خاص العهد
قانون مقاطعة "إسرائيل" ودخول أراضي العدو: تطبيق نظري أم فعلي؟
في كل مرة تُثار مسألة التعامل مع العدو "الإسرائيلي"، يتناول البعض موضوع العمالة ودخول أراضي العدو من زاوية الانتماء الديني، والتشنج العصبي والطائفي والمذهبي، وينبري البعض فجأة لشن حملة شعواء على السلطة العسكرية والقضائية دون وجه حق. وللأسف، على مدى عقود، والبعض في لبنان يعطي العملاء المبرِّر في ما قاموا ويقومون به، مستغلين الغطاء الديني.
وإذا عدنا لتاريخ إقرار "قانون مقاطعة إسرائيل" الصادر عام 1955 عن جامعة الدول العربيّة، وتبنّاه لبنان طبعًا، نلاحظ أنه بذلك التاريخ لم يكن بوارد أي لبناني أو عربي أن يقبل "بإسرائيل" أو يقيم أي تعاون ثقافي أو حضاري أو فكري مع أي مغتصبٍ يهودي للحقوق الفلسطينية. ووفقًا لرئيس "الجمعية اللبنانية لمقاومة التطبيع" وعضو "حملة مقاطعة داعمي إسرائيل" الدكتور عبد الملك سكرية، فإن هذا القانون كان ممتازًا، وكبّد العدو خسائر اقتصادية هائلة جدًا، بالإضافة إلى العزلة السياسية، اذ كانت القضية الفلسطينية تأخذ اهتمامًا عربيًا واسعًا، ولم يكن بإمكان الأنظمة المتواطئة أن تعلن عداءها لفلسطين جهارًا.
وفي تفاصيل القانون، يؤكد سكرية لـ "العهد" أن "قانون مقاطعة اسرائيل" يحرّم بالدرجة الأولى التعامل مع أي شخص أو حدث "إسرائيلي" المنشأ إلى جانب النشاطات المالية أو التجارية، ومقاطعة الشركات التي تتعامل مع "إسرائيل" بالدرجة الثانية، وحتى أي شركة تدعم العدو أو هذه الشركات.
سكرية يوضح أن الشركات العالمية قاطعت "إسرائيل" عقدًا من الزمن، وكانت تتجنب الاستثمار في الأراضي المحتلة خوفًا من المقاطعة العربية، ومن بين هذه الشركات "بيبسي" و"نسلة"، فكفة رأسمالها تميل لـ 100 مليون عربي مقابل 3 ملايين نسمة في الكيان الغاصب.
يقول سكرية إن التراجع بدأ عندما أبرم الرئيس المصري السابق أنور السادات ورئيس وزراء العدو مناحيم بيغن -برعاية الولايات المتحدة- اتفاقية "كامب ديفيد" التي هيأت للتوقيع على أول معاهدة "سلام" بين "إسرائيل" ودولة عربية. ولكن النكبة الكبرى كانت عندما تم توقيع اتفاق "أوسلو" بين رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات ورئيس حكومة الاحتلال يتسحاق رابين والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون. بالتالي وخلافًا لما نصّت عليه المبادرة والإجماع العربي، بدأت بعض الدول العربية، وخاصة الخليجية، بتعديل مواقفها التقليدية تجاه "إسرائيل" تدريجيًا باعتبار أن الصراع انتهى. تبدل المواقف المذكور دفع بالشركات للاستثمار في الأراضي المحتلة وضخ الأموال الهائلة في الاقتصاد الصهيوني فبات على ما هو عليه اليوم من "التقدم والتطور".
سكرية لفت إلى ثغرة في "قانون مقاطعة إسرائيل" متعلقة بالطوائف والأماكن المقدسة، وكيف ستتعامل الكنيسة مع هذا الموضوع، ففي حين رفضت الكنيسة القبطية في مصر رفضًا قاطعًا زيارة القدس وبيت لحم ومنع حج المسيحيين باعتبار أنه تطبيع صريح، اعتبرت الكنيسة في لبنان أن "زيارة الرعية ضرورة وواجب ديني، مما سمح للمطارنة بالذهاب إلى الأراضي المحتلة أمام أعين الجيش اللبناني بتصريح رسمي وتحت عنوان الزيارات المقدسة".
ولذلك، يعتبر سكرية أن الموضوع سلاح ذو حدين، فإما أن يكون المطران فدائيًا، وإما أن يكون مطبعًا ومروجًا للعملاء، يحميهم ويمد لهم جسور التعامل مع عملاء الخارج حاملًا الأموال والمنتجات "الاسرائيلية"، محذرًا من وصول هذه المنتجات إلى لبنان، حيث سينكسر الحاجز النفسي بوجودها وتصبح أمرًا طبيعيًا.
سكرية يشدد على أن العقل الصهيوني يريد لونًا واحدًا، فالتهديد الصهيوني على المسيحيين أكثر من المسلمين، من خلال المشروع الرامي لتهجيرهم من البلاد، في حين أن البعض في لبنان لا يقيم اعتبارًا لهذا التهديد بل يذهب أبعد بعدم اعتبار الكيان الغاصب عدوًّا! ويشير سكرية إلى أنّه لولا المقاومة الإسلامية لما توانت "اسرائيل" عن البطش بمسحيي لبنان، ومعلولا السورية خير شاهد.
والواضح أن المادة 285 من قانون العقوبات اللبناني تتناول الصلات غير المشروعة مع العدو حيث يعاقب بالحبس سنة على الأقل وبغرامة مالية على كل لبناني وكل شخص مقيم في لبنان أقدم أو حاول أن يقدم مباشرة أو بواسطة شخص مستعار على صفقة تجارية أو أي صفقة شراء أو بيع أو مقايضة مع أحد رعايا العدو أو مع شخص ساكن بلاد العدو. كما يعاقب بذات العقوبة كل لبناني وكل شخص في لبنان من رعايا الدول العربية يدخل مباشرة أو بصورة غير مباشرة وبدون موافقة الحكومة اللبنانية المسبقة بلاد العدو لأي سبب كان، وهذا الجرم ضمن فئة الجرائم التي يعود للمحاكم العسكرية النظر بها.
ومن هنا، يشدد سكرية على أن المطلوب اليوم من الدولة اللبنانية القرار الحاسم في هذه المسألة، على أن تكون زيارة فلسطين المحتلة خاضعة لشروط صارمة وشديدة.
ويختم سكرية مؤكدًا أن المقاطعة تعتبر من أساليب المقاومة، التي لو طبقت في الدول العربية بالتوازي مع تشجيع عمليات المقاومة المسلحة للاحتلال لحصدت نتائج مثمرة جدًا، واستطاعت أن تترك أثرًا في مواجهة هذا الاحتلال، وبالتالي لا بد من السعي إلى تحصين قوانين المقاطعة وسن تشريعات وقوانين عقابية شديدة كفيلة بمنع أن يتجرأ أحد على السير في سياسة التطبيع.