خاص العهد
عودة النازحين السوريين.. "الفيتو" الغربي لا يزال مرفوعًا فهل يتخطّاه لبنان؟
حسن شريم
على حين غفلة، استيقظ الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي طارحًا وبقوّة ملف عودة النازحين السوريين إلى بلادهم. ذلك الطرح لطالما رفعته جهات لبنانية حريصة على مصلحة لبنان قبل سوريا، وعملت لأجله انطلاقًا من مبدأ العودة الآمنة. صحيح أنّ احتضان لبنان للنازحين السوريين شكّل في مرحلة من المراحل أكثر من واجب وطني وأخلاقي، نظرًا للتاريخ والجغرافيا المتداخلتين، إلا أنّ عودة الهدوء إلى سوريا، وما يعصف اليوم من أزمات بلبنان، يفرض بجدية حسم مسألة عودة النازحين السوريين إلى مناطقهم الآمنة. وجود النازحين بات يُلقي بثقله على الوضع الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي، خاصة أن عددهم بلغ أكثر من مليون ونصف المليون (نازحون، مستثمرون، يد عاملة شرعيّة وغير شرعيّة)، بينهم 865 ألفًا مسجّلون رسميًا لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، بحسب إحصاءات تعود إلى عام 2020.
ولا يخفى أنّ ملف عودة النازحين لطالما طُرح للتداول في الأوساط اللبنانية، لكن سرعان ما كان يتم سحبه. ولا نفشي سرًا إذا قلنا أنّ السبب وراء ذلك يتعلّق برغبة دولية وأممية ببقاء النازحين السوريين على أرض لبنان. ثمّة مخطط مكشوف في هذا الصدد توثّقه المؤتمرات الدولية التي عقدت على نيّة النازحين ومنها مؤتمر بروكسل.
وهو الأمر الذي بدا واضحًا اليوم مع تجدد طروحات العودة، والذي لاقى استنفارًا سريعًا من السفراء الغربيين والمنظمات والجمعيات الدولية، لمنع عودتهم، بحجّة أنها غير آمنة، وأن لا مساكن إيواء وبنى تحتيّة في سوريا يمكن أن تستوعب الأعداد العائدة، ما يظهر جليًا أن "الفيتو" على إعادتهم لا يزال مرفوعًا.
وزير المهجّرين: سأعود إلى سوريا الأسبوع المقبل بتفويض رسمي من الحكومة
مقابل "الفيتو" الغربي، يبدي وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين "حماسة" لمتابعة ملف النازحين. يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّه "بعد زيارته إلى سوريا منذ حوالى الشهرين -حيث التقى وزير الإدارة المحلية والبيئية حسين مخلوف- سيعود إلى سوريا الأسبوع المقبل، وهذه المرة بتفويض رسمي من الحكومة، لمناقشة تفاصيل خطته التي تقضي بإعادة النازحين السوريين إلى مناطقهم بعد ترميم المنازل أو إنشاء مراكز إيواء جديدة، على أن يتم ترحيل 10 إلى 15 ألفًا شهريًا.
جدّيون ومتفرغون لمتابعة ملف النازحين
ويضيف شرف الدين أنّه "كان لا بد من البدء بهذا الملف، نتيجة الأزمة الخانقة التي مرّ بها لبنان، وما لوجود النازح السوري من دور في تعميقها"، مشيرًا الى أنّ هناك اليوم التفافًا رسميًا وشعبيًا في لبنان حول هذا الموضوع، وعليه "نحن جدّيون ومتفرغون لمتابعته علّنا نصل إلى نتيجة جيّدة" يقول شرف الدين.
ويتابع "اليوم تم تأليف لجنة من سبعة وزراء برئاسة دولة الرئيس ميقاتي، وقد كلّفت شخصيًا بمتابعة الملف مع سوريا، ووزير الشؤون الإجتماعية فُوّض بالمتابعة مع مفوضية شؤون اللاجئين وهناك دراسة وخطة شاملة حول الموضوع تمّ إقرارها في لبنان بانتظار دراستها والرد عليها من الجانب السوري".
وعن توجه (UNHCR) إلى التوقف عن دفع المساعدات الى السوريين والتوقف عن تسديدها في حال انتقل هؤلاء إلى الداخل السوري بذريعة أنّ الدول المانحة ترفض ذلك، يقول شرف الدين "تمنيت على ممثل المفوضية في لبنان أياكي إيتو خلال اجتماع معه بالعودة عن هذا القرار لما له من تداعيات سلبية وتحفيز على بقاء النازح السوري في لبنان وعرقلة لعودتهم إلى ديارهم، ولمسنا من هذا الأمر استغلال هذا الملف سياسيًا من بعض الدول الغربية المانحة والممولة".
ويلفت شرف الدين إلى أنّ "ملف النازحين يقسم بين لاجئ سياسي ونازح، وعلى الرغم من أن الرئيس السوري بشار الأسد منح عفوًا لجميع اللاجئين حتى من حمل السلاح، إلا أن ممثل المفوضية إيتو صرح أنه أمّن خلال سنة 9000 آلاف عملية هجرة "للاجئين" السياسيين، غادر منهم 5000 بانتظار مغادرة البقيّة، كما تمنّينا عليه أن يزيد العدد خاصة وأن البعض لا يرغب في العودة إلى سوريا.
وفي ختام حديثه، يأمل شرف الدين أن تتم عودة كل النازحين إلى بلادهم خاصة وأنّ العديد من المناطق في سوريا أصبحت آمنة.
الساحلي: الإصرار على بقاء النازحين السوريين هو تهديد خطير للبنان
حقيقة الضغوط الغربية على النازحين يُعيد التأكيد عليها النائب السابق نوار الساحلي المُكلّف بمتابعة ملف النازحين من قبل حزب الله. يقول الساحلي لموقع "العهد" الإخباري: "من الواضح أن الدول الغربية هي التي تمنع عودة النازحين السوريين إلى بلادهم وطبعًا عبر دفع الأموال والضغوط السياسية التي تمارَس لمنع عودتهم".
ويضيف الساحلي "أعتقد أن الدولة اللبنانية بدأت تشعر بسلبيات وعبء وجود النازحين السوريين في لبنان من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وبدأت تدرك أن من واجبها أن تتعاطى مع هذا الملف بجدية ربما للمرة الأولى منذ سنوات، وبالتالي أصبح موضوع النازحين موضع متابعة اليوم من المعنيين".
وفيما يشير الساحلي إلى "أنّ معالجة هذا الملف ناقصة"، يشدّد على ضرورة أن يكون هناك اتصال بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية للتفاهم وتنظيم أطر وهيكلية عودة النازحين، مضيفًا "لا شك أنّ أمرًا إيجابيًا حصل بزيارة وزير المهجرين إلى سوريا لكن برأيي الاتصالات يجب أن تكون على مستوى أعلى بين الدولتين.. أن تكون بين الحكومتين أو أن يفوض وزير المهجرين باسم الحكومة أجمع بمتابعة هذا الملف".
وعن توقف الـ (UNHCR) عن دفع المساعدات الى السوريين في حال عودتهم إلى سوريا، يعلّق الساحلي على هذا الأمر بالقول: "لو كان هذا الأمر صحيحًا فهو تهديد خطير للبنان، ونحن اقترحنا منذ فترة أنّ مسألة عودة النازحين إلى سوريا سيوفّر مبالغ طائلة على المفوضية لأنّ المبالغ والمساعدات التي سيتم دفعها للسوري بعد رجوعه إلى أرضه أقل بكثير من المدفوع داخل الأراضي اللبنانية".
ويختم الساحلي مؤكّدًا أنّ الإصرار على بقاء النازحين السوريين في لبنان هو جزء من الحصار الأميركي المتعمّد على البلد لزيادة الأعباء والضغوطات على كافة المستويات.
عجاقة: تأخر عودة النازحين سيزيد الوضع الاقتصادي سوءًا
وفي الوقت الذي يحمل فيه ملف النازحين السوريين طابعًا سياسيًا ويُرخي بتداعيات اجتماعية وديمغرافية، فإنّ الجزء الأكبر من التداعيات يكمن في الشق الاقتصادي. ثمّة استنزاف كبير للبنى التحتية وتأثيرات ضخمة على العديد من القطاعات. الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة يؤكّد هذا الواقع، فيشدّد على أنّ وجود السوريين في لبنان شكّل استنزافًا للبنى التحتية منذ العام 2011 حيث تحمّل لبنان كمًّا من الخسائر ما جعل وجودهم جزءًا من المشكلة التي وصلنا إليها اليوم.
وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يلفت عجاقة إلى أنّ الاستنزاف ما زال قائمًا حتى اليوم إلى جانب الأجندات السياسية التي تمنع عودة النازحين إلى ديارهم في سوريا، وهذا ما نشهد آثاره السلبية على صعيد البنى التحتية والخدمات العامة من كهرباء وماء وأدوية وغذاء... وتظهر المشكلة بوضوح في ما يتعلق بأزمة الدولار حيث يعجز اللبنانيون عن تأمين الدولار لتوفير الحاجات الأساسية للمواطن والتي يشاركه فيها النازح السوري ما ينعكس سوءًا على الوضع المعيشي في لبنان، خاصة في موضوع الخبز والذي يُعتبر المادة الأساسية إذ تواجه العديد من المطاحن والأفران صعوبة لتأمينها فكيف بالسلع الأخرى.
ويعتبر عجاقة، أنه إذا تأخرت عودة النازحين إلى لبنان فإن الوضع الاقتصادي سيزداد سوءًا مع مرور الأيام لا سيما على المستوى المعيشي.
نوار الساحليالاتحاد الاوروبيالنازحون السوريونعصام شرف الدينجاسم عجاقة