خاص العهد
هل تقضي "الدولرة" على ما تبقى من القطاع التربوي؟
فاطمة سلامة
لا هم يطغى في هذه الأيام لدى ربّ الأسرة على هم تأمين الأقساط المدرسية. ما يحصل في هذا الملف لا يُصدّق، كما يقولون. ثمّة أقساط توصف بالـ"خيالية" وتفوق قدرة الأهل على التحمُّل في بلد تآكلت فيه القدرة الشرائية بما يفوق الـ90 بالمئة. ولعلّ أكثر ما يُرهق الأهل يكمن في موجة "الدولرة" التي بدأت تشهدها العديد من المدارس، وكأنّ مئة بالمئة من الشعب اللبناني يتقاضى رواتبه بالدولار، الأمر الذي بدأ يُهدّد فعليًا واقع التربية والتعليم في لبنان ومعه يتهدّد مستقبل جزء من التلامذة بالتسرب المدرسي.
أهالي التلامذة الذين تمكّن جزء لا بأس به منهم من تدبير أمورهم العام الماضي وسط الزيادة الفاحشة بالأقساط، تراهم اليوم يحسبون ألف حساب للكيفية التي سيجمعون فيها أقساطًا باتت توازي رواتبهم السنوية، فما بالهم بتأمين المتطلبات الأخرى؟!. رسائل كثيرة وصلت الى الأهالي أعلنت فيها المدارس نيتها زيادة الأقساط للعام المقبل وسط حضور نغمة "الدولرة" أو الدفع وفقًا لسعر صرف السوق السوداء ما شكّل ارتباكًا كبيرًا للأهالي الذين يقفون بين فكي كماشة؛ مستقبل أولادهم من جهة، وتأمين الأقساط من جهة ثانية. فماذا يقول القانون عن "الدولرة"؟ ما وجهة نظر الأهالي والمدارس؟. وأين وزارة التربية مما يحصل؟.
الطويل: "دولرة" الأقساط غير قانونية بتاتًا
رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة لمى الطويل تستهل حديثها بالإشارة بدايةً الى أنّ "دولرة" الأقساط غير قانونية بتاتًا. تأخذ الطويل على وزراة التربية عدم تدخلها لوضع حد للفوضى السائدة لدى المدارس في تسعير الأقساط ومنعها استيفاء الأقساط بالدولار الأميركي، لا بل على العكس تمامًا ترى الطويل أنّ التعميم الذي أصدره وزير التربية الدكتور عباس الحلبي بتاريخ 30/5/2022 -والذي يحمل الرقم 23/م/2022- هو تعميم مبطّن. صحيح أنه يشكّل عرضًا لبعض المواد القانونية التي ترعى تنظيم الموازنة المدرسيّة في القانون 515/96 وطلب فيه من المدارس الخاصة تحديد نفقاتها في الباب المُخصص لها في الموازنة المدرسية بما يُساوي الحد الأدنى الذي يتطلّبه العمل التعليمي ووجوب حصرها وعصرها، لكنه في مكان ما شرّع باب إمكانية تحديد الأقساط بأية عملة كانت، ما يعني فرض الدفع بالعملة الأجنبية، وهذا الأمر مُخالف للقانون ولنموذج الموازنة المعد من قبل الوزارة بالليرة اللبنانية. وعليه، شرع القانون وأجاز للمدارس الخاصة تحديد أقساطها بالعملة المحلية فقط.
الوزير يهدّد المدارس بمجالس معطّلة عمدًا
وتلفت الطويل الى أنّ تحديد القسط له أصول قانونية بموافقة لجان الأهل وبموازاة التدقيق بالموازنة. هكذا يحدّد القسط، أما بيان وزارة التربية فقد ذكر أنّ المدارس المُخالفة تحوّل الى المجالس التحكيمية التربوية، بمعنى آخر، يهدّد الوزير الدكتور عباس الحلبي المدارس بمجالس معطّلة عمدًا. وفق الطويل، إنها لكارثة اذا كان الوزير لا يعلم ماذا يحصل في المدارس وكيف يتم الضغط على الأهالي لإجبارهم على تسجيل أولادهم عبر الدفع بالدولار.
تحديد القسط من الآن للعام المقبل غير قانوني
لا تُنكر رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة أنّ هناك واقعًا اقتصاديًا موجودًا، ولكن ثمّة مخالفات قانونية جمّة ترتكبها المدارس. إقرار القسط وتحديده من الآن للعام المقبل غير قانوني لأن الموازنات عادة تُعد في الفصل الأول من العام الدراسي، وتوقّع عليها اللجنة المالية في لجنة الأهل. وهنا تشدّد الطويل على ضرورة أنّ تثبت المدارس المتعثرة أنها فعلًا متعثرة عبر القانون اذ يجوز لمصلحة التعليم الخاص أن تضع مدققين ماليين على الموازنات المضخمة، وعندما تطالب أي مدرسة بالدفع بالدولار يجب أن تطلب منها وزارة التربية تقديم قطع حساب لإثبات أنها متعثرة فعلًا، وحينها يساعد الأهل المدرسة قدر الإمكان. والمفارقة -وفق الطويل- أنّ بعض المدارس تطالب بأقساط خيالية تتراوح بين 600 الى 900 دولار ولديها ما يقارب الـ 1500 تلميذ و200 الى 300 أستاذ. وهنا تضيف الطويل: "فلتقل لنا هذه المدارس كيف أجرت الحسبة ومن يراقبها.. للأسف ليس هناك رادع من وزارة التربية للمدارس".
وتوضح الطويل أنّ ثمّة قسمًا من المدارس على درجة من الوعي ما يدفعها الى الابتعاد عن "الدولرة" تفاديًا لفقدان تلامذتها انطلاقًا من علمها المسبق أنّ الدولرة قد تخسرها طلابها فتكون الزيادة ضمن المنطق ومقبولة، وفي المقابل، ثمّة مدارس تعودت أن تجني أرباحًا هائلة ما يدفعها الى فرض الزيادات الكبيرة. وفي هذا السياق، تدعو الطويل وزارة التربية للنظر الى موازنات المدارس اذا ما كانت تحتوي تعويض سحب الرخصة وتصوير استهلاكات واذا كانت موازناتها تقشفية وهي مضطرة فعلًا لفرض زيادات. كما تضيء الطويل على نقطة مهمة، وتسأل: هل هذه المبالغ التي تتذرع المدارس أنها للأساتذة ستذهب فعلًا للأساتذة، وليس كما جرى سابقًا حيث استوفت المدارس زيادات تحت شماعة سلسلة الرتب والراتب وتبين لاحقًا أنها لم تذهب للأساتذة؟ وعليه، الأجدر بوزارة التربية أن تحاسب وتراقب لكنها للأسف باتت طرفًا مع المدارس الخاصة، تضيف الطويل.
وفي معرض حديثها، تلفت رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة الى أننا متجهون نحو تسرب مدرسي كبير جدًا، فالأهل كانوا متعثرين عندما كان الدفع بالليرة اللبنانية حيث زادت الأقساط بين 70 الى مئة بالمئة، وفرضت الزيادات كأمر واقع، فما بالنا اذا أصبح الدفع بالدولار؟! وهنا تشدّد الطويل على أننا كأهالٍ لسنا مغتربين، بل مواطنون لبنانيون نتقاضى رواتبنا وفق الـ1500 ليرة، لكن للأسف المدارس تطالبنا بالدولار، وسط غياب تام للدولة التي يجب أن تساهم قليلًا.
وفي ختام حديثها، تشدّد الطويل على أننا أمام واقع صعب يتطلّب تعميمًا جديدًا من وزارة التربية تضع فيه ضوابط وسقوفًا لأي زيادة وتراقب وتدقّق وإلا ذاهبون الى الانهيار في القطاع التربوي، خصوصًا أن الدولة لم تعطنا الثقة بالمدارس الرسمية.
عازار: "الدولرة" يجب أن تصبح أمرًا واقعًا
أما وجهة نظر المدارس فيعبّر عنها الأمين العام السابق للمدارس الكاثوليكية في لبنان الأب بطرس عازار الذي يترأس حاليًا إدارة إحدى المدارس الكاثوليكية. من وجهة نظر عازار، فإنّ "الدولرة" يجب أن تصبح أمرًا واقعًا، فكل شيء في لبنان بات يسعّر على الدولار وكل المؤسسات تتعاطى بالدولار، فهل يقف الأمر على التعليم فقط؟!
لكنّ عازار في الوقت نفسه يتمنى أن تأخذ الدولة هذا الأمر على محمل من الجد، فجزء من المساعدات التي تعطى بالدولار لوزارة التربية والحكومة اللبنانية يجب أن يذهب للمعلمين لكي يتمكنوا من العيش بكرامة.
ويوضح عازار أنّ وزارة التربية لا تسمح للمدارس بأن تستوفي أقساطها بالدولار لأن القوانين تنص صراحة على التعامل بالليرة، ولكن الرأي العام والمؤسسات على اختلافها لا تتعامل سوى بالدولار. وهنا لا يخفي عازار أنّ ثمة جزءًا قليلًا من المدارس الكاثوليكية اتخذ المبادرة بالدولرة وسار بها، "لكنني كمدير مدرسة عرضت مسألة الدولرة العام الماضي على لجان الأهل وحتى الآن لم أنفذه" رغم أننا نسمع أصوات الأساتذة التي تطالب بأن يكون جزء من رواتبها بالدولار نظرًا للأوضاع الصعبة والرواتب التي لم تعد تكفي، بالرغم من الحوافز التي قدّمت للأساتذة.
ويلفت عازار الى أنّ الأقساط تتبع القانون 515 الذي ينص على الكيفية التي تنظم فيها الموازانات المدرسية (35 بالمئة لتطوير المدرسة والقضايا التشغيلة، و65 بالمئة لرواتب المعلمين). وهنا يلفت عازار الى أنّ 90 بالمئة على الأقل من المدارس الكاثوليكية أعطت ما يفوق الـ65 بالمئة من ميزانيتها كرواتب للمعلمين.