خاص العهد
عام دراسي مهدّد.. والكرة في ملعب الدولة
فاطمة سلامة
يعيش المعلّم في لبنان هذه الأيام أسوأ مراحل حياته. الحديث مع أساتذة يكشف حجم المعاناة التي يعيشونها جراء الأزمة المالية والاقتصادية. يتقاضى هؤلاء راتبًا لا يكفيهم للوصول الى مدارسهم وسط أسعار البنزين الملتهبة، فما بالنا بمتطلبات الحياة الأخرى؟!. فعليًا، تدنّى راتب المعلّم بنسبة 20 بالمئة، فمن كان يتقاضى ثلاثة ملايين ليرة أي ألفي دولار، بات راتبه اليوم يساوي مئة دولار، الواقع الذي دفع أساتذة كثرًا العام الدراسي المنصرم للاستدانة لدفع بدل نقل للوصول الى المدارس. المأساة التي دفعت روابط التعليم الرسمي بالتحرك قبيل بدء العام الدراسي المقبل عسى ولعلّ تجد آذانًا صاغية تحسّن الوضع المزري، وهو تحرك يُعد بمثابة إلقاء الحجة وسط سيناريوهات غير محمودة تنتظر التعليم في لبنان. ثمّة من يُلوّح في هذا الإطار بعام دراسي جديد معلّق الى أجل غير مسمّى لا بدافع الإضراب بل من منطلق عجز الأساتذة الفعلي عن الوصول الى المدرسة. فهل العام الدراسي مهدّد فعلًا؟ وما السيناريوهات التي تنتظر التعليم في لبنان؟.
محرز: لم يعد لدينا شيء لنقدّمه
لدى سؤالها عما اذا كان العام الدراسي مهددًا، تشدّد رئيسة رابطة التعليم الثانوي الرسمي في لبنان ملوك محرز على أنّ الدولة هي من يجب أن تجيب عن هذا السؤال. بمعنى آخر، تربط محرز بين مسألة تحقيق المطالب والتئام العام الدراسي. وفق قناعاتها، قدّم الأساتذة أكثر من واجباتهم وأعطوا كل ما لديهم بدليل النتائج الممتازة في الامتحانات الرسمية. لم يعد لدينا شيء لنقدّمه. التزمنا بكل شيء والدولة لم تلتزم. نحن لم نطلب المعجزات بل طالبنا بعيشة كريمة لا يضطر فيها الأستاذ الى الاستدانة أو التقنين على نفسه وعائلته.
وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، تشدّد محرز على أننا فعليًا أمام وضع سيئ، فكل مدخراتنا فُقدت بعدما قدّمنا لثلاث سنوات بلا مقابل. منذ ثلاث سنوات ونحن نضحّي بلا مقابل، أما هذه السنة فغير قادرين على التضحية. فعليًا وصلنا الى مرحلة -ليس من باب الدلع أو الغنج- لكننا غير قادرين على الوصول لأماكن عملنا بعد أن بات الأستاذ يدفع من جيبه للذهاب الى المدرسة. الأساتذة هم الحلقة الأضعف اذ لا مهنة أخرى لديهم لتعطيهم دخلًا إضافيًا. للأسف، الأستاذ أكثر من يُعطي ويقدّم في هذا البلد، وبالمقابل لم يأخذ شيئًا من الدولة، تضيف محرز التي ترى أنّ الكرة اليوم في ملعب الدولة، واذا أرادت أن يُكمل التعليم الرسمي فلتصحّح الأجور بشكل عادل، بعيدًا عن التذرع بالميزانية وغيرها من الحجج التي وصلنا اليها جراء السياسات الخطأ.
وفي ختام حديثها، تتأمّل محرز خيرًا بحل ما، مبدية حرصها على المدرسة الرسمية وتلامذتها وعلى عدم إقفالها، لكنها في المقابل تشدّد على أنّه لا يمكن "ذبح وخنق" الأستاذ الذي يملك عائلة في رقبته.
جواد: عاجزون عن الوصول الى المدرسة
الوضع في التعليم الأساسي الرسمي لا يختلف عن التعليم الثانوي. ما تقوله محرز يؤكّده لموقعنا رئيس رابطة التعليم الأساسي الرسمي حسين جواد. العام الدراسي القادم مهدّد. اذا بقيت الأوضاع على ما هي عليه لا نستطيع الدخول بعام دراسي جديد. العام الماضي ضحّينا كأساتذة، والحال وصل بكثر للاستدانة لتعبئة البنزين خصوصًا في الأشهر الأخيرة عندما ارتفعت الأسعار بما لا طاقة للمعلم على تعبئة خزان سيارته. عضضنا على الوجع والجرح -يقول جواد- وأكملنا وكان مطلبنا الامتحانات الرسمية وبعدما انتهينا حذّرنا من أنه اذا بقيت الأوضاع على ما هي عليه العام الدراسي المقبل فلن نحضر -ليس من باب الإضراب- فنحن لسنا هواته بل نتجرعه كالسم، ولكننا عاجزون عن الوصول الى المدرسة وليس لدينا القدرة على التنقل.
مطالب ثلاثة للحل
ويؤكّد جواد أنّنا في إطار تحركنا لتحسين وضع المعلمين وضعنا نقاطًا أساسية تهم القطاع العام بشكل عام والمعلمين بشكل خاص، ولخصناها في ثلاث نقاط أساسية للمرحلة الحالية:
-ضرورة والزامية تحسين الرواتب ليس على قاعدة ما يحصل اليوم كإعطاء مساعدة اجتماعية، فهذه الحلول ترقيعية، بل يجب إعادة النظر بالرواتب بعدما تجاوزت نسبة التدني الـ90 بالمئة، فالأستاذ يتقاضى راتبه وفق سعر صرف 1507 ليرات للدولار الواحد، ويشتري كل شيء وفق الثلاثين ألفًا. وهنا يلفت جواد الى أنّ رواتب التعليم الرسمي تتراوح بين مليون و800 ألف ليرة وثلاثة ملايين و500 ألف ليرة أي بمعدل وسطي مليونين و500 ألف ليرة. فكيف سيذهب الأستاذ 4 أيام الى المدرسة؟ ومن أين يؤمن بدل النقل؟!.
وفي هذا السياق، يطرح جواد حلًا وسطيًا لمسألة الرواتب عبر اعتماد طريقة قسمة أساس الراتب الحالي على 1500 ليرة، وضربه بـ 8000 ليرة. على سبيل المثال، من كان راتبه 3.000.000 ليرة ÷ 1500 = 2000 $ ليصبح الراتب 2000× 8000 = 16.000.000 ليرة ما يعادل (550$) وفق سعر صرف السوق السوداء أي ربع ما كان يتقاضاه الأستاذ قبل الأزمة.
-إعادة النظر ببدل النقل. وفق جواد، يجب إعطاء بدل نقل عادل وسط تقلب أسعار المحروقات كل يوم وإلا لن يتمكن الأستاذ من الوصول الى المدرسة. وعليه، يطالب جواد بأن يتم إعطاء ليترات بنزين تقارب الستة ليتر يوميًا حسب المشروع الذي قدّمه النائب علي حسن خليل. يعطي جواد مثالًا على الكلفة العالية للتنقل، قائلًا: "اذا كان الأستاذ محظوظًا وتبعد مدرسته عن منزله 10 كيلومترات فهو يحتاج الى صفيحة بنزين في الأسبوع (700 ألف ليرة) أي مليونين و800 ألف ليرة شهريًا، فماذا يبقى من الراتب؟!. وفي هذا السياق، يشدّد جواد على أنّ ما يُحكى عن إعطاء الحكومة راتبا إضافيا للأستاذ لا يحل الأزمة أبدًا ولا يكفي للعيش بكرامة.
-تحسين وضع الاستشفاء. وفق جواد، يعاني الأساتذة من دفع فاتورة المستشفى التي تقصم الظهر. العملية الباردة تكلّف 30 مليون ليرة أي توازي رواتب عمل سنة كاملة للأستاذ، فما بالنا بالعمليات الطارئة؟!. يشدّد جواد على أنّ الأستاذ يعاني الأمرين وبات يتمنى الموت على أن يدخل الى المستشفى. ثمة العديد من الأساتذة الذين باعوا ورهنوا ممتلكاتهم. أحد الزملاء رهن منزله بـ 70 مليون ليرة ليُخرج أباه من المستشفى لأن كلفة العملية 70 مليون ليرة. هذه عينة ومثلها كثر يقول جواد الذي يلفت الى أنّ تعاونية موظفي الدولة لا تزال تُحاسب الأستاذ وفق الأسعار القديمة اذ لا أموال في صندوقها بينما ارتفعت كافة الأسعار بنسبة 10 الى 11 بالمئة. وهنا يطالب جواد الحكومة والدولة ومجلس النواب بدعم التعاونية لإنقاذ الموظفين.
ويوضح جواد أنّ هذه العناوين الثلاثة تشكّل لب التحرك الذي بدأناه، منوهًا الى موقف كتلتي "التنمية والتحرير" و"الوفاء للمقاومة" الداعمتين للمطالب، فقد اتضح من خلال الزيارات التي قامت بها الروابط أنّ الكتلتين مؤيدتان لمطالبنا ومستعدتان لأي اقتراح يحسن من وضع المعلمين، وأعربتا عن الانحياز التام للتعليم الرسمي وضرورته.
وفي الختام، يلفت جواد الى أنّ وضع الأستاذ المادي صعب جدًا، والقلق دفع البعض الى اتخاذ خيارات مُرّة كتقديم استيداع أو الهجرة الى الخارج أو هجرة التعليم بدون اوراق قانونية، على أمل تحقيق المطالب كي يتمكن الأستاذ من العيش بكرامة.