خاص العهد
دول على لائحة الانهيار من بينها لبنان.. خيارات الانقاذ
حسن شريم
مما لا شكّ فيه أنّ الأزمة الاقتصادية في لبنان هي الأعمق والأكبر في تاريخه وذلك نتيجة للسياسات الخاطئة التي مُورِست منذ عقود وحتى اليوم في ظلّ انبطاح البعض أمام الخيارات الأميركيّة والسياسات الضاغطة على لبنان، والتي تهدف إلى إفقار اللبنانيين وتجويعهم لتصل المواصل إلى محاربتهم برغيف خبزهم وقوت يومهم، فعادت الطوابير وسط "تفلّت" لأسعار المحروقات ناهيك عن الأسعار الخياليّة للمواد الغذائية "الفالتة من عقالها" دون حسيب أو رقيب، ليتحضّر لبنان للدخول في نفقٍ مظلم دون معرفة المصير.
الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله أشار في خطابه الأخير إلى ما ذكرته دراسات وتقارير دوليّة حول لائحة من 69 دولة على حافة الانهيار هذه السنة. هذه التقارير لفتت إلى أنّه من جملة هذه الدول لبنان والأردن ومصر وتونس والبحرين، فيما بدأت بعضها ببيع ممتلكات وأصول الدولة.
ناصر الدين: الغرب يتخبّط في مشاكله الاقتصادية ولا يقوى على مساعدة لبنان
واقعٌ مرير ومذل يطرح العديد من التساؤلات حول مسار الوضع الاقتصادي اللبناني وكيفيّة مواجهة سياسة أميركا التدميرية والخانقة للبنان وشعبه. الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ هناك مجموعة دول في العالم هي على حافة الانهيار المالي ومن ضمنها لبنان وبعض الدول العربيّة المطبّعة والتي انعكس تطبيعها سلبًا عليها بشكلٍ كبير، والدليل عدم تحكّم تلك الدول بسيادتها الاقتصادية وعدم امتلاكها لقرارها الاقتصادي الحر لأنّ الأولوية هي مصلحة "إسرائيل" ثم مصالح تلك الدول.
ولفت ناصر الدين إلى أنَّ هناك دولًا اهتزّ اقتصادها نتيجة جائحة كورونا، ونتيجة الكساد الاقتصادي العالمي، والحرب الروسية الأوكرانية، والوضع المتأزّم في أوروبا، وأيضًا نتيجة عدم القدرة على استيراد بعض المواد مثل القمح والسكر وموارد أخرى التي توقّف تصديرها من الهند وسريلانكا ومن دول في وسط آسيا؛ كلّها أمور تسببت بكساد اقتصادي انعكس سلبًا على اقتصاد العالم وبالتالي أدّى إلى خللٍ عالمي بالأمن الغذائي العالمي.
وأكّد ناصر الدين أنّ هذه التبدّلات تحتّم على الدول حماية نفسها على مستوى الأمن الغذائي والاجتماعي، وأيضًا حماية نفسها على مستوى مصادر الطاقة، وتحديد الهوية الاقتصادية لكلّ بلد نتيجة التغيّرات العالمية والنظام الاقتصادي الجديد الذي بدأت تُرسم معالمه نتيجة الوضع العالمي المتأزم الذي نشهده اليوم.
ناصر الدين رأى أنّ مجمل التغيّرات التي تحصل تشير إلى أنَّ خيارنا الاقتصادي الذي كان وفق سياسة أميركا والغرب والذي يضعنا أمام خيار الانهيار أو التطبيع هو فاشل وساقط وغير دقيق، ولا أحد من دول الغرب يمكنه أن يساعد لبنان اليوم لأنّها هذه الدول تتخبّط في مشاكلها الاقتصادية ولا تقوى على مساعدة الغير.
وإزاء هذا الوضع، شدّد ناصر الدين على أنّه لا بدّ من التفتيش عن خيارات أخرى تقوّي عزيمتنا على الصمود خاصة على صعيد الأمن الغذائي والاجتماعي وبالتالي الاقتصادي، فمثلًا اليوم في أزمة الطحين تبيّن أنّ لبنان يمكنه إستيراد القمح والطحين من روسيا وإيران وغيرها، إلاّ أنّه مفروض على لبنان أن يتعامل مع دول محدّدة دون الذهاب إلى خيارات أخرى للبقاء بالفلك الغربي، وفي منحى اقتصادي يجعل لبنان رهينة لتلك الدول وفي نطاق رحمتها.
وفي ظلّ اشتداد الأزمة الاقتصادية العالمية، يرى ناصر الدين أنّه لدينا خيارات تجعلنا نقلّل من الخسائر بعكس ما يريده الفريق الآخر والذي يأخذ بلبنان إلى المذلّة والجوع؛ فاليوم هذا الفريق يرفض كلّ الخيارات من الشرق، يرفض عروض الصين وروسيا، وعرض القمح من إيران، خاصّة أنّ الأخيرة لم تقدّم عرضها من عبث بل لأنّها تعلم أنّه يُسجّل للبنان انهيارًا مخيفًا على مستوى الأمن الغذائي، ولكي لا يصبح في دائرة خطر المجاعة.
توقيت الانهيار في لبنان ومؤشراته
وفي السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي ناصر الدين أنَّ أمام لبنان من ستة إلى ثمانية أشهر للانهيار التام إذا ما بقيت السياسات على ما هي عليه اليوم، وفي ظل تعنت الفريق الآخر في لبنان برفض كل العروضات التي يتلقّاها البلد، لافتًا إلى تصريح لمساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد هيل في مقال له في موقع "ويلسون سينتر" منذ يومين، بأنّ "لبنان مُقبل على حالة من الشلل التام ويجب على الولايات المتحدة الأميركية أن تتحضر لمرحلة الانهيار الكبير في لبنان"، وما سيساهم بهذا الأمر هو ما حصل بالأمس في جلسة مجلس الوزراء حيث لم تقدّم الحكومة خططًا إصلاحية بل عمدت إلى تقديم "خطة خسائر" ومن ثم الاتجاه لصندوق النقد الدولي من دون تقديم خيارات استراتيجية مفيدة، وهذا مرتبط بالسياسات الأميركية.
ناصر الدين: المقاومة هي مشروع المواجهة الاقتصادي والاجتماعي
وأفاد ناصر الدين أنَّه من الممكن معالجة الوضع الراهن باتخاذ قرارات جريئة فيما يتعلق بموضوع النفط والغاز، وتلزيم شركات أخرى منافسة للشركات الموجودة اليوم والتي مُدّد لها بالأمس دون قيد أو شرط.
واعتبر أنَّه أصبح واضحًا بشكل لا لبس فيه بأنّ المقاومة هي التي ستكون مشروع المواجهة الاقتصادي والسياسي، بعيدًا عن تناحر السياسيين بالداخل، لأنّ الوقت يداهم لبنان أمام الحصار الاقتصادي الكبير القادم والذي يفرض شروطه بكل الاتجاهات والقطاعات، من النفط، القمح، الفيول، الغاز، المازوت، الكهرباء، إلى مرافق الدولة... وتساءل "هل المطلوب اليوم بيع مرافق الدولة أمام المساعدات الخارجية؟".
مرحلة حساسة.. لبنان أمام خيارين
وبحسب ناصر الدين، أنّنا في مرحلة حساسة في تاريخ لبنان، واليوم نحن أمام خيارين لا ثالث لهما، خيار الانهيار المخيف وخيار الحد من الانهيار والانطلاق بالبناء الفعلي وهو ما طرحه سماحة السيد حسن نصرالله، وهذا ما يحاول الفريق الآخر محاربته خوفًا من تغيير الهوية الاقتصادية اللبنانية بما يجعلها تتعارض مع خطط التطبيع مع العدو "الإسرائيلي".
وختم ناصر الدين بالقول إنّ "الاقتصاد اللبناني مقوّض، وكل من يأتي من الغرب ينظر إلى لبنان بعين "إسرائيل" في موضوع الاقتصاد والنفط والغاز".