معركة أولي البأس

خاص العهد

لا الصور ولا اللافتات..هذا ما يضرب القطاع السياحي في لبنان
03/06/2022

لا الصور ولا اللافتات..هذا ما يضرب القطاع السياحي في لبنان

فاطمة سلامة

لطالما كان لبنان مقصدًا للسياح يأتون اليه من عدة دول. ولسنوات عديدة كانت السياحة أحد أهم مصادر الدخل. إلا أنّ الظروف الاستثنائية التي مرّ بها البلد من الأوضاع الأمنية جراء الخطر التكفيري في فترة من الفترات، الى الأوضاع السياسية الحرجة مرورًا بالأزمة الاقتصادية والصحية (الكورونا) جعلت وهج السياحة في لبنان يخفت ويتراجع. أما اليوم، ومع رفع القيود التي كانت مفروضة جراء أزمة فيروس كورونا واجتياز الاستحقاق الانتخابي، يجري الحديث عن صيف سياحي واعد ينتظر لبنان. تمامًا كما يجري الحديث عن مليارات الدولارات التي ستدخل الى البلد جراء عودة الروح الى الحركة السياحية. 

إلا أنّ الموسم السياحي الموعود مُهدّد من وجهة نظر بعض الاستشرافيين. وفق قناعات هؤلاء ربما، فإنّ اللافتات الحزبية وصور القادة الشهداء على طريق المطار تشكّل مصدر تهديد قد يدفع بالسائح أو الزائر الى العودة على وجه السرعة من حيث أتى. حسنًا، لنُسلّم جدلًا أنّ هذه الصور "تغيظ" نوعًا معينًا من السياح القادمين من كنف أنظمة تُكن عداء كبيرًا للمقاومة وبيئتها، لكنّها حُكمًا مدعاة فخر لنوع آخر من السياح أو الزائرين. وهنا نسأل أولئك المعترضين اذا كانوا يُفضّلون الابتعاد عن الرموز والشعارات: أين كانت أصواتهم عندما أُطلق اسم "جادة الملك سلمان بن عبد العزيز" على الطريق الممتدة من "ميناء الحصن" إلى "زيتونة باي" في قلب العاصمة اللبنانية بيروت والتي تعد مقصدًا للعديد من السياح؟. أم أنّ هناك رموزًا بسمنة وأخرى بزيت؟. 

والحق يُقال، اذا أردنا أن نضرب الأمثال في هذا الصدد فهي كثيرة، إلا أنه وبعيدًا عن مقاربة الموضوع السياحي من منطلق "القشور" كما يحلو للبعض، لا بد من لفت الانتباه الى أنّ ثمّة أمورًا كثيرة تهم السائح وتساهم في تنشيط السياحة في لبنان. ماذا عن أحوال الطرقات التي بات جزء لا بأس به منها متآكلا جراء غياب الصيانة، فيما وزير الأشغال الدكتور علي حمية يسعى سعيه في هذا الإطار وطريق ضهر البيدر نموذج؟ ماذا عن حال الكهرباء والانترنت؟ ألا تهم هذه الأمور الأساسية أي سائح أو زائر قادم لتمضية فترة نقاهة بعيدًا عن "حرق الأعصاب"؟ 

ماذا عن حال المستشفيات بعد أن كان لبنان "مستشفى الشرق" ومقصدًا للسياحة الصحية؟. ألم تضر أزمة النفايات المزمنة بالسياحة في لبنان؟ ماذا عن صورة نهر النفايات في الجديدة بالمتن والتي وثّقتها عدسة شبكة "سي إن إن" قبل سنوات  لتصل الى العالمية؟. ماذا عن أزمة طوابير البنزين التي تعود الى الواجهة بين الفينة والأخرى؟ ماذا عن أزمة طوابير الرغيف؟ ماذا عن اللاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي وتأجيج الصراعات على الساحة اللبنانية والتي كان للولايات المتحدة الأميركية اليد الطولى فيها؟ ألم تدفع كل هذه الأزمات السائح أو الزائر الى أن يحسب ألف حساب قبل المجيء الى لبنان؟! أم أنّ صور القادة والشهداء التي رُفعت على طريق المطار -والذين لولاهم لما كانت هناك سياحة ولا من يحزنون- هي التي تضرب الموسم وتشوّه وجه لبنان السياحي؟!. 

اللافتات موجودة منذ عام 1992 

الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين يشدّد على أنّ أقوى المواسم السياحية كانت في سنوات 1996، 1998، 2000، 2003، و2004 واللافتات كانت موجودة منذ عام 1992. وفق حساباته، ما يشجّع السياحة هو الاستقرار الأمني والسياسي، الخدمة المميّزة، الأسعار المنافسة المفيدة، وليست طوابير البنزين والخبز والشح في الدواء والمشكلات المتنقلة. أكثر من ذلك، الطريق الساحلي ممتلئ بالكثير من اللافتات والشعارات والصور -يقول ناصر الدين- فلماذا لا نسمع من يطالب بإزالتها؟!. 

قرار "دولرة" القطاع السياحي "قاتل"

من القشور يدخل ناصرالدين الى العُمق. تنشيط السياحة لا يقف عند صور ولافتات. ثمّة قرارات عشوائية اتخذت بلا تخطيط تضر بالاقتصاد وتكون آثارها الاقتصادية والاجتماعية لاحقًا صعبة جدًا. من هذه القرارات، يشير ناصر الدين الى قرار "دولرة" القطاع السياحي الأخير. هذا القرار "قاتل" للقطاع السياحي وللاقتصاد اللبناني على عكس ما يظن البعض. هذا القرار واحد من القرارات التي تُحدث صدمة سلبية للواقع الاقتصادي، فبدل أن يستفيد السائح ويُمضي وقتًا أطول في لبنان فإن تسعير المؤسسات لخدماتها بالدولار وان كان الدفع بالليرة على سعر صرف السوق سيكون له انعكاسات سلبية كبيرة جدًا. من جهة سيدفع السائح الى "تقليل" فترة البقاء في لبنان ما يحرم لبنان من أموال إضافية، ومن جهة أخرى سيكون لهذا القرار ارتدادات سلبية على المقيمين في هذا البلد، فبعد أن يغادر السياح ستحرق نيران الأسعار الناس في بلد لا تزال فيه الرواتب وفق سعر صرف 1515 للدولار الواحد.  وهنا يسأل ناصر الدين: كم تبلغ نسبة من يتقاضون الدولار في لبنان حتى ننشر ثقافة "الدولرة" على القطاعات؟.

لا الصور ولا اللافتات..هذا ما يضرب القطاع السياحي في لبنان

يتحدّث ناصر الدين عن مساوئ "الدولرة" على الاقتصاد اللبناني. وفق قناعاته، بدل أن تكون فعالية "المصروف" السياحي الاقتصادية مضاعفة على الليرة اللبنانية وتعمل على تنشيط  كل القطاعات، سيكون لها ارتدادات سلبية على الاقتصاد. وهنا يسأل: هل من أخذ القرار بـ"دولرة" القطاع السياحي يعلم كم ستبلغ سلبياته؟ ألا ينعكس هذا النهج على المواد الأولية التي تستخدمها المؤسسات السياحية والتي سترتفع أسعارها بشكل كبير؟ هل من أخذ القرار فرض على المؤسسات السياحية إعطاء الرواتب للعاملين فيها بالدولار؟!. هل سيتم دفع التأمينات المطلوبة من القطاع السياحي بالدولار؟ وعلى أي سعر صرف ستدفع المؤسسات ضريبة الدخل؟ يعود ناصر الدين ويكرّر، هذا القرار سيترك تداعيات مؤذية على بقية القطاعات لأنه سيكون مقدّمة لـ"دولرتها" بدءًا من القطاع الطبي والصيدلي والنقل والمواد الغذائية وما الى هنالك. 

ويلفت ناصر الدين الى أنّ انخفاض قيمة العملة المحلية كان سيشكّل محفّزًا لتشجيع السياحة الى لبنان لولا قرار "الدولرة". تركيا نموذج لما تقدّم، حيث شكّلت عملتها المتدنية حافزًا ساهم في تنشيط القطاع السياحي ثلاث مرات. اليونان مثال آخر، فعندما انخفضت عملتها المحلية استفادت من السياحة للتعويض. أما في لبنان، فبدل أن نستفيد من هذا الأمر جرى اتخاذ قرار معاكس غير مفيد اقتصاديًا وعلى كافة المستويات. وبحسب ناصر الدين، لن يستفيد لبنان من هذا القرار الذي سيقلل من وضع القطاع السياحي. ويعرب المتحدّث عن خشيته من أن يكون لهذا القرار أبعاد ترتبط لاحقًا باستغلال ملف الذهب وبيعه في الفساد السياسي، أو بمحاصرة ملف النفط وإفراغه من مفعوله الاقتصادي. 

كما يشير ناصر الدين الى أنّ طرح مشاريع صغيرة من قبيل اللافتات وغيرها يخبئ وراءه مشاريع كبيرة تفرغ لبنان من قوته كبيع الذهب والنفط والغاز. ويرى ناصر الدين أنه اذا تم التراجع عن قرار "الدولرة" قد يكون لبنان على موعد مع دخول مليارات الدولارات هذا الصيف، ولكن قرار "الدولرة" ذو نظرة جاهلة بالوضع الاقتصادي وقاتل وغير مفيد ولا يصب سوى في مصلحة "كارتيل" السياحة لأنه يعطي الحرية للمؤسسات لرفع الأسعار ما سيرتد سلبًا على الاقتصاد برمته.
 

الدولار

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل