خاص العهد
خان القيصرية في حمص ينفض عنه غبار الحرب ويجمع أهلها مجدداً
حمص ـ محمد عيد
عاد خان القيصرية داخل السوق المسقوف في مدينة حمص القديمة ليجمع أهلها مجددا بعدما تعاون الأهالي مع مجلس المدينة في إعادة ترميمه وتأهيله ليبقى محافظا على هيئته التي تعود إلى قرابة ألف عام مضت، ليبقى شاهدا على عصور متلاحقة كان فيها الجامع لذكريات المدينة الطاعنة في التاريخ.
إزالة آثار الإرهاب
تتداخل صورتان في ذهن محمود الذي بالكاد وجد له كرسيا في مقهى القيصرية الذي سمي تيمناً بأشهر خانات مدينة حمص، والمفتتح حديثاً داخلها بين زمنين، إذا عاش محمود زمن الحرب الذي أتى على المدينة فدمر أسواقها وأوابدها، وزمن التعافي الذي عاد بها سيرتها الأولى، مدينة عابقة بالتاريخ تجمع أطياف المجتمع الحمصي ومن قصده تاجراً أو زائراً أو عابر سبيل، يستريح لأيام في الخان الشهير ثم يمضي لينشر قصته في أرجاء الوطن الأكبر.
يروي محمود لموقع" العهد" الإخباري كيف كان من أوائل الذين دخلوا إلى الخان بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وكيف كان الدمار سمة المشهد العام قبل أن يشرع مع بقية أصحاب المحلات والمتطوعين من محبي التراث بالتعاون مع مجلس مدينة حمص في إزالة الدمار وتنظيف المكان التاريخي من كل مخلفات الحرب.
زوار المقهى وقبل أن يستقروا وراء طاولاته يحرصون على التجوال في الخان بعدما فرغت الايادي المبدعة من ترميمه وإضفاء لمسة من الإبداع على ذلك بحيث بقي محافظا على شكله التاريخي الموروث.
حركة تجارية نشطة
"أحمد الصالح" شريك في المقهى يرافق الزبائن في أرجائه وقد ساعده المامه بالتاريخ ليكون "دليل سياحي" لكل من يجول بخاطره سؤال يتعلق بالخان المؤلف من طابقين مع أربعة أروقة.
يشرح "أحمد" لموقع " العهد" الإخباري كيف أن الطابق الأرضي يعود للفترة المملوكية وهو من الحجر البازلتي وأسقفه عبارة عن عقود حجرية.
يلج "أحمد" مع الزبائن من خلال الباب الخشبي الكبير والذي تتوسطه فتحة تسمى الخوخة كانت تستعمل لدخول وخروج حارس الخان.
فيما يعود الطابق الأول منه للفترة العثمانية وهو عبارة عن غرف لمبيت الزوار ويمتاز بحجارته السوداء والبيضاء والتي تسمى الأبلقية.
الشراكة في المقهى قبل الترميم كانت بالنسبة لـ "أحمد"، مخاطرة غير محسوبة العواقب لكن رهانه على انتماء اهل حمص لمدينتهم جعله يكسب الرهان: "بدأنا بعدد قليل من الطاولات قبل أن تزداد يوماً بعد آخر بسبب الإقبال الكثيف من الناس، وأعتقد أننا استطعنا توحيد أطياف المجتمع الحمصي الذي حاول الإرهاب تدميره حول هذه الطاولات".
"نشطت الحركة التجارية"، يقول أحمد لموقع "العهد" الإخباري، "لكن الأهم أن نجحنا في جعل الحماصنة يعودون إلى جذورهم وزبائننا من مختلف الأعمار والأجيال".
أعدتنا إلى أيام الطفولة
"محمد طيارة" صاحب محل في السوق المسقوف أشار في حديثه لموقع "العهد" الإخباري إلى الجملة التي يتكرر سماعها من قبل أبناء الجيل القديم من زوار الخان ورواد المقهى وهي "ذكرتنا كيف كنا نأتي إلى هذا المكان برفقة أهلنا حين كنا صغارا" وكأن الزمن توقف عند تلك اللحظة.
"هم محقون في كلامهم وتوصيفهم" يؤكد طيارة لموقعنا، فخان القيصرية حافظ على شكله وبنائه على مدى قرون طويلة خلافا لوجه المدينة المحدث وهذا ما جعل الأقدمين يعتبرونه مرتعا لذكرياتهم.
حتى بئر الماء اليدوي بقي على حاله والبحرة القديمة تمت إعادة بنائها بنفس الحجر القديم مع الإبقاء على طابع الحجر الأسود الذي يعيد الجميع إلى الأصالة والجدود.
ويضيف "طيارة" أن الإقبال من الناس "فاق التوقعات وجاء أهالي حمص جميعهم الينا بمن فيهم الجيل القديم الذي ابتعد عن نمط الحداثة وضوضاء السوشال ميديا".
مع قدوم المساء أضاء الخان أنواره وامتلأ المقهى داخله عن بكرة أبيه وعلى الطاولات التي ضجت بالحياة والسرور اجتمع أناس ينتمون إلى مراحل زمنية مختلفة وتلاوين متنوعة من المجتمع الحمصي جمعهم خان القيصرية وحب المكان الذي بقي وكأن اليد التي أنشأته قد فرغت منه لتوها.