خاص العهد
تعويضات نهاية الخدمة تآكلت 95 بالمئة..ماذا عن الحلول؟!
فاطمة سلامة
يقضي الموظّف عشرات السنين من عمره في الكدّ والعمل بانتظار الوصول الى سن التقاعد. يعوّل على تلك اللحظة ليتقاضى فيها تعويضًا يمكّنه من عيش بقيّة عمره بكرامة. البعض يعوّل على هذا التعويض لامتلاك منزل أو حتى لاستثماره في أعمال تجارية. إلا أنّ كل هذه الآمال تبخّرت مع الانهيار الدراماتيكي الذي شهدته الليرة اللبنانية. وعليه، لم تعد تعويضات نهاية الخدمة للموظفين ذات قيمة سواء في القطاعين العام أو الخاص.
التعويضات تآكلت بنسبة 95 بالمئة وفق ما يؤكّد لموقعنا الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين. حسبة بسيطة كفيلة -وفق شمس الدين- بتبيان درجة التآكل. متوسّط هذه التعويضات للموظف في القطاع الخاص كان يوازي نحو 70 مليونًا، أي ما يعادل حينها 47 ألف دولار وفق سعر صرف 1515. أما اليوم فقد بات هذا التعويض يساوي 2000 دولار وفقًا لسعر صرف 35 ألف ليرة للدولار الواحد. الأمر ذاته ينسحب على موظفي القطاع العام وإن كانوا يتقاضون تعويضًا يبلغ متوسطه 200 مليون ليرة. هذا التعويض كان يساوي نحو 133 ألف دولار، أما اليوم فقد بات يساوي نحو 5700 دولار.
هذا الواقع شكّل حسرة كبيرة للموظفين. كثيرًا ما يتحدّث هؤلاء في ما بينهم عما يسمونه غبنًا لحق بهم. ماذا يعني أن يخرج الموظّف من مكان عمله خالي الوفاض؟! ماذا يعني أن يقضي عقودًا من عمره على أملٍ تبخّر فجأة ليذهب تعب نحو 40 عامًا من العمر هباء منثورًا؟! ما يطرح السؤال حول الدور المنوط بالمعنيين لعبه، والحلول المطروحة لتحسين واقع التعويضات المرير خصوصًا أنّ الأوضاع المعيشية والمالية باتت في الدرك الأسفل.
كركي: نعمل على أربعة طروحات لتحسين التعويضات
المسعى الأول
يُبدي المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي أسفه للواقع الذي وصلت اليه التعويضات، لكنّه يشير في المقابل الى أنّ هذه القضية محل متابعة حثيثة من قبل وزارة العمل وإدارة الضمان الاجتماعي. وفق كركي، العمل جار على 4 مسارات للحل. يقضي المسار الأول بدفع تعويضات الضمان وفقًا لسعر منصة السحب بدلًا من 1500 ليرة، ولأجل هذا الموضوع قمنا بزيارات لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لرفع السعر عندما كان سعر المنصة 3900 ليرة، واليوم بات سعر منصة السحب 8000 ليرة. وعليه، كانت المطالبات برفع السعر الى 8000 ليرة، لكن هذا الخيار -ورغم أنه لقي تجاوبًا ووعودًا من الحاكم بمتابعة الموضوع- الا أنّ الأمور تراوح مكانها للأسف حتى اليوم ولم نتمكّن من الوصول الى أي نتيجة في هذا المسعى.
المسعى الثاني
ثمة مسار آخر مهم جدًا نعمل عليه -يقول كركي- منذ سنة كاملة، وهو "مشروع تقاعد الحماية الاجتماعية" الذي أنجزناه قبل أيام في اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة. بحسب كركي، الاجتماعات كانت متواصلة على مدى عام كامل فتوصلنا الى صيغة توافقية لاستبدال تعويض نهاية الخدمة بمعاش تقاعدي مدى الحياة. لكن هذا المشروع ورغم أهميته يحتاج الى الاقرار في الجلسة التشريعية. وهنا يشيد كركي بالخطوة فبعد 20 عامًا بات لدينا مشروع تقاعد جاهز بصيغته النهائية. وفق كركي، بدأ العمل على المشروع عام 2001 وجرت صياغته عام 2004 بشكل نهائي من قبل لجنة تشكّلت بين الضمان ووزارة العمل والهيئات الاقتصادية والعمال، ليقر في اللجان النيابية عام 2022 بعد أكثر من عام ونصف على العمل عليه ليصبح اليوم مشروعًا متكاملًا وجاهزًا للإقرار.
ميزات المشروع
يتحدّث كركي عن ميزة هذا المشروع، فيلفت الى أنّه يقدّم معاشًا تقاعديًا مدى الحياة. ويوضح أنه جرى التعديل في جوهر نظام الرسملة المعتمد للجمع بين الرسملة والتوزيع. وللتوضيح فإن نظام الرسملة في العالم يقوم كعمل المصارف بتجميع الأموال للموظف وإعطائه اياها عند سن الـ64 ، والأموال عبارة عن الفوائد والاستثمارات، ولكن اذا لم يتم التنبه جيدًا للاستثمارات من المحتمل أن تتبخر ويخسرها الموظّف. لذلك -يقول كركي- اشتغلنا على نظام آخر حيث عدلنا في جوهر النظام وأضفنا اليه التوزيع لنجمع بين الرسملة والتوزيع. وعندما يصل الموظف الى سن الـ64 نقسم ما تم جمعه على مدى الحياة، والحسنة في هذا الأمر أن المعاش ينتقل للزوجة والأولاد.
ضمانتان
ووفق كركي، لكي لا نُحمّل مخاطر النظام فقط للأجير، وضعنا ضمانتين في القانون. الضمانة الأولى، تنص على أنّ كل من وصل لسن الـ64 ولديه 15 سنة خدمة يتقاضى 55 بالمئة من الحد الأدنى للأجور. وفي حال كان لديه عدد سنوات أكثر يتقاضى عن كل سنة 1.75 بالمئة ليصل المعاش الى 80 بالمئة من الحد الأدنى للأجور. هذه الضمانة كانت جيدة جدًا سابقًا لمن يتقاضى راتبًا دون المليون ليرة وهم 50 بالمئة من الناس.
أما الضمانة الثانية فهي للرواتب العليا، وقد تستفيد منها الرواتب الدنيا. بموجب هذه الضمانة يتم إعطاء الموظف 1.33 بالمئة عن كل عام، بمعنى من يعمل 40 سنة يأخذ 53 بالمئة تقريبًا من متوسط كل المعاشات يضاف اليها بعض التعديلات ليكون المتوسط مقبولًا.
ويوضح كركي أن أهمية هذا المشروع الكبير أنه فتح المجال لكل اللبنانيين سواء كانوا داخل أو خارج لبنان للانتساب بشكل اختياري للمشروع وليس فقط لمن هم في الضمان. وفق حسابات كركي، يُدخل هذا المشروع مئات الآلاف من الأشخاص الى الضمان اذ يفتح المجال لكل من لديه مهنة للانتساب بشكل اختياري عبر دفع الاشتراكات، لأن التقديمات مربوطة نوعًا ما بنسبة الاشتراكات. وهنا يوضح كركي أن عدد من سينتسب لهذا المشروع كبير جدًا مقارنة بالعدد الموجود حاليًا والبالغ 420 ألف أجير.
جهد جبار وإنجاز ضخم
يؤكّد كركي أنّ ثمة جهدًا جبارًا وإنجازًا ضخمًا بُذل في هذا المشروع الذي قدّم بطريقة عصرية جدًا تلبّي تقريبًا طموحات الجميع. لا يُخفي أنّ المشروع ليس سخيًا كتعويضات الدولة التي تعطي 85 بالمئة من آخر راتب، ولكنه يشير الى أنّه في حال أقر هذا المشروع سيتوجّه من في الدولة اليه.
وعن مدى أهمية المشروع، يلفت كركي الى أن لا وجه للمقارنة بين مشروع تعويضات نهاية الخدمة الحالي والمشروع العتيد. في القديم، متوسط المعاش التقاعدي قليل، ناهيك عن عدم وجود ضمان صحي للمتقاعدين، أما المشروع الحالي فيؤمن معاشًا تقاعديًا وضمانًا صحيًا مدى الحياة.
ويشدّد كركي على ضرورة أن يتم تحديد جلسة تشريعية لإقرار المشروع الذي يحتاج الى حوالى العامين للعمل به ريثما يتم الانتهاء من الأمور اللوجستية لجهة إقرار الأجهزة الجديدة ومجلس ادارة جديد للضمان ولجنة استثمار متخصصة لأن عشرات مليارات الدولارات ستدخل الى الصندوق ما يجعلنا بحاجة الى أجهزة جديدة لمواكبة عملية الاستثمار.
المسعى الثالث
أما المسعى الثالث الذي نعمل عليه -يضيف كركي- فهو حل جاء بمبادرة من وزير العمل حيث تبيّن أن هناك مادة في قانون الضمان تعطي الحق لنا من خلال النظام بتحويل التعويض الى معاش تقاعدي مدى الحياة. لكن -وفق كركي- فإنّ التعويض لا يساوي شيئًا اذا جرى تحويله كما هو، ولذلك كانت الاجتماعات مع منظمة العمل الدولية لاستخراج آليات ودراسات للمشروع الذي سيصدر عن مجلس النواب ليكون الخيار لكل من هم في الضمان إما بسحب تعويضهم أو أخذه كمعاش تقاعدي مدى الحياة مع الاستفادة من العطاءات الموجودة في المشروع.
إلا أنّ هذا الأمر يحتاج -وفق كركي- الى زيادة الاشتراكات قليلًا والتفاهم مع أصحاب العمل. ولهذه الغاية، شكلت لجنة من الخبراء وأنجزت منظمة العمل الدولية الدراسات بهذا الخصوص، فيما نحتاج الى جلسة نهائية للتوافق على الأرقام وعرضها على الهيئات الاقتصادية. وبحسب كركي، اذا كان هناك توافق وتمكنا خلال جلسة مجلس الوزراء من إقرار زيادة طفيفة على الاشتراكات تُحل أزمة من يتقاعد خلال الخمس سنوات القادمة.
المسعى الرابع
ويتطرّق كركي الى المسعى الرابع فيلفت الى أنّه أتى بالتعاون مع وزير العمل ويقوم على تخصيص 100 الى 200 مليون دولار للضمان الاجتماعي من حقوق السحب الخاصة. وفق كركي، يمكن الاستفادة من هذا المبلغ لتعديل التعرفات الاستشفائية وزيادة تعويضات نهائية الخدمة، لكن للأسف لم يلق قبولًا من رئاسة مجلس الوزراء.
لا شيء ملموسًا وعلى الدولة تأمين التمويل
في الخلاصة، يلفت كركي الى أننا نعمل وفق عدة مسارات لتحسين تعويضات نهاية الخدمة ولم نترك بابًا بالتعاون مع وزارة العمل إلا وطرقناه، ولكن لغاية الآن للأسف لا شيء ملموسًا نظرًا للأوضاع المالية الصعبة في البلد خاصة أنّ أسعار الصرف تتغيّر بشكل رهيب. وهنا يشدّد كركي على أننا لا نريد أن نترك المضمونين من جهة، ومن جهة أخرى نحتاج الى تمويل وسط عجز الدولة التي لم تدفع شيئًا للضمان منذ بداية العام ما يحول دون القيام بالتزاماتنا اذا لم تقم الدولة بواجباتها. يوضح كركي أنّ للضمان في ذمة الدولة أكثر من 5000 مليار ليرة. ثمة مشاريع وقوانين تقرها الدولة وعندما نطبقها تسحب يدها من التمويل. الأمور لا يجب أن تستمر بهذه الطريقة يؤكّد كركي الذي يلفت الى أنّ ثمة مشكلة كبيرة بالموضوع المالي في البلد ويجب أن نجد له حلًا لأن الضمان هو الأساس في الحماية الاجتماعية في لبنان.