خاص العهد
خطة 2010..سنوات من العمل: متى تُصبح الكهرباء 24/24؟
فاطمة سلامة
عندما صاغت الحكومة بيانها الوزاري، وضعت في البند الخامس قطاع الطاقة وتحديداً تأمين التغذية الكهربائية 24/24 على رأس "الإصلاحات القطاعية". يتفق الجميع على أنّ هذه النقطة من أهم النقاط الحياتية التي تمس كل فرد في المجتمع. كُثر يسألون ويستفسرون عن الوقت الذي ستُصبح فيه الكهرباء "on" على مدار اليوم، وهو الوعد الذي ينتظرون تحقيقه منذ زمن. ولا داعي في هذا السياق للدخول في معاناة المواطنين التي باتت أشهر "من نار على علم". معاناة يومية باتت قدراً يلاحقهم على الدوام، فيستنزف طاقتهم، ويحرق أعصابهم في الكثير من المواقف. وللأمانة، فقد وُضعت خطط لحظت هذه المسألة، وجعلت الوصول الى تغذية كهربائية دائمة هدفاً أولياً، لكنّ هذا الهدف لم يتحقّق في الوقت المحدد. نذكر في هذا السياق الخطّة التي وضعت عام 2010 تحت عنوان "الخطة الاستراتيجية الوطنية لقطاع الكهرباء"، والتي اعتبرها البعض دستوراً كهربائياً، انطلاقاً من المعالجة المحورية التي تقدّمها لمعظم مشاكل هذا القطاع، إذ اعتبرت بمثابة وثيقة تجسّد خارطة طريق للوصول الى كهرباء دائمة. إلا أنه وبعد سنوات على إقرار تلك الخطة، ثمّة سؤال بديهي يطرحه المواطنون: أين أصبحت كهرباء الـ24/24؟ ولماذا لا تزال ساعات التقنين قائمة؟
قبل الحديث عن الخطة لناحية ما لها وما عليها، لا بد من التذكير بأنها تتكون من عشر مبادرات مترابطة ومتكاملة لتغطية المحاور الأساسية الثلاثة للقطاع: البنى التحتية، المصادر /الطلب، والأطر القانونية. كما تتضمن البرامج التنفيذية لهذه المبادرات مع موازنتها، وطرق تمويلها، وإطارها الزمني التنفيذي. وقد ورد في الخطة حينها أن إلغاء أي من هذه المبادرات أو تأخير تنفيذ بنودها يؤدي حتماً إلى عدم تحقيق الهدف الأساسي: الضرورة الماسة لإنقاذ القطاع الكهربائي للوصول إلى تغذية كهربائية مستدامة، مستقرة وفاعلة نوعاً وكلفة.
هذه الخطة التي أقرها مجلس الوزراء في 21 حزيران/يونيو 2010، والتي اعتبرت "استراتيجية" لحل أزمة الكهرباء، جرى العمل على بنودها ومحاورها، واعتبرت دستوراً ومرجعاً لدى الحديث عن أي خطة لإنقاذ هذا القطاع. على سبيل المثال، خطة الكهرباء الانقاذية لصيف عام 2017، التي أقرت في عهد الوزير سيزار أبي خليل، هي الخطة نفسها التي وضعها الوزير جبران باسيل عام 2010 مُضافاً اليها خطة طوارئ لإنقاذ صيف 2017 لرفع التغذية الكهربائية فيه، كما أنها الخطة نفسها التي تعمل على تحديثها وزيرة الطاقة والمياه الحالية ندى البستاني.
الخطة قائمة مع بعض التحديثات
إذاً، لا تزال خطة عام 2010 حيّة حتى اليوم، ولا تزال قائمة بمختلف بنودها مع إدخال بعض التحديثات عليها بين الفترة والأخرى. ورب سؤال يطرح نفسه: ما الذي تحقّق من هذه الخطة؟ وما الذي ينقصها حتى تُحقّق هدفها الاستراتيجي المتمثّل بكهرباء 24/24؟.
تُرجّح معلومات لموقع "العهد الإخباري" أنّ تطرح الوزيرة البستاني خطة الكهرباء المحدثة على طاولة جلسة مجلس الوزراء في حال عُقدت الخميس المقبل، وذلك بناء على الوعد الذي قطعته في الجلسة الأخيرة بأن الخطة ستكون جاهزة خلال أسبوعين. وفي هذا الصدد، توضح مصادر على اطلاع على واقع قطاع الكهرباء والخطة التي يُعمل على تنفيذها منذ تسع سنوات، توضح لدى سؤالها عما تحقّق من الخطة حتى الساعة أننا لا نستطيع وضع نسبة لما نُفّذ لغاية تاريخه، فعندما نتحدّث عن خطة قطاع الكهرباء، فإننا نتحدّث حكماً عن خطة كاملة ومتكاملة. وبناء على هذا الأمر، فإذا أنجزنا مهمة شبكات النقل والتوزيع ولم ننجز مهمة المعامل، فإنّ الكهرباء حكماً لن تأتي، والعكس صحيح. برأيها، هناك عدة خطوات تنفيذية لا بد من تحقيقها لتحقيق الهدف العام بتغذية كهربائية على مدار اليوم.
65 بالمئة من الخطوات التنفيذية قد أنجزت
تعود المصادر لتؤكّد أنّ وضع نسبة لما تحقق من هذه الخطة، هو أمر غير محبّذ، لكن وإن كان لا بد منه، فإنّ أكثر من 65 بالمئة من الخطوات التنفيذية قد أنجزت، مع ضرورة الالتفات الى أنّ الكهرباء الدائمة لن تتحقّق إذا لم ننجز الخطة من ألفها الى يائها، فكل تفصيل يؤخّر هذا الهدف.
وتلفت المصادر الى أنّ الحكومة ما قبل الحالية لم تُهمل هذا الملف، فبقيت حتى آخر جلسة تُعبّد الطريق أمام تنفيذ الخطة. ففي الجلسة الأخيرة التي عقدت بتاريخ 21 أيار 2018، أقرت الحكومة 13 إجراء يتعلّق بالقطاع الكهربائي. تغوص المصادر أكثر في ما تحقّق من خطة عام 2010 فتوضح أنّ وزارة الطاقة والمياه وبتمويل مباشر من الدولة دشّنت في تموز 2017 معملي الذوق الجديد والجية ما زاد التغذية 3 ساعات إضافية. كما أعادت تأهيل معمل رشميا ودير عمار القديم حيث حوّلته من مظلة التمويل العام الى تمويل عبر القطاع الخاص وهو يحتاج عامين ليصبح على الشبكة.
أما فيما يتعلّق بمعملي "سلعاتا" و"الزهراني" اللذين يخضعان لتمويل من القطاع الخاص، بحسب الخطة، فسيتم إطلاق مناقصة إنشائهما حالما تتوفر الظروف بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية IFC، الجهة الاستشارية التي ستعاون الدولة اللبنانية في ادارة المناقصات ووضع دفاتر الشروط، كما أنها ستقوم بمهام أخرى كثيرة. وبحسب المصادر، فإنّ قدرة كل معمل تبلغ 600 ميغاوات، إلا أننا نحتاج حكماً الى حوالى 3 سنوات ليصبحا على الشبكة بعد إتمام المناقصة.
ترفض المصادر كل ما قيل ويقال عن تقاعس في تنفيذ الخطة الاستراتيجية لقطاع الكهرباء. وفق قناعاتها، فإنّ النظر الى ما تحقّق خير دليل على أن العمل لم يتوقّف، رغم بعض العراقيل أحياناً والظروف التي عرقلت الاسراع بتنفيذ الخطة. وهنا تروي المصادر ما حصل سابقاً لجهة عرقلة إحدى المناقصات وتفشيلها، والدفع باتجاه تجاوز قانون المحاسبة العمومية الذي يعطي كهرباء لبنان حق إجراء المناقصات، ما أدى الى تطييرها. فيما يطالب البعض اليوم بالذهاب مباشرة الى تلزيم شركة "سيمنز" الالمانية على قاعدة التلزيمات بالتراضي، مستغربةً المصادر ازدواجية المعايير التي تسمح للبعض بتجاوز القانون.
خيارات بديلة
بعد كل هذا العرض الذي تقدّمه المصادر، تؤكّد أن الخطة تحتاج بعض الوقت لناحية جهوزية المعامل والتي يحتاج بعضها الى حوالى 3 سنوات، ما يضعنا أمام عدة خيارات لرفع ساعات التغذية الكهربائية، فإما أن نترك المواطن لخيار المولدات، أو نذهب الى بدائل أخرى منها استجرار الطاقة عبر سوريا، مصر، الأردن، أو حتى استجرار الطاقة من البواخر. وبحسب المصادر فإنّ معيار "الأرخص سعراً والأفضل نوعاً" هو ما يحسم هذه الخيارات.
بيضون..لاحترام القانون
المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون ينوّه بخطة العام 2010 لو جرى "احترامها" -حسب تعبيره-، وتنفيذ ما تضمنته كما يجب. فهذه الخطة كانت الأساس لضخ الحياة في قطاع الكهرباء، لكنّ المشكلة الأساسية -برأي بيضون- والتي عرقلت حصولنا على كهرباء 24/24 هي عدم احترام القانون لجهة تطبيق القانون رقم 462 الصادر عن مجلس النواب، وتشكيل مجلس إدارة لقطاع الكهرباء مكتمل المواصفات وهيئة ناظمة تعبّد الطريق أمام إعطاء الأذونات والتراخيص لخصخصة الإنتاج. من وجهة نظره، فإنّ الوقت الذي استغرقته تنفيذ الخطة كبيراً، ولو طبّقنا القانون لكنا اليوم ننعم بكهرباء على مدار اليوم.