خاص العهد
مؤسسة الشهيد: برٌّ صاحٍ
لطيفة الحسيني
قبل أن يمضي أسبوعان على الاجتياح الاسرائيلي، تداعت مجموعة من العلماء بشكل عفوي للتحرّك حتى تؤمّن الرعاية والمساعدة المادية والسكنية لعوائل المتضرّرين من العدوان. السيد عيسى الطباطبائي والشهيد الشيخ راغب حرب والحاج علي حرقوص (أبو حبيب) والحاج عبد الحليم عطوي والشيخ شوقي كنعان وآخرون أيضًا، صبّوا جهودهم لتحقيق الهدف. تكثّف العمل الى أن نُظّم وتحوّل الى مؤسسة قائمة بذاتها تحت اسم "جمعية مؤسسة الشهيد الخيرية الاجتماعية"، عقب حصولها على ترخيص رسمي من الحكومة اللبنانية في شباط 1989.
القتال في أوجّه. عمليات بطولية تتوالى. العدوّ يخسر ويتراجع. في المقابل، الشهداء يفوزون بجنان الله، فماذا عن ذويهم؟
مؤسسة الشهيد حاضرة بقوّة. على عاتقها، أخذت مسؤوليّة صون عوائل الشهداء والاهتمام بشؤونهم. المَهمّات عديدة وأرقام الأُسر ترتفع يومًا بعد يوم. بقدر ما كان العمل المقاوم يتطوّر، بقدر ما مرّت الجمعية بمراحل صقلت تجربتها مع تبدّل الظروف والتحديات.
كيف تطوّر العمل؟
أولى المراحل كانت في الانطلاقة العفوية. النشاط كان عبارة عن تلبية الاحتياجات الأولية والأساسية للفئات المستهدفة بموازاة حجم عالٍ للمتطوّعين حفظًا لهذا الجهد.
في ثاني المراحل، تركّز العمل على التنظيم وتغطية ما تتطلّبه العوائل، من خلال إنشاء مشاريع خدماتية تُساهم في تلبية حاجات بيئة المقاومة وتقوية بنية المؤسسة وترسيخ جذورها، فأبصرت مستشفى الرسول الأعظم (ص) النور كما العديد من المستوصفات في مناطق متفرّقة، فيما استُحدث مشغل للألبسة الشرعية، وبُني معهد مهني ومدرسة متوسطة. هنا، حصلت المؤسسة على علم وخبر (في العام 1988).
توسعة عمل الجمعية عنونت ثالث المراحل. في هذه الفترة، ازداد عدد المتطوّعين حتى بلغ المئات في مختلف المناطق اللبنانية، من البقاع الى بيروت والجنوب والشمال. الأمر دفع المعنيين الى التفكير بتقوية البنية الإدارية والتنظيمية الداخلية عبر القوانين والتشريعات التي تحكم عمل المؤسسة وتأهيل الفرق العاملة.
وعليه، انخفضت نسبة الاعتماد على التطوّع، خاصة في العمل الرعائي مع إبقائه فعّالًا على صعيد التكفّل وجمع التبرعات. ظلّ الوضع على هذا الحال الى أن حرّرت المقاومة الاسلامية جنوب لبنان عام 2000، وانخفضت على الإثر أعداد الشهداء بشكل ملحوظ.
عدوان تموز 2006 شكّل مرحلة مفصلية في "درب" المؤسسة. عدد الشهداء ازداد والأعباء تضاعفت. الجمعية اتجهت الى استكمال بُنيتها الإدارية وصياغة الأنظمة وتحديثها، ثم صياغة دساتير خاصة لكل عمل في المؤسسة يجمع الأهداف والسياسات وأنظمة العمل والآليات وغير ذلك.
الظرف الاستثنائي أدّى الى بروز حاجة أكثر من السابق لدمج أفراد العوائل ضمن جسم المؤسسة وبيئة المقاومة، فتكثّفت الجهود، ولاسيّما في ظلّ وصول عدد لا بأس به من الأبناء الى مراحل عمرية تتطلّب الانخراط في العمل وتأسيس أسرة مستقلّة.
خلال هذه المحطات، لازمت المؤسسة ثوابتها، تمسّكت بخطّ الولاية، وحرصت على تأمين الرعاية الأسرية الشاملة وحفظ معنويات وكرامة العوائل، إضافة الى الإستفادة من مساهمات الخيّرين من متبرّعين وكفلاء.
من هو المستهدف من عمل المؤسّسة؟
أسرة الشهيد (الزوجة والأولاد) والأهل (الأب والأم) المستهدفون وحدهم من خدمات ورعاية مؤسسة الشهيد التي تستند الى قيم أصلها مرجعية الإسلام، والى محورية أبناء الشهداء في برامج عمل المؤسسة، والى العدالة والمساواة في تقديم الرعاية والخدمات لأفراد العوائل.
شرائح المستهدفين
تتوزّع مسؤوليات الجمعية على ثلاثة مستويات:
* الشهيد نفسه: تُشارك المؤسسة في مراسم التشييع والتعزية والاحتفالات التأبينية الخاصة به، وتعمل على تبرئة ذمّته من ديونه الشخصية، وقضاء ما فاته من صلاة وصوم، كما تحفظ وصيّته واستمارته الشخصية وآثاره المكتوبة.
* أهل الشهيد: تهتمّ المؤسسة بتأمين هدية ثابتة لهم شهريًا، وضمان صحي بنسبة 90%، ومساعدات متفرّقة لأمور السكن والمعيشة، والاطلاع على أحوالهم بشكل دوري.
* أسرة الشهيد: عناية تامّة بالأولاد والزوجة في كل الجوانب الحياتية، حتى يبلغوا القدرة على الاستقلالية على المستوييْن الاجتماعي والمالي.
وعليه، تؤمّن المؤسسة منزلًا لائقًا لأسرة الشهيد وراتبًا شهريًا، ورعاية صحية كاملة على صعيد الطبابة والاستشفاء أو الدواء، وتكفل تعليم الأبناء من الحضانة وحتى التخرّج من الجامعة.
لا يقف الاهتمام عند هذا الحدّ، بل تعمل المؤسسة على الصحة النفسية والاستقرار الأُسري للعوائل، وتحرص على إشراك الأخيرة بالبرامج الثقافية والدينية المتنوعة المتوفّرة ضمن بيئة المقاومة وفق المناهج المقررة التي تعرّف الأولاد على الإسلام المحمّديّ الأصيل وثقافة الجهاد والشهادة، ولا تغفل الجوانب الترفيهية من أندية رياضية، ومخيّمات كشفية ودورات سباحة وغطس الى جانب تنمية المواهب لديهم.