيس لجنة محمية الحجير الدكتور أحمد زراقط أن "المعتدين تجري ملاحقتهم قضائياً، وادارة المحمية تتابع هذا الأمر بشكل دقيق، لكن عدد الموظفين المكلفين بمراقبة الأحراج لا يزيد عن ثلاثة، يتناوبون على الخدمة فيما بينهم، ويتقاضون أجوراً متدنية، رغم أن اتحاد بلديات جبل عامل يقدم الدعم الممكن لهم".
بعد سنوات على حرب تموز تم انشاء أربع محميات طبيعية في المنطقة الحدودية، هي محميات: الحجير، رامية، كفرا، وبيت ليف. لكن يبدو أن الاهتمام تركّز في محمية الحجير، التي تعتبر ثاني أكبر محمية بريّة في لبنان، اذ تبلغ مساحتها 26 كلم مربع، ويضاف اليها المنطقة العازلة للمحمية والتي تبلغ مساحتها 15 كلم مربع، بينما يتسع الغطاء الحرجي في المحمية على مساحة 16 كلم مربع، ويضمّ ما يزيد على 100 ألف شجرة حرجية، وعمدت ادارة المحمية الى زراعة آلاف الأشجار داخل المحمية، فيما لم يتم احصاء أعداد الأشجار الحرجية في المحميات الثلاث الأخرى، التي تتعرض للاعتداءات المتكررة. وقد فسجّل خلال العام الفائت اعتداءات بالجملة على الأحراج، وتم قطع مئات الأشجار، " بهدف بيع الحطب للأهالي"، لكن الاهتمام البلدي خلال السنوات الماضية ساهم في زيادة عدد الأشجار في المنطقة، فعلى سبيل المثال بلغ عدد الأشجار التي زرعها اتحاد بلديات جبل عامل، الذي يضم 16 بلدة من بلدات مرجعيون، من العام 2011 حتى العام 2020، 218679 شجرة، من بينها أكثر من 75000 شجرة حرجية. وعمدت بلديات المنطقة الحدودية الى زراعة آلاف الأشجار المختلفة الأنواع.
تجدر الإشارة إلى أن اتحادي بلديات بنت جبيل وجبل عامل عمدا الى تشييد عدد كبير من خزانات المياه الثابتة داخل المحمية، ومد مآخذ مياه لها لتسهيل عمليات اطفاء الحرائق، كما تم انشاء مركز للدفاع المدني داخل المحمية وتزويده بالموظفين وبأحدث المعدات لمنع انتشار الحرائق، اضافة الى انشاء "مركز طوارىء برعشيت"، على نفقة الصندوق الكويتي للتنمية واتحاد بلديات بنت جبيل، وهو مركز بات يغطي عمليات اطفاء الحرائق وانقاذ المصابين من الحوادث المختلفة في معظم مناطق الجنوب اللبناني، ليصبح المركز الأول في لبنان من حيث التجهيز والجهوزية.